|
إختلاف الآراء
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3348 - 2011 / 4 / 27 - 11:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من الأمثلة الشائعة ، ان أربعة أشخاص من قرية واحدة ، ذهبوا معاً الى المدينة ، لأغراض مُختلفة .. وبقوا إسبوعاً ، ثم عادوا الى منازلهم . الأول كان ملا القرية الحاج محمد ، جاء لكي يلتقي بالأئمة لتبادل الخبرات .. الثاني كان شاباً في مُقتبل العمر ميسور الحال ، هدفه الإستمتاع .. الثالث كان رجلاً مريضاً ، جاء لمراجعة الاطباء .. والأخير كان فقيراً جاء ليعمل بضعة أيام في المدينة . بعد عودتهم الى القرية .. كان من الطبيعي ، ان يلتف حولهم الناس ، ليسألوهم عن المدينة وإنطباعاتهم عنها ومشاهداتهم والاشياء الغريبة التي رأوها . الملا أجاب قائلاً : ماذا أقول لكم ؟ لايوجد في الدُنيا مكانٌ مثل هذه المدينة ، فيها أعداد كبيرة من المساجد والجوامع ، وفيها عشرات من خيرة الأئمة الصالحين ، وليتكم رأيتم بيوت الله وهي مُكتظة في أوقات الصلاة .. إنها حقاً مدينة الورع والتقوى ... طبعاً قضى الملا محمد كُل أيامه في المدينة ، متنقلاً من مسجدٍ الى جامع !. أما الشاب فكان يستيقظ من النوم قبل الظهر ، ويتسكع في الاسواق والمقاهي والسينمات ، حتى يحين موعد فتح الملاهي الليلية ، حيث يسهر حتى ساعات الفجر .. فقال لأصدقاءه في القرية : ان المدينة جنة الله في الارض ، لهوٌ وشرب وإستمتاع ، كنتُ أتنقل من ملهى الى ماخور ، وكُلها كانتْ مُزدحمة بالرواد ، إنتهى الاسبوع وكأنه ساعة واحدة !. الرجل المريض ، حّدثَ أقرباءه عن المدينة : تصوروا ، لقد بحثتٌ ساعتين عن عيادة الطبيب وسط تلك الزحمة والأعداد الهائلة من الاطباء والصيادلة والمختبرات .. حقاً ان المدينة هي مُجّمعٌ طبي ضخم !. الفقير قال لأهلهِ : ماذا أقول لكم ؟ لم أرى من المدينة ، غير ذلك المكان الذي كنتُ أشتغل فيه عامل بناء .. كنتُ أعمل مثل الحمار عشرة ساعات يومياً .. ويهدني التعب فأنام مُبكراً ، حتى أستطعت ان أشتري لكم الأغراض التي جلبْتُها !. كُل الأربعة ، كانوا صادقين في سرد ما شاهدوه في المدينة ، واُمناء في الإفصاح عن إنطباعاتهم ، حيث ان كُلاً منهم ، فعلَ ذلك من ( وِجهتهِ ) في النظر ، ومن ( زاويتهِ ) التي يطلُ منها . وأي واحدٍ منهم ، يستطيع ان يثبت رأيه بالقرائن والأدلة ، ويقدر ان يستصحب معه ، المتشككين ، ليريهم " المدينة " إذا أرادوا ذلك ! . معظم الأمور في الحياة العامة ، هي على هذه الشاكلة أعلاه .. ففي موضوعٍ واحد وفي حادثةٍ واحدة ... تختلف الآراء وتتباين الرؤى وتتقاطع الإتجاهات .. حسب الموقع الذي ترى منه الاحداث . ولكي نقترب من الواقع اليومي .. لنجعل من الموقف من التواجد الامريكي العسكري ، في العراق ، مثالاً على ذلك . بالنسبة الى العديد من السياسيين الذين برزوا بعد 2003 ولعبوا أدواراً مهمة ولا زالوا ، بمساندة واضحة من الامريكان ، وحازوا على السلطة والمال .. فأنهم يرون في الامريكان أصدقاء وحلفاء ... أما الذين فقدوا أحبتهم وأبناءهم نتيجة العمليات العسكرية الامريكية ، ولا سيما في الفلوجة وبغداد والموصل والعديد من الاماكن الاخرى .. فانهم يعتبرون الامريكان مُحتلين وأعداء ... وطبقة المنتفعين من العقود والمقاولات ، مع الجيش الامريكي ، والذين أثْرَوا وإغتَنَوا .. فأنهم يعتقدون ان الامريكان خيرٌ وبَرَكة ... قسمٌ آخر من الذين شعروا ان الامريكان يحمونهم بشكلٍ أو بآخر .. يرونَ ان غيابهم سوف يُشّكِل خطراث عليهم . هذه النماذج موجودة اليوم ، على الساحة العراقية .. وكُلٌ منهم ينظر الى الموضوع ، من خلال منظارهِ الخاص .. وبالنسبة له يعتقد ان رأيه صحيح تماماً . ............................................... ان الإختلاف في الآراء ، شيءٌ طبيعي .. وتباين وجهات النظر ، أمرٌ صحي .. غير ان الذي ينقصنا .. هو قلة عدد الذين يستطيعون تَقّبل هذا التنوع برحابة صدر .. لاسيما في مراكز صنع القرار .. وقابليتهم على " رؤية المدينة كلها " وتصّورها بمجموعها .. وليسَ أجزاءها المتفرقة فقط .. إبتداع وسائل فّذة للتعايش المشترَك البّناء .. رغم الفوارق في التصورات .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحدود
-
لَمْ أرى بِعيني . لكني سمعتُ بأذني !
-
الأمطار الغزيرة .. فضحَتْنا
-
أثيل النُجيفي واللعب الخطر
-
حكومتنا .. و - المَلا سيسو - !
-
ماذا ينقص - ديمقراطيتنا - ؟
-
مبروك .. عيد رأس السنة الإيزيدية
-
حكومتنا .. والحَرُ والبَرد
-
رؤساءنا لا يلعبون ولا يُغَنون !
-
صناعة الحرب
-
ثورات المنطقة .. بعض الدروس
-
أعمدة الفساد الأربعة
-
وعود الحكومة العراقية
-
علاوي والهاشمي ..مثل الساعة السويسرية !
-
ألمالكي وبَرْهَم .. تَرَكا القراءة !
-
العراقيون في سوريا .. في خطر
-
قنابل موقوتة بأمرة مُقتدى
-
9/4 يوم تحرلال العراق
-
السفرات المَدرسية
-
الإرهابيين العَرب في العراق
المزيد.....
-
ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟ إليك أهم نصائح الخبراء
-
هاريس تهنئ المسلمين في عيد الأضحى: عددكم في إدارتنا أكبر من
...
-
الحجاج يواصلون رمي الجمرات في مشعر منى
-
حدث استثنائي... ولادة توأم فيلة في حالة نادرة في تايلاند
-
باحثون من جامعة هارفارد يفترضون وجود كائنات فضائية بين البشر
...
-
معهد سيبري يُحذر من تعاظم دور الأسلحة النووية في التوترات ا
...
-
-روستيخ- تعلن عن تسليم الدفاع الروسية دفعة دورية من قاذفات -
...
-
حصاد مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا، مخيّب للآمال
-
الولايات المتحدة تمنح أوكرانيا ضمانات وهمية
-
ما خطوة روسيا التالية بعد اقتراح بوتين السلام؟
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|