أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جمال علي الحلاق - قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟















المزيد.....

قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 01:31
المحور: سيرة ذاتية
    




في داخل كلّ فردٍ بوصلةٌ تقوده الى خصوصيته ، تأخذه بعلمه أو بغير علمه ، تُحدّد له زوايا الإبحار والسفر . والفرد - أيّ فرد -يشعر بالطمأنينة فقط حينما تكون بوصلته الداخلية قريبةً جداً في اتّجاهها من بوصلات المحيطين به ، أُسرةً ورفقةً ومجتمعاً ، غير أنّ الأمر لا يتبع رغباتنا دائما .

فجأة ، نجد أنفسنا وحيدين على جزر مأهولة بكلّ أشكال البشر وألوانهم ، إنّها مقلوب تجربة ( حي بن يقظان ، وروبنسون كروزو ) ، نحن ذاكرة من رخام ، في حاضر يسيل ، نحاول أن نبني حياتنا الجديدة بطابوق سائل ، ومع هذا يبقى فينا شيء من التوق الى ما لم نعرفه بعد ، نتقدّم خارج الإتّجاه في مجهول غائم ، لكنّنا نتقدّم برغبة وحب أيضا .

ننشغل بشوقنا الى المستقبل ، وتأخذنا التفاصيل الدقيقة لحياتنا اليوميّة ، نبدو منشغلين حدّ النخاع ، بل إنّنا منشغلون حقّاً ، في عمرٍ كأنّه مصعد يتأرجح بين السطح والقاع .

ثمّ فجأة ، جرس إنذار يكسر رتابة الإنشغال ، يقتحمنا بقوّة وعنف ، شعور يحتلّنا ، يطالبنا بالإلتفاف ، ليس الى الوراء فقط ، بل نتلفّت جنوباً وشمالاً ، نتلفّت كثيراً الى الأمام ، وهنا ، في ذروة الحنين الى الماضي ، وفي ذروة الشوق الى القادم ، في لبّة هذا الصراع اليومي ، الذي نتراكض تحت قذائفه مذهولين أحياناً ، نحاول الإختباء تحت رغبة ما ، وليس تحت يأس ، نرى بارقة للأمل فنهرول ، نتبع البريق ، وجرح صغير يفتح أبواباً للحزن ، يجعلنا ننكفئ على أنفسنا مثل قنافذ داهمها خوف طارئ .

في لبّة هذا الصراع ، وفجأة ، ودون أن ننتبه لنموّها ، تنتصب قامة جديدة ، قامة لها من الطول طولنا أو تزيد ، ولها من الحيرة ما لنا ، قامة كانت معنا ، لكنّنا كنّا منشغلين عن إنتصابها بركضنا اليومي ، قامة تعلن إنتصابها فجأة ، تقف أمام ركضنا كجدار ، تجبرنا على التوقّف ، وتأخذنا من ياقاتنا الى تأمّل بوصلاتنا الداخلية ثانيةً وثالثة ، تعيد إلينا هويّتنا ، فطرتنا الأولى ، التأمّل ، وبعمق : الى من ؟ والى أين ؟

سؤال كأنّه لغم ، لغمٌ مخبوءٌ في أجسادنا ، يشاطرنا رحيلنا المزمن ، لكنّه فجأةً ، يكفّ عن أن يكون لغماً مخبوءاً ، هكذا ، يقرّر أن ينفجر .

حدث ذلك معي ، في صباح باكر ، وعلى مائدة الإفطار ، بينما تجلس العائلة ذات الخمسة أفراد ، ( بلاد ) لا تزال خيوط عنكبوت النعاس على عينيها ، ( بشرى ) منشغلة بخلق المناخ الصباحي ، وكما لو أنّه يستقظ من غيبوبة طويلة وعميقة ، حاصرنا إبني ( علي ) ذو الستة عشر ربيعا بقوله : ليكن حديثنا الآن جاداً ، أريد أن نتحدّث بجدّ عن ( الإنتماء ) .

