أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال علي الحلاق - تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن















المزيد.....


تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 1624 - 2006 / 7 / 27 - 11:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


" أبتليت أن أكون قائلا ، وابتليتم أن تكونوا سامعين " ابن المقفّع

ليست ديدانا
ما يختبىء في المسامات
إنّها أصواتنا
وقد أفزعها
الصّمم

هذا الخطاب ليس إلى عامّة الناس ، إنّه موجّه في الدرجة الأولى إلى المؤسسات الرسمية التي تدير إعادة إنتاج الخطاب الديني في دوّل العالم الإسلامي ، ولمن يعتبرون أنفسهم مراجع وعلماء دين عند المسلمين ، كما أنّ الخطاب موجّه أيضا إلى النخب الاسلاميّة المثقّفة في العالم .



منهجان مختلفان

ورد عن النبيّ انه قال : " أوتيت جوامع الكلم " ، وقال أيضا : " أختصر لي الكلام " ( مروج الذهب : 2 / 300 ) .

تذكر كتب الأخبار أنّ النبيّ محمد بن عبد الله قضى ثلاثا وعشرين سنة وهو يدعو الى الإسلام ، وقد انقسمت هذه الفترة إلى قسمين يمكن تسميتهما :

1 – القسم الأوّل : الإسلام المكّي ، وهو مجموع السلوكيات التي كان تحدّد هويّة المسلم في مكّة طيلة تواجد النبيّ فيها .
2 – القسم الثاني : الإسلام المدني ، وهو مجموع السلوكيات التي أصبحت تحدّد هويّة المسلم في المدينة بعد هجرة النبيّ إليها .

ونتيجة لذلك إنقسم القرآن مضمونا وأسلوبا إلى قسمين أيضا ( قرآن مكّي / قرآن مدني ) .

إلا أنّ الإسلام المدني مرّ بثلاث مراحل مختلفة هي :-

المرحلة الأولى : كان النبيّ فيها معنيّا بتأسيس أمّة واحدة وفق منهجه في مكّة ، أي مرحلة " لا إكراه في الدين " ( البقرة : 256 ) ، وشهدت هذه المرحلة بداية التشريع أيضا.

المرحلة الثانية : شهدت بداية تشريع القتال ، شرط أن لا يكون أبتداء ، كان ذلك قبل غزوة بدر بقليل .

المرحلة الثالثة : بدأت مع فتح مكّة ، وشهدت إقرار آية السيف " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( التوبة :5 ) ، وكانت بداية الإكراه في الدين .


آليّة التغيير في الإسلام


في علوم القرآن علم خاصّ بمفهوم ( الناسخ والمنسوخ ) ، وهذا العلم متّفق عليه عند الطوائف الإسلامية كلّها ، ولو أنّنا تأملنا عملية النسخ المتّبعة كممارسة إجتماعيّة عند النبيّ بدءا لعرفنا أنّها كانت تخضع لآليّة يحدّدها اتّساع سلطته في المدينة ، وعليه فإنّ هذا العلم لم يكن له حضور في مكّة سوى ما ورد في خصوص ذكر النبيّ للغرانيق العلى ومن ثمّ رفعه إيّاها من النص ، وسبب عدم ظهور مفهوم الناسخ والمنسوخ يأتي من كون النبيّ بلا أيّ سلطة في مكّة ، ونتيجة لذلك جاء الإختلاف بين منهج الإسلام المكّي ومنهج الإسلام المدني .

والنسخ كمفهوم يعني إيقاف حكم آيات بعينها – والآية تعني سلوكا إجتماعيا – مع حذف الآية المنسوخة من النص - روي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال : إن سورة نحوا من التوبة نزلت ثم رفعت ( الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم : 13 ) - أو إبقائها في الكتاب مقروءة معطّلة الحكم .

وأكثر هذه الآيات – وأصرّ على كونها سلوكا إجتماعيا يحدّده وعيّ اللحظة ذاتها - كانت تتحدّث عن اللاإكراه في الدين ، وأنّ من حقّ كلّ إنسان أن يكون له دينه الخاص ، وهو مسؤول عن دينه هذا ، ولم يكن مفهوم الفرض والقسر قائما ، لأنّ النبيّ كان بلا سلطة ، كان النذير البشير فقط .

" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ( يونس : 99 ) .
" فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين " ( النحل : 82 ) .
" وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ( الاحقاف : 9 ) .
وجاء في حديث نبوي " والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " ( الناسخ والمنسوخ : 203 ) .
" فتولّ عنهم فما أنت بملوم " ( الذاريات : 54 ) .
" فتولّ عنهم " ( القمر : 6 ) .
" فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا " ( النجم : 29 ) .
" فأعرض عنهم " ( السجدة : 30 ) .
" ومن كفر فلا يحزنك كفره " ( لقمان : 23 ) .
" قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تفعلون " ( سبأ : 52 ) .
" لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " ( الشورى : 15 ) .
" فاصفح عنهم وقل سلام " ( الزخرف : 89 ) .
" وما أنت عليهم بوكيل : ( الزمر : 41 ) .
" إن أنت إلا نذير " ( فاطر : 23 ) .

هذه النصوص تعني بشكل صارخ أنّ النبيّ في مكّة كان يتحدّث ( بيقين يمتلك نافذة للإحتمال ) ، ونافذة الإحتمال هي التي منحت النبيّ في مكّة سعة من الحريّة ، بعد أن جعلت يقينه غير مدبّب ، مّما سهّل عليه عملية التعايش في مكّة مع الوثنيين والأحناف المعارضين والكتابيين ، وقد إستمر هذا المنهج في المدينة حتى بعد التصريح بالقتال لكن ليس إبتداء ، ثمّ جاء عام الفتح ليقلب المنهج تماما .


إعادة قراءة مفهوم السلطة


كان النبيّ في مكّة أحد منتجي الوعي الاجتماعي المكّي ، ولم يكن هو الوحيد بينهم ، كان هناك من بقي من الجيل الأوّل من الأحناف ، الذين رفضوا الدخول في الإسلام ، إضافة إلى الدهريين ، والوثنيين وأهل الكتاب .

ولم تتوفّر للنبيّ في مكّة القوّة المادية والبشريّة التي توفّرت له في المدينة ، وقد وعى خطورة المجابهة الحادة مع أطياف المجتمع المكّي ، وحفاظا على أرواح المسلمين آنذاك إتّخذ موقف النذير البشير .

ومع هذا فقد تمّت قراءة منهج النبيّ في مكّة قراءة سلبية من قبل بعض مؤرخي الإسلام ، فقد ورد أنّ النبيّ كان : " لا يحلّ ولا يحرّم في مكّة ، وكان مغلوبا على أمره ، حتى أنّ الشرع الإسلامي قد فرّق بين زينب ابنته حين أسلمت وبين زوجها أبي العاص بن الربيع وكان لا يقدر أن يفرق بينهما ، فأقامت زينب مع زوجها على إسلامها وهو على شركه " ( ابن هشام : 2 / 307 ) .

والقضيّة هي غير ذلك تماما ، فقد وعى النبيّ آليّة تشكّل الوعي الإجتماعي وعمل وفق ما رآه ، من هنا كان ( الإسلام المكّي ) مسالما يعتمد ( التأثير ) فقط كمنهج في الإنتشار ، والتأثير يأتي نتيجة لإلتصاق المؤمن بفكرته عبر السلوك ، كان الإسلام المكّي ممارسة تحدّد مدى إقتراب أو إبتعاد المؤمن عن سلوكيات المحيط الإجتماعي الأخرى .

أمّا في الفترة المدنية فإنّ النبيّ – تدريجيّا - أصبح المنتج الوحيد للفكر فيها بعد أن هرب منها الأحناف - الذين رفضوا الدخول في الإسلام - إلى مكّة ، وبعد أن إنتصر على التجمّعات اليهودية أيضا .

أصبحت القوّة والفرض لا التأثير هما المنهج في الإنتشار ، وأستطيع القول أنّ فتح مكّة كان بداية لمنهج الإكراه في الدين ، فقد ورد عن النبيّ أنّه قال : " نصرت بالرعب ، فإنّ العدو ليرعب مني من مسيرة شهر " ( كتاب السيّر : 230 ) ، وبهذا أصبح الدخول في الإسلام ناتجا عن الخوف من القتل وليس عن الإيمان ، لذا ورد عن عطاء بن السائب : " أنّ عامة من مع النبيّ يومئذ غير مؤمنين " ( كتاب السيّر :201 ) .

أعتقد أنّ قرار الإكراه في الدين كان قرارا سياسيا أكثر منه دينيا – يشبه قرار الرجم تماما - بعد أن هيمن المسلمون على مكّة المركز الديني للجزيرة العربية ، فقد ذُكِر أنّ سورة براءة - التي وردت فيها آية السيف - كانت آخر ما نزل من القرآن ، وأنّ النبي مات ولم يبيّن موضعها ( إرشاد الساري : 7 / 138 ) ، وبهذا كان موقف آية السيف هو الموقف الأخير الذي تبنّاه النبيّ قبل وفاته ، ولهذا اتّخذه االمسلمون الأوائل باعتباره المنهج النهائي ، إلا أنّهم بإعتقادهم هذا أساءوا للدين أكثر مّما خدموه .

تحت آلية منهج الإكراه في الدين أصبح الدخول في الإسلام كميّا وليس نوعيّا ، وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع الخليفة الرابع علي بن أبي طالب إلى نعت المسلمين في الكوفة ب " الهمج الرّعاع الذين يتبعون كلّ ناعق " .


وجوب منطق التخيير


إنّ وجود منهجين لإنتشار الإسلام يعني أنّ المسلمين يمكنهم إتّخاذ أيّ منهج منهما حسب اللحظة التأريخية والإجتماعية التي يعيشون فيها ، خصوصا وأنّ النبيّ أبقى على النصّ المنسوخ في القرآن ، وهي – لو أمعنّا الإنتباه فيها – نافذة مهمّة جدا لمواكبة اللحظة الإجتماعية للمسلمين عبر التاريخ ، لكنّها تتطلّب وعيّا عميقا ، وجرأة على الممارسة أيضا ، وإلا فما جدوى الإبقاء على النص - في القرآن - في حالة رفضه تماما كاحتمال قائم لسلوك إجتماعي ممكن ؟

أريد أن أذكر هنا أنّ نسبة الآيات التي تفتح نافذة الإحتمال داخل اليقين الإسلامي أكثر كمّا من الآيات التي نسختها ، بل أنّ آية الإكراه في الدين كانت آخر ما أُنتِج داخل المنظومة المعرفية للإسلام ، وهذا يعني أنّ المسلمين – في الوقت الراهن - يقرأون بشكل يومي قسما كبيرا من القرآن لا يتّخذونه منهجا لهم في ممارساتهم الإجتماعية مع الآخر ، أقول : أنّ هذه ( اللاجدوى ) في قراءة القسم الأكبر من القرآن ينبغي أن يكون لها حلّا عقلانيّا ، إمّا بحذف النص – الكبير نسبيا – أو جعله سلوكا إجتماعيّا .

فمن غير المعقول أن يقرأ الناس لأكثر من نصف القرآن : " لا أكراه في الدين " ( البقرة : 256 ) ، بينما يطلب منهم من قبل جهات متطرفة أن يتبنّوا : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( التوبة :5 ) !!!


تكرار لحظة مكّة


إنّ وجود المسلمين في العالم الآن يشبه تماما وجود النبيّ في مكّة إن لم يكن بعد النبوّة فقبلها ، ذاك أنّ عملية إنتاج الوعي العالمي الآن تقع خارج نطاق دائرة المسلمين تماما ، ينبغي الإقرار بإستهلاكية الإنسان المسلم في هذه اللحظة . لم يعد العالم شفاهيا ، وأصبح إنتاج المعرفة خارج نطاق الكلام ، ولا تزال الأمّة الإسلامية أمّة شفاهيّة ولا تّتقن سوى الكلام ، كان الإسلام لحظة للتحضّر فأصبح الآن – تحت كثافة الحكم الشفاهي – أبعد ما يكون عن التمدّن .

كان النبيّ في مكّة يطلب من أصحابه عدم الجهر بالقرآن مثلا حتى لا يتعرّضوا إلى أذى من قريش ، وكان يقبل جوار المشركين ، حتى أنّه دخل في جوار المطعم بن عدي بعد فشل رحلة الطائف ، بل أنّ المطعم بن عدي وأولاده ظلّوا محدقين به في السلاح ، حتى دخل بيته ( مختصر سيرة الرسول :75 ) ، بل أنّ النبيّ قال في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيّا وكلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له ( الناسخ والمنسوخ : 206 ) ، وكان المطعم قد مات قبل ذلك وهو مشرك على ما تذكر كتب الأخبار !
وورد أنّ أسماء بنت أبي بكر قالت : يا رسول الله إنّ أمي قدمت عليّ وهي مشركة ، أفأصلها ؟ قال : نعم صلي أمك " ( الناسخ والمنسوخ :212 ) .

