أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - عندما أكلني الذئب














المزيد.....

عندما أكلني الذئب


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3098 - 2010 / 8 / 18 - 16:37
المحور: الادب والفن
    


لا أحد ، نعم لا أحد يستطيع أن يعرف قيمة الساعات الأخيرة من آخر يوم في إجازة العسكري الدورية إلا إذا كان هو ذلك العسكري في زمن الحرب ، في تلك الظروف التي تطلق عليها الحكومة ( الطواريء ) و التي يميزها قانون الحرب الذي يزيح كل ما كتب من قوانين ليتفرد وحده في البلاد يجيز سجن الجندي المتغيب ومن ثم إعدامه إذا تغيب لمدة عشرة أيام بدون أعذار قانونية ، هذا اليوم هوالأخير من إجازتي الدورية التي مرت كالحلم ،اليوم الأخير من الإجازة يبدأ بالتهام ساعاته و دقائفه و ثوانيه بوحشية كبيرة غير مبال بقلبي المعصورو كأنني قد فارقت عزيزا إلى الأبد ، لذلك لا تفريط بساعة واحدة من اليوم الأخير،وحدتي العسكرية في جبهة القتال تبعد كثيرا عن المدينة التي أقطنها و علي أن أجري حسابي بحيث أصل لوحدتي قبل التعداد الصباحي الذي من بعده أُعد من الغائبين و عند ذلك علي أن آتي بالخبر اليقين لعريف الفصيل كما فعل الهدهد حين تفقد النبي سليمان وجوده ( مالي لا أرى الهدهد ) أم إنه من الغائبين و أنا شخصيا لست أملك قدرات ذاك الهدهد لذلك علي أن أدبر أمري ، و لكي أفعل ذلك لا بد لي أن أستغل الليل للإلتحاق بوحدتي العسكرية و يحتم علي ذلك اجتياز ذلك الطريق الموحش عند انتصاف الليل وبعد ذلك لا يبقى إلا خمسة عشر كيلومترا تقلني تلك السيارات الواقفة ليلا ونهارا من أجل نقل الجنودإلى مواقعهم و كان الوقت شتاء باردا تتخلله رياح باردة متقلبة ليس لها وجهة معينة ، وها أنا أخطو بحذر فوق هذا الدرب الموحش المقفر ليختصر لي الطريق إلى المفرق حيث تتواجد سيارات نقل الجنود، لم أكد أسير بضع أمتار حتى خيل لي أنني أسمع هسهسة من حولي فتوقفت محدّقا في ظلام كثيف ،قطعت أنفاسي و حركتي و رحت أنصت و ديجور الليل يلفني و همسات الريح الباردة تتخطف أذني ، وقفت في مكاني لا أقدم رجلا ولا أؤخر أخرى ، لا ألتفت يمينا ولا شمالا ، أتوجس خوفا حيث لا أستطيع رؤية أصابعي ، رحت أواسي نفسي ، قلت الأمر طبيعي فالمرء يخاف مما يجهل ،ها أنا أجهل كل ما حولي لا ضوء يبدد هذه الظلمة ، رحت أبحث في جيوبي عن أي شيء يساعدني على مواجهة هذا الظلام ، آه ، وجدت علبة ثقاب،أشعلت عودا منها لكنه لم يكد يطلق أنفاسه حتى خنقته كف الريح،و كأنها تترصده ريح لا وجهة لها تحيط بي كما تفعل الظلمة ذلك ، أخرجت عود ثقاب آخر و غيرت اتجاهي ، أشعلت العود لكن ريحا أطفأته ، وهكذا رحت أدور حول محوري لعلي أتفادى إتجاه الريح لكنني لم أُفلح ، لقد أفزعني اكتشافي أن الريح تدور حولي و تحاصرني كما يفعل الظلام و أزعجني أن العيدان احترقت كلها و لم يبق منها شيء ، وقفت للحظة أتفقد أوضاعي فلم أجد إلا خيوط الوهم تغزو كياني الملتبس و هكذا صرت أسمع أصواتا تأتي بها الريح من كل جانب و عندما أتفرس بأعماق الظلام ، أرى مخلوقات تتقافز أمامي و على جنبي ، كان الدرب محاذيا لسور بستان كثيف ، راحت