أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - ثورة الدجاج ( قصة قصيرة)















المزيد.....

ثورة الدجاج ( قصة قصيرة)


زياد صيدم

الحوار المتمدن-العدد: 3239 - 2011 / 1 / 7 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


يعاود الغراب الإغارة على أقنان الدجاج.. فينهش صيصانها ويعبث ببيضها.. يتسع نهمه وتتفتح شهيته أكثر فأكثر وكأن حوصلته بئر لا ينضب..ذات مساء نقنقت دجاجة في وجه ديكها بصوت حزين، يكسوه الألم والغيظ والغضب، وقد تهدل عرفها وبهت لونه: ماذا تنتظر يا سيد القوم لعقد اجتماع طارئ ؟ ثم زادت من حدة نقنقاتها متسائلة: أم انك تنتظر حتى تأتى الغربان إلينا، بعد أن تقضى على كل صغارنا.. فلا تُبقى لنا أثرا على الوجود..وباستهزاء ومرارة أكملت: أم انك تنتظر كي يسجل التاريخ بأحرف مزورة سبب انقراضنا؟ فيعزونه إلى اختلاف درجات الحرارة، وثقوب في طبقات الأوزون ! حينها تكون الجريمة اشد وطأة وفظاعة، فتتعذب أرواحنا جراء تزوير التاريخ للحقيقة، في عالم أصبح فيه الكذب والافتراء غاية الأقوياء..بينما الصمت والنفاق سمة الضعفاء ...
تدب الحمية في أوصاله..ينطلق كالسهم إلى مئذنة الجامع، يطلق صيحات متتالية وقد انتفخ عرفه، واشتدت حمرته.. توافدت على أثرها ديوك البلدة إلى مقر زعيمهم.. فكلف كل واحد منهم بنشر دعوة عامة في كافة أحياء البلدة والمناطق المجاورة.. تدعو إلى اجتماع عاجل ظهيرة الغد، تحضره جموع الدجاج بكافة اتجاهاتها وألوانها ومسمياتها...
كان زعيم الديوك من الكسالى.. لولا زوجته الفصيحة، التي تسانده وتشور عليه في اغلب الأمور.. تزوده بخطاباته التي يلقيها في الاجتماعات أو الندوات المتعددة.. فيحتار الجميع بأمر ثقافته وذكاءه.. بالرغم من علامات الغباء والكسل التي تستحوذ على تصرفاته، و تطفو على وجهه في اغلب الأحيان..فيبتلع كل منهم لسانه، فلا يطالبونه بالاستقالة أو التنحي...
تقاطرت جموع غفيرة من الدجاج ، فجاء دجاج البيض واللحم، ومنكوش الريش وكثيف الفرو وصاحب السيقان الممشوقة والبحري زاهي الألوان، والحمرا والبيضاء، والحدباء والسيفان والمدبجة.. حضروا جميعهم دون استثناء..استهل الزعيم حديثه بهز عرفه ذات اليمين وذات الشمال ..مبديا فصاحة لسان وحكمة في القول..كانت مقدمة منه، مستبقا نقاشاتهم وأفكارهم وتوجهاتهم، كي يستطيع اتخاذ قراراته المصيرية لاحقا...
انبرت من بين الحشود دجاجة، شقت طريقها بصعوبة وسط الجموع ، كانت تتمايل بمؤخرتها قبل وصولها إلى المنصة الرئيسية.. وقفت منتصبة القامة، أزبدت وعفرت بأرجلها.. فتناثرت أوراق الزعيم وأقلامه .. فانفجرت نقنقات صاخبة من الجالسين في السطور الأولى، ثم ساد الصمت، بعد أن دق الزعيم بشاكوشه الخشبي على المنضدة ... حدقت صوب الجموع بعينين دائريتين تقدحان شررا، ثم قالت: غراب أسود، يحيل حياتنا إلى جحيم؟ يقتل أولادنا، ينهش بيضنا، يستوطن بين أقناننا، يستولى على أرضنا! ثم تساءلت: وانتم جميعكم في سبات وعدم اكتراث؟ كانت تشير بجناحها إلى السطر الأول من الحضور، الذي كان مخصصا لقادة الديوك المجدولة لحاهم، وقد تدلت بحمرتها الداكنة، وانتصبت عروفها مسننة كالمناشير، قبل أن ترتخي، وتميل كسوفا وخجلا من حيائها !!على اثر سيل من الاتهامات والتقصير والتوبيخ لهم.
وقف قائد الجيش ببزته ونياشينه التي تملأ صدره، مدافعا عن زملائه من مسئولي الأجهزة، أمام اتهامات صريحة وجريئة من المتحدثة باسم الدجاج، مبررا ضعفهم بعدم امتلاكهم صفاته في التحليق والطيران.. التي تؤهله بالتفوق، فيكر ويفر بسهولة ويسر، فلا نستطيع مجابهته أو مقاومته، ثم جلس مستسلما، وقد تهدل عرفه واصفر لونه...
لم يقنعها قوله، فنقنقت بعصبية قائلة: إن كنا لا نستطيع الطيران للحاق به في السماء، فالأجدر أن نتعامل معه حين يهبط على الأرض، متجولا بخيلاء بين الاقنان ، بلا رادع له، مباغتا أولادنا ومهشما بيضنا.. كما نستطيع ابتياع أسهم وأقواس تلاحقه في السماء ..فلا حجة ولا منطق لمبرراتك الواهية أيها القائد الهمام.. ثم أردفت قائلة: صمتكم ومصالحكم الشخصية، جعل الغراب هاجسا لنا، يعيش على خوفنا وخيراتنا، يهدد بانقراضنا.. وقد سمعنا بأنه التجأ إلى من يفبركون التاريخ للبشرية، وقد صاغوا مسبقا أسباب انقراضنا؟ بكل استهزاء وسخف بنا .
احتدم النقاش.. وبدأ عراك بين مساند ومعارض.. مؤيد ومخالف.. تطاير الريش والزغب في الأجواء.. تعالت صيحات الديوك في السطر الأول، واشتد نقيق الدجاج مزمجرا حتى صم الأذان، فوصل صداه إلى ما وراء الوادي.. فجأة، صمت الجميع على نعيق حاد يأتيهم من أعلى الشجرة ؟ التي تتوسط جموعهم المحتشدة ! كان الغراب بلحمه وشحمه، ينهال شتما وسبا فيهم، ينهاهم عن إثارة الضجيج الذي يمنعه من استكمال نومه وراحته، لاسيما وعليه مواعيد كثيرة في الصباح الباكر..هذا استهزاء فاق الحدود، استهتار كامل بكل الحشود الغفيرة والقيادات الحاضرة ! نقنقت دجاجة إلى زميلتها والحزن يفطر كبدها...
وقف زعيم الديوك مسرعا، يمتص غضب الغراب وامتعاضه، مطالبا تعليق النقاشات حتى يكمل راحته ونومه..وان يلتزموا بالهدوء منتظرين البيان الختامي، بعد أن يستكمل قادة الديوك اجتماعهم فورا في غرفة مغلقة، بعيدا عن الصحافة والإعلام، حفظا لماء وجوههم المسفوك على التراب... خرج البيان على عجالة، يطالب الحشود الهادرة بان يتحلوا بالهدوء، لعدم إعطاء الغراب الذرائع فيبطش ويدمر أقنانهم، ويلحق الفناء بهم..كما نص على استحياء بتبني ثقافة المقاومة السلمية، مثل الاحتجاجات و الاعتصامات .. مذكرا الجميع بالمحرقة التي صنعها بين صغارهم وكبارهم على السواء، مما هدد ووجودهم بالانقراض..كما اتفقوا على تشكيل وفد يلتقي به لاحقا للتوسل إليه.. بان يعتق حدباءهم لتعميم الفائدة.. حتى يستطيعون العيش والتزاوج بمثنى وثلاث ورباع ،لزيادة وتكثيف تفقيس البيض، ليتمكنوا من الإيفاء بكل احتياجات أكله ووجباته الدسمة من البيض والصيصان..وهكذا تحول الغراب إلى الحاكم الفعلي لهم.. يستشيرونه في كل صغيرة وكبيرة..يتوسلون رضاه، ويتمنون ابتسامته الصفراء.
مع بزوغ يوم جديد، يبشر بالأمل والرجاء.. بدأت تعلو نقنقات من النشء الجديد.. محتجة، متذمرة، ساخطة على واقع مذل مهين ..تصر على إلغاء تلك الاتفاقية الجائرة المخزية، وتنسج من خيوط الشمس بيارق الحرية، ففي ليلة مباركة، حين سكنت الكائنات إلى مضاجعها..كانت مجموعة من أفراخ الدجاج الثائر، تعقد اجتماعها الأول بسرية تامة...
ومع خيوط الفجر الأولى كانت النيران تلتهم تلك الشجرة التي اختارها الغراب تتوسط أقنانهم، بكل غطرسة وتحد وطمأنينة.. فتطاير عشه محترقا.. تذريه رياح الثورة العاصفة، وهبة الجماهير العاتية..فيطير هاربا، ويختفي مدحورا عن الأنظار...
إلى اللقاء.



