مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3412 - 2011 / 6 / 30 - 19:04
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اللاسلطوية ( الأناركية ) كما نراها
الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) – بريطانيا
مقدمة
العالم الذي نعيش فيه عالم غير معقول ( لا يخضع للعقل ) . حيث يجوع الملايين في العالم الثالث بينما يراكم المجتمع الاقتصادي الطعام الذي لا يجد من يشتريه . يستخدم قادة العالم العنف لتعزيز السلام . تقاتل الشعوب الصغيرة جيرانها في سبيل أجزاء صغيرة من الأراضي . تضع الحكومات المكاسب قصيرة الأمد قبل الحفاظ على موارد الكوكب . تكدح الغالبية العظمى من العالم من أجل البقاء بينما تعيش قلة صغيرة في ترف بلا حدود . الفقراء مضطهدون في كل مكان من العالم , بينما يواجه النساء و السود اضطهادا و صعوبات إضافية .
في مواجهة هذا الجنون تقترح الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) عالما مختلفا بالكامل . عوضا عن النهب ندافع عن التعاون . و يجب استبدال الفقر المصطنع بالوفرة للجميع . يجب أن نعيش في تناغم مع الكوكب , لا ضده . نظام الحكومة و الاستغلال الذي اعتبر بديهيا يجب التخلص منه . إن عالما أفضل ممكن . نريد هنا أن نشرح ما هو البديل الشيوعي اللاسلطوي ( الأناركي ) , فعوضا عن أن يكون مجرد حلم طوباوي , إنه في الواقع يقدم أفضل حل ممكن , عقلاني و عاقل لمشاكل العالم .
1 – نظام عفن
نعيش في عالم غني و مزدهر . عندما تفكر في الفقر في هذا العالم يبدو من الصعب تصديق أنه يوجد هناك أكثر مما يكفي للجميع . ينتج من الغذاء ما يكفي في الواقع ليطعم كل العالم 3 مرات أكثر مما هو عليه الآن . لكن ما يزال هناك أناس لا يحصلون على هذا الغذاء , بينما يستطيع البعض إنفاق الملايين على الحفلات و المآدب لأصدقائهم الأثرياء . حقيقة أننا نعيش في عالم تسيطر عليه طبقة واحدة شيء واضح لكل شخص . لكن ما الذي نعنيه بالطبقة ؟ بأبسط ما يمكن , هناك طبقتان : أولئك الذين يلعبون دورا رئيسيا في السيطرة على ثروة و موارد العالم , طبقة السادة الرأسماليين و أولئك الذين عليهم أن يعملوا أو أن يحصلوا على المعونات لكي يبقوا على قيد الحياة , أي الطبقة العاملة .
النظام الطبقي هو جزء ضروري و أساسي من النظام الاقتصادي الذي يؤثر على حياة كل شخص بسيط في العالم . يسمى هذا النظام ب"الرأسمالية" و رغم أنه يغير شكله من وقت لآخر , فإنه قد أصبح القوة المهيمنة في المائتي سنة الأخيرة . ذات قدرة عالية على التكيف , و فاسدة و تمتد لتشمل لكل شيء في نفس الوقت فإن الرأسمالية ترى من قبل كل شخص تقريبا على أنها طبيعية و حتمية . لكن الأمر ليس كذلك .
رغم أن الرأسمالية نظام عالمي للاستغلال و اللصوصية حيث تعمل الشركات متعددة الجنسيات في كل مكان , فإن أساسه بسيط جدا . حيث ينتج الثروة في الأساس الناس الذين يستخدمون الأدوات ليحولوا المواد الخام المأخوذة من الطبيعة . فقط لكي يبقوا على قيد الحياة يجبر العمال على أن يبيعوا عملهم ( ما يسمى "بعبودية العمل المأجور" ) و ذلك بسعر السوق . في أثناء عملهم يصنع العمال البضائع التي هي جزء من الحياة اليومية و يوفرون الخدمات . لكن المكافأة التي يحصل عليها العمال بشكل أجور أقل من قيمة المنتجات و الخدمات التي أنتجوها .
الفرق في القيمة بين ما أنتجه العمال و ما يكسبونه هو أساس الربح الذي يذهب إلى الرأسمالي . بهذه الطريقة يتعرض العمال في كل مكان للسرقة من حصتهم في موارد الأرض و من قيمة عملهم . بهذا المعنى فإنهم يتعرضون للاستغلال . من خلال تجميع قيمة ( فضل قيمة – المترجم ) عمل ملايين العمال , يزيد الرأسماليون من ثروتهم و قوتهم .
الرأسمالية هي نظام للمنافسة الشديدة ( العنيفة ) و هي نظام غير مستقر إلى حد كبير . تقود الرأسمالية إلى أزمات اقتصادية متكررة يمكن فيها للرأسماليين فقط أن ينجوا ( يبقوا ) على حساب العمال . عندما تتراجع الأرباح , يطرد العمال , و تتشكل حالة من البطالة الجماعية التي هي ميزة واسمة لحياتنا اليوم .
تنتج الرأسمالية الأشياء مقابل الربح عوضا عن أن تفعل ذلك في سبيل الحاجة ( لتلبية الحاجات ) . لذلك عوضا عن أن تنتج عددا قليلا من المنتجات المفيدة , تحاول الشركات باستمرار أن توسع عدد منتجاتها في سبيل الربح . لذلك نجد في الأسواق المركزية ( السوبرماركت ) دزينات من مزيلات الروائح , معاجين الأسنان , بودرة الغسيل . الأسواق المركزية ( سوبرماركت ) مثل تيسكو , سينسبري و أسادا جمعها تبيع نفس المنتجات تقريبا و لجميعها نفس الحافز : أن تجعل المستهلكين يشترون بضائعها . عوضا عن أن تهتم بتوفير الأشياء الضرورية لبقائنا فإنها تهتم فقط بجني الأرباح . لا يكفي أن تكون جائعا , يجب أيضا أن تملك المال و سيفضل صانعو الأرباح ترك الطعام يتعفن من أن يطعموه للجوعى و الفقراء ( مجانا – المترجم ) .
هذا يصبح صارخا ( واضحا ) أكثر عندما تكنز دول المجموعة الأوروبية جبالا من اللحم و الزبدة و الحبوب بينما تضرب المجاعة الرهيبة أجزاءا كبيرة من أفريقيا . في هذا السياق فإن كل الأفعال الخيرية غير ذات أهمية . إن خلق جبال الغذاء هو نتيجة للنقص المفروض , الذي يعني في السوق , أسعارا أعلى و أرباحا أكثر . يفضل بيروقراطيو المجموعة الأوروبية رمي جبال الغذاء هذه في البحر عن أن يهددوا الربحية أو الأرباح . هذا الشيء يحدث في كل العالم .
بحثا عن الأرباح انتقلت الرأسمالية إلى عصر الاستهلاك . يطلب إلينا أن نشتري و نشتري و نشتري . حتى الأطفال ليسوا آمنين من المعلنين الذين يقتحمون بيوتنا و يغطون كل بقعة متاحة بلوحات إعلاناتهم و شعاراتهم و شارات متاجرهم . لا تستطيع الصحف و المجلات البقاء ما لم تحشى بالإعلانات . بمساعدة المصادر التكنولوجية الهائلة تخلق الرأسمالية منتجات جديدة تتفوق على السابقة . انظر فقط إلى تغير تكنولوجيا الكاميرات على مر السنين . إن أعجوبة السنة الماضية التكنولوجية قد أصبحت لاغية اليوم . علينا أن نشتري آخر منتج , أفضل منتج .
نزعة استهلاكية كهذه لا تقتصر على البلدان الغربية "المتقدمة" . حتى أفقر المدن الأفريقية تغطيها الإعلانات التي تحث الناس على شراء منتجات غير نافعة و حتى خطيرة . لكنها الطبقة العاملة في العالم الثالث هي التي تعاني أشد من غيرها بسبب الرأسمالية العالمية , بينما تحصل الطبقة الحاكمة هناك على نصيبها من الثروة . فمواردها منهوبة – انظر إلى قتل الغابات المطرية - , و يجبر عمالها على الحياة بمستوى يسمح لهم فقط بالبقاء على قيد الحياة . أجزاء كثيرة من أفريقيا لا تستطيع أن تطعم شعوبها , لكنها تزرع الغذاء لغايات التصدير . أصبح جنوب شرق آسيا مكان العمل الشاق للعالم و مبغى العالم في نفس الوقت . في كل مكان , تخترق الرأسمالية كل جوانب الحياة . الكوكا كولا و سندويشات همبرغر ماكدونالد هي رموز حقيقية "للنظام العالمي الجديد" .
2 – السيطرة الاجتماعية
نتيجة للحياة في ظل نظام كهذا , يصاب كثير من العمال بالحيرة ( التشوش ) بشكل طبيعي , لدرجة أو أخرى , في معظم الوقت . للحفاظ على السلام و النظام في المجتمع , ظهرت مجموعة كاملة من الأساليب للسيطرة على البشر . أكثرها قوة هي الدولة , مع ذلك توجد تقنيات السيطرة الاجتماعية في كل مستويات المجتمع .
تعمل الدولة متحالفة مع الرأسمالية , التي تتقاسم معها كثيرا من المصالح المشتركة . تقدم الرأسمالية للدولة نظاما اقتصاديا يمولها من خلال الاستغلال . الدولة بدورها توفر نظاما يسمح للرأسمالية بالقيام بأعمالها بشكل جيد . في بلدان مثل الصين , كوبا , كوريا الشمالية , الخ , فإنهما تندمجان في نظام واحد , إن أفضل وصف له هو "رأسمالية الدولة" .
الدولة هي في الأساس نظام للعنف المنظم للحفاظ على هيمنة الطبقة الرأسمالية الحاكمة . لكن النظام أفضل ما يحقق من خلال قبول الناس , أكثر منه من خلال القوة العارية ( المباشرة ) . بالنتيجة , تحتوي الدولة المعاصرة على عناصر تهتم بمحاولة جعلنا نفكر بطرق معينة و نتصرف كمواطنين مطيعين . للدولة أيضا وجه لطيف ظاهريا في أنها توفر منافع رفاهية يفترض أن تكون لمساعدة الفقير , المريض و المتقدم بالسن .
عبر أساليب الحكومات التي تعمل داخل النظام البرلماني و الخدمة المدنية , تسيطر الدولة على عملياتها . القوات المسلحة , م آي 5 ( اختصار للمخابرات العسكرية البريطانية , القسم أو الفرع 5 – المترجم ) , م آي 6 ( المخابرات البريطانية الخارجية – المترجم ) , قوة الشرطة , المحاكم و السجون , جميعها تعمل لتسيطر علينا جسديا ( ماديا ) . إنهم عملاء وحشيون ( قساة ) يوقعون العقاب بنا إذا حاولنا مناقشة "حقهم" في حكمنا . إن الدولة و قوات القمع التابعة لها ليست محايدة بأي حال من الأحوال و تعارض بقوة النضال في سبيل التحرر .
دولة الرفاه , منظومة المدارس و العمال الاجتماعيين , الخ , يبدو أنهم جميعا يحملون مصالحنا في قلوبهم . لكنهم في الواقع أشكال مختلفة و أكثر تخفيا فقط للسيطرة أو أنها قد أصبحت ضرورية لأسباب اقتصادية .
توجد الخدمة ( الرعاية ) الصحية أساسا للحفاظ على قوة عمل جيدة الصحة لكن فقط للدرجة التي يحتاج فيها النظام إلى عمال أصحاء ليعملوا . تناول الكحول و السجائر سببان هامان للمرض , لكنهما يمنحان للدولة قدرا كبيرا من المال بشكل ضرائب . و لذلك لم تكن هناك أية محاولة جدية لتقويض ربحية هاتين الصناعتين . الأرباح تأتي قبل الصحة .
بشكل مشابه , فإن منظومة التعليم , بطريقة أكثر وضوحا , تنظم لتؤمن قوة عمل يمكن أن تقرأ و تكتب و تقوم بالحسابات الأساسية , إضافة إلى تعلم كيف تطيع الأوامر و تقبل السيطرة من الأعلى . يملأ المعلمون رؤوس تلامذتهم الصغار بالأفكار المقبولة من طرف الطبقة الحاكمة .
هذه الأفكار تعززها وسائل الإعلام الجماهيرية بما في ذلك التلفزيون , الراديو , صناعة الأفلام , و المجلات . يقومون فيم بينهم بخلق منظومة أفكار تعرف عادة ب"الحس ( الرأي ) العام" . الحس ( الرأي ) العام هي منظومة القيم الدارجة للطبقة المستغلة التي تقف في مواجهة الطبقة العاملة . هكذا فإن القومية , الدين , الوطنية , العنصرية و التمييز الجنسي التي تضعف من تضامن الطبقة العاملة تصبح شائعة بين الطبقة العاملة ذاتها .
