عرس على نهج النبيّ والصّحابة...؟!

باهي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 20:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

دعيت إلى عرس أو بالأحرى إلى حفل زواج يخصّ أحد أقاربي و كما هو معلوم فإنّ حفلات الزّواج عندنا في الجزائر و لعلّ مثلها في باقي الدّول العربيّة تنشط خاصّة في موسم الحرّ الّذي يمتدّ إلى غاية منتصف موسم الخريف...لست أدري لماذا...؟!

المهمّ أنّي لبّيت الدّعوة و عند بلوغي رأس الزّقاق أين يقع المسكن المقصود تناهى إلى سمعي صوت جهاز السّتيريو و هو يهدر بآيات القرآن الكريم لأحد مرتّلي الخليج العربي و كان لحن ترتيله حزينا مفعما بالرّهبة و الوعيد و مثيرا لشجون و عواطف السّامعين الإيمانيّة، في البداية اعتقدت أنّ شخصا من إحدى البيوت القريبة افتكره اللّه و ألحقه برفقته لكن سرعان ما عرفت و أنا أخطو إلى وجهتي أنّ مصدر التّلاوة صادرة من منزل العريس الّذي أقصده و الّذي دُعيت إلى حفله...؟!

كان هناك مرآب مخصّص للرّجال مملوء عن آخره بالمدعوّين و كان من السّهل عليّ تمييز الجماعة من بين الآخرين أقصد أهل السّنة و السّلف الصّالح بنمطيّتهم و مظهرهم المعروف، اللّحى و القمصان القصيرة و طغيان الآيات القرآنيّة و الأحاديث النّبويّة على أحاديثهم الهامسة (فإذا قُرأ القرآن فانصتوا)...كان الصّمت الرّهيب و افتعال التدبّر و الإنصات و التّظاهر بالخشوع و الورع مرسوما على الوجوه، و بدا المقرئ عبر جهاز الستيريو و كأنّه مصمّم على هزّ المشاعر و النّبش في عواطف سامعيه و الاستحواذ على تركيزهم و انتباههم بما أوتي من موهبة رغما عنهم...في الوقت نفسه كان التّململ باديا على وجوه البعض الآخر و هم يسايرون على مضض مراسيم العرس الغريبة دون أن ينجحوا في إخفاء عدم ارتياحهم و نفاذ صبرهم...!

زواج على نهج النبيّ والصّحابة...؟!

فوجئت بالعريس الّذي لم أعرفه في البداية رغم أنّه أحد أقاربي لأنّه أحدث ثورة حقيقيّة على شكله و مظهره لالتزامه بالسّنة النّبويّة و امتثاله لنهج الصّحابة والتابعين سلوكا وملبسا وقولا...

العروس بدورها (كما عرفت بعد ذلك عن طريق تسرّب الأخبار) لجأت إلى "التديّن" وارتداء النقاب رغم أنّ الحرارة على أشدّها لأنّ الوقت منتصف شهر أغسطس و البيت ضيّق و مكتظّ عن آخره بالنّساء و لكم أن تتخيّلوا حال المسكينة...ببساطة لأنّ عريسها ملتزم بدينه لذلك و من ضمن شروطه قبل الزّواج أن تلتزم زوجته بالحجاب الشّرعي...!!



كما أنّ الزّوجة ممنوعة من التّصرّف في جسدها و كأنّها لا تمتلكه... في عرسها محرّم عليها التطيّب و وضع الزّينة و حتّى التّخلّص من شعر جسدها و ترقيق حاجبيها و إن فعلت فما الفائدة و هي تلبس النّقاب...محرّم عليها الذّهاب إلى صالونات الحلاقة لتصفيف شعرها و إعداد نفسها والطّريف في الأمر كما قيل لي أنّها لم تضع النقاب عن وجهها حتّى أمام المدعوّات من النساء...
كانت تلبس السّواد ليلة زفافها...!!

من جهة أخرى تمّ التّضييق على النّساء المدعوّات في الزّينة و حُرمن من أخذ حقّهنّ من الفرح و البهجة الّتي تتيحها الحفلات و الأعراس عادة، بل و إرغامهنّ على لبس الحجاب و طرد الممتنعات المشاكسات، و قد وصلني أنّ إحداهنّ أُعتدي عليها بالضّرب أمام أمّها و بعض النّسوة من طرف أخيها لشدّة ورعه و التزامه و معاقبتها بالحرمان من المناسبة و إعادتها إلى بيتها لأنّها وضعت بعض الماكياج على وجهها...؟!!

بالإضافة إلى تهميش مقصود لدور النّساء في هكذا مناسبات مثل مهمّة الطّبخ و الّتي على عكس ما ألفناه أيضا انتزعها العريس و أصحابه و أشرفوا بأنفسهم على الطّهي و التّوزيع للرّجال و النّساء على حدّ سواء...

بعد الأكل تمّ تعويض القرآن بالأناشيد الإسلاميّة الّتي تعتمد على الأصوات الرّجاليّة فحسب و انهمك بعض المتنطّعين من السّلفيين إيّاهم و كان عددهم في هذا "العرس" مرتفعا على غير العادة في أحاديث و جدل إيماني قوامه آيات الذّكر و الأحادبث النّبويّة يستخدمونها و يستشهدون بها في كلّ موضع و في غير موضع و بدت سيطرتهم على المدعوّين واضحة كما بدت محاجاجاتهم يقينيّة مصدرها فوقي لا تقبل النّقض أو الاعتراض أو حتّى النّقد...و ويل لمن خالف أو جادل فسينزل عليه سيل من الآيات و الأحاديث تؤكّد إنحرافه أو ضلاله أو حتّى كفره و تحمل له الوعيد بالنّار و العذاب و غضب اللّه...في أجواء عدائيّة مثل هذه على الإنسان أن يحتال لنفسه و يتّقي قدر ما أمكنه أذى المتديّنين و شرّهم....حينها قرّرت النّجاة بنفسي و العودة إلى بيتي و رأسي يغلي بالأفكار و التّساؤلات...؟!!!

#باهي_صالح (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات