أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صاحب الربيعي - المنظومات الشمولية والذات الإنسانية















المزيد.....

المنظومات الشمولية والذات الإنسانية


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تسعى المنظومات الشمولية لتكريس فكر أحادي مُلزم لأفراد المجتمع، من أجل حشد طاقات المجموع لخدمة مصالح فئة اجتماعية معينة وعلى حساب مصالح بقية فئات المجتمع حيث تعمد إلى تدمير مفهوم الذات لدى الإنسان وصهر طموحه في بوتقة فكرها الشمولي بحجة خدمة الكل وعلى حساب الجزء.
وفي الحقيقة أن مفهوم (نكران الذات) لصالح المجتمع، مفهوم مثالي يخفي بين طياته الترويج لمصالح فئة اجتماعية لا تمتلك مقومات التطور والتحديث. لذا تعمد لأسر طاقات الإبداع لدى الفئات الاجتماعية الأخرى لتحقيق ذاتها، وفيما بعد يأتي دور سلطتها الدكتاتورية لإقصاء الفئات الاجتماعية المتقدمة عليها حضارياً. ومن ثم تفرض نمطاً محدداً من العلاقات الاقتصادية-الاجتماعية يهدف لتسخير طاقات الفئات الأخرى لصالحها كفئة بذاتها ولذاتها.
وإذا تم الأخذ بمعيار حرية الفكر كأساس للنهج الديمقراطي وبالتالي حرية الفرد في تبني الأفكار المخالفة، فإن مبادئ الفكر الشمولي ترفض هذا النهج للحرية. لأنها تدعو لفرض مبادئها وأفكارها على كامل المجتمع، وتطالبه بذات الوقت العمل على خدمة نهجها السياسي والقبول بمبدأ الهيمنة الفكرية الأحادية!.
وبهذا فأن مبدأ (نكران الذات) وما يروج له الفكر الشمولي، هو دعوة لإلغاء الذات الإنسانية والقبول بالمبادئ والآراء الأحادية ورفض الآخر.
ويرى ((آلان تورين)) أن النظام الشمولي يضطهد عودة الذات بفاعلية تفوق غيره من النظم، ولكن هذه الذات لا تختزل إلى الوفرة والاستهلاك الذين يكتملان بالتهميش لمن لا يشاركون فيها، لأن عودة الذات تدل على انهيار كل المبادئ التوحيدية للحياة الاجتماعية سوء كانت الدولة أو السوق.
ويعبر عن الذات الإنسانية بكيان قائم بذاته، وهذا الكيان ينطلق من مصالحه لخدمة الذات وتطويرها أولاً ومن ثم يسعى لإيجاد روابط مع الذوات الأخرى لتحقيق المصالح المتبادلة وتلك المصالح للذوات المختلفة تعمل بمجملها على خدمة مصالح المجتمع.
ويركز مبدأ تطوير الذات على المسؤولية المباشرة والشخصية لتحقيق المصالح الخاصة، وهذا يشكل الحجر الأساس لتطور المجتمع. وعموماً فأن المبادئ الفكرية لا يمكنها أن تدعي أنها مسؤولة عن التطور الذاتي لكل أفراد المجتمع دون رغبة الفرد في تطوير ذاته، لكنها قد تدعي تحقيق المصالح المشتركة لأفراد المجتمع.
وتلك الدعوة أيضاً مثالية، لأنها لا تتحقق إلا على حساب مصالح الفئات الاجتماعية الأخرى، وبغض النظر عن حجم أو كتلة تلك الفئة من المجتمع. وعليه فأن الدعوة لانتهاج مبدأ (نكران الذات) الذي يروج له الفكر الشمولي، هي دعوة لاختزال الفرد وقدراته لصالح فكرة أحادية التوجه تعبر عن مصالح فئة اجتماعية.
ويؤكد ((آلان تورين)) إن الشمولية تدمر المجتمع وتختزله إلى حالة الجمهرة وحالة الجماهير المطيعة لأحاديث وأوامر القائد. وهذا الانتصار للقائد يكرس للدفاع عن الجماعة وعن هويتها المهددة مع إدارة التحديث. الشمولية تدمر المجتمع كشبكة من العلاقات الاجتماعية المنظمة حول طاقة متزايدة للإنتاج، وتفرض مكانه تعبئة لهوية تحشد لقوة جماعية. أن التاريخ يحل محل المجتمع، وانصهار الماضي مع المستقبل يسحق الحاضر ويلغي المساحة العمودية التي تتناظر فيها الاختبارات الجماعية.
وبالنتيجة فأن الفكر الشمولي يسعى لتحقيق حالة من الاستبداد والهيمنة الفكرية من خلال الترويج لفكرة صهر الذات الإنسانية في مرجل الفكر الأحادي لأجل إلغاء الآخر وتحقيق مصالحه الفكرية وبالتالي فرض حالة من التسلط والاستبداد على المجتمع بكامله.
يعتبر الاستبداد والهيمنة وصناعة الأصنام والقادة والترويج لفكرة (القائد المًّلهم) من صَّلب المبادئ الشمولية، وما أسفرت عنه أنظمة الحكم الشمولي في الاتحاد السوفياتي السابق والعراق وإيران وأفغانستان من نتائج تدلل على تلك الهيمنة التي سعت لإلغاء الآخر وتعطيل سُبل التقدم والتطور الاجتماعي.