كان النبيّ رجل سياسة من الدرجة الأولى ، ووعى تماما أنّ المهاترات الكلامية في مكّة لن تكون إلى صالحه ، ولن تجلب لأصحابه غير الأذى .

كانت قريش تنتظر الزلّة منه ، بينما كان بوعي سياسي وهو المرفوض من قبل المجتمع المكّي بكل أطيافه يواصل النمو والإنتشار دون أن يحتاج إلى رفع سيف بوجه أحد .

أقول : الغرب الآن يتحيّن الفرصة لأيّ زلّة من قبل المسلمين لاستثمارها في إبادة هذا الدين ، ولننظر إلى زلّة حزب الله ، وكيف تكاتف الجميع مع اسرائيل التي راحت تقتل المئات دون أن يحرّك مجلس الأمم المتحدة ساكنا ، بل إعتبر عملية القتل والتدمير جزءا من حقّ الدفاع وحماية النفس .

القضيّة الآن ليست قضيّة حقوق إنسان بقدر ما هي تغيّر في مراكز القوى العالمية التي تتبنّى إنتاج وعيّ اللحظة .

لقد كان المسلمون في لحظة سابقة يديرون دفّة إنتاج الفكر ، وكان العالم يومذاك يتّجه إليهم ، وكانت لغة المسلمين بفعل إنتاجهم للفكر تخترق لغات الآخرين ، وما يحصل الآن هو العكس تماما ، فالمسلمون الآن يذهبون إلى الآخر من أجل الحصول على ثمار الفكر المنتج ، ويوميّا تخترق لغة المنتج للفكر لغات المسلمين على الأرض ، وبهذا فإنّ لغات المسلمين – وليس اللغة العربية وحدها - في انحسار مستمر بشكل يومي أمام توسّع وامتداد اللغات المنتجة للفكر ، ولا أعتقد أن مصير اللغات الإسلامية بعيد جدا عن الإندثار .

أقول : جاء موقف المملكة العربية السعودية رصينا في إدانتها لحركة حزب الله ، وأتمنّى أن لا تكون هذه المبادرة لحظوية بقدر ما تمثّل بدايّة إنتباه مهم ، وبدايّة جديدة لوعي يتشكّل على السعودية أن تواصله إلى أقصاه من أجل الحفاظ على أرواح كثيرة بريئة تذهب هدرا بشكل يومي تحت ذرائع لا عقلانيّة وغير موضوعيّة تماما .


المطلوب في اللحظة الراهنة


على علماء الاسلام في كلّ مكان أن يتبنّوا الآن منهج النبيّ في مكّة فقط ، أي أن يتّخذوا ( منهج الإسلام المكّي ) شعارا لهم ، وأن يطالبوا ، أو أن يعملوا على تعطيل حكم آية السيف القائمة على الفرض والقسر والرعب ، أن يبادروا بشكل فوري إلى : -

1 - تعطيل حكم الآيات القرآنية التي تدعو إلى القتال ، اتكاء على ما ذكر السيوطي من : أنّ آية السيف لم تكن نسخا للصبر في حالة الضعف بل هي من ( المنسأ ) ، بمعنى أنّ كلّ أمر ورد يجب إمتثاله في وقت ما لعلّة تقتضي ذلك الحكم ، بل ينتقل بانتقال تلك العلّة إلى حكم آخر ( الإتقان : 2 / 21 ) .

وينبغي أيضا تعطيل مفهوم ( الجهاد ) لأنّه - الآن - لا يعني سوى إنتحار المسلمين دون أن يتمكّنوا من إحداث أيّ تغيير على مجرى التاريخ وصيرورة الحياة ، وبالتالي فإنّ الإسلام - وفق آلية الإنتحار - ذاهب مع الريح لا محالة ، لذا فإنّ من يصطفّ الآن إلى جانب مفهوم الجهاد إنّما يصطفّ إلى جانب إندثار الإسلام .

