مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 08:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
نحن اليوم أسرى الكثير من الأحكام المسبقة القائمة على التعميم الذي أنتجه الخوف و الاستبداد و كل الأمراض التي أصابنا بها الاستبداد في أرواحنا و وعينا قبل أن تصيب أجسادنا , أنا ما يهمني هنا هو كل سوري عادي وجد نفسه فجأة مطالب بالتفكير في قضايا كانت حتى الأمس محرمة عليه , قضايا ما يسمى بالشأن العام الذي هو في الحقيقة شأن خاص لكل سوري , من هذه التعميمات مثلا أن كل سني هو عند البعض سلفي أو حتى من طالبان و أنه عندما يستخدم كلمة الحرية فإنه لا يعني إلا قتل الآخرين أي كل من هو غير سني , و كل علوي بالنسبة للبعض هو عنصر مخابرات يده ملوثة بدماء الآخرين , من المؤسف أن النظام نجح نسبيا في تمزيقنا , في تشويهنا من الداخل , في إخافتنا من بعضنا و في فرض العزلة علينا داخل شرانقنا التي يحتفظ فيها هو داخل سجن كبير يسميه بكل وقاحة : وطن , كان النظام يستدرجنا لنشتم بعضنا البعض و لنتركه و نتفرغ لأمثالنا من الفقراء الذين يختلفون معنا في الدين أو الطائفة , كان يستدرجنا لأن نكون أحرارا في شتم بعضنا البعض , لأنه يريد أن يظهر أننا سيئين , فاشلين , و أننا سنستخدم حريتنا فقط في الإساءة لبعضنا البعض و في أن نتوعد بعضنا بعضا , كان النظام يريد أن يستدرجنا لكي يخيف السني العلوي و لكي يخشى السني من العلوي , لكني بعد كل هذه الدماء و كل هذه الآلام التي فرضها النظام على شعبي أتخيل صورة ما مختلفة عما يريده النظام لنا عن سورية جديدة بلا ديكتاتورية سيكون علينا أن نخلقها معا , أتخيل الأحياء و القرى العلوية و السنية تطرد أو حتى تلقي القبض على كل من تورط في تعذيب سوري أيا كان أو قتله أو اعتدى عليه , الأحياء و القرى السنية و العلوية و هي تستولي على أملاك كل من سرق شيئا من تعب السوريين و عرقهم , تصادره و تضعه في حساب مخصص لكل السوريين , لتعويضهم عن سنوات القهر و الخوف و الفقر و الحاجة , الأحياء و القرى العلوية و السنية و غيرها و هي تلفظ كل من يدعو لكراهية الآخر , كل من يدعو للاعتداء على آخر فقط بسبب دينه أو طائفته , أتخيل العلوي الفقير و هو يستولي على أملاك العلويين الأغنياء الذين أثروا من نهب السوريين الفقراء من كل الطوائف ليتشاركها مع الفقراء من كل الطوائف , السني الفقير و هو يستولي على أملاك الأغنياء السنة الذين أثروا من نهبهم لتعب كل السوريين الفقراء ليتشاركها مع الفقراء من كل الطوائف , أتخيلهم و هم يبنون حياتهم من جديد , بلا شبيحة و لا حراس و لا كراهية و لا تمييز و لا مخابرات و لا نهب و لا استغلال , أتخيلهم يتقاسمون خيرات أرضهم التي يزرعونها , و الماء الذين يجتاز أراضيهم , و الحياة بكرامة في سوريا لا يفرض فيها إنسان رأيه على الآخر , لا يفرض فيه إنسان على الآخرين أن يكدحوا ليتمتع هو بنعيم يتجاوز الوصف كما يفعل ذلك رامي مخلوف و ماهر الأسد اليوم , لا أصدق أننا نخشى حريتنا , لا أصدق أننا أغبياء لنسمح لهذا النظام , لرامي مخلوف و لماهر الأسد بأن يتقاسموا أرواحنا و دماءنا , أنا واثق من أن كل سوري يريد الحرية كما أريدها و كما يريدها الناس الذين في الشارع اليوم , من غير المعقول أننا لا نريد الحرية , أننا نريد النوم تحت سوط المخابرات , أو حاليا أمام