جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3197 - 2010 / 11 / 26 - 11:01
المحور:
حقوق الانسان
يلجأ الإنسان المُضطهد إلى إحدى الدول طلبا للحماية من القتل أو التعذيب أو الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان ويقف أحيانا على حدود أي دولة مبديا رغبته بطلب حق اللجوء السياسي وغالبا ما يسمح له بالدخول , وكذلك المرأة العربية المسلمة تعشق وتحب في أغلب الأحيان رجلا لكي يعطيها حق اللجوء السياسي أو حق اللجوء الاجتماعي لكي تشعر أنها في بيتها أو في وطنها الحقيقي, ولكن الطامة الكبرى أن المرأة العربية تعادر بيت أهلها طلبا للجوء السياسي لتُفاجئ مرة أخرى أنها لاجئة سياسية أو نازحة سياسية لا تتمتع بحقوق المواطنة .
وكنتُ وأنا طفل صغير وحتى وأنا شاب بالغ سن الرشد أسمعُ جدتي رحمها ألله تضرب أخواتي بعصاها التي تتكئ عليها حين يغلطن بحقي وهي تقول لهن: شو مالكن؟.. هذا صاحب دار ومِلك... وأنتن هون(هنا) عبارة عن ضيفات والضيف لازم يحترم نفسه مش لازم الضيف يحمل بيده سيف مش مثل ما يقول المثل (ضيف وبيده سيف) , فترد إحدى شقيقاتي سائلة معاندةً قائلة عن حُسن نية: يعني وهو حضرة جنابه مش ضيف زينا زيه؟.
مما كان يثير غضب جدتي أكثر فأكثر فترمقهن جميعا بنظرة كلها تهديد بالضرب ومثيرة للخوف وللإرهاب قائلة: والله إن قمت ليكن غير أكسر عصاتي هذي عليكن تكسير, امشن انقلعن روحن اشتغلن بالدار وشوفن امكن شو بدها منكن وشوفن أخوكن إذا كان جيعان بده يوكل.
ولم تكن جدتي تفهم في قضايا اللاجئين السياسيين والنازحين السياسيين وقضايا حقوق الإنسان ولو كانت مهتمة بتلك المصطلحات لقالت لهن: أنتن لاجئات سياسيات أو نازحات, ولكن أنا من سيقول عن جدته العبارة الأخرى التي لا تعرفها جدتي وهي أن المرأة العربية المسلمة لاجئة سياسية, هذه العبارة كانت جدتي تحلمُ بأن تقولها لأخواتي ولكنها لم تكن تملك شيئا من أبجديات علم السياسة لتقول لهن : أنتن لاجئات بدل ضيفات (ضيفان) وأنتن نازحات بدل متزوجات .
وحين كبرن شقيقاتي وذهبت كل واحدة إلى بيت زوجها أو إلى سجن الزوجية الذي كُنا يتخيلنه على أنه (عُش الزوجية) ,نعم,بكت جدتي على كل واحدة خرجت من الدار في أسلوب متناقض يعبر عن وهم الازدواجية الفكرية وكنتُ أشاهدها وهي تقف على باب الدار وبيدها منديلا لونه برتقالي تبكي وتمسح به دموعها على كل من خرجت من باب الدار قائلة في أسلوب الوداع: مع السلامه أهلك اللي اشتروكي مش اللي باعوكي , وذلك تعبيرا عن إجبار البنت على تشديد ولائها للبيت وللزوج الذي تذهب إليه كلاجئة سياسية و يجب أن تحترم العائلة التي منحتها حق اللجوء السياسي.
ومرة أخرى عاشت كل واحدة منهن لاجئة سياسية انتقلت من دولة مضطهدة لها إلى دولة أخرى أو إلى بيت آخر تعامل به مرة ثانية وثالثة كضيفة يجب أن لا تحمل بيدها سيفا ولا منشورا سياسيا تطالب به بالإفراج الفوري عنها كمعتقلة في بيت زوجها ممنوعة من التفكير وممنوعة من التعبير ومن المطالبة بالمساواة بينها وبين زوجها , وكانت وما زالت احداهن في كل سنة تزعل من زوجها فتلجأ إلى بيتنا كلاجئة سياسية تطالب بحمايتها من الغول ومن الوحش الذي يظلمها ويظلم بناتها وأحيانا أو أكثر من مرة لجأت إلى بيت أحد وجهاء العشائر لحمايتها وتم الاتصال بي شخصيا قائلا: هي في بيتنا ضيفة شرف ودخيلة .
والدخيل في لغة العرب هو نفسه اللاجئ السياسي الذي يلجأ إلى أحد شيوخ العرب لإنصافه أو لحمايته سياسيا.
والمرأة تعمل في بيت أبيها كناسة تكنس وتطبخ وتغسل (إجرابات) إخوانها في الفترة التي تعتبرُ فيها ضيفة, وكأنها لاجئ سياسي في دولة أجنبية تعمل فيها كناسة تكنسُ الشوارع وتغسل أطباق الطعام المُتلتلة في المطاعم فوق بعضهن.
ومثل شحاذ في دولة أجنبية يحملُ قبعتة , نجدُه يشحذُ في الطرقات وهي كذلك تشحذ مصروفها من أبيها أو من أخيها , وتطهو لهم الطعام مقابل أن تنام في بيت أبيها وأخيها بالمجان,وكأنها تبيع جسدها لرجل غريب في بيتٍ غريب مقابل أن ينام معها تلك الليلة بالمجان وبهذا تعطي المرأة جسدها بالمجان لتجد سريرا تنام عليه بالمجان بدل أن تذهب إلى فندق رخيص فيه غرفة رخيصة وسرير نوم غير دافئ .
ولأن المرأة العربية المسلمة ممنوعة من الخروج خارج البيت للعمل فإنها تشعر بعد فترة أنها تعيش لاجئة سياسية في دولة أجنبية على حساب المساعدات الإنسانية ولا تتمتع في تلك الدول بأي حقٍ من حقوق المواطنة الطبيعية كونها محرومة من تقرير مصيرها ومن الاشتراك في مؤسسات الحكم السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التطوعية, وهي بهذا مثلها في بلدها وبيت أبيها مثل أي لاجئ يحاول أن يعمل سرا أو يحاول أن يصبح مواطنا فعلياً عن طريق التسلل وبث منشورات سياسية سرية تطالب بحقه في الحياة الكريمة وذلك حين تذهب المرأة إلى الاتحادات النسائية للتعبير عن وجهة نظرها في المجتمع والدين والسياسة والجنس أو حين تحتج في بيت زوجها على عدم مشورتها وإشراكها في حكم العائلة وتحديد مصيرها.
تعريف اللاجئ السياسي هو المُضطَهَدْ المُبتعد أو المُبعَد عن أرضه ووطنه وأهله أو هو الذي يعيش في دولة أجنبية ليست دولته كما يعيش في بيتك أي ضيف-على حسب تعبير جدتي- لمدة يوم أو يومين أو كما تعيش معك أختك العربية المسلمة في بيت أبيك كضيفة شرف ريثما يأتيها نصيبها أو زوجها لكي تعيش معه في بيته مرة أخرى كلاجئة سياسية لا تملك شيئاً, ومن ثم تصبح في بيت زوجها نازحة أو تعيش كنازحة نزحت من بيت أبيها إلى بيت زوجها دون ذكر حق العودة لبيت أبيها.
والمرأة التي تعيش حرة مستقلة عن بيت أبيها عزباء بلا زوج هي أيضا لاجئة سياسية تبحثُ عن رجلً يحميها يعطيها حقها في الحياة وإن لم تجد الزوج المدني الذي يحترم حقوق الإنسان فإنها ستبقى حتما لاجئة سياسية تعاني من مرارة الغربة والألم وتبقى تحت التهديد ريثما تجد الحماية كما يجد اللاجئ السياسي دولة تحميه.
وذات مرة قالت لي إحدى النساء: أنا وكل أخواتي كنا نوافق على الزواج من أول من يطرق باب دارنا طلبا للزواج وذلك هربا من الوحش ومن أسلوب الأب والأم والأخ والجدة والجد, كنا نهرب وكأننا نطالب بحق الحماية من عائلة أخرى.
إنها تقصد اللجوء السياسي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