الأفكار تهاجم خيالي و انسربت صور شتى تسيل من حولي لذئاب شرسة و مخلوقات مبهمة ، عند ذاك لم أجرؤ على التقدم مترا واحدا ، نسيت الهدهد و نسيت العريف و تعداده ، ذاك خطر بعيد و ما أنا فيه من خطر قريب هو المهم ، قررت البقاء حيث أنا حتى انبلاج الفجر، رحت أحدق عميقا في الظلام فأرى مخلوقات الظلمة كيف ما اتجهت تدخل إلى عيني بأشكال مختلفة ، لكنني رأيت بشكل أكيد من خلال العتمة عينين بحلقتين صفراوين حولهما و هما تقدحان ، كانتا أمامي مباشرة على يمين الطريق ، في تلك اللحظة علمت أن قلبي لم يكذب علي و إن عيني لم تتوهما و إن حدسي في محله و ها هما العينان تقدحان في الظلام و رحت أتخيل نيوب الذئب الحادة وهي تمزق لحمي البائس وتدفعه إلى معدته الجائعة فيقشعر جلد رأسي ،و ها هما العينان ترقبانني و تترصدان حركتي مستعينة بعصف الريح الباردة و الظلام الذي وسق كل شيء حتى تغلغل لأعماق روحي المتوجسة ، لم يكن بمقدوري أن أتحرك بأي اتجاه فلو هربت بعيدا نحو الجهة المعاكسة فلربما كانت تلكما العينين تنتظران حركتي كي تشرعا بمهاجمتي من الخلف ، ماذا أفعل ، انحشرت هذه الجملة في رأسي و راحت تقفز ..ماذا أفعل.. ماذا أفعل ...و على رنة ترداد هذين الكلمتين مصحوبتين بخوفي و توجسي و استطالة لحظة الترقب، هوم على نعاس رحت أقاومه بكل ما أستطيع لكنه غلبني و سحب يقظتي خيطا خيطا حتى صرت في قبضته و لم أعلم بعد ذلك استيقظ هل تشكو من شيء، انتبهت الىإنني كنت أجلس متقرفصا أحتضن حقيبة سفري مسندا ظهري إلى حائط البستان و قد نمت نوما عميقاو كان الفجر في أول أنفاسه و الغبش ينتشر على وجه الأرض....
قال هل أنت تعب؟
قلت : لا
قال : لماذا تنام في الدرب؟
لم أجبه لكنني نظرت بكل الإتجاهات أبحث عن موقع تلكما العينين بيد أنني لم أكن متأكدا من الإتجاهات، لقد ضاعت، راحت عيناي تجوسان المكان و ما حوله لم أجد إلاقطعة من قميص نسائي ممزق على حافة الدرب كان على حاشية صدر القميص زرّان من الزجاج اللآمع حولهما غطارين من المعدن الأصفر البرّاق ، تناولت قطعة القميص الممزق دسستها في حقيبة سفري قلت هذا هو الذئب ، بدا الحارس مبهوتا عندما رحت أسير بخطوات بطيئة وواثقة نحو الطريق العام حيث تمر السيارات.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة الخامسة من سيرة المحموم
- علبة أمي الفارغة- قصة قصيرة
- الحلقة الرابعة(4) من سيرة المحموم في زمن الحمى
- الحلقة الثالثة من السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى(3) ((ال ...
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى- الحلقة الثانية
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى
- العنقاء بغداد -قصيدة
- قرار السيد الوزير -قصة قصيرة
- مرثية-لبغداد
- ذات الوشاح
- السر-قصة قصيرة
- سلاما لبغداد- قصيدة
- صديقي فارع الطول-قصة قصيرة
- رهاب- قصة قصيرة
- وظيفة محترمة - قصة قصيرة
- حصيات شيرين الجميلات- قصة قصيرة
- مياه ضحلة- قصة قصيرة
- ريب الضباب-قصيدة
- الفقاعة-قصة قصيرة
- يوميات


المزيد.....




- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - عندما أكلني الذئب