كان كمن يرمي عن كتفيه قلقاً هائلاً ، أراد أن يتخلّص من حيرةٍ بدأت تصعد كالتسونامي الى أفكاره وسلوكياته ، ولأنّه ليس انطوائياً ، وليس انهزاميّاً أيضا ، وكمن يرمي النرد رمى سؤاله على المائدة ، سؤال كأنّه بئر ونحن نجلس عند فوهته ، كان يريد الخروج من البئر ، وكنّا القافلة التي تعبر الحياة معه ، بل كما لو أنّ العائلة ركبٌ على جَمَلٍ واحد من جِمال الوقت يعبر بنا غباء المسافات الطويلة ( لا تزال تشابيهي بدويّة ! ) .

سؤال كأنّه البوصلة ، وكانت يد ( علي ) كأنّها عقرب الإتّجاه .

أشار الى أخته الكبرى ( نورس ) أن تكون هي المبادرة الأولى في طرح فهمها للإنتماء ، فأجابت بعد تأمّل شفاف : " أنا لا أنتمي للثقافة التي لا أجد نفسي فيها " ، وهذا يعني أنّها لا تريد أن تكون كائناً سلبياً داخل المجتمع ، على العكس تماماً تريد أن تساهم في عملية إنتاج الثقافة التي تنتمي إليها ، أو تشعر بالإنتماء إليها . أعجبته الإجابة فهو لا يريد أن يكون فائضاً ، وفي نفس الوقت يكره التلقين .

هنا التفتَ إليّ بهدوء سبق أن عاشه مع نفسه ، فالجلسة لم تكن ارتجالاً ، بل خطط لها ، كان بإمكانه أن يسألني على انفراد ، لأنّنا غالباً ما ندخل حوارات عميقة كهذه ، بل إنّني أحبّ التحدّث إليه ومعه كثيرا ، لكنّه خطّط لكلّ شيء ، وانتظر اجتماع العائلة كلّها معا ، أراد إجابة محدّدة وأمام الجميع ، لذا قال لي : أعرف أنّك لا تنتمي للعراق ، ولا تنتمي لأستراليا ، ولكن يجب أن يكون هناك شيء ما تنتمي إليه ، فلمن تنتمي ؟

لقد كان جادّاً تماما في الطرح ، وبدا السؤال كما لو أنّه محاولة في تحديد المصير ، وأنّ السفينة لا بدّ لها من جهة ، ولا بدّ لها من غاية ، فنحن لا نهيم في الحياة ، هكذا ، تائهين ، دون إشارة أو علامة تقود الى طريق ، لذا أحببتُ أن تكون إجابتي بمستوى قلقه هذا ، وأحببتُ أن أذهب مع قلقه الى أقصاه .

قلت بهدوء : لا يمكن للفرد أن يعيش بغير انتماء ، لكن ، لمن ينتمي فهذا سؤال خطر ، لأنّه سؤال شخصي جداً .

