عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 18:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة دروس يتعين الإنتباه اليها و أستخلاصها من مشهدى الثورتين التونسية و المصرية التى تستمر فعالياتهما حتى اللحظة الراهنة - تخلص فى النقاط التالية :
1- استمرار تزايد دور و تأثير الوسائط الإعلامية و المعلوماتية المتعددة فى إحداث تغييرات فى المجال العام السياسى ..
فقد عانت الأجيال الشابة المصرية و التونسية و العربية من ظاهرة موت السياسة، و من ثم الحرمان من العمل السياسى السلمى ، و كذلك من غياب الآمال و الفرص الاجتماعية و الخروج من دائرة البطالة أو الحراك الاجتماعى لأعلى ، فضلا عن قسوة الأجهزة الأمنية و الانتهاكات الممنهجة للكرامة الإنسانية و لحقوقهم الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية..
فالأجيال الشابة كانت تفتقر لمدارس سياسية تتعلم و تمارس من خلالها السياسة تتمثل فى الأحزاب , ومن هنا لجئت بحكم أعمارها لاستخدام و توظيف لغة و أدوات الوسائط الاتصالية و المعلوماتية الجديدة و مواقع التواصل الاجتماعى ــ تويتر و الفيس بوك ــ وبهدف بناء شبكات اتصالية للمناصرة المحلية و الإقليمية , و فى مجال التنظيم و التعبئة السياسية على الواقع الافتراضى ..
2 - ـ غياب العمال و الفلاحين عن المشهد الثورى بدرجات متفاوتة يؤشر لمتغيرات بصدد ماهية القوى الإجتماعية صاحبة المصلحة فى التحولات التاريخية الكبرى - و بحسب الفهم الماركسى التقليدى .
فاجندة الحريات السياسية و الدستورية وحقوق الإنسان و الديموقراطية صارت لها أولوية عند قطاعات و شرائح شابة متنوعة , و فى ظل تراجع نسبى لجدول الأعمال الإجتماعى و الطبقى المعلن ..
فأبناء و شباب الفئات الوسطى خاضوا معركة إسقاط النظامين بوصفه خصمآ طبقيآ , غير داعم لمواقفها و مصالحها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ..
و كان اللافت أن هذه الفئات الوسطى برهنت على أنها لا تحيا فقط على المزايا الاجتماعية من التعليم والضمان الصحى و التأمينات والسيارات وامتلاك المساكن.. الخ، وإنما تحتاج غلى سياسة للأمل فى مجال تقرير مصائر السياسة فى بلادها ، و فى التعبير عن آرائها و تطلعاتها و المشاركة الفعالة فى المؤسسات السياسية..
3 - أن هناك حدودآ لتماسك المنظومات الأمنية فى ظل الأزمات الكبرى و الانتفاضات الشعبية . و حيث تؤدى عمليات التظاهر و الاحتجاج و استمراريتها إلى انكسار التماسك البنيوى داخل هذه المنظومة ، و ذلك على الرغم من أن قادة الأجهزة الأمنية التونسية والمصرية وكوادرها كانوا يدافعون بشراسة عن النظام ، و لكن دون جدوى . لأن الإدارة السياسية كانت غائبة تماما منذ عقود عن ممارسة أى دور ذى طبيعة سياسية , ومع إسناد كل القضايا والمشاكل و الأزمات هذه الأجهزة الأمنية...
4ـ أن هناك حدودآ للدعم الخارجى ( الغربى ــ الأمريكى والأوروبى والإسرائيلى ) لبعض الأنظمة الحليفة ، فلم تعد الجماهير الشابة المنتفضة تثق فى دور الأمريكان و الأوروبيين فى دعم حقوق الإنسان و عملية الإصلاح السياسى والاجتماعى والاقتصادى , بل و يعتبرونها عقبة إزاء نيل حريتهم و محض كلمات مستهلكة لا معنى و لا قيمة لها..