كل هذه العوامل تساهم في الوهم بأن هناك حرية , عدالة , مساواة و ديمقراطية بينما تقوي في الحقيقة قبضة الرأسمالية و الدولة . خذ "الديمقراطية" كمثال . أيا كان الحزب الذي "يربح" الانتخابات العامة , فإن الرأسمالية و الدولة تبقيان بمنأى عن أي تأثير أو تغيير إلى حد كبير . ستبقى الطبقة العاملة عرضة للاستغلال و الاضطهاد و سيحتقظ الأغنياء و الأقوياء بامتيازاتهم . بما أن حزب المحافظين منخرط بشكل أكثر مباشرة في إقامة الهيمنة , فإنه في موقع أفضل للنجاح في الانتخابات . أما حزب العمال , حتى عندما يعطى فرصة الحكم , فإنه يتصرف مثل عميل أليف للرأسمالية .
خارج الدولة توجد منظمات تدعي تمثيل مصالح الطبقة العاملة بينما تساعد في حقيقة الأمر في الحفاظ على منظومة الاضطهاد و الاستغلال . النقابات هي أمثلة على هذه المنظمات . أولا إنها تضعف أي إحساس بالهدف و التضامن داخل المعامل و الصناعات بتقسيم العمال حسب مستوى مهارتهم . هذا يؤبد الاختلافات في الدخل و الوضعية ( الاجتماعية ) داخل الطبقة العاملة و يخلق "أرستقراطية عمالية" . ثانيا تنظم النقابات غالبا على أساس الصناعات و بهذا فإنها تقسم النضال . كم مرة كسرت الإضرابات في صناعات مختلفة , فقط لكي يستفرد بها واحدة تلو الأخرى ؟
النقابات هي أيضا منظمات بيروقراطية ذات مصالح منفصلة عن مصالح العمال الذين تدعي قيادتهم . يريد أعضاء النقابات أن ينتصروا في الإضرابات , يريد قادة النقابات أن يحافظوا على نمط حياتهم المريح . عندما يتعارض هذان الاثنان , يتعرض العمال للخيانة . بيروقراطيات النقابات منخرطة بشكل عميق في الرأسمالية من خلال استثماراتها , ملكيتها الخاصة , الخ .
كل عملية التفاوض بين النقابات و الإدارة ( التي تعرف بالمفاوضة الجماعية ) تخدم فقط في أفضل الأحوال حصول العمال على بعض الفوائد الإضافية بينما تحافظ على منظومة الاستغلال سليمة .
على مستوى آخر تتصرف العائلة كعدو هام جدا في أيدي من يسيطرون علينا . يتعلم الأطفال غالبا من آبائهم ( كما فعلوا هم من آبائهم أيضا ) أفكار سيطرة الذكر , العنصرية , الوطنية و ضرورة الهيمنة و الخضوع . الطرق التي يقدم فيها الناس لبعضهم البعض تعزز غالبا من هذه المظالم الفردية التي يجب تحديها .
3 – تغييرها كلية
عندما تكون قد قرأت كل ما سبق قد تكون الآن تتساءل ما الذي يمكن فعله للإطاحة بأنظمة السيطرة و الاستغلال التي تسيطر على كل جانب من حياتنا . هل التغيير ممكن حقا ؟
الجواب هو نعم بالتأكيد ! توجد الدولة و سائر المنظمات ( التنظيمات ) القمعية بالتحديد لأن هذا التغيير ممكن . إن النظام الرأسمالي في حالة دائمة من الأزمة . لدرجة ما فإن الصيرورة ( الحركة ) المستمرة من الازدهار و الركود هي جزء من كيفية عمل الرأسمالية التي تساعدها بتأكيد البقاء للأصلح فقط . من جهة أخرى فإنها تعني عدم الاستقرار الدائم و احتمال قيام انتفاضات العمال مع تزايد فشل الرأسمالية في الوفاء بوعودها .
كانت بريطانيا في الثمانينات و التسعينيات تتميز بانتفاضات محلية دورية ضد الشرطة , و البطالة , ضد الملل و ضريبة الفرد . لكن هذه محدود مقارنة بما حدث في الماضي و ما يمكن أن يحدث في المستقبل . داخل هذه العملية من التغيير الاجتماعي الراديكالي تقع الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) . لكن ما هي الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) ؟
باختصار ( سنشرحها أكثر في الفصل التالي ) , يريد الشيوعيون اللاسلطويون ( الأناركيون ) أن يروا تدمير النظام الحالي الذي يخدم الغني و القوي . نريد خلق عالم ينظم لتلبية الحاجات الأساسية لكل البشرية , حيث تعود كل منتجات عمل الجميع للجميع ( أي الشيوعية ) . نريد أيضا أن نرى إلغاء سلطة الطبقة الحاكمة . ستتم السيطرة على المجتمع من قبل جميع البشر من خلال منظماتهم الخاصة ( اللاسلطوية أو الأناركية ) . لكن أليس هذا كله حلم جميل ؟
إرث الطبقة العاملة
ليست اللاسلطوية ( الأناركية ) نتاج عقول بعض المفكرين الذين لا تواصل بينهم و بين الجماهير العريضة من البشر . إنها تنشأ مباشرة من نضالات العمال و المضطهدين ( بفتح الهاء ) ضد الرأسمالية , من حاجاتهم و كل رغباتهم غير المتحققة للحرية , و للمساواة , للسعادة و الإشباع الذاتي . في الماضي في كل مكان حدثت فيه الثورات ضد السادة , ظهرت الأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) و أشكالها للتنظيم , و لو لبعض الوقت فقط , غالبا دون أن تسمي نفسها لاسلطوية ( أناركية ) .