أشعر أنّني إنسان ، وهذا يعني أنّني أنتمي للإنسان ، والإنسان موجود في كلّ مكان على الأرض ، وهذا يعني أنّني أنتمي للإنسان الموجود في كلّ مكان ، وحتى لا يكون كلامي هلاميّاً وبلا تحديد فأنا أنتمي للإنسان المنفتح ، الذي لا يسجن نفسه في حلقة ضيّقة ، ولا يجعل وجوده حجر عثرة أمام تقدّم الآخرين ، والتقدّم هنا بدلالة الرفاهية الإجتماعية مع نمو الوعي البشري إزاء طلاسم الكون والوجود ، أنا أنتمي للإنسان الذي يريد - ويحاول حقّاً – تغيير وتجديد الحياة البشرية ، لا أشعر بالإنتماء للدمار والخراب حيثما كان ، ولا أنتمي للقتلة ، أنا ضدّ القتل تحت أيّ شعار كان ، ضدّ عقوبة الإعدام أيضا ، لا أنتمي للعراق كخراب ، لكنّني أشعر بصلة نسبي للحضارات القديمة الأولى ولومضات الضوء هنا وهناك على مدار تاريخه ، أحمل ذلك معي في الطريق ، إنّه معي حيثما كنت ، لأنّه زمني الخاص ، لكنّني أنتمي لزها حديد وهي تعيد صياغة المعمار الإنساني مثلما أنتمي لأديسون الذي أنار ليل البشرية الطويل ، وأنتمي لستيفن هاوكنغ وهو يسبر أغوار الكون ، مثلما أنتمي لرغبة جيسيكا داوتسن في اكتشاف العالم عبر مغامرة تحيي الآلهة الأغريقية وهي رميم ، أنتمي لكلّ هؤلاء ، مثلما أنتمي لآخرين لا أعرفهم يحاولون ليل نهار أن يجعلوا الإنسان أكثر قيمة وأكثر شفافية ، لأنهم جميعاً يمثّلون أيضا زمني الخاص جداً ، أنتمي لكلّ شيء جميل في العالم مثلما أنتمي لكلّ شيء جميل في العراق ، لكلّ شيء ناجح فيه ، لقد إنتمينا لمنتخب كرة القدم وهو يرفع الكأس ، بكاؤنا فرحاً كان انتماءً ، لكنّني ، عندما أسمع أخبار إنفجارات هنا وهناك أطفيء التلفزيون ، لا أريد أن يذهب عمري هباءً في سماع أخبار القتلة والتافهين ، وأشعر بالحزن لكائنات جميلة تنزف حياتها بين حصارات وقتل ، وأكتب في كلّ ما يمكن أن يكون ضوءاً ، أريد أن تكون لحياتي قيمةً وعمقاً ، وأنا حريص على أن تكون حياتي قريبة جداً من الإنسان الحقيقي حيثما كان على الأرض ، أريد أن تمتلئ أُذُني بأخبار وأحاديث المبدعين وصاعني الحياة .

أما الموتى ، والذين يدورون في حلقات أضيق من خرم الإبرة ، سواء أكان هذا الخرم سياسة أم دينا أم عرفاً إجتماعياً فأنا حتماً لا أنتمي لهم ، ولا أريد لأخبارهم أن تستهلك زمني .

قال علي : هذا جميل .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزهة القائد العام للحواس
- إحباط ليس في أوانه
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...
- موت حبّابة وانتحار العالم / الانتباهة التي تلد خروجا
- دور المكان ووضوح المفاهيم في استئصال العنف
- رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع
- تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟
- الى ( صفيحة ) المدى وجاراتها : درس في الأمانة الثقافية
- عوني كرومي : الجاد في لحظة هازلة
- عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت
- الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية


المزيد.....




- أين اختفى اليورانيوم الإيراني -عالي التخصيب-؟.. و-قيصر- أقوى ...
- زيلينسكي: يجب محاكمة جميع مجرمي الحرب الروس بمن فيهم بوتين
- الاحتلال يقصف نازحين ويجدد استهداف المجوعين في غزة
- -قرار أميركي صارم- بعد تسريب نتائج الضربات على إيران
- إسرائيل تتساءل: أين 400 كيلوغرام من يورانيوم إيران المخصب؟
- قوات إسرائيلية في إيران.. زامير يكشف -مفاجأة ما بعد الحرب-
- هل انتهى «العد التنازلي لزوال إسرائيل»؟ فرانس24 تتحق
- الناتو يرسم مستقبل الامن الجماعي في لاهاي
- ويتكوف يأمل باتفاق سلام مع إيران وماكرون يدعوها للتعاون مع و ...
- إيران تعيد فتح مجالها الجوي جزئيا بعد وقف إطلاق النار مع إسر ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جمال علي الحلاق - قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