أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جمال علي الحلاق - أزمة الثورة الإنفعالية















المزيد.....

أزمة الثورة الإنفعالية


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 23:15
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


أتحدّث عن أزمة مركّبة بمستويات عدّة تمسّ أطراف الصراع كلّها ، وربّما كان المستوى الأكثر وضوحاً هو إنتماء الجماهير لإنفعالها الأعزل الذي يسبق عمليّة تشكّل إتّخاذ القرار الحاسم من قِبَل الأحزاب السياسية المعارضة عند محاولة الإطاحة بنظام دكتاتوري مدعوم بالأجهزة البوليسية وبقوى رأس المال سواء أكانت في الداخل أو في الخارج .

بديهية : تعمل الأنظمة الدكتاتورية على إقصاء وتفريغ الأحزاب السياسية المعارضة عن ومن أدوارها الفعلية ، تجعلها مصابة بشلل كلّي أو بكساح يعيق حركتها بين صفوف الجماهير ، وبالتالي يجعل حضورها الإجتماعي شبه معدوم ، وعدم قدرتها على التغيير يجعلها فاقدة للأهمية ، وغير موثوق بها جماهيريّاً.

فجوة زمنية قاتلة

عندما تتحوّل الأحزاب المعارضة تحت ضربات القمع الدكتاتوري الى صور شاحبة ، تحتضر لكنّها لا تموت ، ولا يُسمح لها بتدارك بنيتها ، سواء الإدارية وعلاقتها بالمجتمع ، أو بفتح نوافذ للحوار مع الأحزاب والتكتّلات السياسية الأخرى ، تزداد الهوّة بينها وبين الجماهير ، ولا تعود مرجعاً يمثّل الشارع في حالة الغليان .

من هذه النقطة تحديداً ، من غياب التمثيل السياسي ، ومن وجود الدافع الى الخروج على السلطة ، يجد الفرد نفسه واقفاً الى جوار آخرين لهم نفس ما له من الدوافع ، ويفتقد بنفس القدر ما يفتقدون من تمثيل سياسي يمكن أن يجعل إنفعالهم الجماعي مدبّباً الى أقصاه .

عادة ما تكون هناك فجوة زمنية قاتلة تفصل ما بين لحظة نزول الجماهير الى الشارع وبين تبلور الوعي السياسي وسرعة بديهيته في إتّخاذ قرار حاسم يقود إنفعال الجماهير الى نهاية واضحة ومدبّبة .

وأقول فجوة زمنية قاتلة لأنّها في حالة إتّساعها قد تقود الى الإجهاز على الثورة ذاتها ، كما حدث في العراق على يد صدام حسين عام 1991.

والخلل هنا لا ينحسر في سرعة إنتشار الإنفعال الجماهيري ، ولا في بطء حركة الأحزاب السياسية المقموعة والمغيّبة عن الوعي وعن الحضور الفعلي بين صفوف هذه الجماهير ، بل يمتدّ ليطال آليات إشتغال السلطة الدكتاتورية ذاتها ، لأنّ الوظيفة الأساسية للقمع هي جعل الرؤية السياسية مضبّبة الى درجة أن يعتقد المواطن بأن ليس هناك طريق آخر سوى الدكتاتورية ، وأنّ سقوط الدكتاتور سيؤدي الى فوضى ومتاهة لا أحد يعرف منتهاها .

أتحدّث هنا عن قمع إستمر لأكثر من ثلاثين عاما ، أي أنّ جيلاً جديداً ولد ونمى دون أن يرتبط عضويّاً بتاريخ حزب ما ، وبالتالي يصبح من العسير على حزب معارض أن يتكئ على عمقه التاريخي في الإنتشار ، سيكون لكلّ لحظة تاريخية شروطها الإجتماعية ، وهنا يكون على أيّ حزب أن يبدأ بين صفوف الجيل الجديد ، وبرؤى جديدة ، لكن بعد سقوط الدكتاتور .

أي أنّ عودة الحزب الى الحياة ستكون لاحقة للثورة ، ولعلّ الأحزاب الدينية هي الأكثر قدرة على دغدغة الإنفعال الجماهيري في حالة غياب الرؤية الواضحة .

أزمة البديل

في الثورات الإنفعالية غالباً ما يكون هناك هدف واضح ، لأنّها لا تحدث إلا في المجتمعات التي تعاني حكماً دكتاتورياً ، وعليه فإنّ الرغبة في إسقاط الدكتاتورية ستكون طافحة على سطح الشعور الجمعي ، لكن ، وبنفس الوضوح ، لا يكون هناك بديل واضح ، وهذا ما يتكرّر الآن في ميدان التحرير في مصر .

هذا الأمر يجعل كفّة السلطة الحاكمة هي الأرجح لأنّها تدير دفّة الأجهزة البوليسية إضافة إدارة دفّة رأس المال ، خصوصاً ، عندما تتصادم لأحزاب والكتل السياسية المعارضة فيما بينها في اللحظة التي تكون الجماهير فيها قد قطعت شوطاً طويلاً من الصراع في الشارع .

إنفعال الجمهور شرر يتطاير ، ينتقل من بيت الى بيت ، ومن مدينة الى أخرى ، بينما قرار الأحزاب السياسية مثل زلنطح ( باشو ) الذي " يتسلّق ببطء جبل فوجي " ، بطء يقوده إنعدام الثقة المتبادلة .

أزمتان متقابلتان

في الثورة الإنفعالية ، تجد الجماهير نفسها واقفة لوحدها إزاء القمع الدكتاتوري ، جمهور يحاول إزاحة الدكتاتور ، ودكتاتور يحاول إزاحة الجمهور بالقمع .
الدكتاتورية في مصر - الآن - لا تواجه الأحزاب السياسية ، بل تواجه الجماهير ذاتها . أزمة الدكتاتورية هنا تقترب من أزمة الجماهير ، كلاهما يفتقد الوسيط الذي يمكن أن يقود الصراع الى مستوى آخر .