في الثورة الانكليزية للقرن 17 , فإن جماعات مثل المساواتيين ( مجموعة سياسية ظهرت أثناء الحرب الأهلية الانكليزية دعت إلى المساواة و إلى التسامح الديني – المترجم ) , المفرطين ( المفرطون في الكلام هو الترجمة الحرفية لهذه الفرقة المسيحية التي ظهرت في القرن 17 و اعتبرتها الكنيسة فرقة مهرطقة , دعوا إلى وحدة الوجود و أعلنوا ان المؤمن متحرر من كل قيد تقليدي و أن الخطيئة نتاج للمخيلة فقط و أن الملكية الخاصة خاطئة , اعتبرتهم الحكومة يومها تهديدا للنظام الاجتماعي – المترجم ) , الحفارين ( مجموعة من الشيوعيين البروتستانت الانكليز الزراعيين , دعوا إلى المساواة و إلغاء الملكية الخاصة , ظهرت في القرن 17 – المترجم ) طوروا فكرة الحرية , المساواة و العدالة . أما أثناء الثورة الفرنسية فإن العمال و الحرفيين الذين طوروا وعيهم الطبقي الخاص بدؤوا بتطوير الأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) ( الغاضبون ) . في كومونة باريس عام 1871 خلق العمال الفرنسيون في الواقع تنظيمات السلطة الجماهيرية التي تحدت النظام القديم لفترة محدودة من الوقت قبل أن يجري إغراقها في الدماء . في الثورات الروسية لعامي 1905 و 1917 طور العمال و الفلاحون بنى شبيهة لتلك من السلطة الديمقراطية المباشرة مثل مجالس العمال و لجان المعامل . ليس لهذا بالمناسبة أي علاقة باستيلاء البلاشفة على السلطة في أكتوبر تشرين الأول 1917 . بنفس الطريقة أقام العمال في الثورة الهنغارية لعام 1956 مجالس العمال عندما واجهوا مضطهديهم "الشيوعيين" . في أيام مايو أيار من عام 1968 في فرنسا تم الاستيلاء على المعامل و الجامعات و في كثير من الحالات أديرت هذه وفق قواعد قريبة من القواعد اللاسلطوية ( الأناركية ) .
من حركات العمال ( الشغيلة ) هذه تطورت اللاسلطوية ( الأناركية ) كقوة بين أكثر العمال وعيا طبقيا . بدأت في القرن 19 في الأممية الأولى , حيث ظهر تيار لاسلطوي ( أناركي ) متمايز , تحت تأثير الثوري الروسي ميخائيل باكونين و أصدقائه و رفاقه .
منذ ذلك اليوم كان للاسلطوية ( الأناركية ) تأثير هام على حركات الطبقة العاملة على امتداد العالم , من أمريكا اللاتينية إلى ألمانيا و السويد , إلى الصين و اليابان . و أصبحت متجذرة عميقا و مؤثرة في منظمات النضال الطبقي للعمال في إيطاليا , إسبانيا و البرتغال . و لعبت دورا في كل الثورات المعاصرة الكبرى .
دافع اللاسلطويون ( الأناركيون ) و ناضلوا دوما عن حاجة العمال ( الشغيلة ) لتولي زمام المجتمع و إدارته , و أن يأخذوا في أيديهم السيطرة على معاملهم . و حذروا من إمكانية تسلق أي حزب أو آخرين إلى السلطة على ظهور الطبقة العاملة أثناء هذه الفترات الثورية .
أثناء الثورة الروسية عام 1917 ما حذر منه اللاسلطويون ( الأناركيون ) من أن النضال قد جرى اختطافه من قبل المحترفين و السياسيين المحترفين قد ثبت أنه حقيقي . لعب المناضلون اللاسلطويون ( الأناركيون ) دورا فاعلا و هاما بين الجنود المجندين , الذين رفضوا مواصلة القتال في الحرب العالمية و شاركوا في الاحتجاجات في المدن و الريف . و ساعدوا في إسقاط النظام القيصري و حكومة سياسيي الطبقة الوسطى التي جاءت بعده .
مع تقدم عام 1917 أصبح العمال أكثر كفاحية و راديكالية . و استولوا بحماسة على إدارة المعامل و طالبوا بوضع نهاية لنظام الهيمنة القديم . و استولى الفلاحون على الأرض و عاد الجنود من العمال و الفلاحين إلى بيوتهم . الشعار اللاسلطوي ( الأناركي ) "الأرض لمن يعمل بها , المعامل لمن يعمل فيها !" و "كل السلطة للسوفييتات ( و هي مجالس العمال )" أخذها منهم الحزب البلشفي ( الشيوعي ) . بطريقة ماهرة و سريعة خدع لينين الجماهير ليستولي على السلطة . أصبح العمال خاضعين لديكتاتورية الحزب على الفور تقريبا هذه الديكتاتورية التي أصبحت أكثر وحشية بشكل متزايد مع مر السنين .
كانت الحركة اللاسلطوية ( الأناركية ) أيضا ضحية للقمع البلشفي و أعدم كثير من اللاسلطويين ( الأناركيين ) , و سجنوا أو تم نفيهم . خاف البلاشفة من التأثير المتزايد للاسلطويين ( الأناركيين ) بين الجماهير – كان اللاسلطويون ( الأناركيون ) في الخط الأمامي لإقامة لجان المعامل لإدارة المصانع .
في أوكرانيا لعبت الحركة الماخنوفية , تحت قيادة المناضل اللاسلطوي ( الأناركي ) نستور ماخنو , دورا رئيسيا في هزيمة الجيوش البيضاء ( القيصرية ) , التي كانت تتقدم في طريقها لسحق الحكومة البلشفية في بتروغراد . لقد أنقذت حياة النظام البلشفي حرفيا . لكن هذا لم يعفهم من هجمات لينين و تروتسكي . أجبر الماخنوفيون على القتال على عدة جبهات ضد الأعداء المتفوقين و هزموا في نهاية المطاف . لكن على الرغم من ذلك و في ظروف حربية صعبة للغاية , حاولوا تحقيق الملكية الجماعية للأرض في المنطقة التي كانت تحت سيطرتهم .
أيضا في قاعدة كرونشتادت البحرية , وصم البحارة و الجنود الثوريون , الذين وصفوا في عام 1917 بأنهم "زهرة الثورة" من قبل القيادة البلشفية , في عام 1921 على أنهم من "الثورة المضادة" و "حراس بيض" . ما كانت جريمتهم ؟ لقد انتقدوا ببساطة الديكتاتورية البلشفية على السوفييتات التي كانت قد أصبحت الآن أشكالا فارغة عوضا عن أن تكون منظمات للسلطة العمالية . بحارة كرونشتادت , بردة فعلهم على الوحشية الرهيبة للسياسات البلشفية , و فساد الدولة و مقننات الجوع , كانوا في الحقيقة يحيون القضية اللاسلطوية ( الأناركية ) ضد الدولة . و بسبب هذه الجرأة تعرضوا للمذبحة ( للمجرزة ) .
