جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 21:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حَرقُ الأخضر واليابس هي سياسة الدول العربية لكي تتمكن من التحكم بمصير الشعوب , وهي سياسة أي طاغية أو أي حاكم فردي يقوم بتثبيت حكمه بمساعدة مجموعات كبيرة ومتنوعة من اللصوص والزعران وقطاعين الطرق وقطاعين النصيب والمختلسين من الحرامية والمرتشين, وأي حاكم فردي لا يمكن أن يحكم الناس من خلال بَطانة من الشرفاء والمثقفين بل من خلال الحثالات الذين يهتفون باسم السلطان الأكبر أو الباب العالي.
مبدئيا يجب أن نحدد ما هو مفهوم الحكم الفردي ألا وهو الحكم من خلال مؤسسة قانونية قديمة تردع الأنسان وتعتمد على النار وعلى القبضة الحديدية للتحكم بكافة مفاصل الحياة بدءا من الوزارات وانتهاء إلى الدكاكين الصغيرة المنتشرة في الأزقة والحارات, وهذه هي حياتنا, وحتى يتمكن الحاكم من مد نفوذه يلجأ إلى قتل المواهب الفردية .
ويقال بأن الفرعون الذي عاصر موسى كان يقتل كل طفل يهودي خشية أن ينتزع منه المُلك , وبهذا كان الطاغية قد جعل من مصر كلها أرضا محروقة ليس له فيها منافسين, وأنظمة الحكم القديمة ونظريات الحكم السياسية القديمة كلها تحكمنا اليوم على نفس الأسلوب فتعملُ بنا على نفس هذا المبدأ وهي سياسة الأرض المحروقة, ونحنُ كعرب تحكمنا أجهزة حكم ونظريات حكم سياسية قديمة جدا تعتمد على سياسة الأرض المحروقة, فكل من يصعد الحكم ويستلمه يعمل قبل أي شيء على ابادة المثقفين والمميزين اجتماعيا وسياسيا ورياضيا فيجعلون من المجتمعات العربية مجتمعات خالية من الابداع والذوق العام ومثلهم في ذلك مثل الأرض المحروقة التي ليس فيها لا أخضر ولا يابس.
والأرض التي أقفُ عليها أنا هي أرض محروقة فلا يوجد حولي أنيس مثقف يؤنسني في وحدتي ولا يوجد حولي فنان مميز يؤنس وحشتي فأنا اشعرُ بنفسي وكأنني بربري أو متوحش أو غول تخاف الناسُ الاقترابَ منه وأشعرُ أحيانا وكأنني فيروس او جرثومة خياف الناس عدواها وما أنا إلا رجلٌ محروق عند كل الناس أو ساقط اجتماعيا وفكريا لأن سمعتي السيئة تسبقني إلى أي مكانٍ أذهبُ إليه فلا أحد يتعامل معي كأني مواطن عادي وإذا تم التعاملُ معي فلا يدوم لأكثر من يوم أو يومين لأن الأجهزة التي تحرق تكون قد فعلت فعلتها .
وتنطبق علينا أغنية سعاد حسني (الحياة لونها بمبي) أو (الحياة لونها بُني) فكل شيء أمامنا محروق والذي حرقها دكتاتور ليس في نفسه من الجمال أي شيء وليس في قلبه نبض ولا يوجد في عيونه نظر ولا في عروقه دم,ولا في آذانه سمع وليس في روحه ذوق وأول من تبنّى سياسة الأرض المحروقة في العصر الحديث هو (استالين) حين اقتربت الجيوش النازية من (لينغراد) للانتقال بعدها إلى (كييف) للسيطرة على القمح والمواد التموينية وذلك على مبدأ (الجيش أولُ من يأكل وآخرُ من يجوع) فأمر استالين في خطة عكسية ومضادة لتطلعات (الفوهرر) ,أمر أهل القرى بمغادرة بيوتهم وحرقها بالكامل وحرق كل ما يمكن أن ينفع الجيش النازي فحرقوا مزروعاتهم لكي لا يجد الجيش النازي الهتلري ما يأكله, وفعلا واجه الفوهرر أرضا محروقة قبل أن يتمكن من الوصول إلى روسيا البلشفية.
والعرب أو الحكومات العربية يتخذون سياسة الأرض المحروقة لكي لا يجد أصحاب دعوى الحريات أحرارا وأصحاب دعوى الشعر شعراء وأصحاب دعوى الموسيقى أصواتا تغني فنحن نعيش في أرض محروقة أو على أرض محروقة ولونها (بُني) فقرانا محروقة ومدننا محروقة لا يوجد بها أي نبض يدلُ على معالم الحياة لذلك مؤسسات المجتمع المدنية لا تجد لمؤسساتها أي أعضاء لأن الناس محروقة والمثقفون محروقين حرقا نهائيا والسياسيين محروقين والممثلين والمبدعين والرياضيين كلهم محروقين حرقا كاملا أو مبادون إبادة جماعية.
فإذا دخلت الأردن فلا تجد فيها مثقفاً مميزا , فالمميزون حرقتهم يد البطش التي تمتد إلى كرومنا وبساتيننا لكي تحرقها, ونضال شعوبنا كله موجه مثل الإعلام الموجه , والشعوب العربية تحبط أي محاولة للرُقي في مستويات الفكر البشري والعربي على وجه الخصوص, وغالبية الزعماء العرب يحرقون مدنهم حرقاً كاملا أفضع بكثير من الذي فعله (نيرون) أوالذي فعله (استالين).
وقرأتُ مرة عن أحمد شوقي بيت شعر من قصيدة قالها في ذكرى مذبحة (دنشواي) في مصر,قال فيها:
يا نيرون لو أدركت عهد (كرومر)
لَعَرفت كيف تُنفذُ الأحكامُ.
وهذه إشارة من شوقي لِما فعله نيرون إن كل ما يفعله الزعماءُ العرب في المدن العربية ما هو إلا سياسة الأرض المحروقة, فاستالين حرق المزروعات والمباني ونيرون أحرق المباني والمزروعات, ولكن الزعماء العرب بسبب خوفهم من الثقافة أبادوا العائلات المثقفة بالكامل وحرقوا الإنسان المبدع والإنسان الفنان واستغلوا أجهزة المخابرات لرصد كل تحركاتهم وجمعوا عنهم المعلومات واستغلوا تلك المعلومات في إثارة الفتن والمشاكل والقلاقل ,وهم من يثير في القرى العربية المشاكل العشائرية والعنصرية على مبدأ (فرّق تَسُدْ) ويدعون بأن هذه السياسة هي سياسة انجليزية, على أن العالم كله يتعلم من العرب والمسلمين سياسة الحرق والذبح والقتل وإثارة الفتن الداخلية والمشاكل العنصرية, لذلك مجتمعاتنا العربية مجتمعات غارقة إلى أذنيها في المشاكل الداخلية العشائرية والقبيلة والحكومات العربية من جهة أخرى تستغل هذه النقطة وتتوجه إلى النخبة المثقفة لحرقها حرقا كاملا لكي تضمن عدم قيام أحد بأي انقلاب سياسي أو اجتماعي أو ثقافي, فخوف الحكام العرب من الانقلابات العسكرية عليهم جعلهم هذا الخوف يحرقون كل مثقف وكل مبدع وكل طموح .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