أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تيلي امين علي - حركة الشيخ عبيد الله النهري في الوثاءق البريطانية _ الحلقة الثانية















المزيد.....


حركة الشيخ عبيد الله النهري في الوثاءق البريطانية _ الحلقة الثانية


تيلي امين علي
كاتب ومحام

(Tely Ameen Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 21:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



الحلقة الثانية
اعتقد ان كاتب التقرير في اشارته الى سلسلة المراتب الاسلامية يقصد السلطان العثماني والشيخ عبيد الله وشريف مكة الذي كان الشيخ عبيد الله يراسله وربما التقى ممثلون عنه في الموصل ، او انه يقصد الشيخ عبيد الله والسلطان العثماني والشاه الايراني .
وثيقة بريطانية اخرى تعترف بان الشيخ عبيد الله قد اصبح رمزا لوحدة الكرد وان الكرد ينظرون اليه باحترام فوق العادة
تقول الوثيقة ((أما عشائر هذا الطرف من الحدود فمع انهم على وفائهم للشاه ، ولكن ولكونهم على المذهب السني يرون في الشيخ عبيد الله زعيمهم المذهبي ويكنون له الاحترام والتبجيل . لذا الشيخ هو رمز وحدة الكرد على طرفي الحدود . أرى ان يبعث ( بالجنرال كوبي خان ) من تبريز الى الحدود للالتقاء بممثل عن الباب العالي والتباحث معه )).(17)
في برقية اخرى يبعث بها (الميجر تروتر) قنصل بريطانيا في (وان ) الى سفير بلاده في استانبول، يقر القنصل ان نفوذ الشيخ عبيد الله اكثر من نفوذ السلطان العثماني نفسه ، كما تقر البرقية ان الشيخ استفاد من نفوذه هذا وأنقذ الكثير من المسيحيين من الموت اثناء أحداث ( بايزيد ).
تقول البرقية ((من غير شك ، الشيخ عبيد الله أكثر نفوذا من أي شخص آخر ،قدراته وسلطته تفوق حتى قدرات وسلطات السلطان العثماني ...يهدف الشيخ الى تحرير الشعب الكردي من السلطة العثمانية وإنشاء حكومة تمتد سلطاتها على كل المساحة الواقعة بين( وان والموصل) ابتداء، ومن ثم شمولها كامل كردستان ، ولبلوغ هذا الهدف يعمل على حماية المسيحيين .
الشيخ عبيد الله هو الزعيم الوحيد المحتمل لكردستان . ..))(18). يقول مصدر اخر بنفس المعنى عن الشيخ عبيد الله (( هو الذي وصفته التقارير القنصلية البريطانية بانه ( الاكثر نفوذا في كردستان وان الناس ينظرون اليه بإجلال اكثر من السلطان نفسه ) . كما وصفته المصادر الروسية بانه ( أعظم زعيم روحي كردي ))(19).
في برقية بعث بها مساعد القنصل الروسي في مدينة وان الى ( يه ڤگيني پيتروڤيچ السفير الروسي في استانبول بتاريخ 2 تشرين الثاني 1880 يتوضح نفوذ الشيخ في عديد من الولايات الكردية ومدى خشية المسؤولين العثمانيين من نفوذ الشيخ
تقول البرقية (( الحاقا برسالتي في 10 من شهر آب رقم 31 ، التي ارسلتها من مدينة بايزيد . ذهبت من مدينة سيرت الى دياربكر وخارپوت وذهبت من طريق ارزنجان ودرسيم الى ارزروم . يشرفني ان أضع هذه المعلومات الى جانب تلك التي ارسلتها وان ارفعها لمقامكم العالي .
في( سيرت ) التقيت عدة مرات بالمتصرف ووجهاء المدينة، اعترف المتصرف انه طلب لعدة مرات إرسال فوجين بسرعة حتى يتمكن من السيطرة على الفوضى التي عمت السناجق الكردية. لكن المسؤولين أهملوا طلباته .حسب أقوال هذا الشخص يظهر ان استانبول تنوي الاتفاق مع الكرد . المتصرف واغلب وجهاء المدينة من المسلمين والمسيحيين على قناعة ان الشيخ عبيد الله سيرفع راية الانتفاضة في هكاري حالما توفرت فرصة مناسبة .
لهذا أرى من واجبي ان أوضح حقيقة ان للشيخ المذكور سلطة كبيرة على كرد ولاية بدليس وانه على اتصال دائم معهم . حسب قول هذا المتصرف ، ما ان يرفع الشيخ عبيد الله إصبعه حتى يلتحق به كرد سنجق سيرت .أود ان أبين ايضا ان للشيخ سلطة على مناطق الجزيرة لا اعتقد انه يمكن مقارنتها بسلطة بحري بك ( ابن بدرخان باشا المشهور ، لقد ترك بحري بك مدينة وان ويسكن استانبول) . ليس لي معلومات عن نفوذ الشيخ في وان . لا زال سامح باشا هناك ...)) .(20)

ما عدا الكرد والارمن والاشوريين والعرب وبصورة خاصة عرب ولاية الموصل وعرب فرحان آغا في بغداد ، كان الترك أنفسهم يكنون الاحترام الجليل لمقام الشيخ عبيد الله الاجتماعي والديني ، تظهر الوثائق ان المسؤولين العثمانيون والضباط الترك كانوا يقبلون يده عند حضورهم اليه وان المواطنين الترك كانوا يقولون بوجوب الإصغاء الى طلباته لتحسين الادارة وتنظيم الضرائب ورفع مستوى معيشة السكان والتعامل بسواسية مع الجميع . ويبين( كلايتون) ان الجنود الترك لم يكونوا يرغبون في قتال قوات الشيخ لانه كان يحوز على مرتبة سمو عالية لدى المسلمين وكان ينظر اليه على الدوام كشيخ مقدس ))(21)
نفس الامر، ونعني به مكانة الشيخ عبيد الله في العالم الاسلامي ونظرة المسلمين اليه باحترام وتقديس تؤكده السفارة الفرنسية لدى الباب العالي وتبين لمراجعها في باريس ضمن رسالة بتاريخ 12 اكتوبر 1879 ونقلا عن القنصل الفرنسي في مدينة الموصل ،ان الشيخ يتمتع باحترام فوق العادة من اهالي الموصل والمنطقة ، وان الناس يخجلون من النظر او التحدث اليه لشدة تبجيلهم له ، تقول الوثيقة الفرنسية (( الشيخ عبيد الله في نظر اهالي الموصل انفسهم يعتبر شيخا مقدسا ، انهم يبجلونه ، وهو بمثابة نبي للكرد أو حتى نصف اله ، الحقيقة يضفي الكرد عليه قداسة إلهية ، انهم ومن مختلف طبقاتهم عندما يلمحونه ، وحتى عن بعد ، يترجلون عن خيولهم ويضعون يدا على الاخرى وهي مضمومة الى صدورهم ، يخفضون رؤوسهم ويغلقون عيونهم ، وبذلك الشكل يستقبلونه وهم راكعون . في حضوره ينحنون نحو الارض وينتظرون ان يتحدث الشيخ ، ان يتكلم هو نفسه ولكن يتحاشون النظر اليه ، أصغر طلب وابسط اشارة لهذا الشيخ الجبلي العصري تعد أمرا ساميا لمقربيه الذين يظهر انهم متهيئون لرمي انفسهم في النار للتعبير عن طاعتهم له ونيل رضاه ...)).(22)
تمضي الوثيقة وتبين ان الشيخ عبيد الله يتزعم حركة كردية مسلحة ويريد الاستفادة من مكاسبه والدخول في حرب نهائية مع العثمانيين للانتقام منهم على سطوتهم واراقتهم دماء ابناء عرقه ، وتقول الوثيقة (( ان الكرد ، ومن قديم الازمنة اصحاب الارض التي يعيشون اليوم عليها )) .
