أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - حكمت المحكمة ( 2 ) - لا تدعوهم يحكموننا .















المزيد.....


حكمت المحكمة ( 2 ) - لا تدعوهم يحكموننا .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3222 - 2010 / 12 / 21 - 12:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة :
نحن بصدد إجراء محاكمة للتراث الديني الذي يُراد له أن يكون حاضراً مهيمنا ً يفرض منظومته على واقع معاش بكل حمولته الثقيلة وتراثه القديم .
كأي محاكمة ستكون هناك قضية يطرحها الإدعاء ويدافع عنها هيئة من المحامين لينظرها قاضى بجواره هيئة من المحلفين .. وستكون طبيعة قضايانا هي محاكمة الفكر والتراث والتاريخ .

ولكن هل لنا أن نحاكم تاريخ مر عليه مئات وألوف السنين كما تبعثر صانعوه في التراب .؟!
بالطبع يكون من العبث محاكمة تاريخ وأحداث قديمة انقضت وتوارت وتراكم عليها التراب بل تبدد أصحابها ولم يعد لهم وجود فأركان الجريمة هنا غير قائمة ولا متواجدة بشخوصها وأحداثها والمتضررين منها,.. فمثلا ً لا يمكن محاكمة شخصية تاريخية كهولاكو فرغم جرائمه البشعة لن نجد جهة تحمل منهجه وسلوكه وتريد استحضاره , كما لن نرى من يتبنى مسيرته ويعتقد أنها مازالت قادرة على التواجد في الواقع لتكون منهجا ً وسلوكا ً .. فمن هنا يكون من العبث محاكمة تاريخ هولاكو أو أي شخصية أخرى أمست تقبع داخل أوراق التاريخ الصفراء لا تبارحها .
محاكماتنا هنا ستكون لمعتقدات وأديان مازال أتباعها يرون أن تاريخهم القديم صالح لكل زمان ومكان ويأملون أن يطبقوا كل ما ورد في تراثهم وتاريخهم من شرائع على أرض الواقع لذا فهم وقعوا هم وتراثهم تحت طائلة القانون والإدانة .

يُجدر الإشارة أننا سنمارس جميعنا الدور الذي يناسبنا من الإدعاء أو الدفاع وسنشترك أيضا ًمع هيئة المحلفين ليبقى القاضي هو الحكم الذي سيُقيم الآراء منسجما ً بالضرورة مع القانون .

* الجزية وأهل الكتاب .

تزدحم قاعة المحكمة بحضور أطياف مختلفة من جمعيات ومنظمات لحقوق الإنسان إلى جانب ممثلي جهات طائفية ودينية ولا تخلو بالطبع من ممثلي تيارات وأحزاب ومؤسسات إسلامية علاوة على حضور قوى لأجهزة إعلامية جاءت من بقاع مختلفة من العالم لتسجل وقائع محاكمة الشريعة الإسلامية فيما يخص الجزية التي تنادى التيارات والأحزاب الإسلامية وتلح على تطبيقها .. تدور مجادلات شديدة بين الحضور لا يقطعها سوى دخول القاضي ومستشاريه إلى قاعة المحكمة ليعلن الحاجب "محكمة " ويتخذ كل فرد مكانه ليسود هدوء شديد القاعة .

يتخذ القاضي ومستشاريه أماكنهم على المنصة ثم يأذن لجهة الإدعاء بتقديم ملف القضية .
يقف الإدعاء منتصبا ً ويبدأ في فتح ملف ضخم بحوزته ليبدأ مرافعته ...

- سيدي القاضي .. القضية التي نحن بصدد تَناولها مرفوعة من جمعيات لحقوق الإنسان وممثلي أقليات دينية مسيحية في مصر والسودان والعراق والشام كأصحاب للحق المدني ضد مشروع الجزية في الإسلام والذي تتبناه جهات ومؤسسات وأحزاب دينية إسلامية آملين إقراره وتطبيقه في عصرنا الحالي .

