عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3344 - 2011 / 4 / 22 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إلى أى مدى يمكن أن ينطبق معيار العصيان الجماهيرى المسلح ( Militarized Mass Insurrection ) – وكأحد أنماط الثورة المعاصرة - على معطيات المشهد الليبى القائم والمحتدم ؟ .
هذا التساؤل سيفرض نفسه خلال الأيام القليلة القادمة بعد تزايد أحتمال التخل الغربى فى الصراع وتراجع الثوارالليبين وثبات القذافى على أرض المعركة وبين جمهوره .
تبدو الحاجة ماسة لرصد درجة التطور الإقتصادى والإجتماعى والسياسى الليبى فى مرحلة ما قبل الإنتفاضة المسلحة الأخيرة ضد القذافى وكمحدد أساسى لمدى توافر " موقف ثورى ليبيى " من عدمه .
ففى الحالتين المصرية والتونسية توافرت شروط موضوعية اجتماعية وسياسية رسمت خطوطآ رئيسية للموقف الثورى وعبرت عن نفسها فى أشكال تظاهرات و أحتجاجات وتململات وأعتصامات عمالية وفئوية عديدة . كما شكلت النخب الإفتراضية للمجتمع النتى فى كلا البلدين رأس حربة لعمليات الحشد و التعبئة فى المجال السيبرى ومثلت قوة مضافة للكتلة الجماهرية الحرجة و المنتفضة على أرض الواقع .
علينا التسليم بداية بأن الدعم الذى يستند اليه القذافى مازال يأتيه من الداخل ومن أطراف محلية فى الأساس . فهناك قبيلة " القذاذفة " التى تدينه له بالولاء وتعتبره عميدها . كما أن بعض أهم اعضاء قبيلتى " ورفلة و المقارحة " تتخذ جانبه . وهناك الكتائب المسلحة والجهاز الأمنى الذى قام بتسكين أولاده وعائلته فيها , فضلآ عن القاسم الأعظم من عناصر " اللجان الثورية " ,ومن ميليشيات الأفارقة المقيمين فى ليبيا منذ مطلع السبعينات و ضمن ما يعرف " بالفيلق الإسلامى لشمال أفريقيا ".
كما يستند القذافى لقاعدة أقتصادية ترسم التقاريرالدولية المتخصصة صورة جيدة وأيجابية لإستراتيجية تحديثها ونموها المستقبلى .
فعلى الرغم من التراجع الكبير في عائدات صادرات الطاقة نتيجة خفض الإنتاج – والتزامآ بحصص الإنتاج المخفضة لمنظمة الدول المصدرة للبترول ( أوبك) - فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي لبقية قطاعات الاقتصاد - غير قطاع الطاقة - نمواً بنسبة 6 في المئة في 2009 .
كما توقع تقرير صندوق النقد الدولي أن يكون الناتج المحلي الإجمالي قد حقق نمواً بنسبة 3.10 في المئة في 2010 , وكان المنتظر أن تصل تلك النسبة لنحو 3.6 في المئة في 2011 وبما يجعل الاقتصاد الليبي بين أسرع الاقتصادات العالمية نمواً خلال العام الماضي .
كما كفل التنظيم الإقتصادى الذى طرحه القذافى بالكتاب الأخضر كفالة الطلب المحلي من السلع والخدمات الأساسية وإشباع الحاجات المادية الأساسية عبر دعم عينى تموينى مباشر, وسيطرة مطلقة للقطاع العام على إدارة وتسيير النشاط الاقتصادي وصياغة تنفيذ أغلب الخطط الاقتصادية .
وقد واجه هذا القطاع أزمات متعاقبة فى السنوات الأخيرة فى ظل تآكل احتياطيات الدولة من الموارد المالية جراء تزايد مؤشر الإنفاق العام ، كما تراجعت كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية ، علاوة ععلى عجز قطاعات الإنتاج الزراعية والصناعية عن توفير عوائد مناسبة مقابل التمويلات الهائلة التي أنفقت عليها من الموازنة العامة المعتمدة كلية على إيرادات النفط الخام .
وهوالأمرالذى دفع بالقذافى لإنتهاج سياسة الخصخصة الإقتصادية وتحرير السوق وتوسيع أشكال الملكية فى عدد من القطاعات , غير أن تلك السياسات واجهت ممانعة من مؤتمرالشعب العام وظلت محصورة فى بعض القطاعات غير المؤثرة فى حياة المواطن الليبى .
وتكشف التحليلات الراصدة للتكوين الإجتماعى القبلى / المدينى عن سيطرة وأستقرارقاعدة واسعة من الفئات الوسطى / الوسطى , و الوسطى / الدنيا , وبشكل يمكن معه القول بأن معالم الحرمان والتذمروالتفاوت الطبقى الصارخ غير مطروحة ضمن حراك السياق الإجتماعى الليبى وشرائحه المتنوعة .
ويرتبط هذا المشهد الطبقى بمنحى تاريخى خاص بثورة الفاتح من سبتمبر التى قادها القذافى وحيث أنحدر كافة أعضاء مجلس قيادة الثورة من قبائل الدواخل الصغرى الفقيرة أو الفئات الاجتماعية الفقيرة بالمدن الساحلية ( عدا / محمد المقريف من قبيلة المغاربة ، وأبو بكر يونس جابر من قبيلة المجابرة ) الأمر الذى يقطع بأن ثورة الفاتح قيدت من قبل " الطبقة الوسطى الدنيا المتحدرة من الدواخل والواحات ضد العائلات المتنفذة في المدن الكبيرة وشيوخ القبائل والتى كانت مسيطرة بالعهد السنوسى .
وبالنظر إلى معطيات وأبعاد التكوين الإجتماعى والإقتصادى الليبى الراهن فأن " الخصائص النوعية المحددة للموقف الثورى " يبدو أنها لم تتضح فى المشهد الليبى قبل أندلاع الإنتفاضة المسلحة الأخيرة ضد القذافى .
فالفئات الوسطى الليبية لم تعانى من مصاعب متزايدة تدفعها نحو التذمر والثورة , كما لم تراكم احتقانآ وحرمانآ كما حدث مع نظيرتها فى تونس ومصر , كما أن تفسخ سلطة القذافى داخليآ وخارجيآ , وعجز أجنحته عن الإستمرار فى الحكم لم يشكل سمة على مستوى التنظيم السياسى القائم .
فعلى مدار سنوات حكمه تأقلم القذافى بأمتياز مع متغيرات الواقع الليبى و تناقضاته , ومع الظرف الأقليمى والدولى المحيط , وعدل من رسالته وخطابه ليصادف قبولآ من الجميع فى ظل تبنى نسخة منفحة من الإشتراكية والعروبة ثم الأفريقانية والعداء للغرب وأخيرأ الخصخصة وأقصاد السوق والإنفتاح على أمريكا.
ومن هنا يبرز من جديد " القانون الأساسى للثورة " الذى أكد عليه " لينين " فى أكثر من مناسبة وهو : أنه لا يكفى أن تدرك الجماهير المستغلة عدم امكان العيش بالطريقة القديمة وأن تطالب بتغييرها , وأنما أن يغدو المستغلون غير قادرين على الحكم بالطريقة القديمة , فالثورة مستحيلة بدون " أزمة وطنية عامة تشمل الجمهور المظلوم والطبقة الحاكمة معآ " .
ولذلك ثمة مسالب ستظل لصيقة بحركة الإحتجاج الليبى المسلح وتخلص فى أنها تفتقر إلى تناقضات سلطة حكم القذافى , وإلى الظهير الإجتماعى والقبلى العريض والناقم على حكمه , وإلى المطلب الإجتماعى والسياسى الواضح , وإلى القادة المحترفيين والبرجماتيين فى ساحة السياسة وميدان الحرب .
القذافى استوعب بحكم خبرته أن صموده مرتبط بسرعة " عسكرة الموقف ورهان القوة وإحكام سيطرته على العاصمة " , فى وقت لا يستطيع فيه الغرب أن يراهن طويلآ على القوة " غيرالمنظمة أوالمقاتلة أوالموحدة للمعارضة الثورية " , وأن يولى ثقته فى عناصر المجلس الوطنى التى يجهل حقيقة توجهاتهم السياسية والأيديولوجية .
والثابت أنه عندما تعلق الأمر بالقتال بين جيش القذافى والثوارلم يفعل هؤلاء شيئآ سوى التراجع , ولم يتم تأمين تقدمهم الجوى الإ من خلال الغارات الجوية الغربية , كما أنهم لم يستطيعون الحفاظ على مواقعهم , وأذا كانت هناك حرب فعلية تجرى الآن فهى بالآحرى بين قوات حلف الناتو الجوية وقوات القذافى البرية .
والمثير فى الموقف أن عجز الثوار يشكل الآن جزءآ من جاذبيتهم وحيث تبدو المفارقة المتناقضة لهم واضحة أذ يتحدى هؤلاء بقوتهم غيرالمدربة وتناقضات منابعهم وغياب منظمتهم سلطة قائمة وراسخة للديكتاتور/ معمر القذافى – و يخوضوا معه معركة حربية لن يستطعوا أبدآ انهائها بمفردهم .
ولذلك أستعان الثوار بمجلس الأمن الذى أستصدر قرارآ يلبى المبدأ الموصوف " بمسئولية الحماية عن المدنيين " , ولكن يظل الإلتباس قائمآ حول " أهلية و قانونية هذا العمل العسكرى" المرتبط بهذا القرار ويبقى عرضة للنقد والشك من جانب أطراف دولية ترى فى العمل الأممى المسلح خروجآ عن نطاق تطبيقه .
ومع ذلك وفى ظل توازنات القوة على الأرض فأن الثوار لن يستطيعوا حسم الموقف بدون تدخل برى حاسم من جانب حلف الأطلنطى – هذه المؤسسة الإمبريالية المعروف عنها تحيزها والتزامها بخدمة المصلحة الغربية .
ولكن لا مناص من تناول " ترياق الناتو " أذ يظل الفرصة الأخيرة أمام هؤلاء الثوار لإنجاح حركتهم المسلحة . والإ سنكون أمام سيناريو تقسيم فعلى للأراضى الليبية أو مخطط سلام يرسم القذافى وابنه سيفه الإسلام خطوطه الأساسية وبالأدوار التى يرتضوا , وباعتبارهم أصحاب سلطة خاضوا مقاومة ضد حركة عصيان مسلح لم تمتلك خبرة الموقف الثورى الخاص والمميز .
عماد مسعد محمد السبع
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