كان الشيخ على علاقة وطيدة بالسلطان عبد الحميد الذي اشتهر ورغم كل سلبياته باحترام علماء الدين ، وكان السلطان عندما بدأت الحرب في السنة الاولى من حكمه ، كان قد تحدث عند اعتلائه العرش عن الاصلاح في الامبراطورية وعن الدستور وعن حقوق القوميات غير التركية والمساواة فكان الشيخ يأمل خيرا ويدعو الى تحسين الأوضاع . (( كان الشيخ يرى ان السبب الاول لنهب الفقراء ومص دماء الكادحين والقحط الذي يعاني منه المواطنون هو طريقة عمل الاجهزة الادارية العثمانية ، لقد اوضح السيد محمد سعيد رأي الشيخ قائلا ان سبب الخراب هو طمع الاجهزة ، وان الفساد يبدأ من الدرجات الدنيا ، الضبطية اولا ويصعد الى الاعلى )).(23)
لهذا السبب وباعتباره رجل دين وتلبية لاستنجاد السلطان وفتوى شيخ الاسلام ، لبى الشيخ نجدة السلطان وخرج مع مريديه ورجاله لمقابلة الروس في الجبهات الامامية عند قارس و بايزيد وقاتل الجيش الروسي هناك .
نعتقد ان عدم اشتراك الشيخ عبيد الله في حركة عثمان باشا وأخيه حسين كنعان باشا عام 1878 هو نفس السبب، أي ان الشيخ لم يكن قد يأس من وعود السلطان الجديد وكان يرى ان بامكان الدولة العثمانية ان توفر الحرية لجميع شعوبها ولهذا امتنع عن تأييد هذه الثورة ولم يباركها، بل ان بعض المصادر تشير الى ان العديد من العشائر الكردية في منطقة هكاري لم تشارك في الثورة لان الشيخ لم يدعوها الى المشاركة في ذلك الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تخوض حربا خارجية ،والا فان الوثائق تبين ان الشيخ كان يكن الاحترام للاسرة البدرخانية وكان يقر بزعامتها على الكرد ونضالها وتضحياتها .
يقول القنصل الروسي في ارزروم ( ايفانوف ) في برقية الى مراجعه عن علاقة اسرة الشيخ عبيد الله بالبدرخانيين ( لم يكن ،لا عبيد الله ولا جدّه الشيخ حسين ولا والده الشيخ طه يرغبون ابدا في معاداتهم بل على العكس كانوا دوما ضد العثمانيين وكانوا على الدوام يناصرون هذه العائلة القيادية في ميسوبوتاميا والتي كانت تثور ضد الحكومة ويمدون يد المساعدة اليها ).(24)
يفسر المؤرخ جليلي جليل عدم انضمام الشيخ عبيد الله الى ثورة بدرخان هذه المرة ومشاركته الدولة العثمانية في حربها مع الروس بشكل آخر إذ انه يقول ( من اجل ان تسد الدولة العثمانية الطريق امام الروس للسيطرة على المناطق الشرقية من الامبراطورية أعلنت عن الجهاد . ومن غير شك ما كان على الشيخ عبيد الله وباعتباره رئيس احدى الطرق الاسلامية الكبيرة جدا ، ان يقف بعيدا عن دعوة الجهاد لهذا قصد الخطوط الشمالية مع 300 من مريديه حيث اندلعت الحرب هناك بعد فترة ))
ويرى المؤرخ جليلي جليل ان مشاركة الشيخ عبيد الله في الحرب لم تكن منفصلة عن اهدافه السياسية إذ كان يريد ان يوسع نفوذه من خلال الحرب العثمانية الروسية ويصبح قائدا للقوات الكردية لاستخدامها ضد العثمانيين مستقبلا .
عذرا اذا خالفت رأي المؤرخ الجليل فالشيخ عبيد الله في ذلك الوقت لم يكن بحاجة الى مناورة سياسية لتوسيع نفوذه الذي كان في أوجه ، وكانت تكفي اشارة منه لجمع الحشود الكردية تحت قيادته ، انه لم يكن يخطط حتى ذلك الحين لمحاربة الدولة العثمانية للسبب الذي اشرنا اليه ، والا كان عليه ان ينضم الى ثورة بدرخان وينتهز فرصة الحرب للثورة ضد العثمانيين وكانت فرصة ذهبية ان كان هذا الامر يشغله. ثم ان القوة التي رافقته كانت مؤلفة بالالاف ، لكن المؤرخ جليلي ، وعلى عادة المؤرخين الروس والسوفييت يحاولون فقط اظهار الجانب السلبي في علاقات الكرد مع الدولة العثمانية ويقللون من المساهمة الكردية في الدفاع عن الدولة العثمانية .