في إسبانيا عام 1936 واجهت الحركة اللاسلطوية ( الأناركية ) واحدة من أعظم تحدياتها و فتحت المجال أمام ثورة تلهمها الأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) . النقابة اللاسلطوية ( الأناركية ) الجماهيرية , الكونفيدرالية الوطنية للشغل , و المنظمة اللاسلطوية ( الأناركية ) الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) الإيبيرية ( في شبه الجزيرة الإيبيرية ) ( أو الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) الإسبانية ) , كانوا في الخط الأول للقتال عندما حاول فرانكو ( مدعوما من الجيش , و الفاشيين , و الملكيين و الكنيسة الكاثوليكية ) الإطاحة بالحكومة الجمهورية . في العديد من المناطق هزمت قوات فرانكو أول الأمر من قبل العمال و الفلاحين المسلحين . في مناطق ككتالونيا و آرغون , سيطر العمال و الفلاحون على شؤون حياتهم , و أصبحت الارض و المعامل ملكية جماعية بينهم . لكن اللاسلطوية ( الأناركية ) الإسبانية , التي كانت قد أسست أساسا حول النقابات , كان يعوزها الإدراك السياسي و سرعان ما كانت عرضة لتلاعب سياسيي الحكومة الجمهورية و "الشيوعية" . أدى هذا للأسف إلى المساومة على الكثير من الموقف و السياسات اللاسلطوية ( الأناركية ) . هزمت اللاسلطوية ( الأناركية ) الإسبانية ليس فقط من قبل الفاشيين و رأس المال الكبير بل أيضا من قبل الستالينيين و بسبب ضعف سياساتها الداخلية نفسها .
خلاصة تطور اللاسلطوية ( الأناركية ) المسجلة هنا تظهر أن التغيير الحقيقي يمكن أن يحدث فقط من قبل العمال الذين تلهمهم اللاسلطوية ( الأناركية ) . اللاسلطوية ( الأناركية ) ليست حلما طوباويا . إنها تيار تحتي ( قاعدي ) دائم الوجود في ممارسة الطبقة العاملة , المهمة المطلوبة هي في جعله التيار الرئيسي . بينما قد يسعى العمال إلى الحلول التحررية لمشاكلهم في الفترات الثورية , فهناك آخرون مثل التروتسكيين و سياسيي الطبقة الوسطى الذين يحاولون استخدامهم لكي يتسلقوا إلى السلطة .
كان اللاسلطويون ( الأناركيون ) سذجا في الماضي . رأوا أعداءهم الرئيسييين ( عن حق ) على أنها الرأسمالية الكبيرة و الدولة لكنهم لم يكونوا واعين بما يكفي للمخاطر التي يمثلها أولئك الذين يدعون أنهم جزء من حركة العمال . لهذا السبب نحتاج إلى منظمة لاسلطوية ( أناركية ) كبيرة حسنة التنظيم و واعية سياسيا . منظمة كهذه ستقدم رؤى بديلة للمستقبل , و ستطور الأفكار اللاسلطوية ( الأناركية ) و تقدم حججا ( دفاعات ) معارضة للاشتراكيين الدولتيين و الليبراليين و بقية الأصدقاء المزيفين للطبقة العاملة . إن أعداء اللاسلطوية ( الأناركية ) جيدو التنظيم , و لذلك تحتاج اللاسلطوية ( الأناركية ) لأن تكون أفضل تنظيما . المساعدة بإقامة مثل هذه المنظمة هي مهمة الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) .
4 – اللاسلطوية ( الأناركية ) – مستقبل ممكن
سيكون المجتمع الشيوعي اللاسلطوي ( الأناركي ) مختلف جذريا عن الطريقة التي نعيش بواسطتها اليوم . لقد غيرت الرأسمالية العالم أبعد من أي خيال أو تصور في المائتي سنة الأخيرة . حاول الرأسماليون و "الشيوعيون" ( رأسماليو الدولة ) الهيمنة على الطبيعة و عند قيامهم بهذا جعلونا أقرب إلى كارثة بيئية . إن أوضاعا كابوسية وشيكة جدا مع إخضاع الطبيعة للتصنيع , و الطاقة النووية , و إطراح غاز ثاني أوكسيد الكربون , إزالة الغابات , الزراعة الصناعية , الخ .
ستعني الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) إعادة تفكير جذرية ( راديكالية ) في كيف ندير حياتنا . سيتعين علينا أن نعيش في تناغم مع الطبيعة , و ليس في مواجهتها . هل نحتاج بالفعل للكثير من السيارات ؟ هل نحتاج بالفعل لعشرين نوعا من معاجين الأسنان ؟ أليست هناك أشكال خالية من التلويث لتوليد الكهرباء ؟ هذه القضايا البيئية و أخرى لا حصر لها يتعين علينا مواجهتها إذا كان للبشر أن يكون لهم مستقبل .
إضافة إلى تغيير علاقتنا بالطبيعة , سيكون علينا أن نغير الطريقة التي نرتبط فيها بعضنا ببعض . كل جوانب حياتنا الآن تخضع للسيطرة من الأعلى ( سيطرة من هم في الأعلى ) . الآلاف يقومون بوظائف السيطرة على البشر من حولهم و تقييد حريتهم . الشباب , الزنوج , المثليون جنسيا , و غير المتكيفين خاصة هم عرضة لتحرش الشرطة . ما أن تدخل المعمل حتى يغيب أي مظهر لسيطرتك الذاتية لصالح الإدارة التافهة و تنمرها ( إرهابها ) . بالنسبة لكثير من النساء و الأطفال فحتى بيوتهم غير آمنة في وجه العنف الأسري .
اللاسلطوية ( الأناركية ) تعني الحرية . يجب ألا يخضع الأفراد لتدخل خارجي طالما أنهم لا ينكرون حرية الآخرين . لكن الحرية لا تكمن فقط في أن تترك لتهتم بشؤونك بنفسك . لكي توجد الحرية الحقيقية يجب أن يكون لدى الناس أمان , بيئة آمنة و حانية ( أو مهتمة ) و وسائل تحقيق كامل الكمون البشري ( الإمكانيات البشرية ) . الحرية تعني إذن أفضل تعليم و رعاية صحية ممكنة لتسمح لنا بأن نحصل على أفضل ما يمكن من حياتنا .
ستتعزز الحرية بأفضل ما يمكن مع تطوير الجماعات ( المجتمعات ) التي يمكن للناس فيها أن يديروا حياتهم بأنفسهم . في ظل الرأسمالية تختفي هذه الجماعات لأن الأفراد و الأسر تغلق على نفسها في بيوتها منعزلة عن الآخرين . في مجتمع لا سلطوي ( أناركي ) ستظهر جماعات ذات أشكال مختلفة , غالبا على أساس العمل أو مكان السكن . هذه الجماعات ستنضم طوعا مع بعضها البعض لتخلق شبكة من المنظمات المستقلة لكن المتعاونة فيم بينها و التي ستدير المجتمع .
