أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - هاشم صالح - دفاع عن اللغة العربية














المزيد.....

دفاع عن اللغة العربية


هاشم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 19:03
المحور: بوابة التمدن
    


جريدة الشرق الاوسط

في تقريرها العام دقت اليونيسكو ناقوس الخطر في ما يخص اللغات البشرية المهددة بالانقراض من الآن وحتى نهاية القرن الحالي. والشيء المهين الذي لا يكاد يصدق هو أن لغتنا العربية هي إحداها! التقرير يقول بأنه توجد في العالم حاليا 6700 لغة حية نصفها مهدد بالموت إذا لم تتخذ الحكومات المعنية وجماعات الناطقين بهذه اللغات الإجراءات المناسبة لدعمها وحمايتها.
هل يعقل ان تكون لغة الضاد هشة الى مثل هذا الحد؟ هل يعقل ان تكون اللغة التي أكتب بها هذه السطور حاليا هي لغة ميتة او شبه ميتة او مرشحة للموت؟ معنى ذلك أنني انا شخص ميت لأنني أكتب بلغة ميتة. ولا أعرف لماذا لا أقبر نفسي وأنا حي؟ خسرنا كل المعارك، فقدنا كل شيء في السنوات الاخيرة. خسرنا الارض والتاريخ والجغرافيا.. والآن جاء دور اللغة. حتى اللغة لم تعد مضمونة! عيب على اليونيسكو ان تقارن بين العربية واللغات الثانوية او لغات بعض قبائل استراليا او افريقيا حيث لم يعد يتجاوز عدد الناطقين بها العشرة أشخاص، أصغرهم سنا عمره تسعون سنة!
لا ريب في ان لغتنا تتعرض الآن لهجمات عنيفة، سواء من جهة الفرنسية فيما يخص المغرب العربي، او الانكليزية فيما يخص الخليج والمشرق العربي ككل. ولا ريب في ان بعض جهلة المستغربين الذين فهموا الحداثة من ذنبها اصبحوا يشمتون بها علنا ويدعون الى التخلي عنها. بل ويفتخرون لانهم يكتبون بالفرنسية او بالانكليزية: اي بلغات «حضارية» لا بلغة متخلفة جامدة عفى عليها الزمن.. برافو! في الوقت الذي أحيا فيه اليهود لغتهم الميتة وبعثوها من تحت الانقاض وبذلوا جهودا جبارة لانعاشها وعمموها حتى على الشارع الاسرائيلي وليس فقط على المدارس والجامعات، ندعو نحن الى دفن اللغة العربية! حتى العلوم الدقيقة يدرسونها بالعبرية وليس فقط الآداب والدراسات اللاهوتية والتوراتية. لماذا تدرس اسرائيل الطب باللغة العبرية وتدرسه مصر باللغة الانكليزية؟ لأننا مصابون بعقدة الخواجا ونعتقد بأن العربية ليست صالحة الا للآداب والعلوم القرآنية وكلية الشريعة. ولذا فإن معظم الجامعات العربية ما عدا جامعة دمشق وأربع كليات أخرى تدرس الطب وبقية العلوم الطبيعية باللغات الاجنبية. بل وحتى العلوم الإنسانية أصبحوا يدرسونها بالانكليزية او بالفرنسية فيما يخص الدراسات العليا وشهادات الدكتوراه. وهكذا تتحول اللغة العربية الى لغة فولكلورية تقريبا. ثم يستغربون اذا ما انقرضت اللغة العربية يوما ما.. أتذكر بهذا المجال حادثة شخصية. كنا في جامعة حلب ندرس الطب عام 1969. وكانت الجامعة قررت تدريسه باللغة الانكليزية خلافا لجامعة دمشق وربما نكاية بها، لا أعرف. وبعد بضعة أشهر جمعنا العميد في المدرج الكبير وكان اسمه الدكتور عبد الرحمن الاكتع ان لم تخني الذاكرة وقال لنا: اننا نتعرض لهجوم شديد من جامعة دمشق لأننا اعتمدنا الانكليزية. ثم تراجعت جامعة حلب بعدئذ عن غرورها ومشاكستها واعتمدت العربية. لا ريب في انه توجد مراجع في الانكليزية عن علم الطب اكثر بمائة مرة عما هو متوافر في العربية. ولكن لماذا لا نترجمها ونضيف اليها كما فعل أجدادنا أيام عبد الملك بن مروان والرشيد والمأمون بدلا من ان نتخلى كليا ودفعة واحدة عن هويتنا التاريخية؟ هل نريد ممارسة عملية الهاراكيري او الانتحار الجماعي؟ فلندرس اذن العلوم، كل العلوم، باللغات الاجنبية. فلنستسلم لعمليات التشكيك والاحباط وتحطيم المعنويات. ولنحول العربية الى لغة أدعية وصلوات وابتهالات فقط كما يشجعنا على ذلك قادة الغرب الذين يريدون بنا خيرا.. هكذا نعود الى مسألة الترجمة وضرورتها الملحة حاليا. فما ينطبق على علم الطب ينطبق ايضا على الفيزياء والكيمياء والرياضيات وسوى ذلك. بل وينطبق حتى على العلوم الانسانية كعلم الاجتماع والنفس والتحليل النفسي وعلم الانسان او الانتربولوجيا وعلم اللاهوت والاديان المقارنة وعلم التاريخ الحديث الخ.. المعركة اذن هي معركة الترجمة اولا وأخيرا. اما ان ننجح بها واما ان نفشل. وبناء على هذا الفشل او النجاح سوف يحسم مصير العربية. كل المعرفة الحديثة في كل المجالات والاختصاصات ينبغي ان تنقل الى اللغة العربية. انه لعار علينا الا تكون هناك مراجع عن فلسفة العلوم مثلا او ما يدعى بالابيستمولوجيا في اللغة العربية. ولا يقولن أحد بأن العربية عاجزة عن استيعاب العلم والفلسفات الحديثة! من يقول ذلك اما انه جاهل بالحداثة واما انه مغرض حاقد على هذه اللغة العظيمة التي عبرت التاريخ على مدار ألفي سنة دون ان تموت مرة واحدة. حتى في عصر الانحطاط لم تمت. هل نعلم بأن قادة العولمة الحالية في أوروبا وأميركا يدعمون بقوة بعث العبرية وكل التراث اليهودي في الوقت الذي يشجعوننا فيه صراحة او ضمنا على التخلي عن اللغة العربية؟ هناك حملة لتحطيم المعنويات لم يسبق لها مثيل. العرب مستهدفون، العرب مكروهون. العرب يخيفون ليس بما هم عليه الآن، ولكن بما يمكن ان يصبحوا عليه اذا ما أمسكوا بأول الخيط الذي يقود الى الخروج من النفق المظلم.
بقيت كلمة أخيرة.. أرجو من المتقعرين لغويا ان يكفوا عن ارهابنا بقواعدهم الضيقة وتعقيداتهم المرهقة وما يصح ان يقال او لا يقال.. فنحن لا نعيش في عصر الاصمعي. أرجو ان يكفوا عن تجميد اللغة العربية وتحنيطها وربما تكفينها في التابوت. هم ايضا يشكلون خطرا عليها وليس فقط الأعداء الخارجيون. ومن الحب ما خنق! اتركوا العربية تتفتح وتغتني يوميا بالكلمات الجديدة والمصطلحات العديدة والتراكيب اللغوية المرنة. فالخطأ الشائع افضل بألف مرة من الصحيح الميت. اتركوها تقترب من لغة الحياة اليومية دون ان تنغلق داخل اي لهجة عامية مشرقية كانت ام مغربية. نحن بحاجة الى لغة وسطى لا عامية ولا فصحى: أقصد ولا فصحى متقعرة. هذه اللغة الجديدة، هذه اللغة الثالثة، هذه اللغة المرنة التي تخلق كل يوم من قبل وسائل الاعلام والفضائيات والمبدعين العرب هي أملنا الوحيد.