2 – ينبغي إعتبار الدين مسألة شخصيّة ، ومن حقّ كلّ فرد أن يتّخذ الدين الذي يرضاه ، وليس ما يفرض عليه فرضا ، فإنّه لا إيمان مع القسر .

3 – أن يوجّه الإنتباه إلى الممارسات الإجتماعية ، كسلوكيات تحدّد علاقة الفرد بالفرد ، وليس إلى طقوس العبادة الفردية ، التي هي جزء من السرائر ، وتخصّ علاقة الفرد بربّه فقط ، ماذا يعني المؤمنين أنّ فلانا قام أو قعد حين صلّى ؟ إنّه جدل عقيم لا يمكن له إلا أن ينتج أفرادا جوفا .

4 - لننتبه أيضا أنّ الإسلام المكيّ كان يتّخذ مواقفا جريئة تجاه الكثير من الممارسات الإجتماعية السلبية كالمعاملة السيئة للأيتام ، كذلك تبنّيه الإيجابي لموقف الجيل الأوّل من الأحناف تجاه وأد البنات ، " وإذا الموءُدة سئلت ، بأيّ ذنب قتلت " ( التكوير : 8 – 9 ) ، كم ثوري هذا النص ، وكم فيه من الطاقة على التأويل ، ولننتبه أنّ هناك أشكال كثيرة للوأد تمارس الآن بحقّ الطفولة ، حين تجد الأطفال يحملون بنادق أطول من قاماتهم ، أو حين يتّخذهم الدعاة الى القتل ألغاما ناسفة ، بل حتى حين تراهم عتالين وباعة أرصفة ! ينبغي أن يبادر علماء المسلمين إلى توسيع مفهوم الوأد ، وأن يكون لهم في كلّ مكان موقف تجاه وأد الطفولة في العالم الإسلامي ، كما ينبغي إعتبار العمليات الإنتحاريّة شكل من أشكال الوأد أيضا ، فالتنافس الحقيقي الآن يتجلّى في من يعيش في رفاهية أكثر من الآخر ، من يتّقن لعبة العيش ، وليس في من يتّقن لعبة الموت ، تستحضرني هنا مقولة إلبرد هابارد : "اعطنا ديناً يساعدنا على الحياة – فبمقدورنا الموت دون معاونة " .
5 - ينبغي على المؤسسات التي تعيد إنتاج الوعي الإسلامي أن تنتبه وبعمق لهجرة الشباب اللإسلامي بحثا عن فرص للحياة على أماكن أخرى من الأرض ، وما تخلقه هذه الهجرة من أمراض كالعزوبة في الخارج والعنوسة في الداخل .
6 – ينبغي الابتعاد عن منهج اختزال سيرة الرسول أيضا ، ينبغي امتلاك الجرأة على فرش السيرة بأكملها ، لأنّها في النهاية – وفق الفقه الإسلامي – سنّة ينبغي إتباع منهجها .
أقول أنّ الإتكاء على خبر " النبيّ الأمي " ، الذي لم يقرأ كتابا ، ولم يتعاط علما ، بل والإصرار على أنّه بعث في أمّة أمّيّة أيضا ( أعلام النبوّة : 106 ) ، وجعل هذا الخبر لازمة على ألسنة خطباء المساجد هو الذي قاد إلى تأخّر الأمّة الإسلامية عن اللحاق باللحظة الراهنة ، وهو الذي جعلها أمّة مستهلكة غير منتجة ، كما أنّ اختزال السيرة أو قراءتها من زاوية واحدة هي " أمرت أن أقاتل " هو الذي خلق التطرّف بكلّ أشكاله على الأرض ، وأستطيع القول أنّ ظهور تنظيم ( القاعدة ) إنّما كان نتيجة لاختزال السيرة النبويّة بآية السيف والأمر بالقتال من قبل الشيخ محمد عبد الوهاب .

7 – لا يمكن إحداث تغيير في البنيّة الثقافية للشارع الإسلامي دون أن يكون هناك تغيير في العقليّة التي تدير دفّة التعليم في البلدان الإسلامية ، وحتى تكون الخطوة فاعلة باتجاه التغيير ، ينبغي أن لا نجعل الاطفال ينمون على سيّر أشخاص تتلخّص حيواتهم في قتل عدد كبير من الناس ، أقول ينبغي إبعاد كلّ ما يمتّ بصلة لثقافة القتل في الإسلام عن الشارع الإسلامي ، فلا أعتقد أنّ الشارع الآن بحاجة إلى سيرة شخص كخالد بن الوليد أو عكرمة أو القعقاع ، فليتم التركيز على السيّر التي حفّزت على البحث والتسامح ، وأعتقد أنّ التاريخ الإسلامي حافل بهذه النماذج ، ولنتجرأ على البحث في أزماننا المعاصرة ، أقول لننقّب عن العلم لا عن القتل .