في اللحظة الحرجة يقف الطرفان متقابلين على عتبتين متضادّتين ، الدكتاتورية تحتاج الى من تتحاور معه ، والجمهور لا يستطيع إتّخاذ قرارٍ حاسمٍ ، لأنّه أعزل إلا من سلطة الإنفعال .

أي أنّ الدكتاتورية القائمة على القمع تقود الى قمع ذاتها في النهاية ، لأنّها ، كآلية إشتغال قائمة على الحذف ، وعليها ، من أجل ديمومة بقائها ، أن تلجأ الى استخدام آلية ( الضدّ النوعي ) ، وهي آليّة لا يمكن أن تكون قراراً يتمّ إتّخاذه قرب الحافة ، آليّة الضدّ النوعي تبدأ مع البداية الأولى للدكتاتورية .

ما يحدث الآن في مصر أنّ السلطة القامعة إستخدمت ( الضدّ النوعي ) بفتح أبواب السجون ودسّ البلطجية بين التظاهرات السلمية لمنح الإحتجاج السلمي صفةً تخريبية ، كما جعلت الشرطة بثياب مدنية تهتف كإتّجاه معاكس للجماهير ، بل تجاوزت ذلك بإطلاق النار على المعتصمين ، وبالتأكيد فإنّ أكثر ما يؤلم الشعوب ويخلخل وجدانها هو العبث بعمقها التاريخي ، وأقصد المتاحف ، لذا تمّ الترويج لنهب المتحف المصري محاولة في دغدغة الإنتماء الوجداني الإنفعالي للماضي عند الجماهير ، وتصعيد الإحساس بفقدان الهويّة أو مسخها .

في المقابل ، التجربة الحقيقية تجعل الوعي السياسي الجماهيري ينمو بسرعة عالية ، خصوصاً في منطقة الحقوق ، يمكن رؤية ذلك من التغييرات التي تحدث على الشعار المرفوع .

بدأت ثورة ميدان التحرير بشعار : " الشعب يريد إسقاط النظام " ، وهو شعار سلمي لا يتضمّن المحاسبة ، يكتفي فقط بإزالة النظام القمعي ، غير أنّ الجمهور ، بعد تعرّضه لعمليات القتل العشوائية ، وأساليب العنف البدائية كاستخدام الخيول والبعران في تفريق المتظاهرين ، وجرائم أخرى مثل رمي الكتل النارية من سطوح البنايات على المعتصمين ، تسبّبت في عدد كبير من الضحايا ومئات أو آلاف من الجرحى ، كلّ ذلك ساهم في تصعيد الإنفعال الجماهيري ومنحه عمقاً آخر جعلها تقوم بتغيير مضمون الشعار حتى أصبح بصيغة أخرى مختلفة : " الشعب يريد محاكمة النظام " ، القضيّة الآن ليس في رحيل النظام ، بل في محاكمته ومقاضاته ، إكتفى التوانسة بهروب ( بن علي ) ، أما المصريّون فلم يعد ذلك كافياً ، وهذا يعني أنّ الشارع بلغ حدّاً من الإنفعال لن يتوقّف عند إجراء تغييرات سطحية ، أو عمليات تجميل لوجه السلطة ، لقد بلغت التجاعيد من الكثرة بحيث لا يمكن إلا إزالة الوجه بأكمله ، لكن بعد محاكمته .

تصعيد لغة الشعار يقابلها إصرار الحكومة على الإبقاء على دكتاتورها ، لكن بطريقة تكاد أن تكون توسّلاً حفاظاً على كرامته ، لقد وضع الدكتاتور نفسه في زاوية ضيّقة جداً حين أعلن أنّه لا يتخلّى عن مسؤولياته ، فلم يعد أمامه إلا البقاء على رأس السلطة ، حتى ولو كان هُزأةً ، وهذا أمر مرفوض جماهيرياً ، أو أن ينتحر ، وهو أجبن من ذلك .

الجيش أو الجهة الرابعة

نزول الجماهير الإنفعالي الى الشارع هو نوع من النزيف الجماعي ينبغي إيقافه على عجل بنهايات واضحة ومدبّبة ، لأنّ النزف المستمر سيجعل الثورة الإنفعالية أمام واحدٍ من ثلاثة إحتمالات :-
- أن يتمّ تذويبها تدريجياً بالتمديد والمراوغة واللعب على ورقة تعب الجمهور ، المراهنة على طول النفس ، ومحاولة كسب الأحزاب المعارضة على حساب الشارع ، وهو ما يجري الآن .
- أو أن يتمّ ركوب موجتها من قبل جهة ثالثة كما فعل الخميني مع ثورة الشارع الإيراني عام 1978 ، وكما يحاول الأخوان المسلمون في مصر .
- أو أن يبادر الجيش بانقلاب عسكري يؤسّس من خلاله لحكومة انتقالية .



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن جيل محظوظ
- هل يحقّ لنا إغلاق المساجد ؟ قراءة في سطحية الخطاب الإسلاموي
- أزمة الإيمان والمؤمنين
- أزمة المعرفة الجاهلة
- من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية المجتمع
- الصخرة لا تنزل يا كامو / إعتذار متأخّر لبشرى
- قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟
- نزهة القائد العام للحواس
- إحباط ليس في أوانه
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...
- موت حبّابة وانتحار العالم / الانتباهة التي تلد خروجا
- دور المكان ووضوح المفاهيم في استئصال العنف
- رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - جمال علي الحلاق - أزمة الثورة الإنفعالية