الجزية في الإسلام تعنى فرض رسوم مالية على الغير مؤمن بالإسلام من أهل الذمة فهي مقننة خصيصا ً لأهل الذمة من يهود ونصارى ليدفعوها مقابل الاحتفاظ بإيمانهم ..أما الغير مؤمنين بالأديان الإبراهيمية من الأديان الأخرى والوثنيين والملحدين والمشركين واللادينين فغير معنيين بهذا الحد وليس هذا تسامحا ً من الشريعة الإسلامية سيدي القاضي بل تكون الأمور أكثر قسوة من أهل الكتاب لأنهم أمام اختيارين لا ثالث لهم إما الإيمان بالإسلام أو القتل .!!
سنعنى هنا بقضية الجزية المطلوب تطبيقها على اليهود والنصارى القاطنين في دول يسودها الإسلام وتريد أحزابها الدينية أن تطبق ما يزعمون أنه شرع الله وبما أن التواجد في العالم الإسلامي للمسيحيين لا لليهود كما أن الجهات الرافضة والمعنية هي جهات مسيحية لذا سنجعل خطابنا عن النصارى فقط .

ما يتكأ عليه المنادون بتطبيق الجزية على أهل الذمة هو القرآن الذي يعتبرون كل ما ورد فيه من تشريعات صالحة لكل زمان ومكان بل يرى لفيف من الدعاة أن عدم تطبيق الشرع الإسلامي هو انتقاص من حق الله وسيحاسب المُقصرون والمُتخاذلون في الدنيا والآخرة .!!..في حين يصل الأمر بتيارات أخرى أن ترى في تعطيل تطبيق الشريعة الكفر بعينه .!

" قَاتلوا الذينَ لا يُؤْمنُونَ بالله وَلاَ بالْيوَم الآخِر وَلاَ يُحَرمونَ مَا حَرمَ الله وِرَسُولهُ، وَلاَ يَدينونَ دَينَ الْحقَ مِنَ الذيَنَ أوتُوا الْكَتاب حتى يعطُواَ الجِزيَةَ عنْ يَدٍ وهُمْ صَاغِرونَ "
هذه الآية أسست للجزية وجعلت منها شرعا ً وشريعة إسلامية بالرغم أنها جاءت لتسجل موقف الإسلام من الشعوب التي يتم غزوها في المراحل الأولى للإسلام التوسعي .
بالطبع تتقوض أركان القضية إذا اعتبرنا أن تشريع الجزية كان لهذا الزمان وكفى.. ولكن كما هو واضح أن هناك فصائل عديدة تنادى بتطبيق الشريعة الإسلامية كاملة.. لذا أطرح سؤالي الأول لهيئة الدفاع : هل يجب أن يقتصر تشريع الجزية على زمانه ولحظته التاريخية فقط أم هو مطالب بالحضور والتحقيق في كل زمان وكان.؟!

نأتي الآن لمحاكمة النص ..النص كما هو واضح يكرس العنصرية والتمايز على أرضية الاختلاف الديني .. كما يمارس دورا ً إرهابيا ً وقهرياً وقسريا ً وجبريا ً على المسيحي فإما الإيمان بالإسلام أو دفع الجزية .. مما يعطى لفئة من البشر ميزة تفاضلية على أقرانهم الذين ارتضوا باعتقادهم وهذا المسلك لا يخرج بالطبع عن تكريس التمايز والعنصرية .
إن إجبار وإرهاق المسيحيون بدفع الجزية يعتبر عمل قهري وقسري يُمارس على جماعة بشرية محددة دون غيرها بغية فرض الإيمان الإسلامي عليها وهو ما تم عبر الأزمنة الغابرة وانتشر الإسلام على أساسها عندما تم إجبار الفقراء و الذي حال فقرهم دون أن يدفعوا الجزية على اعتناق الإسلام .
وعلاوة أنه فعل عنصري وتمايزي فنحن أمام فعل إرهابي وقهري حقيقة ً يتمثل في إما الإيمان بالإسلام أو دفع الجزية أو القتل أو الاسترقاق .
نعم سيدي القاضي فعقاب من لا يدفع الجزية ولا يريد الإيمان الإسلامي هو القتل أو أن يسترق ويباع في سوق النخاسة .
أكتفي بهذا القدر من مرافعتي الأولى سيدي القاضي وأترك الفرصة للدفاع في أن يطرح رؤيته .

يأذن القاضي لممثلي الدفاع أن يدلوا بدافعهم. .
يتقدم أحد المحامين إلى المنصة وقد حمل معه ورقة صغيرة دون عليها موجزا ً لما يريد أن يطرحه ...