#زياد_صيدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناجم الحصى ( قصة قصيرة)
- زمن السخف (ق. ق. ج)
- أثواب بلا ألوان ( ق.ق.ج.) م. زياد صيدم
- دموع الفرح (ق.قصيرة) بمناسبة الذكرى 6 لاستشهاد القائد الرمز ...
- يتصارعن مع البحر ( قصة قصيرة)
- الأسباب الحقيقية لتأجيل المصالحة الفلسطينية.
- لم تنته الحكاية ! ح1 (قصة قصيرة)
- صياد بلا شبكة (ق.ق.ج)
- فانوس رمضان (قصة قصيرة)
- نبوءة شهرزاد 3 (الأخيرة)
- نبوءة شهرزاد 2
- صراصير على قدمين !
- نبوءة شهرزاد 1 (قصة قصيرة)
- رحلة العمر 7 (الأخيرة)
- رحلة العمر6 (قصة قصيرة)
- هرولوا إلى قاهرة المعز 3 - النداء الأخير-
- رحلة العمر5 (قصة قصيرة)
- الجرائم الصهيونية والفيتو الأمريكي إلى متى؟
- رحلة العمر 4 (قصة قصيرة)
- رحلة العمر 3 (قصة قصيرة)


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - ثورة الدجاج ( قصة قصيرة)