صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 969 - 2004 / 9 / 27 - 11:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمثل الحزب السياسي كيان تنظيمي يسعى لتحقيق مصالح طبقة أو فئات اجتماعية متعددة، وتحكمه قواعد تنظيمية تستمد توجهاتها العامة من الآراء والأفكار المعبرة عن مصالح تلك الطبقة أو الفئة التي يمثلها. وتختلف الأحزاب السياسية بعضها عن بعض ليس فقط بالتوجهات الفكرية، وإنما بالقواعد التنظيمية المنظمة لهيكلية الحزب (القيادة؛ والكادر؛ والقاعدة) ومهام كل منها.
والأحزاب السياسية الديمقراطية لا تحكمها قواعد تنظيمية صارمة وملزمة لأعضائها، لأن آلية حراكها التنظيمية ذي اتجاهين متعاكسين: من القيادة نحو القاعدة، ومن القاعدة إلى القيادة. إما الأحزاب الشمولية فتحكمها قواعد تنظيمية صارمة تعرف (بالتنظيم الحديدي) وذات اتجاه واحد من القيادة نحو القاعدة. وعضو الحزب فيها (فدائي) تحت الإنذار توجهه القيادة حيث تريد! ولا يحق له الاعتراض أو رفض أوامرها، وهو مكبل بسلسلة من الالتزامات تفقده الاستقلالية والتفكير خارج إطار إيديولوجية الحزب، ويتوجب أن يكون ولائه مطلقاً للحزب وقيادته!.
وعموماً فأن الأحزاب السياسية ضرورية للتخفيف من حدة الصراع الاجتماعي، لقدرتها على التحكم بأوجهه المختلفة خاصة في المجتمعات المتخلفة لأنها تفتقد لماهية التنظيم وسلطة القانون. في حين تقل الحاجة إلى الأحزاب السياسية في المجتمعات المتطورة نتيجة انخفاض وتيرة الصراع الاجتماعي لديها، ولكونها حصلت خلال مسيرة تطورها على أشكال مختلفة من الإدارة والتنظيم لسلوكها الاجتماعي ولديها من الخبرة والمعرفة بحقوقها وواجباتها تجاه الدولة.
ويرى ((صموئيل هانتنتون)) في ظل الغياب التام للصراع الاجتماعي، تصبح الأحزاب السياسية غير ضرورية، وفي ظل الغياب التام للانسجام الاجتماعي تصبح الحياة مستحيلة ما لم تتغير تلك النظرة بين أطراف الصراع.
والواقع يدلل على وجود انحسار جماهيري للأحزاب ذا الاتجاه الواحد، والممثلة لمصالح فئة اجتماعية واحدة لأن مطاليبها تقتصر على تحقيق مصالح تلك الفئة. في حين أن الأحزاب الممثلة لفئات ومصالح اجتماعية متعددة، أخذت تستقطب في صفوفها العديد من الفئات الاجتماعية.
وبهذا فأن الأحزاب السياسية الممثلة لمصالح فئة اجتماعية واحدة تفقد استقلاليتها نتيجة ارتفاع وتيرة المطالب من قبل تلك الفئة التي تمثلها، وفي الغالب تكون تلك المطالب على حساب الفئات الاجتماعية الأخرى مما يؤدي لإخفاق الحزب في تحقيقها وبالتالي يفقده المصداقية أمام تلك الفئة!.
في حين الأحزاب السياسية الممثلة لفئات متعددة من المجتمع، لديها استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات وتلبية المطالب كونها تمثل مصالح فئات اجتماعية متنوعة وبذلك فأنها قادرة على ممارسة نوع من التوازن في تلبية المطالب الاجتماعية لتعبر (إلى حد ما) عن مصالح المجموع.
ويعتقد ((صموئيل هانتنتون)) إن حزباً سياسياً يعبر عن مصالح فئة اجتماعية واحدة (من العمال أو التجار أو الفلاحين على السواء) يكون أقل استقلالية من حزب يربط ويجمع بين مصالح عدة فئات اجتماعية.
وعلى ما يبدو أن الأحزاب الشمولية أخفقت في عملية التحديث لهياكلها وآلياتها التنظيمية ومازالت متمسكة بالتقاليد الحزبية القديمة وغير العصرية، لأن القائمون عليها مجموعة من الشخصيات التقليدية غير قابلة للتطور وجلهم من العجائز الحزبية غير المؤمنة بالعصرنة والتحديث ومتمسكة بمراكزها القيادية إلى نهاية المطاف، ولا تريد أن تقتنع بأن عمرها الافتراضي قد انتهى ويتوجب عليها فسح المجال للجيل الجديد ليمارس مهامه المفترضة!.
كما أنها لم تتخلَ عن عقليتها التراتيبية في العمل الحزبي المماثلة لهرمية عصابات المافيا، فالرئيس ومكتبه السياسي (ضابط الإيقاع) ولجنته المركزية (عازفة الطبلة) وقاعدته (فرقة الدبكة والهجع) ترقص وتطرب للعزف النشاز لتلك الجوقة!
