أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمال علي الحلاق - المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة















المزيد.....

المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3286 - 2011 / 2 / 23 - 13:48
المحور: حقوق الانسان
    


لسنا في سيرك ، الا أنّ اللحظة التاريخية الراهنة تبدو كما لو أنّها تحدث داخل سيرك عالمي ، فما يحدث في البلدان العربية سينتقل كالعدوى الى بلدان وشعوب أخرى في أفريقيا وآسيا وأمريكيا الجنوبية ، إنّها لحظة تاريخية حاسمة ، بداية نهاية سلطة الفرد في الشرق ، بعد أن حدث ذلك في أوربا مع الثورة الفرنسية .

***

حبل يمتدّ بين قمّتين متابعدتين جداً ، يفصلهما وادٍ عميقٍ الى درجة أن لا قرار له ، وبالتأكيد فإنّ الوصف الرمزي هذا يكشف عن عمق الفجوة الطبقية بين الشعوب وحكوماتها في الوطن العربي ، بين السلطة وشرعيّتها .

***

الوادي هو نقطة الحسم ، وعليه فإنّ المشي غير المستقر على الحبل سيقود بأحد الطرفين المتقابلين الى السقوط قرار الوادي السحيق ، أي أنّ المراهنة هنا على البقاء أو الإنمحاء ، إمّا الدخول الى التاريخ البشري من بوّابة لحظته الراهنة وإمّا الخروج من التاريخ الى أجل غير مسمّى .

***

السقوط الى وادٍ بلا قرار يشبه تماماً آلية الحذف من الذاكرة ، إنّه سقوط محاط بطردٍ أخلاقي ، أو بنبذٍ إجتماعي ، ونفيٍّ إنساني . السقوط لحظة تعادل وجود الحاكم ووجود الشعب ، لحظة تعادل الوجود بأكمله ، وعليه فإنّ السقوط يبدو كما لو ليس هناك إنوجاد بعده .

***

أريد أن أستثمر هنا إحدى أساطير الموروث الديني ، وأقصد تحديداً الصراط المستقيم ، فأقول : إنّ اللحظة الراهنة للشعوب العربية ولحكوماتها ، يشبه تماماً عملية المشي على الصراط ، وعليه فإنّ الجنّة هي حصّة العابر الى ضفة الآخر ، ولا مكان للعاجز عن تكملة العبور سوى الجحيم ، سيّان في ذلك الشعب أم الحكومة .

***

وبالتأكيد فإنّه كلّما اتّسعت مسافة البعد كلّما توتّر الحبل الممتدّ بين القمّتين . وتوتّر الحبل حافز للشعوب ، ودافع لها للمشي ، ولو على قلقٍ وحذرٍ كبيرين .

***

وحتى لا تكون كلمة ( قمّة ) مجرّدة وخالية من أيّ دلالة ، أقول يمكن إتّخاذ بيت رئيس الحكومة – أيّ رئيس - المجهّز والمكيّف بكلّ وسائل الراحة والطمأنينة كدالة لإحدى القمّتين ، وهنا سيقف قبالتها بيت أفقر عائلة بين صفوف الشعب ، سواء أكان بيتاً من طين أو بيتاً من صفيح ، سيقف كدلالة للقمّة على الجهة الأخرى ، وبالتأكيد ، كلّما كان الفارق هائلاً كلّما انفصلت الحكومة عن الشعب ، وكلّما فقدت شرعيّتها .

***

وهنا ، حين تكون المسافة الفاصلة بين القمّتين بحيث لا يمكن قياسها أو حتى المقارنة بينهما ، سيخطو الشعب - مُرغماً تحت ضغط أعباء الحياة اليومية - خطواته الأولى على الحبل صعوداً الى مشاعية السلطة ومشاعية المال العام من أجل استرداد حقّه في الحياة ، وحقّه في الإنسانيّة ، وستكون البداية مؤثّثة بالشرعية ، وكون البداية تمتلك شرعيتها فإنّ المبادرة على الخطو تجعل الحكومة تصحو من غفوتها ، أو من عنجهيّتها ، وتدفعها الى أن تخطو هي الأخرى خطوات تنازلها الأولى بحثاً عن الشرعية المنزوعة .

***

مع أوّل خطوة للشعب تفقد الحكومة شرعيّتها ، وكلّما تقدّم الشعب كلّما ابتعدت الشرعية أكثر وأكثر عن الحكومة .

***

ولكي يكون الحديث واضحاً ، أقول : أنّ الشعوب وحكوماتها معاً يمشيان على حبل واحد في وقت واحد معاً ، وكلاهما يريد العبور الى الجهة المعاكسة قبل الآخر ، الشعب يريد العبور الى استرداد السلطة والمال العام ، والحكومة تريد العبور الى استرداد الشرعية المنزوعة .

***

وكما تتعاكس جهات المشي تتعاكس أسبابها ، فالشعب يريد العبور الى السلطة من أجل تأميم الخدمات الإجتماعية ، تأميم فرص العمل من الحسّ الفئوي ، وتأميم رأس المال العام ، جعل البلد ، أيّ بلد ، للجميع وليس لعائلة أو طائفة أو حزب أو قومية .

بينما تحاول الحكومات بمشيها على الحبل العبور الى جهة الشعب من أجل تمتين أسس بقائها كعائلة أو طائفة أو محاصصة . الحكومة تبحث عن شرعية بقائها ، وتعلم جيّداً أن لا شرعية لها سوى العبور الى الشعب ، وأن ينزل الرئيس وحكومته الى الشارع وأن تّتسخ أحذيتهم بالطين والنجاسة أسوة باتّساخ أقدام الشعب .


***

وبالتأكيد حين يبدأ الطرفان مشيهما على الحبل في وقت واحد معا ، فإنّ على أحدهما أن يتحرّك بسرعة أكثر ، لأنّهما بعكس ذلك سيلتقيان على الحبل عند المنتصف ، وهو مكان لا يصلح للتحاور ، ولا يحقّق هدنة أو حتى مهادنة ، لأنّ على أحدهما أن يتنحّى جانباً من أجل أن يعبر الآخر .

من هنا تلجأ الحكومة الى كلّ أساليب الدسّ والتلفيق والإتّهام ، بثّ الخوف بين صفوف الشعب ، وقد تستخدم بعض أو كلّ آليات العنف والقمع من أجل أن يتحقّق لها العبور الى جهة استرداد الشرعية ، وفي المقابل ، يحاول الشعب أن يكشف عن أقصى حسّه المدني الإنساني المتحضّر ، عبر تظاهرات سلميّة راقية ، من أجل أن يكشف للمتخلّفين عن اللحاق به من أبناء الشعب ، أو من الموالين للطرف الآخر ، زور وكذب إدّعاءات الحكومة في كلّ خطواتها .

***

السؤال الذي ينمو الآن كالفطر ، هل يمكن أن يقود صعود الشعب ونزول الحكومة الى خلق الطبقة الوسطى ؟

لكن ألا يعني ذلك وجود طبقة فقراء أيضاً ، المطلوب إذن إلغاء الطبقة الفقيرة ، إلغاء كلّ مقوّمات الفقر ، سواء أكانت مقوّمات إقتصادية ، عبر العمل على هدم الفوارق الإجتماعية ، أو مقوّمات ثقافية ، وهنا لا بدّ من العمل على إلغاء الثقافة التي تقول : " الجنّة للفقراء " ، أو " الفقراء يدخلون الجنّة أوّلا " ، لأنّها ثقافة تعمل على تدجين طبقة الفقراء عبر استغفالهم ومواصلة سرقة قوتهم وقوت أبنائهم .

***

الفقراء أناس أحياء على الأرض ، ولهم الحقّ في أن يمتلكوا كرامة الحي ، لا أن نملأ رؤوسهم بهلوسة ما بعد الموت ، ولا أن نتجاهل وجودهم .

***

الحكومة تسقط عندما يسقط الفقير من ذاكرتها .

***

لا جنّة للفقير على الأرض إلا بإلغاء الفارق الطبقي ، وفتح نوافذ الحياة بالتساوي ، أو على الأقل جعل الفقراء أكثر قرباً الى الحياة من الموت ، ولا يكون ذلك إلا بتجاوز خط الفقر وضمان حياة كريمة لا يشعر فيها الفرد بالعوز أيّاً كان شكل العوز أو مستواه .

***

الفقراء هم أسرع أفراد الشعب مشياً على الحبل حين تُقرع أجراس الثورة .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكنسة شعار الثورة العراقية
- خدمات لا مساجد
- أزمة الثورة الإنفعالية
- نحن جيل محظوظ
- هل يحقّ لنا إغلاق المساجد ؟ قراءة في سطحية الخطاب الإسلاموي
- أزمة الإيمان والمؤمنين
- أزمة المعرفة الجاهلة
- من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية المجتمع
- الصخرة لا تنزل يا كامو / إعتذار متأخّر لبشرى
- قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟
- نزهة القائد العام للحواس
- إحباط ليس في أوانه
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...


المزيد.....




- عائلات الأسرى: نتنياهو جعلنا نترجى ترامب لإنجاز صفقة ووقف ال ...
- بعد عامين على إصلاح قانون عمل المهاجرين في إسبانيا.. نتائج - ...
- إسرائيل ترفض تعهدا جديدا من الشرع بحماية الأقليات
- رئيس وزراء فلسطين يدعو لتكثيف الجهود الدولية لوقف المجاعة بغ ...
- اعتقال مراسلة ومصور أثناء تغطية مظاهرة داعمة للمهاجرين في أو ...
- DW تتحقق: فيديو مضلل يشعل العنف ضد المهاجرين في إسبانيا
- إسرائيل ترفض تعهدا جديدا من الشرع بحماية الأقليات
- حصار خانق يُفاقم أزمة الغذاء في غزة والمجاعة تفتك بالسكان
- إسرائيل ترفض تعهد الشرع بحماية الأقليات وتطالب بضمانات دولية ...
- السعودية.. وزارة الداخلية تعلن إعدام مواطن في نجران وتكشف ما ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جمال علي الحلاق - المشي على الحبل : قراءة في اللحظة التاريخية الراهنة