أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال علي الحلاق - عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت















المزيد.....

عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 1582 - 2006 / 6 / 15 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


لم يكتب أحد عنك هذه الأيام لأنك لم تمت بعد ، إذن ، لتكن هذه الكتابة احتفاء بوجودك في لحظتي ، ولتقرأها قبل أن تفتح الباب أنت أيضا وتخرج .

- 1 -

" تعلّم أن تقول وداعا " ، هذه الجملة أوّل ما قرأت لك - ولم تكن الأخيرة بالتأكيد – كان ذلك في منتصف الثمانينات ، أو قريبا منها ، أُعذُر خرفي الذي ينمو ، جملة جعلتني أقف عندك ، ولم أك قد تجاوزت العشرين يومها ، هكذا رأيتني ، أقف في بستان صغير ، في قرية نائية عن التمدّن ، وأقول وداعا للأوراق التي تتساقط ، أكون الماء وأقول وداعا للضفاف ، وأكون التمر وأقول وداعا للأعالي ، كنت الباقي الوحيد في ذهاب الكائنات ، أبدي التجاعيد ، كل لحظة هي منحن في زمن يستقيم .

كان هذا درسك الأوّل ، ولم أك قد وصلت الى بغداد بعد .

وفي بغداد ، التقيت بياسر ، قال : انا ابن عيسى الياسري ، قلت : انت ابن تعلّم أن تقول وداعا . كان انطباعي الأول عن ياسر – أحببته حقّا في ما بعد – ليس جميلا ، وأظنّه بادلني الانطباع ذاته ، حتى أني خشيت أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد ! وأن تكون الجملة التي قرأتها خرجت سهوا ، ثم تزوجت التي أصبحت زوجة مزمنة ، ودون أن أدري كانت تمتّ لك بصلة قربى ، لأنها التقت بك صدفة في حفلة عرس عائلي ، ولم تك قد رأتك منذ زمن طويل ، فاقتربت تحييك ، فسألتها : من أنت ؟ قالت : بشرى لطيف جواد ، قلت لها : لا ، بل بشرى زوجة جمال علي الحلاق ، أذكر أنها جاءتني بذات منتفخة ، قالت : الياسري عرفني بك .

ثم التقيتك ، لا أدري أين ، ولا أشكّ ابدا أن المكان كان عزاء وموت ، تحدثنا عن الشعر ، كنت أقرأ انفاسك يومها ، فحمدت الطبيعة ، وقلت في قاع نفسي : لم تأت الجملة سهوا ، وذكرت لك التفاصيل ، أخبرتك ما تموّج في ذهني ، إنّك إما أن تكون شيئا عاديا جدا ، أو قديسا خارج الوقت ، وقد كنت الثانية بحق .

ثم دعوتني لبيتك ، فأصبحت كلما شعرت بالضجر ألوذ بك ، فأجدك قائما تصلي .



- 2 -

أذكر أننا أقمنا لك أمسية في ملتقى الصليخ الأدبي عام 1990 ، قرأت فيها شيئا منك ، وتحدّثت عن رحلة لك الى أوربا ، حين مررت صدفة بقرية نصبوا فيها تمثالا لشاب ، فلما سألت عنه قيل لك أنه شاعر القرية ، وكان قد كتب نصا واحدا نشرته صحيفة مهمة في ذلك البلد فأقاموا له تمثالا !




- 3 -


كنت جريئا جدا في ابتعادك عن المؤسسة ، بينما تهافت الآخرون عليها كالذباب ، وكان من السهل جدا ان يكون لك حضور فيها ، لكنك آثرت ذاتك والشعر ، كنت صفعة على وجوههم طيلة جلوسك على الرصيف .

هكذا ، تذهب الى موتك اليومي حيث تجلس أمام محكمة ما ، في ركن بعيد عن المركز ، ومع هذا كان الشعراء الشباب يأتوك باحثين عنك كي يعطوك نسخا من كتبهم المستنسخة ، لقد ابتعدت عن المركز بإرادتك ، وبقيت في الذاكرة بإرادتك أيضا .

أذكر يومها أن حسن العاني كتب عن ابتعادك عمودا في مجلة " ألف باء " ، واتهم الاتحاد بالتقصير ، لكنه بعد سنوات قليلة عاد فكتب عمودا في نفس المجلة يصفك فيها بالبصير الذي سبق برؤيته الوقت ، وأن الادباء الآن يبحثون عن أماكن على الرصيف فلا يجدون !


- 4 -


مرّة دخلتُ بيتك وكنت تصلّي المغرب ، فلما أتممتها جئتني تحيّيني ، ثمّ قلت لي : أتمم صلاتي ، قلت لك : اذهب الى ربك ، قلت : نعم إنّه ربّي .

كنت تتحدّث عن الجنوب بحنين مؤلم ، المخطوطات التي احترقت مع القصب ، تفاصيل الناس وتضاريس أفراحهم وأحزانهم ، كما لو أن خروجك من الجنوب كان استئصالا في غير أوانه ، أنت في بغداد ، وحبلك السرّي يمتدّ الى " أبي بشوت " نهرك العالق فيك ، النهر الذي تسرّب عبر حقائبك الى كندا ، وأظنه تجمّد فيها ، ربما أصبح زلاجة لمن يهوى الرقص .



- 5 -


أذكر مرّة ، وكنت أمشي في باب المعظم مع الجميل جليل وادي ، التقيناك صدفة ، يومها قبّلت جليلا ، ورحت تعاتبه على الشيب الذي غزى رأسه فجأة ، تعاتبه بألم صادق ، كانت الشيخوخة تغزو تفاصيلنا ، وكنت تخشى أن يأكل الماء الضفاف الفتية ، أن يشيخ الأبناء قبل الوقت ، قلت لك : لماذا لا ترى رأسي الذي تساقط بعد الشيب ، قلت لي : أنت يئسنا منك ، أما هؤلاء الشباب فحرامات ، ثم تجاوزتنا في ألمك الخاص ، وحيدا تمشي على الوقت .


- 6 -


مرّة زرتك ، وكان في الغرفة جماعة قدمتهم لي على أنهم شعراء من العمارة ، وكنت أنا يومها ملتحيا ، ودار حوار طويل ، لا تندلق الكلمة الأولى حتى تسحب معها القاموس كله ، تفاصيل لا تنتهي ، ثم حان وقت الصلاة ، فقمتم جميعا إليها وبقيت قاعدا ، قال أحدهم : ها مولانا ؟ أجبته : أنا لا أصلي ، قال آخر : ظننّاك سيدا ! أجبته : ولماذا تقرأ لحيتي على أنها لحية محمد وليس ماركس مثلا ، هنا تدخلت أنت وقلت : دعوا الرجل وما يعتقد ، إنه حرّ ومن حقّه أن يعتقد أي شيء .

كان قولك هذا مهما جدا بالنسبة لي ، إنه يكشف لي هويتك أيضا ، فأنا أحد وجوهك ، مثلما أنك أنت أحد وجوهي ، وأعتقد أن هذا ما كان يجمعنا معا .

بعد الصلاة طلبوا مني أن أقرأ نصا لي ، بعد أن اتهمتني بالشعر ، وقلت إنه شاعر ، لحظتها قرأت نص " لم " ، وهو نص يبدأ ببودلير فالاسكندر فنابليون فغويا ففان كوخ ، وهنا اعترض أحدهم : بويه وين البو محمد أشو كلها ما أدري شني ، ضحكتُ وقلت : لو صبرت قليلا فإنك ستجد البو محمد ، وقلت أنت : انه لا يذكر اسما الا علما فمن لا يعرف بودلير او فان كوخ وغويا .
فلما قلت في قراءتي :

" إنك حتى
لم تك حاضرا مراسيم ذبح الحسين "

قال الذي اعترض : اي بويه هذا البو محمد


- 7 -


يوما ، زرتك مع فرج الحطاب وعباس اليوسفي ، بعد أمسيتك الجميلة عن الشعراء التسعينيين في أوّل أماسي الاتحاد عام 1998 ، كان موقفا جريئا منك أن تقف الى جوارنا نحن الخارجين على المؤسسة في بغداد ، تحدثّت عنا ، ودافعت أيضا عندما انبرى لك أحد ذوي الكروش ، الحمدني أو ما شاكل ذلك ، لا أحفظ التافه من الأسماء .

خرجنا بعد العشاء نتمشى في منطقة الطالبية حيث كنت تقيم ، ثم في نشوة الحديث عن شعراء العمارة ، قلت أنت : الشعر عمارة ، أجبتك لحظتها ضاحكا : عبّرها على اهل العمارة ، قلت لي : ولك انت نشاز ، ديالى ما بيها شعر ، قلت لك : وحسين مردان ؟ أجبتني : أنت وحسين مردان ، بس العمارة كلها شعر ، فانتفخ فرج الحطاب وعباس اليوسفي .


-8 -

قيل أنهم منحوك جائزة شعر في هولندا ، لا استغرب ذلك أبدا ، فالشعر موقف تجاه الحياة يتجلّى عبر السلوك ، وأنت شاعر بالممارسة ، في حين أن الآخرين شعراء كتابة ، ولا قران ولا مقارنة بين الإثنين .


- 9 -

يحزنني أنني لم أرك منذ سنين .


سدني 14 – 6 - 2006



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية
- فلنمت وحيدين بعيدا
- يموت المعنى وتستمر الحياة
- تعليب النساء لمن ؟ محاولة في تفكيك المنظومة الذكورية
- الذات والعقاب قراءة في نمو المستوى الدلالي لمفهومي الغربة وا ...
- دعوة للتضامن مع الصحفيين العربيين عدلي الهواري وعبد الهادي ج ...
- العائلتية نظام حيواني قراءة في ثقافة صدئة
- فايروس حق الاعتراض : الفعل هو الكلام حتى لا يتجرأ أحد على تج ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال علي الحلاق - عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت