أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صديقي الأبلق















المزيد.....

صديقي الأبلق


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 01:07
المحور: الادب والفن
    



لم اخطط لذهابي إلى هناك فأنا لم تسنح لي الفرصة لتقليب اختياراتي أو التخطيط لتنفيذ رغباتي فمنذ باكر عمري كنت كالحمار أوجه إلى الوجهة التي يريدون وما أملك غير الإنصياع ، لكنني عندما كنت أحرن و أعاند مثل أيّ حمار في أسقاعنا يهددونني بالعصا تارة و التقريع المرّ دون محاولة منهم لفهم دوافعي و أسباب حرني و هؤلاء الذين لا يريدون أن يفهموا أو يتفهموا أسبابي ، هم أهلي ، إنهم لا يكرهونني، يفعلون ذلك عندما يكرهون أنفسهم، صرح بذلك مرة أبي عندما هزّ عصاه بوجهي ثم أذاقني لسعتها، لا لشيء إلا لأنني رفضت الذهاب ليلا إلى دكان شولي لشراء تبغه المفضل و كانت على ناصية الجادة كلبة بيت قاسم السابط التي لا تنام ، لعن نفسه و شتم آباءه ندما، هكذا هي الأمور..، مرةً وكان الوقت شتاءاً عندما برك حمارعبود في الطين وكنت واقفا على ناصية الشارع الطيني، انهال عليه يضربه بعصاه اليابسة حتى أفقده القدرة على رفع رقبته الطويلة فتمرغ في الطين ، عند ذاك بكيت واجه عبود حماره الممدد في الوحل بعد إن عجزت عصاه عن تحريكه يخاطبه بلهجة الشامت المقتدر: وانت تتمرد والله سأسحلك أنت أيضا ، كنت صغير السن و بكيت عندما تخيلت إنني ذلك الحمار، شاهد عبود دموعي التي تقطر على خدي الصغير و أنا أنظر لحماره الممدد في الوحل فراح يبكي هو أيضا ثم ألقى بنفسه على حماره وراح يسترضيه حتى صار عبود لا يُميز عن حماره من الطين، منذ تلك اللحظة تعاطفت مع الحمير و كنت معجبا بصبرها على البلاء ، لذلك فأنا لم أخطط لذهابي إلى بستان ( حسن دمعه) وكان قد مر على اضطهاد حمار عبود عشرون سنة عندما اصطحبني عباس للذهاب إلى هناك لجني التمر، يعلم عباس إنني ( صاعود )* نخل متميز لقد اختبرني عندما حطت وحدتنا العسكرية رحالها في بستان من بساتين ( الدير) تمهيدا لأعادة تنظيمها ، آه يا لتلك الأيام لقد عثنا بالبستان و عبثنا فيه أيما عبث ، كنا نتبارى أي منا يصعد النخل أسرع ؟ أي منا يستطيع قطع العراجين وكسر السعف الأخضر، الغريب في الأمر إن أصحاب البساتين كانوا يبتسمون لنا و نحن نفعل ذلك ، كاتوا يكشرون بوجه أي غريب ينتهك نخلاتهم البعيده عنا و لكنهم يبتسمون للجنود و هم يخربون بساتينهم ولما انتهى تنظيم وحدتنا العسكرية كان البستان بلقعا ينتشر فيه الخراب ويغزوه اليبس ،الآن عندما انتهت الحرب لم نجد عملا ، كان كسادا فاحشا، لذلك رأى عباس اللبق إنها فرصة سانحة للحصول على بعض النقود ، أمي التي تشبه العصا اليابسة المقطوعة من شجرة عجفاء و أختي التي أدركتها العنوسة ينتظران مني ما يسد الرمق ، لذلك كان يوما متميزا رحت فيه أثير إعجاب الشيخ حسن دمعه الذي لم يتردد في إبداء إعجابه بي ، قال: أنت تذكرني بشبابي ( عفيه)*و أردفها بعفية أخرى ،ما أثار انتباهي جودة بستان الشيخ حسن دمعه، و خلوه من آثار عبث الجنود أيعقل أن الجنود لم يمروا من هنا؟ ، جلسنا في الليل الصيفي نحتسي الشاي الحار ونتبادل الحديث كانت أحاديث شتى يحدثنا بها عباس اللبق و الشيخ حسن دمعه حتى انتهى بنا الحديث إلى الحمير عندها تحدثت ، أخبرتهم عن مأساة حمار عبود و عن حبي للحمير و انحيازي الفطري لها، ثم اردفت ، آه ..آه أمنيتي أن أمتلك حمارا أبلقا ، فرك الشيخ لحيته و قال (إجاك)* الحمار الأبلق ، انتهىقطاف التمر و أخذت حماري الجائزة من الشيخ و عدت راكبا عليه إلى بيتنا المهلهل ذلك البيت الذي ورثته عن أبي رحمه الله إذ كان ذا شأن في الحكومة فقد كان حارسا ليليا في المدرسة و لولا الحرب لكنت حارسا أيضا ، في الليل قالت أمي كيف ستتدبر علفه و علفك انت تحصل علية بشق النفس ، قلت: هذا الحمار سيأكل و سيطعمنا يا أمي وكان خزينا من الأفكار الناضجه حول مشروع أمنيتي التي تحققت توا يملأ رأسي، في الصباح تدبرت عربة لحماري ضمن شروط و اتفاقات مع مالكها، ها أنا أصبح شخصا مهما صاحب عربه و حمار أبلق ، أتظن إن ذلك هين ، الحرب أكلتنا و الحصار سحقنا ، ليس لأي من الشباب أن يمتلك عربة و حمارا أبلق، حتى الذين امتلكوا عربة و حمارا لم تكن حميرهم ُبلقاَ ، الحمار الأبلق مرغوب في (علوة الخضار) ، ما أن يروه حتى يستأجرونني ، الحقيقة كل الفضل لحماري ، هو أجلب للرزق مني ، اخترت مكانا لأريح فيه حماري و ساقيّ مقابل أكبر مكتب لتسويق الفاكهة و الخضار مكتب ( العزيزانت) لم يكن أحد لينتبه لغرضي المشبوه وراء اختياري لهذا المكان ، كان ذلك لسببين فهذا المكتب يتعامل مع الحكومه يزود ثكنة الجيش بأرزاق الجنود و السبب الثاني ، كان مكبا للفاكهة و الخضار التالفة ، يرتع فيها حماري الذي سمن قليلا مقابل هزالي مما جعلني أفكر جديا بمشاركته بغنائمه رحت أبحث و سكيني بيدي عن أنصاف تفاحات و أنصاف باذنجان و بعض البطاطا نصف الفاسدة و أشياء أخرى ، صرت أرجع لأمي بهذه الغنيمة ، عدلت أمي قدورها و فكرنا أن نشتري طباخا غازيا بدل ( الجولة)* و كان رفاها لم يعهده بيت أمي من قبل .
كنت ألحظ رجليّْ المكتب يتكلمان و يشيران إليَّ ، لكنني قررت أن لا أتأثر بما يفعلان ربما يتآمران على طردي من المكان ، لم أنم تلك الليلة و الظنون تأخذني بعيدا ، دعوات أمي في صلاتها أن يديم هذا الرزق لا تنقطع و في الصباح أرسل صاحب المكتب أحد رجاله يطلبني، أرسلني في مشوار عمل ، أجزل لي العطاء عاملني برقة متناهية و في نهاية اليوم أعطاني كيسا مملوءا بخضار طازجة