#هاشم_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آخر العام: بين العرب والغرب
- المملكة العربية السعودية في مرآة المثقفين الغربيين (1)
- 11 سبتمبر مرة أخرى
- هرطقات جورج طرابيشي
- كانَ جريمةَ قتل، فراقُنا...
- خواطر على هامش كتاب هنري ميشونيك: الحداثة، الحداثة
- الفلاسفة والتوتر الأقصى والفكر
- المحطات الكبرى للفلسفة الأوروبية
- بودلير : شاعر الحداثة والهيجانات الداخلية
- الإسلام في مرآة الغرب
- اليمين المتطرّف والأقلّيات
- هنري غوهييه مؤرخاً للفلسفة أو الفلسفة بين العلم والدين
- في ظلال هولدرلين، في ظلال الشعر...
- غادة السمان عاشقة في حضن الغياب.. إلى غائبة والشمس مكسوفة..
- الأقلّيات والمواطنة في العالم العربيّ (11)
- الأقلّيات والمواطنة في العالم العربيّ (7)
- لوتريامون.. الحداثة الشعرية والعطش الهائل للتدمير
- عذاب بودلير
- تورغنييف: ثالث عمالقة الأدب الروسي
- فولتير .. زعيم الأنوار الأوروبية


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - هاشم صالح - دفاع عن اللغة العربية