5ـ إن ثمة استعارات رمزية لأشكال الاحتجاج يمكن ملاحظتها بين الأجيال الشابة الغاضبة فى المنطقة، تنتقل بسرعة و تلاحق من بلد لآخر و يتم تطويرها فى كل حالة عربية إلى آفاق أكثر فاعلية كما فى المثال المصرى البارز.. ولاسيما فى مجال التنظيم، و امكانيات التعبئة و التحريك و تبادل المعلومات عبر آليات أسرع من أجهزة الدولة و قادتها وخاصة على المستويين الاتصالى و المعلوماتى..
6 - ـ بروز توجه وطنى داخل المؤسسات العسكرية فى التجربتين المصرية والتونسية بعدم الانخراط فى عمليات قمع التوجهات و المصالح الجماهيرية واسعة النطاق .. و هو الأمر الذى يدعم الرأى بامكانية تحييد ( الجيش ) - فى التكوين الإجتماعى العربى - و كقوة مالكة للقوة و العنف المادى المنظم ضمن الصراعات الإجتماعية الكبرى , و من ثم إعطاب انحيازات ( العسكر ) الطبقية / المدنية و الموالية للفئات البرجوازية القابضة على السلطة و أدارة عمليات النظام..
7ــ إن ظاهرة موت السياسة شملت المعارضة و الحزب الحاكم ( الوطنى فى مصر - و التجمع الدستورى فى تونس ) على حد سواء . فهناك فجوات إدراكية و نفسية و معلوماتية بين تلك الطبقة السياسية التى تبدو على مسرح الفعل السياسى ، و بين ما كان يجرى على ارض الانتفاضة الإجتماعية .. و هو ما جعل تصريحات ولغة هذه الرموز ( موالاة - معارضة ) تبدو تقليدية و خشبية و تعكس جمودا ذهنيا و فقدانا للمهارات و الخيال السياسى و القدرة على التكيف مع هذا الواقع ..
8 - أن تلك الأنظمة السلطوية تعتمد على جهاز إعلامى غير كفء و غير مهنى و يدار بأساليب تنتمى لنمط تعبوى يعيد تكرار تراث من اللغو الشعاراتى وب ما يزيد من الغضب و الحنق فى مواجهة هذه الطبقة السياسية . و مما لا شك فيه أن هذا النمط من الإدارة الإعلامية التعبوية و غير المهنية أدى لإتساع الفجوة بين هذه السلطة الحاكمة و بين الجمهور..
9 ــ إن المؤسسات الدينية الإسلامية و المسيحية الرسمية فشلت مطالباتها المؤيدة للنظامين و فى جذب الدعم الشعبى لها .. و هو ما يعكس ادركآ شعبيآ بتبعية هذه المؤسسات للسطلة الحاكمة ..
بل أن شباب الأقباط فى مصر كسروا تعليمات واوامر المرجعية البابوية ,
و شاركوا أخوتهم فى الثورة , و برزوا بقوة فى ميدان التحرير و الساحات العامة..
10 - ــ غياب و بطء المعالجة السياسية للأمور من جانب النظامين و قادته الرئيسيين أثناء الثورتين التى كانت تتطور على الارض فى ديناميكية و سرعة و اتساع بفعل الزخم الجماهيرى ..
كما واكب ذلك ضعف واضح فى المهنية و الكفاءة لدى الأجهزة الأمنية .
و حيث ادى اختصار النظام الأمنى و قطاعاته فى مجرد ( الأمن السياسى ) أدى إلى خلل تلك المنظومة الأمنية و اختزالها فى مجرد دعم النظام و حماية رجال السلطة الكبار و التحالف المهمين على الحكم ...
تلك هى أهم الدروس التى يتعين الإنتباه اليها فى هذه المرحلة الفارقة من تطور حياة الثورتين التونسية و المصرية . و التى يجيب أن تكون محل اعتداد و نظر من الجمهور العربى المنتفض من المحيط فى المغرب و حتى البحرين فى أقصى الخليج
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