خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3258 - 2011 / 1 / 26 - 13:21
المحور:
القضية الفلسطينية
تقول الحكمة: المتشائم يحول الفرص الى مصاعب, اما المتفائل فيحول المصاعب الى فرص.
من الملامح التي يحملها هجوم دولة قطر وقناة الجزيرة على القضية الفلسطينية, انها تعكس قراءة دقيقة لجوهر العلاقات الفلسطينية الداخلية والخارجية, وانها حددت المفاصل الرئيسية لها, وانها وجهت هجومها ضد هذه المفاصل بالضبط. لذلك كان هذا الهجوم حملة سياسية من الدرجة الاولى. لا يمكن لمؤسسة اعلامية وان بحجم الجزيرة وامكانياتها ونفوذها ان تكون بها اكثر من اداة تنفيذ فقط. اما المخطط الحقيقي لها فهي مؤسسات استخبارية تمتلك القدرات والمؤسسات القادرة على انجاز مثل هذه القراءات وتحديد اهدافها, ومع ذلك فشل حتى الان هجوم الجزيرة في خلق رد فعل مباشر من مستوى الحجم الذي كانت المؤسسات الاستخبارية الصهيونية تتوقعه, والذي هيات معه مؤسساتها الاعلامية الصهيونية للمشاركة به, كما عكس ذلك العناوين المثيرة التي ابرزتها صحف العدو فورا وبتلازم مع بدء بث قناة الجزيرة للوثائق. والتي كانت تتوقع نزول الشعب الفلسطيني للشارع فورا ورفعه مطالب اسقاط السلطة.
بل اننا لا يمكن لنا قراءة حملة الجزيرة السياسية بعيدا عن التهيئة لها بصورة مشتركة مع المؤسسات الصهيونية والامريكية, والتهيئة والتمهيد لها بمسارين متوازيين يعملان على كشف عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيق الاماني والطموحات الشعبية الفلسطينية
المسار الاول هو اهمال الولايات المتحدة الامريكية وعدم متابعتها مسار المفاوضات, مع استمرار تقييدها لتقدم التسوية وعملها على منعه
المسار الثاني هو تصعيد اسرائيل كافة اشكال العدوان الوجود المادي الفلسطيني على الارض, عبر الاستيطان وهدم المنازل وكافة الاشكال الاخرى, الى جانب التهديد بعملية ترانسفير من داخل منطقة عام 1948 الى خارجها, بل ورفع التصعيد هذا الى مستوى يجعل المواطن الفلسطيني يتسائل عن اهمية وجود السلطة الفلسطينية في حياته موازاة بحالة العجز عن الفعل التي تسودها, والصورة الضرائبية التي هي عليها في حياة هذا المواطن
المسار الثالث هو الذي اوكل لدولة قطر وقناة الجزيرة ان تنفذه والذي يتمحور حول عطاء الاجابة التي حددتها المؤسسة الاستخبارية الصهيونية والامريكية على تساؤل المواطن الفلسطيني والتي تتجه الى اقناعه بوجود حالة تامر وخيانة عليه من قبل قيادته.
اما المسار الموازي والذي سيخدم المخطط من منطلق الغفلة السياسية لا من منطلق التامر والخيانة, فهو دور الاتجاه الانشقاقي الذي ستعمل طموحاته السياسية على محاولة استغلال _ فضيحة السلطة _ من اجل تعزيز وجوده وسيطرته واتجاهه الانفصالي.
إن ردود الفعل الفلسطينية حتى الان توضح ان هذه الحملة فشلت على الصعيد الشعبي الفلسطيني, فلا مظاهرات نزلت الى الشارع ولا غيره, بل انها فشلت الى درجة اذهلت المخططين الصهاينة والامريكان انفسهم. اما النجاح النسبي على الصعيد الفصائلي الذي افرزته فقد تحجم في المواقع التي تسيطر عليها حركة حماس في قطاع غزة والمغلوبون على امره في سوريا والمقموعون من قبل حزب الله في المخيمات الفلسطينية في لبنان. الى جانب ما يسندهم من اتباع حركة الاخوان المسلمين وحزب التحرير اقليميا,
ان العقلية الاستخباراتية لا يمكن لها ان تقرأ معنى الخصوصية القومية لانها تتعامل مع القوميات كاحجام قابلة للقهر والتوظيف, بالوسائط التقنية بصورة رئيسية وبالعملاء السياسيين ايضا. اما الروح الشعبي وهو الوحيد القادر على هزيمتها فهي لا تستطيع قرائته مطلقا, كما اثبتت تجارب التحرر الشعبية وطنا وديموقراطيا, بل هي حتى لا تستطيع قراءة التجربة الحية المعروضة لها الان في تونس. والتي باتت ترفض كما عبر عنها احد بسطاء المظاهرات فيها حين قال اننا نرفض ديكتاتورية السماء ونرفض ديكتاتورية الارض.