ان ما حدث من تغيير في رأي الشيخ عبيد الله هو ما جرى اثناء الحرب وقد اقتنع من خلال احداثها ان الدولة العثمانية فاسدة في الكثير من مراكزها القيادية وانها دولة قائمة على التفرقة بين الترك وشعوب الامبراطورية الاخرى من المسلمين ، لقد حارب الشيخ ورجاله بشجاعة وقدموا تضحيات جسيمة وحازوا على بعض الانتصارات في البداية لكن الشيخ عبيد الله اصطدم بالعقلية العنصرية لبعض القادة الترك الكبار الذين كانوا يديرون الحرب ،فشكل ذلك مفاجئة له لم يكن يتوقعها ،ما دام يشارك في ( الجهاد ) باعتباره مسلما ومواطنا عثمانيا .

اذا كان الشيخ حتى ذلك اليوم يأبى ان يستغل الاوضاع المتردية لصالح حركته ولا يقتنع بالدعوات الروسية المتكررة للتعاون معهم ،لأنه كان يأمل خيرا في السلطان عبد الحميد ولا يريد ان يتحرك ضده ويتسبب في حرب بين المسلمين فان هذا الامل ايضا قد تبعثر عندما تنازل السلطان للروس رسميا في معاهدة ( سان ستيفانو ) عن مدن واراضي كثيرة في كردستان ومنها مدينة بايزيد الشهيرة .
زاد الطين بله عندما صادقت الدولة العثمانية على معاهدة برلين التي حلت محل المعاهدة الاولى ، في المعاهدة الجديدة وان عادت مدينة بايزيد الى الدولة العثمانية الا ان بنودها كانت تشير الى احتمال الحاق كردستان بالدولة الارمنية التي جرى الحديث عن إنشائها أو حتى انشائها على ارض كردستان ، ان الوثائق البريطانية تظهر الخوف المشروع لشعب كردستان من ذلك المشروع .
ان كابيتان كلايتون وكيل القنصل البريطاني في( وان) يبلغ مراجعه في برقيات متتالية ،انه تحدث مع كثير من رؤساء الكرد وان موضوع منح الحكم الذاتي للارمن مع اغفال حقوق الاغلبية الكردية لا يرضي الكرد بل ويستفزهم ، في برقية له بتاريخ 5 أكتوبر 1880 يقول كابيتان كلايتون ان موضوع اجتماع الرؤساء الكرد بزعامة الشيخ عبيد الله قد يكون البحث لعلاج موضوع ( تأسيس دولة ارمنية في قلب كردستان) .ويجد القارئ نص البرقية في قسم الوثائق .
هذا لايعني ان الكرد كانوا يعترضون على الحقوق الارمنية او الحقوق الاشورية لكن من المؤكد ان لا يرضى الكرد عن الحاق وطنهم بدولة اخرى او انشاء دولة على اراضيه لاحدى الاعراق من الاقليات القاطنة في كردستان ، او التي جاءت اليها مهاجرة وترعاها دول كبرى .
لقد فكر الشيخ عبيدالله بالثورة عندما شعر بالظلم الذي يعاني منه الكرد وحرمانهم من كل الحقوق ، وعندما ظهر مشروع الدولة الارمنية في قلب كردستان ، وعندما كان في نية بريطانيا وضع وصايتها على الاشوريين في كردستان ، كان الشيخ بعيد النظر ويدرك ان مثل هذا الامر قد ينجم عنه صراعات حادة ودموية تضر بالكرد والارمن والاشوريين معا.الأهم من ذلك ظهر للشيخ عبيد الله ان الجامعة الاسلامية التي يدعو اليها السلطان لا توفر خيمة صالحة لتعيش كل شعوب الامبراطورية بحرية ومساواة داخلها ، ظهر له ان المظلة الجديدة التي يريد السلطان عبد الحميد تكوينها لا تشكل ضمانة للعناصر غير التركية التي تتكون منها الامبراطورية العثمانية وقد تكون خدعة جديدة لديمومة سيادة العنصر التركي الحاكم .ليس لانه كان يشكك في مواقف السلطان ، انما كانت السلطات المحلية تتصرف وفق هذا المفهوم .
