أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)















المزيد.....

الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 20:29
المحور: الادب والفن
    


الحلقة الثالثة عشرة
(13)
من سيرة المحموم (الهذيان السادس)

غادرتني الحمى تواً وجسدي واهن مغتسلة بالعرق البارد الذي غطى جسدي وكغمام رهو انزاحت جانباً وجلست على طرف السرير المجاور تراقبني بطرف خفي انا اكره شيئا خفيا وغامضا وهما ذراعا الكراهية والخوف لكنني تغلبت على ريبتي ومخاوفي فهدأت نفسي قليلاً مفكراً انني طوال هذا الزمن الذي مضى والذي يمضي اعتقدت دائماً انكم تعرفون الحمى التي غزتني وطبيعتها بشكل مؤكد حتى قبل ان ارى تلك الطبيبة المتدربة ذلك اليوم المنحوس الذي قالوا انه من نيسان وانا اشك بذلك.. واذا كان احدهم قد حدد اليوم والتاريخ بالضبط فذلك لغرض الاحتفالات الرسمية والمراسيم .. لا غير .. لانني يوم رأيتها كنت محموماً ايضاً.. الا انني في هذه اللحظة تذكرت شيئاً مهما لم اخبركم به بعد وان كل ما مر ما هو الا صدى لطرق على صفيح يسمع رجعه من بعيد لا يشكل أي اهمية بالمرة.. انما يشغل بالي ذلك الهرم العملاق (هرم خوفو الاكبر) الذي لم تسنح لي الفرصة لرؤيته عن كثب فأنني لم اذهب الى ارض الفراعنة ولست تاجراً ولا سياسياً ولا عضواً في الفرقة القومية للرقص الشعبي.. لكنني رأيت وعرفت كثيراً من المصريين ايام سني يوسف كانوا يغدون الى بابل وآشور وأور وسومر ومناطق الكوردو بالملايين حتى انهم اعادوا الكرة فوفدوا الى بلدنا وانتشروا في بلاد ما بين النهرين وحلوا محلنا حلولاً قومياً في اعمالنا ومقاهينا وشوارعنا وربما حتى ببيوتنا ونحن مشغولون بالحصاد الاكبر و(انفلت) الناس وبالمجد والرفعة وحراسة الباب الشرقي للعرب المستعربة وليس الباب الشرقي لبغداد ، فقد تركناه لاخواننا من مماليك توران شاه، وقلاوون والظاهر بيبرس اعزه الله واتجهنا شرقاً.. لان المجد كان قد آن حصاده قبل ان يذبل فيصبح فاكهة فاسدة لا تصلح لجماعات اتفقنا على بيعه عليهم.. لكنهم خذلونا ولم يشتروا كيلوغراماً واحداً ففسد المجد في الطريق..




قلت لكم كم انا مهذار ومهوال، اجعل من الحبة قبة ، ناسياً ما اريد قوله عن هرم خوفو وجنائن بابل مقدراً في نفس الوقت طاقاكم التخيلية فيما سأرويه .. فابدؤا الآن بالتخيل ... ولا تكونوا الاّ ما تتخيلون وارى انكم قد تخيلتم انفسكم عابري سبيل في قافلة تجارية على طريق الحرير الدولي.. فجأة يسد عليكم الطريق مقاتلون فراعنة طوال مفتولي السواعد سمر الوجوه يعتمرون قلانس ملتفة عليها افاعٍ من الفضة ليشعرونكم بسطوة القوة والسحر.. فتلجأ انت والذين معك لتقديم رقابكم الى الغل المصنوع من خشب اشجار مقطوعة تواً سيجعلك ذلك تنزف دماً بعد ربع ساعة من اقحام عنقك في ذلك الغلّ ، ثم تقدم رجليك ويديك لاصفاد اشرف على صنعها آمون بنفسه، يذهبون بكم الى سواحل البحر الاحمر او المتوسط، يسخرونكم والسياط تلسع اظهركم لجر تلك الصخور العملاقة التي تزن واحدتها اطنانا تجرونها الى وادي الملوك ، ثم ترفعونها على القواعد كما رأيت على منحدرات ترابية طويلة جداً، لم يكن يبين ذلك بشكل تفصيلي فالقرن يمضي عجلاناً لقد شعرت اللحظة بعذابكم الذي اوكلت تخيله لكم وبكيت بحرقة ومرارة لانني رأيت واحداً منكم يشبهني، او ربما انا هو، كما انكم انتم، انهال عليه جنود هامان بسياط كأنها ألسنة لهب تألمت هذه المرة مثلما ألمي حين مشاهدتي فلم آلام المسيح، وصرخت عندما تبادلت مريم نظرة واحدة مع المسيح المعذب فيما كان الجنود الرومان مبتهجين، نظرة تبادلاها للحظة جمعت كل عذاب العالم ومحبته مع بعضه ثم ضغطته في تلك اللحظة، فصار ككتلة ثقب اسود يبتلع مجرات من الألم والقسوة، صرخت وكأني قطعة من جلد المسيح لم يكن الفراعنة الذين يبنون العجائب بل كانوا اسلافنا المجلودين على مر التاريخ الفراعنة برعوا في فن الجَلْد، اما البناة أولائك المجلودون بلا انقطاع التائهون في الاراضي والاصقاع والعبيد والمأسورون، كان الطغاة يتقنون صناعة صيد الرجال كانت صناعة العصر وفي كل عصر حتى هذه اللحظة تدر ارباحاً وترفع شأن الطغاة ، اما الامم المتحدة، فقد فخرت دائما بالذين جَلَدوا ولم تعر بالاً للمجلودين آمنت الامم المتحدة دائماً بهيبة الجلاد وغرائبية المشهد.. ولو انها حسبت المسافة بين الساحل وبين الجيزة واخذت بالحساب وزن الحجر الواحد مضروباً بعدد المجلودين مضروباً بعدد الاحجار في الهرم الواحد.. سيرتبك تخيل الامم المتحدة لهول صناعة صيد الرجال وعدد الارواح المعذبة الهائمة في طبقات السماء حتى هذه اللحظة تشكو ظلماً فاحشاً قد وقع عليها مكوناً طبقة سميكة من الخطايا مانعة تضرعاتنا وصلواتنا من ان تصل الى العتبة الاولى من السماء الدنيا ، اما فيما يتعلق بجنائن بابل فهو يشبه ما وصفت عند بناء الاهرام... لكنني عندما وقع نظري بشكل مباشر وحاسم على تلك الميدية الفارعة التي عشقها الملك تسائلت كيف لملك يتمتع بكل هذا الاحساس بالجمال ان يفعل ما فعل، قال: ان الحب اعمى والعشق اخرق.. وقد طير عقله وأوصله الى ركعتي العلاج اللتين لا يصح وضوئهما الا بالدم.. لكن ليس دم الملك بل دماء المجلودين لذلك رأى وهو طائر العقل ان يتجه غرباً ليسبي كل الامم رجالاً ونساءً واطفالا من مملكة اوغاريت مروراً باورشليم وارض كنعان واليبوسيين اكراماً لعيون تلك الغادة الميدية ولان للعشق شروطاً لا تستقيم الا مع القهر ولان جبلها الذي ارادت لا تبنيه الا الدماء واطلاق جوقات من الارواح التي تطير كالحمام فوق بابل وتتصاعد كالابخرة التي تمزق جسد الاوزون لتجعل الامم المتحدة بين الفخر بالانجاز والحرج من اتساع فتحة الاوزون رغم عدم الوصول الى يقين ما.. حول ما خلفه لنا الاسلاف.. من الجلادين والمجلودين، أنا هاذٍ من الطراز الاول، اجير كل ما لا يصلح باسم الهذيان كما ان كل شيء يجير باسم الملك ما دام الملك عاشقاً.. هذيان مزمن وحمى اصبحت مزمنة ، لقد فاتني ان اقول لكم لكي لا تذهبوا بعيداً في سوء ظنكم انني عذرت باني الجنائن المعلقة ولم اعذر خوفو الفرعون ذلك لأن البابلي مواطن من بلدي وانا رجل اقليمي بدواعي ما يتعرض بلدي لخدوش عالمية .. ولان تلك الميدية اربكت منطقة بابل وما حولها ، فهي لا تشبه باي حال من الاحوال بنات بابل الشاحبات ولا اليهوديات المسبيات المترهلات ولم استطع ان اعذر فرعون الصحراء ولا من يمثله الآن في ارسال هذه الارواح الى السماء لمجرد ظن كاذب بالعيش بعد الموت مباشرة وعقد صفقات مشبوهة مع الملائكة يتخللها عشاء عمل وارى انكم مثلي لا تظنون ذلك لقد رأيته من خلال فتحة خروج الروح ودخولها الى الهرم.. رأيته وهو ميت كان حزيناً لزحام الارواح على باب هرمه مطالبة بحقوقها المدنية التي تدعمها قوانين اليونسكو وارى انني أهذي كما يجب والقرون تمضي وسأمضي كما قال ابي لان الماضي له مستقبل والحاضر سيكون ماضيا والمستقبل سيعلن حضوره ليكون بعد ذلك ماضياً ولا مستقبل الا للماضي، الذي كان قد صنع مستقبلنا ولم يراع احتمالات كثيرة كانت يجب ان تراعى تحت ذريعة ان الماضي هو ما نملك فقط.. لنتحدث عنه باقرب اشكال اليقين.
لم اعاني من مشكلة فيما ورد في هذياني لكنني استشعرت مشكلة حقيقية عندما استمعت الى محاضرة حول العجائب السبع التي اعجب ما فيها كونها متمسكة بالرقم السابع رغم ان عجائب اكبر واعظم صارت تحدث بالمئات في هذا العالم.. فكرت ان ذلك راجع لاول سبعة اشخاص في الارض اكتشفوا غرابة كونهم سبعة فقط واعلنوا تقديسه لذلك ، توالت السباعيات عبر التاريخ .. محتفظة بروح القداسة التي فتحت لها من قبل السبعة الاوائل .. تلك المحاضرة كان يلقيها استاذ في العجائب وقد اخذ الباب الجمهور واخفاها وراء المنصة بشكل ماكر .. مفكراً بصديقته التي تستلقي على رمال ساحل الامارة العربية المضيفة لهذا الاستاذ بعيداً عن ضجيج اوربا وبرودة اللعبة السياسية هناك لابد انك تفهم ان الوقت كان اواخر شباط في الخليج . وختم الرجل محاضرته بتوزيع كراس "جميل" حول الموضوع على الحاضرين المعتدين بلباسهم الوطني كأي شعب يضع اشياءه لكنهم فخروا دائماً بالعقال ولو كان هولندياً وشماغ ولو كان لندنياً ، لذلك حرصوا على اخذ الكراس معهم لاشعار زوجاتهم اللبنانيات عندما يخلعون العقال والشماغ ويلقون بكراس الاستاذ على الخوان الايطالي بان انسجاماً قد حصل بين لهجتهن المغرية على الاستلقاء على السرير وبين المسميات المنحصرة التي اجتمعت لديهم عندما لم يعيروا اهتماماً لا للتاريخ ولا لكراس الاستاذ ولكنهم تعاملوا بواقعية مع اجساد ناعمة واسرّة يابانية غاية في اللطف.
عند ذلك عادت صورة اولئك الذين وضعت الاغلال في اعناقهم وهم يساقون كالحمير التي لا تبكي ابداً فبكيت بدلا عنهم في مؤخرة القاعة الفاخرة وانا امام جهاز التلفاز حيث كنت انصت معهم للمحاضرة.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بم التأسي- قصيدة
- الحلقة الثانية عشرة من سيرة المحموم( الهذيان الخامس)
- تراتيل من زمن مضى
- الحلقة الحادية عشرة من سيرة المحموم
- رشد المجتمع
- الحلقة العاشرة من سيرة المحموم( الهذيان الرابع)
- صديقي الأبلق
- الحلقة التاسعة من سيرة المحموم (9)
- صندوق البريد رقم 66
- الحلقة الثامنة من سيرة المحموم في زمن الحمى (8 )
- إندحار القطيع
- الحلقة السادسة من سيرة المحموم في زمن الحمى ( 6 )
- الحشد- قصة قصيرة
- الحلقة السابعة من سيرة المحموم في زمن الحمى(7)
- عندما أكلني الذئب
- الحلقة الخامسة من سيرة المحموم
- علبة أمي الفارغة- قصة قصيرة
- الحلقة الرابعة(4) من سيرة المحموم في زمن الحمى
- الحلقة الثالثة من السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى(3) ((ال ...
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى- الحلقة الثانية


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)