الديمقراطية تعبير عن الذات والحب

صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 955 - 2004 / 9 / 13 - 11:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الحب حالة لا شعورية خارجة عن تحكم الوعي، لا يمكن فرضها أو الادعاءها بها. وهي حيز من الذبذبات الحسية تعبر عن سلسلة غير منتهية من العواطف تستميل الذات الأخرى نحو علاقة لا يتحكم بها العقل. والحب يعني حركة الانسياق نحو سلوك وناموس خاص، يتحكم به الوجدان ويرفض إرادة تحكم العقل..وهو الذات الإنسانية الكامنة في اللاوعي الباحثة عن مساحة من الحرية خارج الأفق الطبيعي.
وظاهرة الحب تعبير عن كينونة الذات، وهي تمثل نقطة التحول والتأثير بين السلوك المكتسب والسلوك الفطري. كما تعني المساحة غير المؤطرة التي تتحرر فيها الذات من القيود لتعبر عن نفسها وتستميل الذوات الأخرى للمكاشفة والتعبير عن الكينونة، أنها إحدى أشكال الاعتراف بالأخر. وهي تعبير صريح ولا يحتاج إلى رتوش ومقدمات للاعتراف بالأخر، ويرفض مبدأ الاحتكام للوعي وناموس المجتمع.
ويرى ((ألن تورين )) الحب هو أحد المناطق التي تظهر فيها الذات لأنه لا يمكن اختزاله للوعي والرغبة والسيكولوجيا ولا حتى الانفعال، أنه التخلي عن الأدوار الاجتماعية. وبقدر ما هو خبرة للذات فأنها تكشف عن نفسها باعترافها بالآخر كرغبة وكذات في العلاقات الجماعية لكنها لا تهدأ أبداً ولا تتوازن، أنها دائمة الحركة من الابتعاد إلى الانصهار ومن الصراع إلى العدالة. ليس للذات طبيعة ومبادئ، أنها الفعل الموجه إلى الإبداع ذاته عبر أشكال من المقاومة التي لا يمكن تجاوزها كلية. الذات هي الرغبة في النفس.
وتعني تحقيق الذات جملة الرغبات والدوافع الشخصية لإسقاط آليات التحكم الاجتماعية ورفض القيم الموروثة سعياً للإبداع والتقدم بغية إرضاء الكينونة. وهي مسعى نحو الانتماء للجماعة، تساهم بها المؤسسة الديمقراطية من خلال تشجيعها للمواهب والطاقات الإبداعية على الظهور.
والمؤسسة الديمقراطية هي فضاء الحرية للنشاط الاجتماعي، وهي الفعل الموجه نحو خلق فرص التنافس الإبداعي بين الكيانات الإنسانية ومن ثم إيجاد محصلة للقوى بينها لتفعيل سُبل التقدم الاجتماعي.
ويجد ((ألن تورين)) أن الدعوة للذات ليست هي الملجأ الأخير أو الدفاع النهائي ضد الضغوط السياسية أو الفئوية، لأنها ليست مبدأ يأمر من الأعلى أو من خارج السلوك. وهي ليست صورة علمانية لله والنفس، أنها ملتزمة ومتصلة في آن واحد. وتفترض إنتاج ماهية التنقل من الأدوار الاجتماعية والالتزام بفعل يتم فيه ممارسة إمكانيات العقل والرغبة والعلاقة مع الآخرين. لذا الذات هي حرية وذاكرة في آن واحد، ولا تحل مكان العقلانية كمبدأ للحداثة. لأنها لا غنى عنها للحفاظ على التوازن.
ولا قيمة للحرية الفردية للذات خارج إطار حرية المجتمع، ولا يمكن للذات أن تعيش منفردة ومنعزلة عن محيطها. وتهدف دعوتها للتحرر من القيود والقيم الموروثة لتحرير الذاوات الإنسانية، وبالتالي فأنها دعوة لحرية المجموع.
يأخذ الصراع بين أفراد المجتمع شكله المفترض في النظم الديمقراطية، كونه يعمل على تهيئة سُبل الحوار بين أفراده للوصول إلى حالة من الاتفاق الجمعي لإنهاء شكل الصراع القائم. وتنوع أشكال الصراع وديمومته حالة طبيعية في النظم الديمقراطية لأنه يخلق حالة من التنافس بين الذاوات الإنسانية تظهر من خلالها الطاقات الإبداعية.
أن أسس النظام الديمقراطي قائمة على محتوى قانوني ينظم العلاقات الاجتماعية ويؤطر التنافس بين الذوات الإنسانية بما يخدم المجتمع ويقلل من فرص الاصطدام ومظاهر العنف. وهناك المحتوى الاقتصادي الساعي لتأمين فرص العيش الكريم لأفراد المجتمع من خلال توفير فرص العمل اللازمة لتحقيق الذات الإنسانية.
وتأتي المطالبات الجديدة لاعتماد المحتوين الثقافي والسياسي كأسس جديدة لإصلاح النظم الديمقراطية للمساهمة في حل الأزمات العالمية ومظاهرها السلبية التي أفرزتها التوجهات التقنية والصناعية.
ويعتقد ((آلن تورين)) أن الذات هي حرية شخصية وانتماء جماعي، وبما أن الديمقراطية معالجة مؤسسية للصراعات القائمة حول العقلانية والحداثة فأنها تعمل على الدفاع عن الحرية الشخصية والجماعية معا.

#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل