أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جمال علي الحلاق - الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي














المزيد.....

الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 15:39
المحور: سيرة ذاتية
    


أضع العنوان وأجرّب أن أجد كلمات بمستوى المعنى ، وأن أجد معنى بمستوى التجربة ، وأدرك أنّ الكلمات ستقف الى جواري مثلما فعلتْ دائما ، وأنّها ستعرف الطريق الى البوح الذي يشبه المعنى ، ستكون قريبة جداً مما أريد أن أقوله الآن ، ولن تخذلني كما لم تفعل من قبل .
أريد أن أقول بوضوح صارخ : يولد الفرد لأنّه ضرورة تحتاجها الحياة ، كلّ فرد هو " واجب الوجود " ، لأنّ الحياة تتكامل ، كلّ فرد هو مساهمة في إكمال نقص هنا أو نقص هناك ، ولا يولد الفرد – أيّ فرد كان – سدى ، أي لا يوجد هناك ما يمكن أن نطلق عليه : " غير واجب الوجود " .
إلا أنّ بعض الأفراد ، على ندرتهم ، يمتلكون من شفافية الحسّ وعمق الإدراك ما يجعلهم قادرين أكثر من غيرهم على إدارة دفّة التغيير في الإتّجاه التكاملي للحياة ، ولقد صادفني الحظّ مرّة في أكون قريبا ، أن أرى وأن ألمس لمس اليد شفافيّة الحسّ عند ليلى محمد .
مواصلة الرغبة في التغيّر ، وفي ممارسة عملية التغيير - على الصعيد الشخصي والإجتماعي - ليس أمراً سهلا ، بل أنّ إحباطات هنا وهناك قد تلوي عنق الرغبة ، وقد تكبح قدرتها على الظهور ، تحيلها الى رماد ، لذا يبدو من الخارق للعادة أن يواصل فرد ما الإحتفاظ بجذوة النار حتى نهايته القصوى .
منذ ثلاث سنوات وليلى تصارع السرطان ، هكذا ، إلتقى بها وهي في الأربعين ، ليس لسوء حظّها ، بل لسوء حظّنا نحن القريبين منها شعورا وإحساسا ، ولسوء حظّ كثيرين كان يمكن أن تكون الإصبع التي تنتشلهم من الغرق .
وأشهد أنّها كانت - طيلة السنوات الثلاث الماضية - تخادع السرطان على حلبة ، وتعمل بحسّ إجتماعي راقٍ على حلبات أخرى . لم تتوقّف عن أن تكون فاعلة ومؤثّرة في بيئتها الإجتماعية ، تقف دائما الى جانب حرية المرأة ومساواتها للرجل في الحياة ككل سواء أكانت في البيت أم في مكان العمل من خلال قيادتها لجمعية المرأة العراقية في سيدني ، كما أنّها أدارت للعامين الماضيين أحد فروع منظمة أسترالية لرعاية الشباب ، بل ساهمت أيضا في تأسيس منظمة عراقية / أسترالية من أجل دعم الطبقة العاملة في العراق .
كانت دائما تحاول أن تمنح تبريرا عقلانيا لوجودها ، ولا تزال تفعل ذلك بما تستطيع من كلمات أو نظرات وهي على سريرها الأخير .
قلت لها : لقد كنّا أصحاب حلم ، وكان حلمنا يكبر معنا ، أردنا أن نساهم في عملية التغيير ، أن نجعل الإنسان أكثر إنسانيّة ، حاولنا قدر ما استطعنا أن نبذر الحسّ المدني بين الناس ، أن نجعلهم يرتفعون على الدوائر التي تجعلهم ينغلقون على أنفسهم ، لقد فعلنا ما استطعنا ، أنظري إلينا ، أنت لا تشبهين العائلة التي خرجت منها ، وأنا لا أشبه أبي ، أصبح لنا وجودنا الخاص في العالم .
قالت بصوت خافت : أنا أتّفق معك ، لقد تغيّرنا ، وحاولنا أن نساهم في التغيير ، لكن ، يجب أن لا نتوقّف ، لأنّ هناك الكثير من الناس بحاجة إلينا لكي يتغيّروا .
حوارات كثيرة ، نقاش له من العمق الإنساني ما يجعله جديرا بالتدوين ، كلّ ذلك وهي على السرير الأخير ، بينها وبين فتحة الباب الأخير قدرة الجسد على الإنقياد لإرادة الروح ، حوارات أعادت إليّ تجربة الفيلسوف الوجودي هايديجر مع جارته العجوز التي كانت تجادله - قبل موتها بنصف ساعة فقط - عن معنى الوجود ، وعن دور وجود الفرد في العالم .
يبقى هناك - في الإنسان - ما يشير الى لغز كبير وغامض ، لغز يتجسّد في الأفراد الذين يحاولون إيجاد معنى آخر للحياة خارج ما تمّ تعليبه ، معنى يشبه التجربة ، التجربة التي لا تتشابه ، التي تمنح الحياة قيمتها ، والتي تصرّ على أنّ الإنسان - كأفراد - لا يتكرّر كالحيوانات على الأرض .
ليلى محمد على سريرها الأخير ، وأنا مثل لصّ يحاول أن يسرق الكلمات منها ، الكلمات التي تمنحني القدرة على المواصلة ، أسرق إرادة التغيير .
قالت بصوت خافت : " كم نحتاج الى وقت كي نغني أغنية ماريانا ( تعال مارس الجنس معي ) دون محاكمة ، وخارج ثقافة العيب والحرام ؟ " .
قلت لها : ستحاول ( الليدي جاجا ) أن تمارس الجنس حقاً على المسرح أثناء غنائها .
قالت : إنّهم يتغيّرون بسرعة ، ونحن أيضا نتغيّر ، لكن ، ببطء " .
الجميل في حوارات ليلى أنّها لا تسأل عن الجدوى مثل ( عجوز هايديجر ) ، على العكس تماما ، ليلى ترى النقص بوضوح صارخ ، العالم غير مكتمل ، ونحن من يضخ فيه القيمة ، نحن من يكمل هذا النقص ، هكذا يكون لوجودنا جدوى ، ولا نكون فائضين عن الحاجة ، ولا يكون قدومنا الى الحياة سدى .
دعيني إذن أعترف أنّني تغيّرت باقترابي منك ، وأنّك حاضرة في حياتي ، وحاضرة في حياة عائلتي وستبقين ، ولست وحدي ، ولن تكون عائلتي الوحيدة ، فبالتأكيد سيردّد الكثيرون مثل قولي هذا هنا وهناك على الأرض .
فيا سيدة الجميلات ، ويا مجسّا شفّافاً يتحسّس الهواء النقي ، ويا أمّ نورس الثانية ( هكذا تسمّيك ابنتي نورس ) ، ويا حسّاً مدنيّاً لن يتكرّر ، دعيني أقول لك ، أنا الذي أحتاجك كثيرا ، وأعرف مدى قوّة إرادتك على البقاء ، أقول – بعد تردّد كبير - نيابة عن كلّنا ، بحبٍّ أقولها وبألم حاد : يحقّ لك الآن أن تأخذي إستراحة المحارب .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...
- موت حبّابة وانتحار العالم / الانتباهة التي تلد خروجا
- دور المكان ووضوح المفاهيم في استئصال العنف
- رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع
- تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟
- الى ( صفيحة ) المدى وجاراتها : درس في الأمانة الثقافية
- عوني كرومي : الجاد في لحظة هازلة
- عيسى حسن الياسري : قديس خارج الوقت
- الشعر العراقي الحديث : قراءة اجتماعية
- فلنمت وحيدين بعيدا
- يموت المعنى وتستمر الحياة
- تعليب النساء لمن ؟ محاولة في تفكيك المنظومة الذكورية
- الذات والعقاب قراءة في نمو المستوى الدلالي لمفهومي الغربة وا ...
- دعوة للتضامن مع الصحفيين العربيين عدلي الهواري وعبد الهادي ج ...
- العائلتية نظام حيواني قراءة في ثقافة صدئة


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جمال علي الحلاق - الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي