أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - مياه ضحلة- قصة قصيرة















المزيد.....

مياه ضحلة- قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3056 - 2010 / 7 / 7 - 00:11
المحور: الادب والفن
    


مياه ضحلة
- قصة قصيرة

رغم إنني سمكة صغيرة، أنجبني أبواي على شاطيء دجلة و رحلا عائدين إلى موطنهم في الجنوب لكنني لم أعلم و لم أشعر بما يتهدد عالمنا ، فقد سمعنا و نحن ننصت دائما عندما نخرج رؤوسنا الصغيرة أثناء طوافنا على حافات المياه في النهر الذي بدأ يغور و يضمحل مع مرور الأيام أن هناك من منع تدفق المياه إلى النهربسبب الحروب و مشاكل الأستحواذ و العدوان بين البشر الذين يسكنون قريبا منا على اليابسة ، إذ اضطر الناس لكريه وتنظيف قاعه بين آونة و أخرى و مشاكل أخرى تتعلق بالجيوبوليتك و السياسات الإقتصادية بين بلدان الشراكة في النهر،و طبعا نحن الأسماك نشكل أحد مكونات تلك السياسات لذلك فالأمر الآن على المحك إذ انحسر النهر ولم يتبق لنا إلا بركة صغيرة في وسط النهر الذي جفَ سريعا و لكننا عندما كنا نعيش جميعنا في النهر كبيرنا و صغيرنا ، كل يعرف حدوده و منطقة أمنه، لا يعقل أن يذهب صغارنا إلى العمق حيث الكبار هناك لا يتورعون عن ابتلاع أيا كان ، فالنهر مناطق نفوذ و محميات ، أحيانا يفاجأ الجميع بعدو غاشم مشترك فنسلك جميعا ، صغارا و كبارا طرق الهرب لآنها الوسيلة الوحيدة للبقاء لذلك لا منجى إلا بالوصول إلى الأماكن التي لا يستطيع ذلك الخطر الداهم الوصول إليها، أحيانا نتقبل الأمر عندما يُبتلع بعضنا و يهرب الباقون ، نحن الصغار لا نسبح في النهر فرادى ، ذلك يشكل خطرا علينا، بعض الأفاعي لا تفضل ابتلاعنا و تبحث عن ضفادعَ سمينة تلتهما بروية، كل تلك أخطارُ صغيرة بالنسبة لنا إذ أن الخطر الأكبر هم كبارنا نعم كبارنا فهم يبتلعون الصغار بشهية و شراهة قل مثيلُها ولا يتذكرون أبدا إنهم كانوا في يوم ما صغارا مثلنا لذلك فنحن الصغار نتجول كجماعات في المياه الضحلة على شواطيء النهر حيث لا يستطيع الكبار الوصول إلينا بسبب حجومهم، هذه المرة يقال إن سدا عملاقا بناه الأتراك و أخر بناه السوريون منعا الماء عن دجلة تماما، شركاؤنا و أعداؤنا البشر على ضفتي دجلة مشغولون بحروبهم فيما بينهم ولا يهمهم موت النهر الذي إذا خنقه الأقوياء متنا جميعا نحن وهم، ، الآن لا ندري ماذا نفعل وقد انسحب ماء النهر و لم يعد هناك متسع للهروب ، نحن الآن نعيش في بقايا مياه منسحبة من النهر ، الذي جفَ ، إنها بركة ليست بالكبيرة، لقد كنا نقطع حافاتها سباحة بسرعة كبيرة ،لها حافات ضحلة تنحدر قليلا قليلا نحو العمق و عمقها لم يكن كافيا ليختفي فيه الكبار طويلا و هذا الصيف اللاهب قد بدأ يضيق من حدودها سريعا و يقلل من عمقها ، في البداية تملكنا نحن الصغار رعب لا يوصف لمجرد كوننا نعيش مع الكبار في هذه البركة الصغيرة لذلك ترانا دائمي الهروب و التجوال، و على حافات البركة هناك أيدي صغار البشر تتخطفنا و أحيانا تنجح في ذلك لكننا أسرع منهم و أكثر انزلاقا و تملصا إلا إن جلّ خوفنا من كبارنا الذين هم في العمق ، و بما إنهم في عمق البركة فإنهم لا يشعرون بالخطر لذا تراهم يهاجموننا باستمرار و يبتلعون بعضنا و عندما يفعلون ذلك ينكشفون لأناس كانوا دائما واقفين على حافات البركة بشباكهم ينتظرون ( لبطة ) كبيرة تغريهم بإلقاء شباكهم في البركة إلا أن كبارنا