أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صندوق البريد رقم 66














المزيد.....

صندوق البريد رقم 66


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 16:31
المحور: الادب والفن
    



لم يعد قلب الست فهيمة مطمئنا مثلما كان قبل ذلك اليوم الذي داهم فيه رجال الأمن منزلها عند الساعة الواحدة بعد منتصف تلك الليلة الآذارية، عندما سمعت طرقا شديدا ظنت أن عواصف آذار وراء ذلك الصوت ،اقتحم ستة من الرجال الغبر منزلها قالوا لها نريد ابنك حسن شريف كامل، ثم دون أن تنطق كلمة واحدة أخذوا إبنها الوحيد و ابتلعهم الليل كما تقيأهم ، استمرت في حالة من الصدمة لم تفق منها إلا عندما تعثرت بدكة الباب الذي يفضي إلى داخل الدار ، التهمتها الحيرة و نسيت القواعد و الأصول التي روعيت دائما في بيت المرحوم الحاج شريف كامل عندما وقع نظرها على التلفون الأسود الذي رسم عليه التاج الملكي و لم تتردد في الإتصال بقريبتها أم زكي ضابط الشرطة، و لو كان الوقت غير ملائم،صباح اليوم التالي و في الساعة الحادية عشرةأفرج عن إبنهابعد جهد بذله الرائد زكي، قال له يومها ، إخف نفسك ، لن أضمن الإفراج عنك في المرة القادمة التي ربما تكون غدا أو بعد غد ، جلست الست فهيمة و ابنتها و ابنها في غرفة الجلوس و كان من العسير عليها أن تقرر الموافقة على الحل الوحيد الذي ينقذ إبنها من المصير المعروف الذي أعد للآلاف من الشباب الذين كتب على دفاتر نفوسهم بالقلم الأحمر(حسب الفقرة 4-ب) لكنها وافقت على مضض بعد إن أخبرهم الملازم زكي أن لا حل غير ذلك و أنه مستعد أن يوصله بأمان بسيارته إلى الحدود و هناك سيجد من يدبر الأمر معه ،لذلك لم تنم تلك الليلة بعدإذ ودعته، قال لها تلك الليلة ، انتظري شهر أو شهرين و سأرسل لك خطابا على صندوق بريدنا .
اضطرب البحر و كان تسع و ستون هارب و هاربة من جحيم أوطانهم إلى فراديس مفترضة عبر المحيط الهادي ،كانوا يقبعون في جوف عبارة ماليزية مهترئة لا تصلح لعبورالبحر الأحمر و لكنهم فضلوا المجازفة على تهديد السلطات الماليزية لهم بتسليمهم إلى سفارات بلدانهم إن لم يدفعوا ما ترتأي السلطات أن يدفعوه ،كان حسن يبتلعه البحر وماكان في مخيلته المستسلمة لمصيرها سوى امنيته أن يصل إلى البر الأسترالي ليقذف بخطابه مخطوطا عليه ص.ب 66الى أي صندوق بريد هناك.
حل الخريف ولا زالت شجرة الرمان تنزع أوراقها ورقة بعد أخرى في حديقة بيت الست فهيمه ، وقفت إزاء الشجرة تذكرت تلك الليلة التي غادر فيها حسن تحت خيمة الليل المعتمه، كانت شجرة الرمان تكتسي بلون أخضر زاه و ها هي الآن عارية عن أوراقها حركت قدمها باتجاه الباب الخارجي ، كانت الساعة العاشرة صباحا موعدها في كل مرة للذهاب إلى بناية البريد لتلقي بخطابها في فوهته قبل أن تدخل إلىصالة البريد فقد كان الخطاب لا يحمل عنوانا ، مكتوب عليه إلى ولدي حسن شريف كامل ، كان صندوق استلام الخطابات المرسلة خارج بناية البريد على كتف الرصيف وقبل أن تتجه إلى داخل الصالة تتفقد مفتاح الصندوق ثم تلج الى الصالة ، تفتح الصندوق، تلقي نظرة طويلة إلى داخله ثم تغلقه بهدوء و تغادر،
الخريف يرحل تحت وطأة شتاء بارد و أمطار غزيرة لكن ذلك لم يثن الست فهيمة عن رحلتها المقدسة يوم الخميس، تقف لحظات صمت قرب صندوق استلام البريد المنتصب كشاهدة قبر على كتف الرصيف ، تلقي بخطابها المعتاد في فوهته ثم تدعوالله في سرها أن يحفظ ابنها و تتجه كما في كل مرة الىصندوق بريدها ثم تغلقه بهدوء و تستدير لتمضي إلى بيتها...
اكتست شجرة الرمان في حديقة الست فهيمه بلون أخضر زاه ، كانت الست فهيمه طريحة فراش المرض منذ اسبوع , همست في أذن ابنتها : و البريد؟ من يذهب إلى هناك؟ أظن إنني لا أقوى على ذلك، قالت ابنتها : لا عليك يا أمي سأذهب أنا هذه المرة و سألقي بخطابك إلى الصندوق و أفتح صندوق بريدنا كما تفعلين أنت في كل مرة..
قالت الست فهيمه لا لا .... لا حاجة لذهابك أنت أيضا و أردفت في سرها لم يبق لي غيرك ياابنتي، و بصوت واهن قالت ستتحسن حالتي و أذهب أنا ‘ و على كل حال سوف لن يغادر صندوق البريد هو الآخر.
في تلك الليلة كانت الست فهيمة ترى شبح ابنها حسن و هو يحثها على القدوم إليه و كلما يقترب منها شبح حسن تتوغل في غيبوبتها حتى احتضنته و أطلقت تنهيدة طويلة تصاحبها أنة مكتومة سمعتها ابنتها التي تنام قريبا منها ، و في الصباح لم تعد رحلة الخميس من هموم الست فهيمة، لم تزهر شجرة الرمان و تقصفت أوراق الشجيرات و استحال نبات الثيل إلى لون أصفر باهت ، .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة الثامنة من سيرة المحموم في زمن الحمى (8 )
- إندحار القطيع
- الحلقة السادسة من سيرة المحموم في زمن الحمى ( 6 )
- الحشد- قصة قصيرة
- الحلقة السابعة من سيرة المحموم في زمن الحمى(7)
- عندما أكلني الذئب
- الحلقة الخامسة من سيرة المحموم
- علبة أمي الفارغة- قصة قصيرة
- الحلقة الرابعة(4) من سيرة المحموم في زمن الحمى
- الحلقة الثالثة من السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى(3) ((ال ...
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى- الحلقة الثانية
- السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى
- العنقاء بغداد -قصيدة
- قرار السيد الوزير -قصة قصيرة
- مرثية-لبغداد
- ذات الوشاح
- السر-قصة قصيرة
- سلاما لبغداد- قصيدة
- صديقي فارع الطول-قصة قصيرة
- رهاب- قصة قصيرة


المزيد.....




- ترامب يدعو في العشاء الملكي إلى الدفاع عن قيم -العالم الناطق ...
- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صندوق البريد رقم 66