أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صديقي فارع الطول-قصة قصيرة















المزيد.....

صديقي فارع الطول-قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3063 - 2010 / 7 / 14 - 21:12
المحور: الادب والفن
    


صديقي فارع الطول

رغم إنكاري لزمن طويل حقيقة إنني رجل قصير ، إلا إنني تنازلت أخيرا عن موقفي المنكرو اعترفت لنفسي بقصر قامتي لكنني اشترطت مقابل اعترافي بهذه الحقيقة المربكة أن لا أسمح لجسدي بالهزال ولا لكتلتي بالإنكماش لأن ذلك لا يصلح لقصار القامة أمثالي، سأكون قميئا إذا سمحت بذلك و ما فكرت باعترافي بقصر قامتي إلا تحت ضغط حقيقة كون صديقي حامد فارع الطول بالنسبة لي على الأقل ، إذ لا بد لي من رفع أرنبة أنفي عاليا كي أكلمه أو أنظر لتعابير وجهه الطفولية، و في الحقيقة كان لقائي و تعرفي بصديقي حامد محض صدفة و عادة لا تستمر مثل هذه العلاقة بين قصير و طويل فارع ووجدت أن سر ديمومة علاقتنا تكمن في ظروف صنعتها الطبيعة دون أن نتدخل في الأمر ، مثل علاقة العصفور و فرس النهر ،اعتقدت بسري الصغير هذا و أخفيته و استمر الأمر دون أن يعكره شيء .
أنا وصديقي حامد الفارع عندما نسير في الشارع أكون أقرب منه كثيرا إلى الأرض ، أرى الشارع المليء بالحفر و المطبات التي تنوعت و اختلفت حجومها باختلاف أسبابها بين مساقط قذائف هاون عشوائية أو مجاري مياه ثقيلة مخربة أو أخاديد عميقة خلفتها سرفة دبابة مرت بهذا الشارع أو ذاك ، كل ذلك أفحصه بكفاءة عالية تفوق قدرته على ذلك لأن الرب الذي منحه طولا فارعا ، أعطاه أيضا نظرا قصيرا ،أما أنا فنظري حديد والحمد لله ، كنظر النسر الأمريكي الأصلع الذي نشاهده مرسوما على أكمام بدلات الجنود المنتشرون هذه الأيام بين ظهرانينا ،و علي الإعتراف أيضا بحاجتي لطول صديقي الفارع عندما ننتظم بتلك الطوابير الإفعوانية التي طالما انتظمنا بسلكها كانتظام حبات المسبحة بخيطها من أجل الحصول على شيء تافه توزعه الجمعية بأسعار مخفضة ذلك الشيء الذي لا يمكن التنازل عنه لشعورنا بأن التنازل عن مثل هذه الأشياء التافهة يشكل تهديدا لما يتاح لنا من حقوق طارئة و هي بالطبع قليلة و نادرة رغم تفاهتها ولذلك فدور صديقي فارع الطول يتلخص بقدرته الفائقة التي لا يجاريه فيها أحد على حجز مكان مرموق في جسد الطابور الطويل و توفيره لملاذ لي خلفه، كذلك حاجتي لطول صديقي الفارع في التجمهرات الكبيرة أمام الدوائر الرسمية التي تستمتع بتعذيبنا على مهل ولا تريد أن تعمل بنظام الباب المفتوح ، تغلق أبوابها أمام مراجعيها و تفتح كوة صغيرة لا تكاد تكفي لمرور كف و احدة لأيصال طلبك إلى الموظف المستأسد بعرينه ، وهنا يستثمر صديقي طوله الفارع بوصوله إلى كوة الحكومة قبل الجميع ووجدت أن وضعي كقصير قامة جيد جدا بوجود صديقي حامد الفارع و إن اعتقدتم أن فوائد حامد الفارع لي أكثر من فوائدي له فأنتم واهمون، إذ أن صديقي الفارع طيب القلب تميزه سذاجة باعثة للحيرة لذلك لا بد لي أن أكون حاد الذهن سريع التفكير واسع المخيلة كثير الوساوس و الشكوك فيما يتعلق بالآخرين كذلك كثيراما هرع لي صديقي الفارع لإخراجه من ورطة تورط بها مع آخرين دون قصد أو مساعدته في مواجهة معاضل طارئة تجعله في حيرة من أمره ، لذلك فأنا وهو متعادلان و على ذلك توطدت علاقتنا حتى جاء ذلك اليوم الذي قيل فيه ما قيل عنا أذا أقبلنا أو أدبرنا ، جاء(الرقم10) و ذهب الرقم(10) يعني ذلك إنني أنا و صديقي الطويل نشكل رقم عشرة وقد شغل ذلك بالي كثيرا و ارتبكت موجة تفكيري فيما يتعلق بذلك فعندما حسبت الموضوع بطريقة رياضية لأحدد قيمتي على انفراد من العشرة فوجدتني استحوذ على ال(6) من (العشرة) أو أقل