أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - -رماديات- جريس دبيات تضيء شعراً















المزيد.....

-رماديات- جريس دبيات تضيء شعراً


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 22:27
المحور: الادب والفن
    


"رماديات" جريس دبيات تضيء شعراً
بقلم: نبيل عودة
يقول الغزالي: "كل علم لا يحصل إلا عن علمين سابقين يتألفان ويزدوجان على وجه مخصوص، فيحصل من ازدواجهما علم ثلث".
وللشاعر جريس دبيات ديوانان سابقان "فائتلفنا وازدوجا" ليتحفنا "بعلمه الثالث" ديواناً رمادياً. وما أدراك ما الرماديات...؟ ويجتهد جريس ليشرح لنا رمادياته:
" تسائلني نويرة عن حروفي
وما فيها سوى فحم المداد
لم اخترت الرماد، وكيف ترضى
تساوي بين شعرك والرماد؟
فقلت: يجوز من رمد بعيني
فلا تجلو البياض من السواد
كذاك يجوز من دنيا غرور
تذر رمادها في عين صاد
سأحرق أحرفي وألم منها
رماداً يرتجى لنفاذ زاد."
ومع ذلك يجوز ما لا يريد الشاعر أن يعترف به، الواقع الرمادي الذي يحياه شعبنا، وكل فرد فينا، فهو لم يقل "سواديات" لأنه ما زال متفائلاً: "إن نعم الله على الكفار في الدنيا كنعمه على المؤمنين" كما يؤمن المعتزلة. فهل أنضم جريس إليهم بعد أن طال غيابهم؟! أم هي محاولة لاختراق كابوس الواقع الذي نحياه، وليس الواقع السياسي فقط، إنما واقع الاختناق الاجتماعي والإنساني في ظل ما يفرضه علينا دخلاء جاؤوا ليرثوا الأرض وليرثوا التاريخ، وليرثوا الفرح، وليرثوا عشقنا لإنسان هذه الأرض؟!
ولكن كما يؤكد جريس في قصيدة من "القدس إلى الفرات"
"وقفنا لصد الظلم، إذ جاوز المدى.
أباء، وكنا السدّ إذ طفح السيل
وحيدين، والزيتون في القدس صامد
ويشمخ في أرض العراق به النخل".
جريس أعطى لهذه القصيدة المليئة بالتحدي، اسم "من القدس إلى الفرات" ولم يقل إلى بغداد، وهذا ليس صدفة، فقلبه مع الشعب العراقي، شعب الفرات، شعب "شاعر الفرات" وليس مع "النظام" بمفهومه السياسي الضيق، ويقول:
" فرات ومرّ الكيد – لا بد – عابر
فاسدُ الشرى ما حل غيلهم ذل
وقدس – وليل الرجس – لا شك – سافر
فلن يطمس اسم الله سيف ولا قفل".
وهو هنا لم يستطع إلا أن يجند ما قاله مظفر النواب "للمتنافخين شرفاً" في "ليل الرجس" ليل اغتصاب القدس، واغتصاب حق الشعب الفلسطيني في ليل السواد العربي، الذي يصر جريس على تفاؤله وتسميته بالرمادي، حقاً لا يملك الشعراء غير التفاؤل، فهو نافذتهم للتحليق مع الكلمات لتصبح أقوى من جنازير الدبابات التي تشوه وجه الأرض الفلسطينية لتصبح القصيدة حجراً بيد طفل يتحدى مجنزرة.. فان حل التشاؤم تحل الهزيمة.
شدتني بشكل خاص قصيدته التي تدفقت كلماتها وهو: "أمام مصحف عثمان في أستنبول" وهي مناسبة ليشغل فكرة فيما نعايشه. وكأن الزمان يعود:
"ما جاز طرفي لمع ماسهم
إن كان ما احتلوا أو اكتسبوا
ويذيبني من شال فكهم
وأطل فجر حيثما ركبوا
خذني لتاريخ الورى عبراً
لتنير دربي كيفما أتب"
حقاً يا جريس تاريخنا يعرف طرق الخلاص، ويعرف طرق الصمود، ويعرف طرق الانتقام، ويعرف طرق التسامح وكل أمر جيد في حينه.
" صفحاته الغراء شاهدة
إن الرسالة مدّها العرب
لما وقفت به تملكني
مما أراه الفخر والعجب
هذه الحروف ضمان وحدتنا
مهما تمادى القوم واحتربوا".
إلى أن يقول بثقة وتقريرية بعض الشيء، ويبدو أنه لم يكن مفر في ذلك.
"الظلم مملكة وزائلة
مهما علت في دارها الرتب"
والآن لا بد من الاعتراف...
انتظرت ديوان جريس دبيات الثالث، "رماديات" بشوق وترقب، وعلى لساني قول علي بن أبي طالب : "قيمة كل امرئ ما يحسنه" وجريس أثبت في دواوينه السابقة شاعريته، وإحسانه للنص، وللموسيقى المتدفقة بصياغة القصيدة، ومعرفته الواعية إن لشعرنا أيضاً "رمادياته" فيعلن بلحظة غضب على واقع نحياه:
في زمان الرخص والذوق الهزيل
وامتهان الحرف والشعر الجميل
أصبح الإبداع شبه مستحيل"
وجريس يتحدى هذا المستحيل مع باقة أخرى "من شعرائنا وأدبائنا، الذين لم تحل عليهم "الروح القدس" لإعلامنا المحلي، ولنقدنا المسيس، "نقد" العلاقات الخاصة، فيواجههم بلا تردد بصريح القول:
"شاعر يحكم في كل الفنون
يقرض الشعر فترويه السنون
وهو لا حس ولا حتى جنون.