بنادقها و دباباتها المصوبة نحو قلوبنا , لكني أعتقد أنه في سبيل ذلك علينا أن نجيب بحرية و جرأة , ذات الحرية و الجرأة التي احتجناها لنكسر حاجز الخوف الذي خلقه النظام عبر سنوات طويلة من الرعب و الصمت علينا لننزل أخيرا إلى الشوارع و نتلقى بصدورنا رصاص مرتزقة ماهر الأسد و شبيحة النظام , أنا لا أعتقد أن شيطنة النظام صحيحة , إنه يسرقنا , يقمعنا , هذا صحيح , لكن في نهاية المطاف لكي ننتزع حريتنا من هذا النظام فعلينا ان نستحق الحرية , لا شك أن مواجهة الرصاص بصدور عارية ليست فقط شجاعة , إنها شيء أكبر من ذلك , إنها شجاعة خارقة , بسالة ما بعدها بسالة , لكننا يجب أن نكون أيضا شجعان في كسر الكثير من التابوهات و المحرمات و المسلمات التي عشناها طويلا قبل أن نستحق الحرية , إن الثورة مدرسة نتعلم فيها , نستعيد فيها إنسانيتنا التي سحقت و همشت طويلا تحت ركام الصمت و الاستسلام و الخوف و العزلة , تحت سطوة أجهزة الموت و الخوف التي تشكل حقيقة هذا النظام المجرم , كلمة واحدة , إما أن نستحق حريتنا اليوم و إلا سيتحدث أطفالنا في الغد عن جبننا و خوفنا و تفاهتنا و غبائنا في هذه اللحظة التاريخية , بينما يبقى عليهم بعد سنوات أخرى أن يناضلوا في سبيل حريتهم هم هذه المرة و كرامتهم من أولاد و أحفاد بشار و ماهر و آصف و رامي , لم يعد بجعبة هذه الديكتاتورية المجرمة أي شيء إلا تدميرنا , تدميرنا من الخارج كأجساد و من الداخل كأرواح , أن تخلق فينا من جديد نفسية العبيد و خنوع العبيد و خوف العبيد و تفاهة العبيد , لا يملك هذا النظام أن يصلح شيئا في نفسه , حتى مظهره الخارجي , لا يملك أن يغيره اليوم , لا يملك أن يغير جلده أو شكله , فمن دون أجهزة المخابرات سيموت هذا النظام "موتا طبيعيا" , من دون تلك البنادق المصوبة إلى رؤوسنا سيسقط النظام على الفور و لن يبقى من كل هذا الهراء إلا ذكرى أليمة عمرها نصف قرن من الألم و الصمت و الخوف , ما يفعله الآن هو أنه يقول لكل سوري عبر ممارسات أجهزته المجرمة أن كل سوري هو لا شيء امام بنادق شبيحته , أنه سيكسر عظامنا إذا تجرأنا على الشكوى , لا يملك هذا النظام أي شيء غير الموت يلوح به في وجهنا , و هذا هو بالضبط ما يفعله اليوم , يعتقد النظام أنه سينجو إذا فرقنا طوائف و شيع , أنه ما زال بإمكانه أن يحلم بالمزيد من سنوات الخوف و الصمت و بمليارات إضافية إذا نجح في تحويلنا إلى أغبياء , نكره بعضنا أكثر مما نكره من يسرقنا ويقمعنا و يقتلنا , هناك حقائق بسيطة لا بد من التأكيد عليها , لا يستطيع الفقراء السنة أن يتحرروا من دون الفقراء العلويين و الإسماعيليين و المسيحيين و الزرادشتيين و غيرهم , و لن يكون الفقراء العلويون أحرارا في بلد يحكمه طاغية , حرامي علوي , كما لن يكون الفقراء السنة أحرارا في بلد يحكمه طاغية , حرامي سني , يؤلمني أن بعض الفقراء العلويين لم يفهموا هذا , و أنهم يرون في شبيحة النظام الذي ينحدر رأسه الفاسد من الطائفة العلوية ضمانة لحياتهم أكثر من إخوتهم في الشقاء و البؤس و المعاناة من السنة , ترى ما الذي سيحدث إذا سقط النظام , هل سيهرب الفقراء العلويون , هل سيعتبرون أنهم سيكونون عبيد تلك السلطة الجديدة , كما يفترضون أن الفقراء السنة اليوم هم عبيد هذه السلطة , لا شك أن الثوار سياتون إليهم مطالبين بالمجرمين و الحرامية من أتباع نظام الأسد , كيف سيتصرفون عندها , أصحيح أنهم لا يفهمون أنهم إن لم ينضموا اليوم لنا فإننا لن نستطيع في الغد أن ننظر في عيون بعضنا دون أن يكون الكره هو كل ما نشعر به تجاه الآخر , ألا يعرف الفقراء السنة أنهم إن استمعوا لمن يروج لكراهية العلويين لمجرد أنهم لا يؤمنون تماما بما يؤمنون به هم فإنهم يغتالون كل ما هو إنساني و جميل في الثورة التي تتقدم اليوم بقوة في سوريا نحو هزيمة الاستبداد , يجب ان ندرك الآن و الآن و في الحال أنه عندما لا نتحرر جميعا فإننا نخسر جميعا , أواصل التخيل , إذا سقط النظام , كيف ستتصرف الأحياء و القرى العلوية , كم أود ان يكونوا هم من يلقي القبض على المجرمين و القتلة من أجهزة القمع و الموت التابعة للنظام , كم أود أن يكونوا هم من يلقي القبض على المجرمين من آل الأسد و مخلوف و أن يبدؤوا محاكمتهم باسمنا جميعا , باسم كل من جاع أو صرخ أو مات بسبب هذه الديكتاتورية القبيحة , أتخيلهم و هم يشكلون لجانا شعبية للدفاع عن قراهم و أحيائهم , فسيبقى هناك و لو عدد من المهووسين باعتبار من ليس من طائفتهم مجرد مهرطق , أتخيلهم يتعاونون مع اللجان الشعبية من القرى و الأحياء المجاورة ليتبادلوا خيرات أراضيهم , لكي يشكلوا معا محاكم لمحاكمة القتلة و المجرمين من الديكتاتورية الحالية أو أي شخص قد يخطر بباله الاعتداء على سوريين لمجرد أنهم من طائفة ما , أتخيل المعامل و قد اصبحت ملكا لمن يعمل بها , أتخيل ملايين الدونمات التي استولى عليها رامي مخلوف و كبار ضباط أجهزة الأمن و غيرهم من الفاسدين و قد أعيد توزيعها بين كل الفلاحين , أتخيل اللجان الشعبية تدير الوزارات و المؤسسات و حتى لجان الجنود و هي تدير و تنظم قطعات الجيش السوري على الجبهة ( الجيش السوري عن جد و ليست قوات مرتزقة النظام الجاهزة لقتل السوريين ) , أتخيل سوريا جديدة لا محرمات فيها و لا سجون و لا شبيحة و لا مخابرات , لا سادة و لا عبيد , أراكم جميعا هناك , تكدحون في سبيل اطفالكم لا في سبيل قلة كسولة تستولي على ما كل تنتجوه بالقوة الفظة لأجهزة الأمن و المخابرات و الشبيحة , أتخيلكم تمارسون ما تعتقدون به , تعيشون كبشر , كاحرار , لا أصدق أن الفقير العلوي الذي يهمشه النظام و يستبح الشبيحة عالمه بوقاحتهم و سفالتهم يخاف أن يعيش كإنسان , يخاف من الحرية , و لا أصدق أن السني الفقير لا يفكر إلا بقتل العلوي , أنه هو أيضا لا يريد حريته إلا لينصب ديكتاتورا سنيا , أنا أصر على أننا نستحق الحرية و أنه علينا أن ننتزعها من هذا النظام الغاشم , هذه ليست قناعة شخصية أو حكم فردي , هذه حقيقتنا كبشر لكن علينا الآن أن نعيد اكتشاف إنسانيتنا في مواجهة مثل هذه الديكتاتورية التي تراهن على فشلنا كبشر في انتزاع و استحقاق حريتنا , لا أعتقد أن هذا الوقت مناسب للتردد أو للتراجع أو لأنصاف الحلول , كل هذا يعني شيئا واحدا , انتصار الديكتاتورية و سحق الانتفاضة , علينا فورا ان نكون اقوى من كل مزاعم هذه الديكتاتورية , أن نكون أقوى من مخاوفنا من الحرية , أن نكون أقوى من شكنا و ترددنا أمام حقيقة أننا بشر نستحق الحرية , لنخرج جميعا و لنسحق الفاشية التي تحكمنا , لنضع ايدينا بأيدي بعضنا البعض , لنبني سوريا جديدة , شرق أوسط جديد , عالم جديد , له عنوان واحد هو الحرية .........
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