لا يعون ذلك و لم تستطع نواياهم الشرسة و استسهالهم لأبتلاعنا أن تنبههم للخطر الدائم الواقف ليس بعيدا عنهم على حافات البركة لذلك فهم أحيانا يجازفون بإظهار زعانف أذنابهم الكبيرة في لبطة كبيرة فوق سطح الماء و لم نكن نحن السبب في ذلك و لكنهم كانوا لا يفقهون شيئا من أولوياتهم ، يعجزون عن رؤية الوضع كما هو فوق لذلك فقد ألقيت شباك الواقفين من كبار البشرو أطبقت على جميع مياه البركة حيث لا مناص من العلوق في الشبكة المحكمة التي كانت عيونها كبيرة لا تصطادنا نحن الصغار إلا نادراو هكذا أخذ الكبار الذين كانو يبتلعوننا أخذة واحدة و نجونا من خطرهم رغم أنهم أسماك مثلنا تماما بل هم آباؤنا و أمهاتنا و عشيرتنا ولكنهم كانوا يبتلعوننا دون أن يفهموا طبيعة علاقتنا بهم إنهم أغبياء ، نعم مجرد أغبياء ليسوا كمثل البشر الذين اصطادوهم و بعض منا نحن الصغار معهم لقد أعادو الصغار العالقين في الشبكة إلى البركة فهم يعتقدون إننا لا نساوي شيئا ، كان فرحا لا يوصف احتفلنا تلك الليلة بعيد الخلاص من الكبار الشرسين و بأن البركة التي كانت تضيق علينا باستمرارو يقل الهواء الذائب فيها هي لنا وحدنا نحن الصغار المسالمون و نمنا تلك الليلة بهدوء شامل و بأماكن أكثر عمقا و دون وجل أو خوف و عندما مرت أيام قلائل و أصبحت البركة صغيرة جاء جيش من صغار البشر و هم يعلمون جيدا إننا في البركة ، كانوا يفكرون بخبث لكننا كنا نغوص بعيدا في عمق البركة حيث لا يروننا و لا يستطيعون صيدنا إلا أنهم كانوا أكثر سوءا في نواياهم من كبارهم ، لقد تصرفوا بخبث هائل ، نزلوا جميعا إلى البركة بأقدامهم الصغيرة العارية ثم خاضوا في الماء و أثاروا الرمل و الطين ، أصبحت البركة بلون أحمر داكن فلم نعد نرى بعضنا و لما كثر الطين الممتزج بماء البركة لم نجد هواء لغلاصمنا الصغيرة لنتنفسه لقد أجبرنا على الطفو إلى السطح حيث نستطيع أن نتنفس قليلا من الهواء الجوي الملامس لسطح الماء و أفواهنا الصغيرة تتحرك بانتظام مفتوحة .. مغلقة .. مفتوحة..مغلقة.....نريد أن نتنفس و بغير ذلك نموت لذلك لم نعد نفكر بهم عند لحظة الإختناق و كانت رؤوسنا الصغيرة كلها ظاهرة فوق سطح الماء الغريني، راح صغار البشر الذين يمتلكون خبثا أكثر بكثير من كبارهم يلتقطوننا واحدا واحدا بأصابعهم الصغيرة و القوية و حيث أننا كائنات صامتة لا نصرخ و لا نحتج كانت الأمور تجري بانتظام و بهدوء شامل إلا من جلبة صائدينا الصغار و عندما أوشك صغار البشر أن يقضوا علينا وحين أوشكت البركة الصغيرة أن تضمحل هدر الماء من حولنا و جرفنا بعيدا حيث لا يستطيع الصغار ولا الكبار أن ينالوا منا و كان ماء جديدا ، لقد فتح السد الذي كان يحجز ماء النهر و لكننا لم نكن فرحين لقد ذهب منا الكثير و في الصيف القادم سيسدون النهر من جديد و سنكون نحن الكبار و سنجد صغارا مثلنا لنبتلعهم و سنجد كبارا من البشر يتصيدوننا و سيجد صغارنا الفرحون صغارا من البشر ليعكروا ماء بركتهم و يتصيدونهم واحدا واحدا ..ثم يفيض النهر من جديد .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريب الضباب-قصيدة
- الفقاعة-قصة قصيرة
- يوميات
- سل الفؤاد-قصيدة
- مولعون بالوهم
- مسامير الأوغاد - شعر
- احلام
- السيدة ذات الوردة البيضاء
- الطبول
- الحصن
- المهمة
- إغتيال الحمامة
- الدغل
- ميسان


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - مياه ضحلة- قصة قصيرة