ومن المفترض تحديث وعصرنة الحزب السياسي ليتحول إلى مؤسسة سياسية، تمارس الفعالية السياسية من خلال مؤسساتها الاجتماعية. لأن النظام الديمقراطي هو مجموعة مؤسسات فعالة تمثل مصالح الفئات الاجتماعية، وبما أن الأحزاب السياسية جزءاً من هذا النظام المؤسسي يتوجب عليها تحديث وعصرنة هيكلها التنظيمي ليرتقي لمستوى مؤسسة سياسية فعالة قادرة على التواؤم مع النظام المؤسسي وإلا فأنها ستبقى خارج هذا النظام!.
ويرى ((صموئيل هانتنتون)) الحزب السياسي هو التنظيم المميز للسياسة العصرية، لكنه ليس مؤسسة عصرية تماماً. وعمل الحزب هو تنظيم المشاركة وربط المصالح بين القوى الاجتماعية والنظام، ويعكس الحزب بالضرورة عند تنفيذه لهذه المهام منطق السياسة وليس منطق الفعالية. والفعالية، مؤسسة أكثر عصرية من الحزب الذي يعمل على أساس من المحسوبية والنفوذ والمساومة.
وعلى العموم لم يتهيأ الظرف اللازم للأحزاب السياسية المعارضة في الوطن العربي لممارسة العمل الديمقراطي، وأحزاب السلطة السياسية في الغالب هي أحزاب شمولية غير معنية بالتحديث والعصرنة وتستند في نهجها الحزبي لطريقة عمل عصابات المافيا للتخلص من المناوئين.
لذا فأنها لم تحصل على الفرصة المناسبة، لتحديث وعصرنة هياكلها التنظيمية. ويتوجب عدم إغفال عاملها الذاتي المعيق، لعملية التحديث ألا وهو قيادتها الديناصورية غير القابلة للتطور. وبهذا فأنها لم تخرج عن سياق كونها أحزاباً تمارس العمل السياسي لاستلام السلطة، وما التهميش والإقصاء والضعف الذي تعاني منه إلا سبباً لتلك العقلية!.
وهناك من الأحزاب الشمولية منًّ تحسس الخطر الذي يداهمه نتيجة تخلفه عن التحديث، فعمد لتبني نظرية (الهرم المقلوب) وراح يشكل هياكل تنظيمية (اجتماعية) يعتقد أنها تمثل مؤسسات اجتماعية ملحقة به لمجارة عملية العصرنة.
وفي حقيقة الأمر، أنها هياكل لم تخرج عن سياق التنظيمات الحزبية، لأن إداراتها توحي بالعقلية الحزبية المستمدة توجهاتها من التنظيم الحزبي وقيادته. وهذا التخريب المتعمد لنظام المؤسسات الاجتماعية والسياسية الممارس من قبل تلك الأحزاب الشمولية، سيضر كثيراً بالجهود المبذولة للأحزاب الليبرالية الساعية لأحداث مؤسسات اجتماعية وسياسية فعالة وقادرة على التواؤم مع النظم المؤسسية المكونة للنظام الديمقراطي.
ويعتقد ((صموئيل هانتنتون)) "كي يتمكن الحزب السياسي من التغلب بنجاح على صعوبات العصرنة، عليه أولاً أن يحدد العصرنة السياسية أي أن يشجع الإصلاح الاجتماعي والسياسي في نشاط الدولة. في هذا السياق يعني الإصلاح عادة تغيير القيم وأنماط السلوك التقليدية، ونشر وسائل الاتصال والتعليم، وتوسيع نطاق الولاء بحيث يتعدى العائلة والفردية والقبيلة ليصل إلى الأمة وعلمنة الحياة العامة وعقلانية البنى في السلطة. وتعزيز التنظيمات المتخصصة وظيفياً واستبدال مقاييس العزوة بمقاييس الكفاءة وتأييد توزيع أكثر إنصافاً للموارد المادية والرمزية. وما يتطلبه الحزب السياسي ثانية هو القدرة على أن يضم بنجاح (إلى النظام) القوى الاجتماعية الناتجة عن العصرنة والمكتسبة وعياً اجتماعياً جديداً نتيجة العصرنة، لأنها ستطلب هذه الفئات الاجتماعية المشاركة في النظام السياسي، فإما أن يتخذ النظام بدوره إجراءات هذه المشاركة بوسائل تنسجم مع وجوده المستمر، وإما أن يستبعد هذه الفئات عن النظام وينتج عن ذلك انعزال وصراع اجتماعي علني أو خفي".
الخلاصة: أن عملية التحديث والعصرنة للأحزاب السياسية في الوطن العربي وتحويلها إلى مؤسسات سياسية فعالة، يتطلب إزاحة القيادات الديناصورية المهيمنة على مقاليدها لصالح نخبة شابة من المثقفين تمتلك مقومات التحديث لإعادة هيكلة تلك الأحزاب السياسية إلى مؤسسات سياسية فعالة في المجتمع لتسهم في إرساء النظام المؤسسي الفعال للمجتمع الديمقراطي.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