من ذلك بقليل و لنقل (خمسة) لكنني في الليل أتقلب في فراشي و أجد إنني بالنسبة لما يعنيه الناس أمثل الصفر من العشرة و يمثل صديقي حامد الفارع الواحد الطويل من العشرة و شتان بين القيمتين ، عند ذلك أصاب بكآبة شديدة تبدو مرسومة على سحنتي لتوصلي لهذه النتيجة التي لا ترضيني أبدا كل ذلك و أنا أعلم جيدا إن الواحد لا يصبح عشرة إلا بوجود الصفر إلى جانبه لكن ذلك لا يرد اعتباري إذ إنه ينطوي على اعتراف صريح بأنني ذلك الصفر في القضية و عندما ألتقي صديقي الفارع صباحا، أنسى ذلك و أراني بالنسبة له فوق الصفر ولا أبالغ إذا قلت إن ذلك ترك شرخا خفيا بعلاقتي بحامد الفارع وهو لا يرى ولا يعلم بهذا الشرخ و حرصت على ذلك ، لكن الأمور تغيرت كثيرا عندما اختطفنا أنا و صديقي الفارع و نحن ذاهبان إلى عملنا في شارع الكفاح ، شارع الصيرفة إذ كنا من الصرافين الصغار هناك ، ظن الخاطفون إننا صيد ثمين لكننا في الحقيقة لا نحمل مالا إلا على قدر مصاريفنا اليومية و عندما طالبونا بإعطائهم المال الذي نخفيه أخبرناهم بالحقيقة و لكنهم لم يصدقوننا فانطلقوا بنا خارج المدينة ليجري تفتيشنا بدقة وعلى مهل أنزلونا وسط صحراء قاحلة في منطقة البسماية لا ماء ولا شجر ولا أطلال نلوذ بها من حر الصيف اللاهب، جردونا من ملابسنا و تركونا عاريين إلا من اللباس الداخلي ثم أمرونا أن ننتظر ولا نتحرك و إلا ... فامتثلنا لأوامرهم حرفيا وكانت الشمس عمودية على سمت الرأس وقت الظهيرة و الفصل كان صيفا متطرفا و عندما انتبهنا من هول الصدمة كانت الشمس تحرق جسدينا العاريين و تشوي رأسينا الأصلعين، استنجد صديقي الفارع بي كعادته قلت له لا بأس سنتدبر الأمر ، دعنا نستظل ببعضنا بالتناوب أنت تقف و أنا أستظل بظلك و عندما تنتهي نوبتي تستظل بظلي أنت فوقف حامد الطويل كنخلة سحوق ووقفت استظل بظله الوارف أحتمي به من حريق الشمس ولم تكن في ذلك مشكلة فهو طويل و أنا قصير، بعد قليل استغاث بي الرجل قائلا جاء دوري لأستظل بظلك ، فوقفت متطاولا و رفعت أرنبة أنفي عاليا لكن ظلي لم يقع إلا على قدميه، يا للرجل الطويل المسكين و رحت أحثه على أن يجثو أمامي لكي يحصل على ظلي الشحيح فجثا الرجل على ركبتيه أمامي ثم استلقى على قدمي يلهث من شدة الحر ، وضع رأسه على قدمي ليحميه من الأشعة الحارقة و هكذا بين الإستلقاء على قدمي و القرفصاء أمام ركبتي انتهت نوبته بالإستظلال و جاء دوري حيث وقف حامد الطويل كالنخلة و أنا أستظل بظله المديد ، يا له من طويل حسدته وهو يصنع لي ظلا سابغا و بعد كثير من الوقت و مكابدة الحر الشديد جاء الخاطفون ، ألقو إلينا بملابسنا و بصقو علينا ثم تركونا على الطريق العام بعد إن عصبوا أعيننا، بعد ثلاثة أيام من غياب صديقي علمت أنه قد أصيب بحمى شديدة و (ضربةشمس) قاسية فذهبت لعيادته في بيته وجدته ممددا في فراشه يأن من تأثير الحمى التي أفقدته وعيه و كادت تزهق روحه و لم يكن في تلك اللحظة طويلا أبداو كنت أقف متطاولا أمام سريره و قد كان بمستوى ركبتي مرة أخرى أو دون ذلك و هو متقرفص على سرير المرض و كنت أنا طويلا في تلك اللحظة ، أكثر طولا منه و قلت في سري أنا الواحد في العشرة الآن يا صديقي .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهاب- قصة قصيرة
- وظيفة محترمة - قصة قصيرة
- حصيات شيرين الجميلات- قصة قصيرة
- مياه ضحلة- قصة قصيرة
- ريب الضباب-قصيدة
- الفقاعة-قصة قصيرة
- يوميات
- سل الفؤاد-قصيدة
- مولعون بالوهم
- مسامير الأوغاد - شعر
- احلام
- السيدة ذات الوردة البيضاء
- الطبول
- الحصن
- المهمة
- إغتيال الحمامة
- الدغل
- ميسان


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صديقي فارع الطول-قصة قصيرة