- سيدي القاضي .. الجزية هو تشريع إلهي أقره الله في القرآن وليس تشريعا ً وضعيا ً بصدد الجدال حوله وتبيان مدى صلاحه أو ضلاله أوإدانته.. وأقول لممثل الإدعاء أن الشرع الإلهي ليس بذلة نلبسها وتضيق علينا أو يعتريها القدم فنلقيها جانبا ً لننصرف لحلة أخرى فشرع الله هو لكل زمان ومكان وغير خاص ببدايات الإسلام كما طرح السيد ممثل الإدعاء .

- يقاطع القاضي الدفاع قائلا : عذرا لسنا هنا لتبيان أنه تشريع إلهي أم لا .. بل لتبيان ما إذا كان هذا التشريع قابل للتعاطي معه في عصرنا الحالى ومدى انسجامه مع منظومة القوانين والحقوق الأساسية للإنسان .. وحتى إذا اعتبرناه تشريعا ً إلهيا ً فليس بالضرورة إسقاطه على الواقع فليكن تشريع خاص بزمانه وكفى .. فهناك تشريع بإباحة ملك اليمين فهل لنا أن نطبقها الآن !!... فهدف هذه المحكمة هي تناول القضايا الخاصة بالدين والتراث عندما تريد أن تكون حاضرة , أما في حالة إكتفائها كتراث تاريخي لأصحابه وزمانه فليس لنا شأن فنحن لا نحاكم تاريخ ظل كامنا ً داخل صفحاته العتيقة .
وعندما تقول عزيزي عضو هيئة الدفاع أنه ليس تشريع منزه عن الجدال كونه تشريعا ً غير وضعي فلماذا حضرت إذن من منزلك ؟!! .
تعج القاعة بالضحكات ليطرق القاضي على المنصة بشاكوشه الصغير داعيا ً الجميع للصمت ويأذن لعضو هيئة الدفاع في الاستمرار في مرافعته ..

- الدفاع : حسنا ً سيدي القاضي ..سأتناول ما طرحه الإدعاء .
الإدعاء حاول أن يثير الرأي العام ويختلق أوصاف ضخمة جاءت في سياق مرافعته عن العنصرية والتمايز والقهر والإجبار والإرهاب وكل تهمة من هذه التهم تؤدي بصاحبها ومدعيها إلى التهلكة .
ليس هناك عنصرية ولا تمييز ولا قهر أو إجبار وإرهاب فالأمور لا تعدو سوى أننا بمثابة تطبيق ضريبة ذات شكل خاص تُفرض على أهل الذمة ليناظرها ضريبة أخرى يدفعها المسلم .
فإذا كان الذمي يدفع الضريبة نظير أنه غير مدعو للدفاع عن الوطن .. أي أنه يدفع مال نظير خدمة تُقدم له ولا يشارك فيها , فالمسلم أيضا يدفع ضريبة وهى ما نطلق عليها الزكاة علاوة على تكليفه بالدفاع عن الوطن .
فأين الإشكالية هنا سيدي القاضي وأين العنصرية والتمييز والقهر والإرهاب ؟!

يطلب الإدعاء الاستئذان من القاضي للتعقيب وتوجيه سؤال عابر لهيئة الدفاع .

- الإدعاء : سيدي المحامى ..أنت قلت أن الجزية هي ضريبة نظير إعفاء أهل الكتاب عن الدفاع عن الوطن فلماذا يتم إعفاءهم من أداء خدمة الوطن والدفاع عنه .؟!
- هيئة الدفاع : نحن نخشى في حالة وجود الذمي في جيش المسلمين أن لا يكون ولائه للوطن والإسلام فيميل للأعداء ويمارس دور خيانة وطعن لجيش المسلمين مما يهدد سلامة الوطن .
أكتفي بهذه المرافعة سيدي القاضي وشكرا ً على إتاحة المجال .

القاضي يتوجه للإدعاء مستفسرا ً هل يريد التعقيب أم الاكتفاء .