يقول ((آلان تورين)) لقد صم أذاننا نداءات الرفاق والموطنين وحتى الأخوة التي تسللت باسمهم السلطات الشمولية إلى الضمائر والمؤسسات. لاشيء يصمد بقوة أمام هذه الدعوة الجماعية إلا الاعتراف بالآخر، والوعي السلبي بالآخر، وهذا الوعي يرى في الآخر حضوراً خفياً للإله الغائب الذي ينتظر دائماً مجيئه. لايمكن لفكر الحداثة أن يبني نفسه حول فكرة الذات إلا بشرط تحطيم كل الأصنام التي فرضت عبادتها السلطات القائمة، إذ أن هذه الفكرة نفسها لا تنفصل عن مقاومة السلطة والحق في الاختلاف بل وحتى الحق بالعزلة في مجتمع الجماهير.
لم يعد خافياً على أحد هزيمة المنظم الشمولية أمام النظم الديمقراطية، فالأولى لم تنتج سوى أنظمة استبدادية عرقلة مسيرة التطور الاجتماعي وجلبت على شعوبها الويلات والكوارث!. وأن التبريرات النظرية التي حاول الفكر الشمولي تسويقها لفرض ديكتاتورية فئة على سائر فئات المجتمع، لم تنتج سوى استبداداً منقطع النظير يلغي حق الأخر بالمشاركة في العملية السياسية ويمنح (الشرعية!) لاستخدام آليات السلطة لتهميش واضطهاد المخالفين.
ويرى ((آلان تورين)) أن الدعوة إلى الجماعة وحدها تنتج استبداداً محافظاً جديداً، والتحديث الإرادي يؤدي إلى التسلطية، ووحدة الدفاع عن الجماعة مع التحديث المتسلط تنتج الشمولية.
والمطالبة بتحرير الذات الإنسانية من براثن الفكر الشمولي، هي مطالبة مشروعة تسعى لفك القيود عن الذات الفردية لتسهم بحرية في تحقيق مصالحها الخاصة، ومن ثم إيجاد علاقة تبادل للمصالح مع الذوات الفردية الأخرى ليصار تحقيق مبدأ تبادل المصالح بين أفراد المجتمع ككل، وهو المبدأ المنافي للمبدأ الشمولي (نكران الذات).
ومبدأ تحقيق الذات يقرًّ بالتنيجة بحرية الآخرين في تحقيق ذواتهم، وبالمحصلة فأن الإقرار بحق تطوير الذات وتحقيق المصالح، هو ضمان لمصالح المجتمع بكامله. وعدم احترام الذات الإنسانية ينهل من قيم الشر منطلقاته ويضر بقيم الخير التي تسعى نحو علاقات متكافئة بين أفراد المجتمع.
ويعتقد ((آلان تورين)) أن احترام الذات هو اليوم بمثابة تعريف الخير: عدم استخدام أي شخص أو جماعة كأداة في خدمة القوة. والشر ليس هو اللاشخصية المفترضة للتراث لأن هذا التراث يخلط الفردي بالعام، أنه السلطة التي تختزل الذات إلى مجرد عنصر إنساني يدخل في إنتاج الثروة أو القوة أو المعلومات. والأخلاق الحديثة لا تعطي قيمة للعقل باعتباره أداة لتوافق الإنسان مع النظام العالمي، ولكن تعطي قيمة للحرية باعتبارها وسيلة تجعل الإنسان غاية وليس وسيلة.
ستوكهولم بتاريخ 21/8/2004.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 3-3
- *مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 2-3
- *مناقشة وتحليل للنظام الشرق أوسطي 1-3
- *مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 2-2
- *مواقف دول الشرق الأوسط من النظام الشرق أوسطي 1 -2
- نصائح مهمة للكاتب للتعامل مع دور الطباعة والنشر في الوطن الع ...
- محنة الكاتب والقارئ العربي
- محنة الكاتب مع أجهزة الرقابة الحكومية والسلفية على الثقافة
- أساليب الغش والخداع التي تمارسها دور الطباعة والنشر مع الكات ...
- محنة الكاتب مع دور النشر في الوطن العربي
- السيد مقتدى الصدر بين غياب الرؤية وفشل الهدف
- حرية الاختلاف تنهل شرعيتها من الديمقراطية
- .!!النظام الديمقراطي: هو حصيلة روافد من دم العلماء والمفكرين
- ازمة الثقافة العربية انعكاس لسياسة القمع وغياب الحرية في الو ...
- أزمة النقد الأدبي في الوطن العربي
- الطاقة الإبداعية وخيارات التوظيف!!
- الصراع بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية على قيادة الدولة ...
- آليات سلطة الاستبداد وشرعية دولة القانون
- محطات من السيرة الذاتية للشاعر- بايلو نيرودا
- صراع الأجيال في الوسط الثقافي!!


المزيد.....




- إسرائيل تعلن استعادة جثامين رهينتين وجندي من غزة
- بعد الهجمات الأميركية على منشآتها النووية.. طهران تهدد بـ-رد ...
- خبير عسكري: هكذا ألحقت -مطرقة منتصف الليل- ضررا بمنشأة فوردو ...
- كيف علق مغردون على مشاهد الدمار في إسرائيل؟
- تقرير أممي يرصد زيادة غير مسبوقة في الانتهاكات ضد الأطفال
- نيويورك تايمز: 12 قنبلة ضخمة لم تدمر موقع فوردو وإيران نقلت ...
- خريطة دراما رمضان 2026.. عودة قوية لنجوم الصف الأول
- كاتب أميركي: إنها حرب ترامب ومقامرته وحده هذه المرة
- أمير قطر والرئيس الفرنسي يبحثان الهجمات على إيران
- واشنطن مستعدة للتفاوض وأوروبا تحث طهران على عدم التصعيد


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صاحب الربيعي - المنظومات الشمولية والذات الإنسانية