((عندما غادر العلوة مع حماره الأبلق كان صاحب المكتب يحذر رجاله ويحثهم على الإنتباه لأخطار متوقعة قد يتسبب بها صاحب الحمارالأبلق قال: أتذكرون يوم أودى الحمال الأعرج بصاحب مكتب الزنبقة و لم تنفعه صلته بال... ، لقد كان الملعون ضابطا في الأمن، لذلك فالحذر واجب و لو أن الرجل لم ، قاطعه أحدهم ، لا خوف إلا من هؤلاء، لا تعلم ما يخفون ، سأسأل عنه مفوض كاظم غدا ، فغدا موعده لإستلام إكراميته ، أردف صاحب المكتب أرجوكم إعتنوا به لحين انجلاء الغبرة
في الصباح لم يأت المفوض كاظم و عند التحري عن سبب تأخره قيل لهم نقل إلى مدينة أخرى، ,.)).....................
تحسنت حالي و لم أعد أشارك حماري الأبلق غنائمه ، صرت أجلس مع عمال المكتب و أتحدث أحيانا مع صاحب المكتب، لكنني استجليت الأمر واكتشفته وراق لي أن امثل هذا الدور و ليحدث ما يحدث ، بعد ستتة أشهر بنيت حجرة لي من الطابوق و دهنت نافذتها بلون نوافذ المدرسة التي كان أبي حارسا بها ، لم تعد أمي كالعصا بل سمنت قليلا، تزوجت أختي من قريب لنا قد توفيت امرأته منذ مدة، لكنني لا زلت ودودا مع حماري الأبلق و هو كذلك بعد إن تنازلت له عن حصتي من الغنيمة و أنا أعلم جيدا أنه لم يمنحني وده دون مقابل ، لا شيء أبدا لا شيء دون مقابل حتى لو كان من حمار.
*صاعود- متسلق
*سحل- جرّه سحبا على الأرض
*عفية- كلمة تشجيع و اطراء
*(اجاك) بمعنى اعطيتك
*جولة –موقد نفطي صغير



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة التاسعة من سيرة المحموم (9)
- صندوق البريد رقم 66
- الحلقة الثامنة من سيرة المحموم في زمن الحمى (8 )
- إندحار القطيع
- الحلقة السادسة من سيرة المحموم في زمن الحمى ( 6 )
- الحشد- قصة قصيرة
- الحلقة السابعة من سيرة المحموم في زمن الحمى(7)
- عندما أكلني الذئب
- الحلقة الخامسة من سيرة المحموم
- علبة أمي الفارغة- قصة قصيرة
- الحلقة الرابعة(4) من سيرة المحموم في زمن الحمى
- الحلقة الثالثة من السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى(3) ((ال ...
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى- الحلقة الثانية
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى
- العنقاء بغداد -قصيدة
- قرار السيد الوزير -قصة قصيرة
- مرثية-لبغداد
- ذات الوشاح
- السر-قصة قصيرة
- سلاما لبغداد- قصيدة


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صديقي الأبلق