حقاً واجهتني مشكلة حين كتبت عن ديوان جريس الثاني "تظلين أحلى"، فقيل لي أن هذا ليس نقداً؟ وأنا والله لست ناقداً، ولكن هل من نقد أخر؟ ويبدو أنه لا بد من سؤال، وليس بهدف الإجابة عليه: هل لدينا حركة نقدية نشطة، تتجاوز كتاباتي النقدية في تعاملها مع أدبنا المحلي؟! وسؤال أخر: هل للنقد مفاهيم ومقاييس محددة كالعلوم التطبيقية مثلاً؟! وهل النقد (في أدبنا المحلي) هو ممارسة البعض للعلاقات العامة، عبر اختيار "أسماء لامعة"، بتصميم وسبق إصرار وقبل الاطلاع على المضمون وهل هو إضفاء صفات بلا حساب على بعض "القرب المنفوخة" ليقولوا عني فيما بعد "ناقد كبير" أو "كاتب كبير"؟!
الكتابة هي مسؤولية اجتماعية وثقافية وسياسية ومفاهيم "البعض" عن النقد يوازي مفاهيمنا عن "المتعاون" وأنا لن أكون كذلك، حتى لو بقيت لوحدي حاملاً السلم بالعرض.
منذ أخذت قراري الواضح، بمتابعة إنتاجناً الأدبي المحلي، كانت الصورة واضحة لي، بأن قراري هو رد فعل على أجواء غير صحية، تهمل، ولا تمهل فقط، الأدباء الناشئين. البعض أقاموا لأنفسهم "عجولا ذهبية" يواصلون عبادتها، وهذا حقهم وزادهم فليهنئوا.
لا أنفي أن الكثير من الأعمال النقدية كانت جادة وعميقة، وساهمت بدفع حركتنا الأدبية، ولكن للأسف هذه الأعمال تميزت بمحدوديتها وضيق مساحتها، وبتغيب لأكثرية الأسماء الأدبية.
اليوم يوجد "تسيب" أدبي، مع ذلك توجد تجارب جيدة، وأدباء واعدون، ولكنهم يدفعونهم "للربع الخالي اليائس" ومن هنا تجيء إطلالاتي على الأسماء "غير اللامعة" وأجد عند بعضهم من يمدني بمساحة واسعة من الثقة، بأن خياري لهم كان صحيحاً ويتناسب مع مفاهيمي عن مسؤولية الكتابة، وخاصة النقد، والباب الذي يصح وُلوجَه لتنشيط حركتنا الأدبية وليس مراقبتها فقط.
النقلة الأساسية في ديوان جريس دبيات "رماديات" هي قناعته الواضحة، بقدراته الفنية والأدبية؟ ربما نجد في الديوانين السابقين، خاصة الديوان الأول، جهداً للصعود نحو القمة، والكثيرون يصيبهم هنا ما أصاب سيزيف ، فيسقطون مع "صخورهم الشعرية" كلما دنوا من القمة. جريس يبدو واضحاً خروجه بثقة من "لعنة الآلهة" على سيزيف ولا يقاتل ليصبح لامعاً، يترك هذا للتاريخ... ربما نوع من اليأس؟!
هذا الأمر لاحظته أيضاً لدى عدد من الشعراء وهو ما يجعلني أثق أن "الوعي الأدبي" يتجاوز "الحماسة" السيزيفية للوصول إلى القمة، وهو الضمانة للإبداع الحقيقي، حسب قناعتي.
ولكن لا بد من سؤال، أيكون السبب في الجيل؟! فجريس يقول:
"ما الذي أرجوه بعد الأربعين؟
نصف جسمي حمل أوجاع السنين
نصفه الآخر بقايا أسبرين".
قراءة ديوان "رماديات" لجريس دبيات تجعلنا نشعر بخيط رفيع من الحزن على أيام الشباب التي تولي. فنجده يقول في "اللوز المر".
"لم يعد لي في جوازي
صورة قد يطرب القلب إليها
صفحة قد تختم العيد عليها
سلمت للخمسين
أوراق اعتمادي".
ومع ذلك لا بد أن أقول أن جريس يبدع بتعبيراته عن هذه المرحلة، وهي لا تخلو من الرؤية الساخرة، من قبول الحياة بقانونها الصارم، والبحث عن الفرح، رغم كل شيء، وبإبقاء الذهن نقيا صافيا، لاذع الملاحظة، ساخراً من الظواهر، ومليئاً بالدعابة، بل وأحياناً الدعابة السوداء من الذات، وهي توازي تراكم التجربة الحياتية، وروح تفوح بشذا الشعر ورونقه، خاصة عندما تصوغها يد شاعر فنان:
"ليس بالخلق ولا النص البديع
أو بما تلقيه في إذن السميع
إنما بالرشو يطريك الجميع"
حقاً في كلمات جريس غضب، ولكن السخرية اللاذعة تشق قبلية الغضب إلى الابتسامة الساخرة، وهي أرقى أشكال الغضب.
"ظل يحكي وأنا لا أنبس
شاعر ينضح منه النرجس
كدت أحكي قال: لا يا جريس!"
ولكن جريس لم يصمت، هذه حقيقة، فها هو يعود ألينا بنفسه الشعري ساخراً أكثر من أي مرة، ولكنه متفائلاً رغم كل شيء، حتى لو قاده تفاؤله إلى الجحيم.
"اتبعوني واسمعوا رأيي السليم
واسلكوا خلفي طريقي المستقيم
أسوأ الحالات، نمضي للجحيم".
أبدا يا جريس، من يقرأ كلماتك وسيمفونياتك الشعرية، سيعزز تفاؤله رغم خيوط الحزن التي تمتد عبر مسارات رمادياتك، وسيجد نفسه بجحيم آخر.. جحيم الشعر الحقيقي.
[email protected]
- ولد جريس دبيات في كفركنا (قانا الجليل) – قضاء الناصرة سنة 1950 .
انهى دراسته الجامعية في جامعة حيفا سنة 1970 في موضوعي الأسلام واللغة العربية .
عمل منذ ذلك الوقت في تدريس اللغة العربية في المدارس الثانوية حتى خرج الى التقاعد سنة 2006 .
ينظم الشعر منذ صباه ، الا انه مقلّ فيه ، وقد صدرت له ثلاث مجموعات شعرية هي :
مع اطلالة الفجر سنة 1994
تظلين احلى سنة 1996
رماديات سنة 2001
كرمى لها (...)