- الإدعاء : سيدي القاضي بالطبع أريد الإضافة بل أقول أنني لم أبدأ مرافعتي بعد !! .. فأرجو أن يتسع صدركم للاستفاضة في مدى عنصرية وإرهاب وقهر مشروع الجزية هذا .
الدفاع يحاول أن يلقى بقنابل دخان للالتفاف حول القضية وتبريرها وتمريرها مستعيرا ً ألفاظ عصرية يلفها بطريقته الخاصة ليخفف من وطأة هذا التشريع المُفرط في بشاعته وقسوته .
بداية ً .. الآية القرآنية التي أقرت التشريع لم تذكر لنا أن الجزية على أهل الذمة نظير إعفاءهم من خدمة الوطن !! بل لأنهم لم يؤمنوا بالإسلام.. فمن أين جاء الدفاع بقصة الضريبة سوى أنه يسعى سعيا ُ حثيثا ً لتجميل الوجه القبيح .
وحتى لو تسايرنا مع هذه الحجة المُختلقة باعتبار أن الجزية بمثابة الضريبة التي تقع على النصارى نظير عدم مشاركتهم في خدمة الوطن كما تُعتبر الزكاة ضريبة على المسلم .

لنا أن نسأل بداية كيف هناك ضريبة تختص بمجموعة من البشر بناء على عرقهم أو جنسهم أو لونهم أو دينهم .. ألا يعتبر هذا فعلا ً عنصريا ً ؟!! .. ثم أن الزكاة لو اعتبرناها ضريبة فهي غير مفروضة على غير القادر أليس كذلك .. ولو اعتبرنا أن الجزية ضريبة كما يدعى الدفاع فهل النصراني الغير قادر على دفع الجزية سيُعفى منها أم سيُجبر على اعتناق دين الإسلام رغما ً عنه أو القتل أو التسخير .

لن أمرر ما حاول الدفاع أن يُبرره عندما أجابني على سؤالي بقوله أنه لا يتم انخراط النصراني في الجيش لخشية الإسلام أن لا يكون ولاء النصراني للوطن بل للأعداء ليُمارس دور خيانة وليزيد بذلك لقائمة الاتهام تهمة جديدة !! .. أرى أن قوله هذا هو من الأدبيات للجماعات الأصولية الخارجة عن الحضارة , فجماعة الأخوان المسلمين التي تعتبر المُفرخ الأول لكل الإرهاب والأصوليات والعنف كان لها رؤية بهذا الصدد عندما ‏أفتي‏ ‏المرحوم‏ ‏المستشار‏ ‏حسن‏ ‏الهضيبي‏ ‏مرشد‏ ‏الجماعة‏ ‏في‏ ‏عام‏ 1977 ‏في‏ ‏حديث‏ ‏لجريدة الأهرام‏ ‏ويكلي بضرورة‏ ‏فرض‏ ‏الجزية‏ ‏علي‏ ‏الأقباط‏ ‏ومنعهم‏ ‏من‏ ‏الالتحاق‏ ‏بالقوات‏ ‏المسلحة‏ ‏أو‏ ‏تقلدهم‏ ‏لمناصب‏ ‏القضاء‏ ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏ولاية‏ ‏لهم‏ ‏علي‏ ‏المسلمين‏ ‏ولأنه‏ ‏مشكوك‏ ‏في‏ ‏ولائهم‏ ‏لمصر‏ ‏باعتبارهم‏ ‏عملاء‏ ‏للغرب‏ ‏المسيحي .!!!
بالفعل هي فتوى يجب أن يُدان صاحبها بتهمة السب والقذف والتشهير في حق جماعة بشرية يَحكم فيها على مواطنين شرفاء بل جذر أصيل ونقى من تاريخ وحضارة مصر بأنهم مشكوك في ولائهم وأنهم عملاء للغرب المسيحي .!!
أرجو سيدي القاضي تقديم أقوال المرحوم المستشار حسن الهضيبى وكل من يحملون رأيه وتوجهه إلى المحاكمة .

أود أن أنبه ممثلي الدفاع بأن الدفاع عن الوطن هو حق وواجب وشرف في نفس الوقت .. فلا يكون واجب منوط بصاحبه أن ينجزه بل هو حقه له أيضا في أن ينال هذا الشرف الذي يثبت تواجده ومواطنته
دعني سيدي القاضي أتطرق لنقطة مهمة في هذه القضية والتي تدعم إدانتنا لتشريع الجزية وتثبت أنه تشريع عنصري وتمييزي وقهري ينال من حقوق جماعات بشرية كونها لم تؤمن بالإسلام .
إنه تشريع يتسم بالسادية والبدائية والهمجية أيضا .. فعندما نقرأ الآية مرة ثانية " قَاتلوا الذينَ لا يُؤْمنُونَ بالله وَلاَ بالْيوَم الآخِر وَلاَ يُحَرمونَ مَا حَرمَ الله وِرَسُولهُ، وَلاَ يَدينونَ دَينَ الْحقَ مِنَ الذيَنَ أوتُوا الْكَتاب حتى يعطُواَ الجِزيَةَ عنْ يَدٍ وهُمْ صَاغِرونَ "
سنجد كلمة " صاغرون " خاتمة للآية لنجد أنفسنا مع تشريع لم يكتفى بممارسة فعل تمييزي عنصري فحسب بل يرفقه بسادية وإذلال ومهانة غير مُبررة سوى أنها تعبر عن سلوك بدوى بغيض .
وأود هنا أن أذكر ممثل الدفاع بما قاله عن الجزية بأنها ضريبة .. فلا توجد ضريبة يا عزيزي ممثل الدفاع تشترط أن يتم دفعها بإذلال .!!

نحن هنا أمام تشريع إلهي كما يزعمون إشترط فعل الإذلال مع الجباية فلا يجوز أن يتم أخذ الجزية بدون إذلال لأن المسلم هنا يكون قد أهمل وتجاوز شرع وكلام الله الذي لا يجب انتقاصه أو تعديله أو تبديله حسب الفكر الإسلامي فيكون المسلمون هنا مقصرون في تطبيق الشرع الإلهي وتجاوزوا أمرا ً إلهيا ً .!!!
وفقا ً لهذا الشرع فلن يستطيع النصراني أن يقدم الجزية بطريقة عادية مثل أي مواطن فلا يجوز مثلا ً أن يقدمها من خلال كروت الائتمان بل لابد من تقديمها بطريقة تتحقق فيها المهانة والإذلال .!!! لا يندهش أحد من هذا التوجه الغريب والسادي فقد شغل هذا الأمر الفكر الإسلامي القديم وتبارى الفقهاء في تقديم الرؤى التي يجب ممارستها مع أهل الذمة حتى يدفعوا الجزية في الوضع صاغرا ً ذليلا ً مهانا ً.!!
تعالوا نقرأ من التراث الإسلامي ما يخص هذه النقطة المُمعنة في السادية والوحشية ليتضح أمام الحالمين بتطبيق تشريع الجزية كم هي عنصرية وذات شكل تمييزي وإرهابي وسادي قميء .
سأقتطف سيدي القاضي مقتطفات مما جاء في كتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم الجوزية
هل أصل الجزية لعصمة الدم أو هل هي إذلال وعقوبة ؟!!
والمسألة مبنية على حرف: وهو أن الجزية هل وضعت عاصمة للدم، أو مظهراً لصغار أى لتحقير الكفر وإذلال أهله: فهي عقوبة.
فمن راعى فيها المعنى الأول قال: لا يلزم من عصمها لدم من خف كفره بالنسبة، غيره- وهم أهل الكتاب- أن تكون عاصمة لدم من يغلظ كفره...ومن راعى فيها المعنى الثاني قال: المقصود إظهار صَغار الكفر(صغار من تصغير و تعني إذلال الشخص و جعله صاغر ذليل) وأهله وقهرهم؛ وهذا أمر لا يختصِ أهل الكتاب بلِ يعمِ كل كافر.!! - قالوا: وقد أشار النص إلى هنا المعنى بعينه في قوله: (حتّى يُعْطُوا الْجِزْيةَ عنْ يد وَهُمْ صَاغِرُونَ) فالجزية صغار وإذلال ً!!.. ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق.- قالوا: وإذا جاز إقرارهم بالرق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية بالأولى، لأن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق؛ ولهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء والصبيان وغيرهم !!! - فإِن قلتم: لا يسترق عين الكتابي- كما هي إحدى الروايتين عن أحمد- كنتم محجوجين بالسنة واتفاق الصحابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسترق سبايا عبدة الأوثان، ويجوز لساداتهن وطأهن بعد انقضاء عدتهن، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه في قصة سبايا ( أوطاس )، وكانت في آخر غزوات العرب بعد فتح مكة، أنه قال: "لا توطأ حاملٌ حتى تضع، ولا حائلٌ حتى تستبرأ بحيضة ).
قالوا: وإذا جاز المن على الأسير وإطلاقه بغير مال ولا استرقاق فلأَنْ يجوز إطلاقه بجزية توضع على رقبته، تكون قوة للمسلمين، أولى وأحرى. فضرْبُ الجزية عليه إن كان عقوبة فهو أولى بالجواز من عقوبة الاسترقاق، وإن كان عصمة فهو أولى بالجواز من عصمته بالمن عليه مجاناً، فإذا جاز إقامته بين المسلمين بغير جزية، فِإقامته بينهم بالجزية أجوزُ وأجوز، وإلا فيكون أحسن حالاً من الكتابي الذي لا يقيم بين أظهر المسلمين إلا بالجزية.
فإن قلتم: إذا مننا عليه ألحقناه بمأمنه، ولم نمكنه من الإِقامة بين المسلمين.
قيل: إذا جاز إلحاقه بمأمنه، حيث يكون قوة للكفار وعوناً لهم، وبصدد المحاربة لنا مجاناً، فلأن يجوز هذا في مقابلة مال يؤخذ منه يكون قوة للمسلمين وإذلالاً وصغاراً للكفر أولى وأولى.
يوضحه أنه إذا جازت مهادنتهم للمصلحة بغير مال ولا منفعة تحصل للمسلمين، فلأن يجوز أخذ المال منهم على وجه الذل والصغار وقوة المسلمين أولى. وهذا لا خفاء به.!!

أن عبدة الأوثان إذا كانوا أمة كبيرة لا تحصى، كأهل الهند وغيرهم حيث لا يمكن استئصالهم بالسيف، فإذلالهم وقهرهم بالجزية أقرب إلى عز الإسلام وأهله وقوته من إبقائهم بغير جزية فيكونون أحسن حالاً من أهل الكتاب .!!!
وسر المسألة أن الجزية من باب العقوبات، لا أنها كرامة لأهل الكتاب، فلا يستحقها سواهم.!!
وأما من قال: إن الجزية عوض عن سكنى الدار- كما يقوله أصحاب الشافعي- فهذا القول ضعيف من وجوه كثيرة .. فالجزية هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصغاراً. والمعنى: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم.
واختلف في اشتقاقها، فقال القاضي في "الأحكام السلطانية": اسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغاراً، أو جزاءً على أماننا لهم، لأخذها منهم رفقاً. !!
قال صاحب "المغنى": هي مشتقة من جزاه بمعنى قضاه، لقوله تعالى (لاَ تَجْزِى نَفْس عَنْ نَفْس شيء فتكون الجزية مثل الفدية. قال شيخنا: والأول أصح، وهذا يرجع إلى أنها عقوبة أو أجرة.
وأما قوله: (عن يد) فهو في موضع النصب على الحالي: أي يعطوها أذلاء مقهورين: هذا هو الصحيح في الآية
وقالت طائفة: المعنى من يد إلى يد نقداً غير نسيئة: وقالت فرقة: من يده إلى يد الآخذ، لا باعثاً بها ولا موكلا ً في دفعها. وقالت طائفة: معناه عن إنعام منكم عليهم بإقراركم لهم، وبالقبول منهم. والصحيح القول الأول، وعليه الناس.
إن قوله تعالى: (وَهُمْ صَاغرونَ ) حال أخرى، فالأول حال المسلمين في أخذ الجزية منهم، أن يأخذوها بقهر وعن يَد، والثاني حال الدافع لها أن يدفعها وهو صاغر ذليل.

ولننظر سيدي القاضي للإبداع الفكري للفقهاء وعلماء المسلمين في تطبيق دفع الجزية في الوضع صاغرا ً كما جاء من نفس المصدر!!..
اختلف الناس في تفسير "الصغار" الذي يكونون عليه وقت أداء الجزية فقال عكرمة: أن يدفعها وهو قائم، ويكون الآخذ جالساً !!. وقالت طائفة: أن يأتي بها بنفسه ماشياً لا راكباً !! ... ويطال وقوفه عند إتيانه بها !! .. بل يجر إلى الموضع الذي تؤخذ منه بالعنف، ثم تجريده ويمتهن !!.
وقد قال الإمام أحمد : كانوا يجرون في أيديهمِ، ويختمون في أعناقهم إذا لم يؤدوا الصغار الذي قال اللّه تعالى: (وَهمْ صَاغِرون).!! .. وهذا يدل على أن الذمي إذا بذل ما عليه والتزم الصغار لم يحتج إلى أن يجر بيده ويضرب. وقد قال في رواية مهنا بن يحيى: يستحب أن يتعبوا في الجزية - قال القاضي أبو يعلى : ولم يرد تعذيبهم ولا تكليفهم فوق طاقتهم، وإنما أراد الاستخفاف بهم وإذلالهم . !!!!
قلت: لما كانت يد المعطى العليا، ويد الآخذ السفلى، احترز الأئمة أن يكون الأمر كذلك في الجزية، وأخذوها على وجه تكون يد المعطى السفلى، ويد الآخذ العليا.!!!
قال القاضي أبو يعلى: وفى هذا دلالة على أن هؤلاء النصارى الذين يتولون أعمال السلطان، ويظهر منهم الظلم والاستعلاء على المسلمين، وأخذ الضرائب، لا ذمة لهم، وأن دماءهم مباحة، لأن الله تعالى وصفهم بإعطاء الجزية على وجه الصغار والذل... وهذا الذي استنبطه القاضي أبو يعلى من أصح الاستنباط، فإن اللّه سبحانه وتعالى مد القتال إلى غاية : وهى إعطاء الجزية مع الصغار، فإذا كانت حالة النصراني وغيره من أهل الجزية منافية للذل والصغار فلا عصمة لدمه ولا ماله، وليست له ذمة إذا كان النصراني معزز مكرم فلا عصمة له !!! ومن هنا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه تلك الشروط التي فيها صغارهم وإذلالهم، وأنهم متى خرجوا عن شيء منها فلا عهد لهم ولا ذمة، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل الشقاق والمعاندة .!

عذرا ً للإستفاضة نحن سيدي القاضي فنحن أمام تشريع و تراث ينضح بالبشاعة يريدون إستحضاره .. تراث لم يترك أي شيء قميء إلا وتحلى به حتى صار كل ما يمتلكه هو كم هائل من القسوة والفظاعة والوحشية .
نحن يا سيدي القاضي لا نحاكم تاريخ إكتفى كونه تاريخ ولكن نحاكم تراث يريد الحضور جاثما ً على واقعنا بكل وطأته .. تراث مازال هناك طابور طويل من الحالمين والمخططين من هيئات ومؤسسات وأحزاب إسلامية تشتاق وتنادى وتلح بتطبيق هذا التشريع الخارج عن الحضارة والإنسانية منتهكاً حرية وكرامة الإنسان ومرتدة بنا إلى عصور بدائية استبيحت فيه البشاعة والهمجية والسادية .
أطالب سيدي القاضي بإدانة تشريع الجزية فكرا ُ وسلوكا ً وممارسة .. كما أطالب بتجريم من يدعو ويروج لها .. وممارسة حظر على كافة المؤسسات والأحزاب التي تضعها في منهجها وتتبناها .

أكتفى با سيدى بما طرحته فى ملف هذه القضية تاركا ً تعليقات وأراء السادة الحضور لتضيف رؤيتها من دفاع أو إدانة وليكن حكمكم بعد سماع المزيد من الأفكار والحجج .

دمتم بخير .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكمت المحكمة ( 1 )
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 19 ) - الأديان كمظلة حاضنة لكل ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 18 ) - كيف تكون كاذبا ً منافقا ...
- هموم مصرية ( 1 ) قراءة فى ملف الأقباط .. إلى أين تذهب مصر ؟!
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 5 ) - نحن نخلق آلهتنا و ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 4 ) - الله محدود أم غير ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 17 ) - الإرهابيون لماذا هم هكذ ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 3 ) - من يُطلق الرصاص ؟ ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 10 ) - صور متفرقة .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 2 ) - إختار الإجابة الص ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 1 ) - العالم ديّ بتستهب ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 10 ) - الله جعلناه لصا ً .
- * الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 16 ) - تعلم كيف تكره فهو أوث ...
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 10 ) - إبحث عن الذكر .
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 5 ) - آيات حسب الطلب .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 9 ) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 15 ) - كيف تكون مزدوجا ً فاقدا ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 8 ) - لن نرى حضارة طا ...
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 9 ) - فوبيا الآخر والشيطان ..إ ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 7 ) .


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - حكمت المحكمة ( 2 ) - لا تدعوهم يحكموننا .