اما عن ادارة الشيخ عبيد الله لامور شعبه فقد ذكر القنصل البريطاني جانبا من الموضوع واوضح انه منشغل طول الوقت بما تعرض عليه من قضايا تخص احوال المواطنين ، وتذكر المصادر الاخرى ان(( الشيخ عبيد الله وبما عرف عنه من عدالته وبساطته وتواضعه أجبر الناس على احترامه وتبجيله )) (( لم يكن يتعاطى الرشوة قط ولم يكن يسمح لمن حوله بتقاضيها ، كانت عقوبة الموت جزاء المخالفين . كان انسانا مثقفا ويحاول ان يستوعب الافكار وصورة الحياة في المجتمعات المتقدمة ، كان يعادي السرقة والسلب والنهب ويريد ان يجعل من شعبه منظما ومتقدما ) )(25)

يقول عنه السيد عبد العزيز ياملكي ، وكما أشار الى ذلك المؤرخ جليلي (( كان يعرف عن الشيخ انه انسان عادل وضامن لحقوق الشعب من ظلم واعتداءات الاجهزة العثمانية ، كان كل ذلك سببا لان يقصده آلاف الكرد البائسين ويدعمونه ، كانوا يسمونه (( الأب )) . وكان اسمه محاطا بالاحترام ورمزا للمحبة ، وما كان يذكر اسمه في محفل حتى يقوم الناس احتراما ، كان كرد هكاري الذين يخضعون لظلم الموظفين العثمانيين يرون في الشيخ عبيد الله حاكما عادلا ومدافعا عن الشعب ))(26).

يصف السياسي البريطاني ( جورج نيشانيل كرزن ) الذي اصبح وزيرا للخارجية البريطانية بعد الحرب العالمية الاولى وللفترة ( 1919- 1924 ) الشيخ عبيد الله بالقول (( زعيم قبائلي يدعى شيخ عبيد الله – تمتع بأعظم سمعة بفضل قداسة شخصه... وصار ينظر اليه بالتدريج بوصفه زعيما للقومية الكردية ))(27)
هذا ما ينقله الباحث العراقي الامريكي ( الدكتور وديع جودة ) عن كتاب كرزن ( فارس والقضية الفارسية ) ، اما وديع جودة فيقول واصفا الشيخ ((وبدا الشيخ عبيد الله ذلك القائد المنشود فهو عميد اسرة مشايخ شمزينان ونجل الشيخ طه جليل القدر وارث منزلة اسرته الدينية وسمعتها الداوية في العالم الروحي عندما خلف عمه ( الشيخ صالح ) رأسا للطريقة النقشبندية ، ما حتم ان رأى ابناء وطنه فيه مبعوث العناية الإلهية ، والواقع هو انه وجد نفسه كذلك اذ ان قدرا كبيرا من الشهرة والنجاح الذي ناله فيما بعد يعزى الى ايمانه الراسخ بان الاوضاع الراهنة ما عادت تحتمل ليبدو وكانه الرجل المنتدب لاصلاحها ))(28).
لا بد ان نشير الى بعض طبائع الشيخ وسلوكه في هذا المبحث ، ان شهادة واحدة تدل على مبلغ مصداقية الشيخ واعتداده بنفسه والتزامه الحقيقة وبعده عن الرياء وتمسكه بقول الحق وعدم خشيته من اظهار الصدق دون ان يخشى لومة لائم وحتى ان كان السلطان نفسه ، هذه الشهادة وردت في كتاب ألفه ( روبرت سبير ) عن حياة المبشر الامريكي الدكتور ( كوجران ) الذي تمتع بصداقة الشيخ وعالجه من مرض وصاحبه في مجالسه وشاركه الحديث في جملة من مواضيع عصره ، يوضح( سبير) ان السلطان طلب من الشيخ عبيد الله ان يكتب وصفا لاحوال السكان في كردستان ، وكان الشيخ في ضيافة السلطان في استانبول عام 1881 (( فكتب الشيخ في ورقته الشئ الكثير عن المسيحيين النساطرة ( الاشوريين ) هناك مادحا اياهم بقوله انهم أفضل رعايا السلطان ، فأعترض السلطان على لغته هذه واعاد اليه رسالته لثلاث مرات لتصحيح رأيه . أخيرا قال الشيخ ان علمي في امور السياسة ليس بالكثير ، لكني اعرف شيئا عن قول الحقيقة وهذه هي الحقيقة )).(29)موقف القائد الشيخ أبلغ من ان نعلق عليه بكلمة اخرى، ونترك للقارئ ان يبني تصوراته عن انسان كهذا الانسان .ولكن نقول ان حكم الشيخ عبيد الله اتسم بالاستقامة والعدالة وان أي زعيم في كردستان اوغيرها يفقد الخصلتين يصبح مركزه مجرد هراء . الشيخ عبيد الله (( اشتهر بالفضيلة وحياد أحكامه وعدالتها ، وبالقياس الى الفساد وخراب الذمة ، وهما الداءان المستشريان في فارس وتركيا ، بدا من العجب إصرار الشيخ ونجاحه في فرض مبادئ رفيعة للاستقامة والعفة بين أتباعه )).(30)(( والتسامح هو واحدة من تلك الخصال الفريدة التي يمكن إضافتها الى خلق هذا الرجل العظيم ... فقد بدا سمحا متفتح العقل ، ولاحظ عدد كبير من المستشرقين هذا الجانب المشرق في أخلاقه وأعجبوا به الى أقصى حد وقلده ( سبير ) حلة قشيبة من الثناء اذ نعته بالرجل المتسامح ، ذي الوجدان الواسع الرحاب حين إشارته الى سلوكه الودي مع الأجانب وحسن معاملته للمسيحيين ))(31).
يقول الدكتور وديع جويدة عن هذا الجانب المشرق من شخصية الشيخ المتسامحة (( ويقوم الدليل على ما طبع عليه الشيخ من كرم ، معاملته للدكتور كوجران بعد ان فشل في احتلال اورمية . فبطلب من السلطات الفارسية توسط الدكتور ونجح في اقناع الشيخ بتأجيل هجومه على المدينة مدة اربع وعشرين ساعة ، وبفضل هذه المهلة ، أنقذ الفرس المدينة فقد مكنتهم من تحكيم دفاعاتهم عنها ... مع هذا لم يصدر عنه في اي وقت ما ينم عن لوم او عتاب لكوجران )) (32). وينقل جويدة عن (لاباري) قوله حول هذه النقطة (( لو شرع الشيخ في هجومه قبل ذلك ، فمن المحتمل انه كان سيظفر بالمدينة بصولة واحدة ، مع هذا لم يبد من الشيخ عندما قابلناه فيما بعد شئ ينم على انه يلقي المسؤولية على الدكتور ، بل راح يتهم الفرس بالنفاق والخداع )).(33 )

ان الوثائق البريطانية التي هي بين يد القارئ في هذا الكتاب والمتوفرة حاليا ,لا تغطي كل مراحل حركة الشيخ عبيد الله ،فهي تنقطع عند تاريخ 7 شباط 1881 . لذلك وحتى يستطيع القارئ التعرف على نشاط الحركة بعد هذا التاريخ لا بد من القول ان الشيخ تابع تحقيق اهدافه بمختلف السبل و حاول الحصول على دعم عثماني فعلي في حربه القادمة عبر التحاور مع الباب العالي لتجنب المضايقات التي سببها له الجيش العثماني على الحدود ، وأراد ان يستغل العداء التاريخي بين العثمانيين والايرانيين مستفيدا من عاطفة السلطان وواجباته التي تمليها عليه مركزه كخليفة المسلمين وراعي الاسلام السني .
كان الشيخ عبيد الله يريد من السلطان ان يدعم حركته دعما قويا في هذه المرة مقابل قبول خلافة السلطان والاعتراف بمركزه في كردستان وبسلطته الاسمية . لان الشيخ عبيد الله لم يعلن ابدا تراجعه عن إقامة دولة كردستان .
بدأ الشيخ عبيد الله خطوته الاولى دبلوماسيا فنظم مؤيدوه عريضة من المهاجرين الكرد على الحدود والذين بلغ عددهم 60 الى 70 ألف نسمة ، ووجه العريضة التي وقعها رؤسائهم الى السلطات الروسية عبر القنصل الروسي في وان(34 ) . كانت روسيا تدرك ان الحركة الكردية لم تخسر الحرب بعد وان ما حصل من تراجع القوات الكردية ليست نهاية الحركة لذلك يكتب ( شولشيفسكي ) القنصل العام للامبراطورية الروسية في اذربيجان يبلغ حكومة بلاده (( ما ان شعر الكرد باقتراب القوات الايرانية حتى اسرعوا في الانتقال الى المناطق الجبلية الوعرة والتي لا تصلها القوات الايرانية ، وقد أخذوا معهم مواشيهم وكذلك الماكولات وهي تكفيهم لمدة طويلة . لذلك اذا لم يهاجم الكرد الجيش الايراني في الشتاء فلا شك ان الحرب ستبدأ في الربيع لانه من الصعب ان يتخلوا ، وبعد كل هذه التضحيات والغضب من ايران ،عن هدفهم في كردستان موحدة . المسؤولون الايرانيون انفسهم يرون الامر هكذا ...))(35).
كما ان وزارة الخارجية الروسية قد أبلغت السفير البريطاني في سان بتروسبورك بطلب الشيخ عبيد الله وجوب اقرار الحقوق الكردية(36).
كان طبيعيا ان لا يتخلى الكرد عن هدفهم بهذه السهولة خاصة وقد احرزوا انتصارات ولكن الظروف التي احاطت بالحركة اجبرتها على انهاء المعارك ، كانت التقارير تصل الى الشاه و( تبشره ) بحرب اخرى اكثر تنظيما ودعما ، لذلك كان الشاه مرتعد الفرائص ويتوسل بالوزير البريطاني المفوض في طهران ومن سفراء الدول الاخرى لدعم طلباته من الدولة العثمانية بإبعاد الشيخ عبيد الله من المناطق الحدودية وفرض الرقابة عليه .
بذل الشيخ عبيد الله جهودا اخرى للحصول على دعم روسيا او تحييدها على الأقل في الحرب القادمة فبعد حوالي شهر او اقل من عودته الى شمزينان ، وكما تظهر ذلك الوثائق الروسية ) بعث ابن أخيه الشيخ محمد امين والذي يعتبر احد قادة الحركة الى روسيا وبالتحديد الى (ايرفان ) عاصمة ارمينيا وأرسل معه احد القساوسة للاتصال بالسلطات الروسية والعشائر الكردية في ارمينيا لكسبها الى جانب الحركة ، يوضح مساعد القنصل الروسي في( وان) هذا التحرك للشيخ عبيد الله ويبين ان غرضه هو توضيح اهدافه وغاياته . برقية مساعد القنصل الروسي مؤرخة في الثاني من كانون الثاني 1881 وهي موجهة الى السفير الروسي في استانبول وقد جاء فيها (( كنت قد ابلغت ان الشيخ عبيد الله يعد نفسه لانتفاضة جديدة ضد ايران ، حسب الاخبار التي وصلت لي ، وصل عند الشيخ قرابة اربعة آلف الى خمسة آلاف عربي من ولاية الموصل وبغداد . اؤكد ان قسما كبيرا من هؤلاء العرب هم من الجندرمة المتقاعدون . وزع الشيخ هؤلاء العرب على مناطق ( آلانه ) و ( گه ردي ) و( گه ركي ) . ما عدا هؤلاء تجمع لديه كذلك خمسة آلاف كوردي .