هذا النظام المعروف بالفيدرالية سينضم مع مجموعات أخرى من المستوى المحلي إلى العالمي . بإقامة التنظيم الاجتماعي على معاني التضامن و التعاون يمكن للأفراد أن يشاركوا في إدارة شؤون حياتهم بأنفسهم , و أن يشاركوا في توسيع حريتهم .
لذلك سيأخذ البشر , لأول مرة في التاريخ , السيطرة الكاملة على حياتهم . لن يكون هناك مكان لقيادات ( زعامات ) , أو لسادة , و لسياسيين محترفين و موظفين حكوميين . سيقوم الناس بهذه الوظائف بحيث يكون من يمارسها عرضة للاستدعاء الفوري من قبل الناس الذين يخدمونهم .
ستكون اللاسلطوية ( الأناركية ) نهاية "القانون و النظام" كما نعرفه . النظام القانوني الذي يتضمن الشرطة , القضاة , و السجون كوسائل لحماية الأغنياء و الأقوياء من الجمهور العريض للبشر . بعد تدمير انعدام المساواة و الحكومة فإن أجهزة كهذه ستحل . ستدمر السجون , و يتقاعد القضاة و سيعاد تشغيل ضباط الشرطة في أعمال مفيدة اجتماعيا . معظم الجرائم تقع ضد الملكية و سببها انعدام المساواة في الثروة . عندما تصبح الملكية جماعية و يختفي انعدام المساواة , ستختفي الجريمة أيضا . ستبقى هناك عناصر معادية للمجتمع لكن سيجري التعامل مع هؤلاء من قبل تلك الجماعات نفسها على أساس عادل و إنساني .
لقد شوهت الرأسمالية و أفسدت كل علاقة إنسانية . الجشع , البحث عن الثراء , و التقدم في الوظيفة , اختزال البشر إلى وحدات اقتصادية , عزل الأفراد , و ما إلى ذلك , هي كلها نتيجة مباشرة لوضع النقود قبل البشر .
ستلغي الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) الرأسمالية و الملكية الخاصة و تضعها ( أي الملكية ) في أيدي الناس . المباني العامة , المتاجر , المكاتب و المعامل , المستودعات و الأرض ستمتلكها الجماعات لتطورها في صالح الجميع . لكن هذا لن يعني نهاية الممتلكات الشخصية .
تتطلب الشيوعية إلغاء النقود , و إذا سمحت الظروف , توزيع البضائع و الخدمات بحرية على أساس الحاجة الشخصية . بكلمات أخرى سيكون بمقدور الناس أن يحصلوا على أي شيء يريدونه عندما يحتاجونه . إذا كان الإنتاج غير كافي لتوفير هذه الوفرة الضرورية , عندها سيجري التشارك في هذه البضائع و الخدمات بالتساوي لتأكيد توزيعها العادل . أخذا بالاعتبار تكنولوجيا الكومبيوتر الحديثة ستكون هناك القليل من الصعوبات في تخطيط الإنتاج و التوزيع ليتناسبان مع حاجات كل فرد , خاصة إذا لم يكن هناك زيادة ضائعة في الإنتاج التي تميز النظام الحالي .
في الوقت الحاضر فإن العمل بالنسبة لمعظم البشر شيء يراد تجنبه أكثر ما يمكن لكنه أيضا ضروري لتوفير مستوى مقبول للحياة . في الاقتصاد الشيوعي اللاسلطوي ( الأناركي ) سيجري إلغاء العمل غير الضروري و سيخفض العمل الضروري إلى أدنى حد ممكن ليتناسب مع رغبات البشر . عندها إما أن يقسم العمل غير الممتع بعد أن يخفض إلى أدنى حد ممكن من خلال التكنولوجيا الملائمة أو أن يقوم به أولئك الذين يجدون في أنفسهم الميل لتلك الأعمال . التمييز بين العمل و اللاعمل سيلغى ما أن يمارس البشر مرة أخرى طريقة تناغمية ( منسجمة ) للحياة .
لكن الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) ليست فقط طريقة لنوع جديد من الاقتصاد أو أسلوب جديد للتنظيم الاجتماعي . كعملية ( صيرورة ) مستمرة فإنها تبدأ قبل الثورة و تتطور بعدها , توجد هناك حاجة لمهاجمة كل المعتقدات , الأفكار , المؤسسات و الممارسات التي تحد من الحرية و العدالة . الدين , التمييز الجنسي , التمييز حسب العمر , العنصرية , الوطنية , الجشع و الاستغراق في الذات , جميعها تحتاج لأن يجري التخلص منها , و إلا فإن الثورة لن تكون ذات جدوى . لكن لا يمكننا القيام بما هو أكثر من تلخيص بعض التطورات التي ستحدث ( أو تتلو ) . كثير من الأشياء التي قد تظهر لا يمكننا أن نتنبأ بها الآن و لذلك فإن هذا التلخيص للمجتمع اللاسلطوي ( الأناركي ) ليس بأي حال من الأحوال مخططا "مقدسا" و غير قابل للتغيير .
5 – العالم بين يديك
إذا نظرت للعالم كما هو عليه اليوم بالفعل , مقارنة بالنظام الذي نريد نحن الشوعيون اللاسلطويون ( الأناركيون ) أن نراه , عندها – لنقولها بطريقة معتدلة – نكون قد حددنا حجم عملنا المطلوب ! أن نحدث تغييرا كهذا قد يبدو مهمة هائلة للغاية .
لكن قبل أن نبدأ بالشعور بشيء من الخوف بسبب هذا , تذكر أننا نعيش في عالم يتغير بسرعة . العالم الذي نعيش فيه اليوم لم يكن من الممكن تخيله قبل 20 سنة فقط . في الواقع , لقد تغير العالم في الخمسين سنة الأخيرة أكثر مما تغير في الخمس مائة سنة الماضية .
أشياء كالاقتصاد و التكنولوجيا تلعب دورا في تشكيل العالم لكن في نهاية المطاف البشر هم الذين يغيرون الأشياء بالفعل . ذكرنا سابقا دولة الرفاه كشكل من أشكال السيطرة . لكن من جهة أخرى فإن أشياء مثل الرعاية الصحية الأساسية وجدت فقط لأن الطبقة العاملة حاربت من أجلها ( رغم أن السياسيين قد ينسبوا الفضل لأنفسهم ) . من دون التهديد بالتحرك لم نكن لنفوز بتلك الأشياء أبدا . الإضرابات أو التهديد بها يساعد في تحسين الأجور و ظروف العمل . من دون الأعمال من جانب طبقتنا فإن الأشياء ستصبح أسوأ فقط . كذلك فإن الضريبة الفردية ألغيت فقط لأن الناس حاربوا و رفضوا أن يدفعوها .
حتى اليوم لدينا القدرة على التغيير إذا عملنا سوية . قوة تحويل المجتمع تكمن في أيدي من يخلقون كل شيء – أي الطبقة العاملة . هذا هو مصدر قوتنا , إذا ما استخدمناه , يمكن لهذه القوة ألا تحقق بعض الإصلاحات فقط بل أن تغير النظام بأكمله , أن تخلق ثورة اجتماعية .
اليسار
ليس الشيوعيون اللاسلطويون ( الأناركيون ) وحدهم من يتحدث عن الثورات . كان هناك الكثير من "الثورات" في الماضي , لكن الرأسمالية ما تزال موجودة . لم توجد الشيوعية الحقيقية في أي مكان بعد , الاتحاد السوفيتي السابق في عنفوان "اشتراكيته" لم يكن شيئا من هذا القبيل . بقيت "شيوعية" الدولة أحد أشكال الرأسمالية ( رأسمالية الدولة ) حيث كان الحزب الشيوعي هو السيد و بيروقراطيو الحزب هم أصحاب الامتيازات .
مع انهيار "شيوعية" الدولة ( رأسمالية الدولة ) في أوروبا الشرقية , قد يفاجئنا أن نجد مجموعات ما تزال موجودة في بريطانيا تريد ان تسير على نموذج الاتحاد السوفيتي . لكن منظمات مثل المناضل و حزب العمال الاشتراكي تستمر في الوجود حاملة نفس الرسالة القديمة , يقولون أن "العمال متخلفون" , "و يحتاجون إلى قيادة منظمات كمنظماتنا" , و يواصلون "هناك أزمة قيادة , نحن فقط نعرف الطريق إلى الأمام ... نحتاج إلى الانضباط الحزبي .. إلى حزب يتألف من القادة و ممن يقادون .." , و ما إلى ذلك .
نموذج الاتحاد السوفيتي السابق لما يسمى بالاشتراكية كان كارثة على الطبقة العاملة في كل العالم . سواء كانت هذه الدول تتبع تعاليم لينين , تروتسكي , ستالين أو ماو , فالواقع هو أن هؤلاء الأنبياء أثبتوا أنهم خصوم وحشيون للطبقة العاملة الحقيقية ( التي تتناقض مع خيالاتهم عن الطبقة العاملة ) . الرسالة واضحة : الطبقة العاملة و المضطهدون , إذا كان من الممكن أن يكونوا أحرارا على الإطلاق , يحتاجون لأن يقوموا بالعمل بأنفسهم , دون هؤلاء القادة الذين نصبوا أنفسهم بأنفسهم .
لو أن هؤلاء الأشخاص كانوا ناجحين هنا أيضا ( أي في بريطانيا – المترجم ) لجاؤوا بأشكال جديدة من الاستغلال و الاضطهاد . سيصرخون عن الاشتراكية و العالم الجديد الشجاع لكنهم هم من سيكون في موقع السيطرة و ليس المظلومين . الاسم الذي يعطونه للنظام سيتغير لكن الاستغلال و الاضطهاد سيستمران .
يستخدم حزب العمال أحيانا كلمة "الاشتراكية" لوصف سياساته , لكن ليس كثيرا ! مرة أخرى فإن حزب العمال لم و لن يكون اشتراكيا على الإطلاق . يوفر حزب العمال عدة مئات من الوظائف لمحترفي الطبقة الوسطى لكنه لم يقدم أي فائدة حقيقية لأي بشر آخرين . رغم قيام عدة حكومات لحزب العمال ( قبل سنوات كثيرة ؟ ) لم يتغير أي شيء . ما تزال هناك بطالة هائلة , اقتطاعات من نفقات الرفاهية , العنصرية و ما إلى ذلك . كانت الرأسمالية تعمل تماما كما كان عليه الحال من قبل .
البديل اللاسلطوي ( الأناركي ) – الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية )
أسست الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) للمساعدة في النضال في سبيل عالم أفضل – عالم دون سياسيين و جنرالات , دون كهنة و سادة . بينما لا نرى أنفسنا على أننا مجموعة من المعلمين الذين يملكون كل الأجوبة , فإننا نعتقد أنه لدينا بعض الآراء و الأفكار المفيدة التي يمكن للطبقة العاملة أن تستخدمها . لدينا أيضا رؤية واضحة عن كيف نحقق عالما ليس فيه استغلال .
في الوقت الراهن فإننا نحاول أن ننشر أفكارنا بين الطبقة العاملة . هذا يعني إنتاج المجلات , الكراسات , الكتيبات , البوسترات , شرائط الكاسيت , الخ , لإيصال الرسالة اللاسلطوية ( الأناركية ) إلى أوسع جمهور ممكن . لكن الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) لا تتعلق فقط بالأفكار الجيدة . الأفكار لوحدها عديمة الفائدة , يجب أن يصار إلى تطبيقها . لذلك تنخرط الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) في الدعم النشيط للمضربين , سكان البيوت , المستأجرين و السجناء , التظاهرات , الاعتصامات , الاحتجاجات , الخ . نحن لا ننخرط فحسب لننشر أفكارنا بل لأننا نؤمن بأن نضالات كهذه و ربطها بالحركات الاجتماعية سيخلق ثقة طبقية في قدرتنا على تغيير الأشياء . إن تعزيز مثل هذه الثقة مهم لأنه يعني أن انتصارا صغيرا اليوم يمكن أن يؤدي إلى انتصار أكبر في الغد .
إننا ننخرط في هذه الأمور كشيوعيين لاسلطويين ( أناركيين ) , بكلمات أخرى إننا ندفع فكرة أن كل النضالات يجب أن يقودها أولئك المنخرطين فيها مباشرة و ليس من قبل أحزاب من السادة أو المحرضين أو بيروقراطيي النقابات , أو قادة المجتمع الذين ينصبون أنفسهم بأنفسهم .
إننا ندعم خلق منظمات قاعدية في كل جوانب المجتمع , مثل مجموعات الطبقة العاملة و المجموعات المستقلة ذاتيا ( المسيرة ذاتيا ) لمحاربة الاضطهاد الجنسي . أيضا فإننا ندعم مجموعات الطبقة العاملة المستقلة ذاتيا من الزنوج و نشارك في النضال ضد العنصرية و الفاشية . في أماكن العمل ندعو إلى بناء حركة مستقلة قوية خارجة عن سيطرة النقابات و الإدارة . في نفس الوقت نسعى لخلق مجموعات لاسلطوية ( أناركية ) ثورية في الصناعات لكي تنشر الرسالة اللاسلطوية ( الأناركية ) . في كل الحالات فإن النضال في سبيل الحرية هو في نفس الوقت نضال ضد الرأسمالية .
تحاول الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) ألا تجعل لأية قضية أو نضال أولوية على القضايا الأخرى . لأنه لوقت طويل كانت الطبقة العاملة مقسمة و محكومة . من الهام جدا ربط كل نضالات الطبقة العاملة لكي نخلق حركة جماهيرية اجتماعية ضد النظام القائم .
و هدفنا على المدى المتوسط هو خلق حركة تضامن هائلة من المقاتلين ضد اضطهاد الطبقة الحاكمة .
ثقافة مقاومة الطبقة العاملة
من المهم خلق الوسائل و وضعها بيد طبقتنا للرد على الهجمات . هذه الأيام لأن النضالات ترى غالبا منفصلة عن بعضها البعض , يجري الاستفراد بها واحدة تلو الأخرى . إن خلق وحدة حقيقية للطبقة العاملة يعني أن الهجوم على أي جزء من طبقتنا سيرى على أنه هجوم عليها كلها .
إننا لا نقول أن حركة كهذه يجب أن تكون دفاعية . إننا من خلال بناء الثقة في أنفسنا كطبقة فإننا نخلق الوسائل لنبدأ بالهجوم الفعلي ضد النظام .
و بالبدء بالهجوم نعني خلق حركة جماهيرية منظمة ذاتيا و خلق مجالس العمال كأسلوب لسلطة الطبقة العاملة و تنظيمها الذاتي . يضاف إلى هذا منظمات المجتمع و السكان الجماهيرية التي تقع تحت سيطرة أولئك المنضوين في و الداعين إلى إضرابات جماعية عن دفع الإيجارات , التظاهرات , الاحتجاجات , و الاضطرابات الاجتماعية . حركة كهذه ستملك القوة لكي توقف آلة الطحن الرأسمالية .
إن طبقة السادة سعيدة بالأشياء كما هي ( حتى مع التأرجحات الاقتصادية الحادة ) . إنهم مرعوبون من أفكار الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) . و عندما نتحدث عن خلق حركة اجتماعية جماهيرية للمقاومة ستقوم بمهاجمة أسس النظام الرأسمالي ذاتها , نعرف عندها من التاريخ أن الرأسماليين سيستخدمون كل قوى الدولة ليوقفوها . هذا لأننا نتحدث عن ثورة اجتماعية . سيحاولون إدخال ليس فقط الشرطة بل الجيش أيضا ( إذا بقي مواليا للنظام ) . سيستخدمون مجموعات الفاشيين , الجواسيس , العناصر الاستفزازية , المرتزقة , أي شيء ليوقفونا .
لهذا فمن المحتمل أن يتلو أي ثورة اجتماعية محاولة للقيام بثورة مضادة من طبقة السادة و طفيلييها . لذا ستتطلب أية حركة اجتماعية انتفاضة مسلحة ضد طبقة السادة . الصراع الطبقي تحت سلطة العمال يمكن أن يضع في الممارسة عدة جوانب من الشيوعية اللاسلطوية ( الأناركية ) , لكن قد تكون هناك حاجة لإقامة ميليشيات عمالية لكي يدافع العمال عن أنفسهم و ليهزموا الرأسمالية في نهاية المطاف و يدمروها بشكل كامل .
قد يبدو هذا شيئا صعبا شيئا ما , لكن مع اندفاع الرأسمالية نحو المزيد من انعدام الاستقرار الاقتصادي , و الحروب النووية و "التقليدية" , و تدمير البيئة , فإن الأوقات السيئة موجودة بالفعل و هي تصبح أسوأ مع كل دقيقة .
الوسائل و الغايات
إننا نريد مستقبلا لأنفسنا و لأطفالنا – مستقبلا يعد بأقصى درجة من الحرية و من دون استغلال اقتصادي . إننا نؤمن بأننا قد وضعنا الأساس لذلك اليوم . تناضل الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) في سبيل مستقبل كهذا . إننا ننظم أنفسنا اليوم بطريقة تعكس هدفنا النهائي . نحن لسنا بيروقراطية متصلبة ( مثل المنظمات اليسارية ) تدار و تخضع لتلاعب سادة الحزب . في الواقع ليس لدينا موظفون دائمون أو موظفون طوال الوقت و لا لجان مركزية , لا قادة و لا من يقادون . مواقفنا فيما يتعلق بالعديد من القضايا و الأفعال نقررها بالمشاركة المتساوية ( طالما اختار الناس المشاركة ) بطرق متعددة . تتضمن هذه المناقشات المطبوعة في نشرة داخلية , و الكونفرانسات السنوية ( المفتوحة أمام جميع الأعضاء ) , و اجتماعات المندوبين ( المكونة من المندوبين المؤقتين للمجموعات المحلية و الأعضاء الأفراد ) و المدارس النهارية المنتظمة . كل "الموظفين" ( مثل أمناء الصندوق ) ينتخبون لفترات محددة و يمكن تغييرهم من قبل الكونفرنس ( المؤتمر ) أو اجتماعات المندوبين إذا تصرفوا بطريقة غير مناسبة .
الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) , كما يقترح اسمها , هي فيدرالية . المقصود من الفيدرالية أن تعمل بطريقة موحدة لتحصل على أكبر تأثير داخل الطبقة العاملة . لذلك فإن أعضاءها المنضمين إليها يقبلون عددا من الأهداف و المبادئ الأساسية ( المطبوعة في آخر هذا الكراس ) . يشارك الأعضاء أيضا في رسم سياساتنا , و يتحملون مسؤولية مساعدة وضعها في التطبيق . لكن هذا يعني أن المجموعات المحلية و الأعضاء الأفراد سيضعون أهدافهم و أفعالهم في هذا السياق .
تقع مسؤولية إدارة الفيدرالية اللاسلطوية ( الأناركية ) بيد كل أعضائها . إننا نريد أن خلق عالما توجد فيه السلطة بأيدي كل البشر .
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