لم يكن هناك قيادة سياسية خائنة وعميلة في تاريخ النضال الفلسطيني, وهذه حقيقة تاريخية تشكل وساما على صدر النضال الفلسطيني من اجل التحرر. بل كان هناك قيادة سياسية ذات غفلة سياسية اساسها وجود اوهام ثقافية تماما كما هو الان في محاولة ابقاء النضال الفلسطيني اسير اهداف تحددها مقولات فلسطين ارض وقف قومي عربي وفلسطين ارض وقف ديني. وكان هناك دائما عبور الى خيانة القضية الفلسطينية من مدخل الانشقاق الديني الاسلامي المسيحي اليهودي. والانحياز اللاوطني الذي ينتجه في السلوك الاجتماعي السياسي الفلسطيني العام, والاوهام التي يخلقها حول وحدة الصراع الاقليمي غير الموجود في الحقيقة. فالحاج امين الحسيني استشهد ولم يخن. لكنه كان جهاديا من المقتنعين بمقولة فلسطين ارض وقف اسلامي. كما هو الان السيد خالد مشعل والزهار والحية وغيرهم ان في حركة حماس او الجهاد الاسلامي او قيادات حزب التحرير
ولم يكن الرفيق جورج حبش خائنا ولا كذلك ابو علي مصطفى ولا احمد سعادات. ولا فاقنا في قيادة الجبهة الديموقراطية ولا في باقي قوى اليسار من اللذين يسترشدون بمقولة فلسطين ارض وقف قومي عربي. ولا كذلك قيادة حركة فتح على هلاميتها التي تتاسس على الجمع بين المقولتين السابقتين كمرشد نظري لها غير انها تتقدم على الاخرين بتميز قولها بالخصوصية الفلسطينية الامر الذي ينفي عنها اي شبهة خيانة
لكنه اهمال مهمة الكفاح النظري في مواجهة اعداء يسخرون مؤسسات ضخمة الامكانيات لقرائتنا. والذي يتيح لهم امكانية شن هجوم على قضيتنا من مستوى هجوم دولة قطر وقناة الجزيرة الحالي.
هل في القيادة الفلسطينية الفصائلية غفلة سياسية, نعم, وهي غفلة تعمقها الروح الفصائلية التي تعتبر ان ما يملكه الفصيل لا يجب ان يملكه فصيل اخر, انه الاستفراد الفصائلي, مرض تكشف عنه الان حملة الجزيرة وتفسره على انه نهج تامري خياني, وتقدمه مهضوما جاهزا ما على باقي الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلا ان يبلعه. وفشلت.
لكن ذلك لا يعني ان نقيم حفلة الابتهاج بفشل هجوم دولة قطر وقناة الجزيرة بل ان ذلك يطرح من جديد مسالة _ مشكلة جبهوية العلاقات الداخلية الفلسطينية _ وهو خلل موجود على حركة فتح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة السلطة مراجعة سلوكها فيها وموقفها منه.
فان تتجه الجبهة الديموقراطية مثلا لمطلب تشكيل لجنة من جامعة الدول العربية وغيرها للتدقيق في سلامة الوثائق التي نشرتها دولة قطر من خلال قناة الجزيرة, او ان تتجه حركتي حماس والجهاد الاسلامي فورا الى التسليم بسلامة هذه الوثائق واعتمادها دون مراجعة الهدف السياسي لها بل وان تنساق تماما لتوظيفها لتراجعات في مجال المصالحة السياسية. انما يكشف حجم ازمة الثقة التي تتحكم في واقع العلاقات الداخلية الفلسطينية, والذي تتحمل فعلا مسئوليته قيادة حركة فتح المهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسة السلطة.
نعم هناك حالة انشقاق فلسطينية, لكن حركة فتح تقول انها تتعامل معها من قناعة انها مؤقتة وقابلة للانهاء, فلماذا اذن نجد ان الجبهة الديموقراطية وفصائل اخرى وايضا الفصائل المنشقة لا تمتلك هذه الوثائق والمستندات وطالما ان كل الحكومات الاقليمية تمتلكها.
ان اشكال المقاومة الفلسطينية جميعا شان عام. مسئوليته جبهوية وحتى حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي وحزب التحرير ورغم الاختلاف الثقافي معهم فان لهم حق الاطلاع الكامل على مجريات المفاوضات, ووثائقها ومستنداتها. فهذا هو جوهر وروح الديموقراطية التي تبدأ من تكافؤ المواطنة وتنتهي في تكافؤ تمثيل الاتجاهات السياسية الاجتماعية اما نظام الحزب الحاكم فمن المبكر عليه جدا في فلسطين.
ان تعاملنا مع هجوم دولة قطر وقناة الجزيرة على القضية الفلسطينية يمكن ان نجعل منه تعميقا للحالة الانشقاقية الفلسطينية او مدخلا لاستعادة المصالحة السياسية بين الفصائل, وان على مجموع الفصائل الفلسطينية في كل المواقع ان تحدد ماذا تختار الان
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