وزعوا هؤلاء الكرد على المناطق التالية : ( بينيانش ، ركان ، مزوري ، هه ركي ، هكاري ومناطق اخرى . يجري الان تدريب هذه القوات وتعليمها فن القتال . يعمل لدى قوات الشيخ (26) ضابط من ضباط جيش الدولة العثمانية المتقاعدون ، يتسلم كل واحد منهم شهريا مبلغ ( ليرتان ) من الشيخ . العرب يتسلمون اثنان ونصف ( مجيدي ) ويمنح للكرد اثنان ( مجيدي ... في الاخبار ايضا ان الشيخ بعث برسائل الى رؤساء محافظة ( ايرفان ) يدعوهم فيها الى مساعدته والالتحاق به ،وحتى يوضح غاياته ومقاصده بعث بابن اخيه الشيخ محمد امين الى هناك ، وبعث معه احد النسطوريين في زى قس كمترجم .))(37).
عمل الشيخ عبيد الله بجد على ضمان تأييد او حياد الدولة العثمانية ودخل في مباحثات معها ، وأصبحت الوفود العثمانية وبكافة مستوياتها تقصد مقره بانتظام ، وأصبحت استانبول تماطل في مفاوضاتها مع الدولة الايرانية انتظارا لما تسفر عنها مباحثاتها مع الشيخ عبيد الله ، بل ان الدولة العثمانية كانت تدافع بشدة عن الاتهامات التي وجهتها ايران الى الشيخ عبيد الله ، يؤكد ( بهرندت ) (( ان الباب العالي دافع بقوة عن الشيخ عبيد الله امام الدبلوماسيتين البريطانية والفارسية نافيا تورط الشيخ في ثورة كرد فارس )). (38)
.
الهوامش
- 17- الوثيقة البريطانية رقم (9) .
- 18-الوثيقة البريطانية رقم (46) .
- 19-عبد الرؤوف سنّو – المصدر السابق ص 118 .
- 20-د. جليل جليل – المصدر السابق – نص البرقية مترجمة الى اللغة الكردية ص 176 و 177 .
- 21- د.جليل جليل – المصدر السابق – ص 90 .
- المصدر نفسه – ص 51 .
- 22- نجاة عبد الله – ثورة الشيخ عبيد الله في الوثائق الفرنسية 1879-1882 – السليمانية 2004 ص 45 - باللغة الكردية .
- 23- د. جليل جليل المصدر السابق .ص 52 .
- القصيدة منشورة في كتاب عبدالرحمن الشيخ علاء المشار اليه .
- 24- جليل جليل – المصدر السابق ص 54 .
- 25- المصدر نفسه ص 107 .
- 26-ن .أ . خالفين – الصراع على كردستان ص 200

- 27- د. وديع جودة – ثورة الشيخ عبدالله النهري – فصل مستل من كتابه – الحركة القومية الكردية ، اصولها وتطورها _ ترجمه جرجيس فتح الله ونشره في كتابه ( مبحثان على ثورة الشيخ عبيد الله النهري ) المشار اليه ص 19 .
- 28-المصدر نفسه ص 18 و 19 .
- 29-المصدر نفسه ص0 .22
- 30- المصدر نفسه 21 .
- 31-المصدر نفسه ص 22 .
- 32- المصدر نفسه ص 23 .
33- المصدر نفسه ص 23
34- مقاطع من المذكرة في هامش الوثيقة (111).
35- د. جليلي جليل – انتفاضة الكرد 1880- ترجمة د. كاوس قفطان – ص 183- 184 .
36- الوثيقة البريطانية (111 ).
37- د. جليلي جليل – ترجمة د.كاوس قفطان – ص 194 .
38- د. عبدالرؤوف سنّو- المصدر السابق ص 127 .



#تيلي_امين_علي (هاشتاغ)       Tely_Ameen_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة الشيخ عبيد الله النهري في الوثائق البريطانية
- مع اي من خصومه يتحالف الكردستاني
- عندما تتجاهلون الدستور تضيع الحكومة
- لماذا لاتختارون كمال مظهر رئيسا للجمهورية
- رئاسة الطالباني ليست الهم كله
- التعامل مع اسرائيل يلحق الضرر بالكرد عموما
- اسرائيل دولة فوق القانون حقا
- حافظ القاضي يلتحق بركب الخالدين
- الوطن جريح دعه يتعافى يا رجل
- عسى ان تأتي مفوضية حقوق الانسان مستقلة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تيلي امين علي - حركة الشيخ عبيد الله النهري في الوثاءق البريطانية _ الحلقة الثانية