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل أعمال محترم!!
- حول قرار الإضراب يوم الأرض
- جريس عواد بين هندسة الأرقام والمساحات وهندسة الثقافة والأفكا ...
- انتهى عصر الجماهير الغفورة!!
- الحمار يستعيد مجده...
- السلاح الحاسم الذي نطمح إليه.
- ثوار ميادين التحرير قادرون على إنهاء الانحياز الأمريكي
- طلب انتساب إلى الشعب المصري!
- لاح فجر جديد ...
- كتاب -منزلق خطر- للمحامي جواد بولس
- ثلاثة أخطاء فلسفية
- في وداع الصديق ورفيق الدرب والأديب المبدع عفيف صلاح سالم
- بعيدا عن السياسة - قريبا للهم الثقافي
- مداخلة حول طروحات المفكر سلامة كيلة - من هو الشيوعي اليوم؟
- رؤية سياسية: أشكنازي هو الزعيم القادم لحزب العمل
- المناضل الوطني أحمد جربوتي، في كتابه الجديد عن عبد الناصر يح ...
- العرب والمؤامرات - هل من دور عربي في مواجهتها؟!
- من السهل بدء انقلاب في لبنان - من الصعب انجازه!!
- الانفصال في السودان: نهج سيتسارع في الواقع العربي البائس!!!
- التباس الوعي القصصي


المزيد.....




- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - -رماديات- جريس دبيات تضيء شعراً