8 – ينبغي تغيير آلية الخطب والمواعظ في المساجد ، ينبغي تحجيم الصراخ فكيف أسمعك وأنت تجعر بصوت يثقب أذني ؟ كما ينبغي تحجيم التباكي ، لماذا هذا الإصرار على كسر نفوس المسلمين ؟

ينبغي الخروج من اليأس والتذمّر ، والإلتفات إلى الشارع اليومي لا إلى ماض مضى ، الدين عادة يولد وينتشر في المناطق ذات اليأس الإجتماعي ، لذا فهو مطالب بحلول إجتماعية ، وإلا فمصيره إلى الإندثار .

9 - كيف نجعل الحياة أكثر جمالا ، لا كيف نجعل الناس تهرب من الحياة ؟ هذا ما يجب التفكير فيه والعمل باتجاهه ، فالحياة التي خلقها الله لم يخلقها كي يقضي عليها الإنسان ، لقد خلق اللإنسان كي يتتبّع عظمة الخلق " قل سيروا فانظروا كيف بدأ الخلق " ( العنكبوت : 20 ) .

إنّ الإسلام المكّي جزء حيويّ وفاعل من الإسلام ، وما على علماء المسلمين الآن سوى تسليط الإنتباه عليه ، فقد تمّ تعطيله لفترة طويلة من الوقت حتى تغيّر شكل العالم ، وتغيّرت مراكز القوى فيه ، فبات من الأصلح تماما - لاستمرار فاعلية الإسلام ، ولاستمرار حياة المسلمين - إعادة إحياء منهجه مرّة ثانية ، والنزول إلى الشارع الحي والمحاولة في إيجاد حلول إجتماعيّة .


مصادر الخطاب

1 – القرآن الكريم
2 – مروج الذهب ومعادن الجوهر ، للمؤرخ أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت 346 هج ) ، تحقيق وتعليق الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي ، دار القلم – بيروت – لبنان .
3 - السيرة النبوية لابن هشام ، حققها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها مصطفى السقا و ابراهيم الابياري و عبد الحفيظ شلبي ، دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان .
4 – كتاب السيّر ، لشيخ الإسلام أبي اسحاق الفزاري ( ت 186 هج ) ، دراسة وتحقيق د. فاروق حمادة ، ط1 – 1987 ، مؤسسة الرسالة – بيروت .
5 – مختصر سيرة الرسول ، لشيخ الإسلام محمد عبد الوهاب ، المكتبة الفيصلية .
6 – الاتقان في علوم القرآن ، تأليف شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي ( ن 911 هج ) ، دار الندوة الجديدة – بيروت – لبنان .
7- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، تأليف القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري المالكي ( ت 543 هج ) ، وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات ، 2001 ، دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان .
8– إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، تأليف أبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ، دار إحياء التراث العربي – بيروت .
9 - اعلام النبوة ، للامام أبي الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي ( ت 450 هج ) ، ضبط وتقديم وتعليق محمد المعتصم بالله البغدادي ، ط1 – 1987 ، دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان .




#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟
- الى ( صفيحة ) المدى وجاراتها : درس في الأمانة الثقافية
- عوني كرومي : الجاد في لحظة هازلة
- عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت
- الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية
- فلنمت وحيدين بعيدا
- يموت المعنى وتستمر الحياة
- تعليب النساء لمن ؟ محاولة في تفكيك المنظومة الذكورية
- الذات والعقاب قراءة في نمو المستوى الدلالي لمفهومي الغربة وا ...
- دعوة للتضامن مع الصحفيين العربيين عدلي الهواري وعبد الهادي ج ...
- العائلتية نظام حيواني قراءة في ثقافة صدئة
- فايروس حق الاعتراض : الفعل هو الكلام حتى لا يتجرأ أحد على تج ...


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال علي الحلاق - تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن