أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - هاشم صالح - المملكة العربية السعودية في مرآة المثقفين الغربيين (1)















المزيد.....



المملكة العربية السعودية في مرآة المثقفين الغربيين (1)


هاشم صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2790 - 2009 / 10 / 5 - 03:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


الاربعاء 29 آب (أغسطس) 2007

---------------------------------------
تحاول هذه الدراسة استعراض آراء بعض المفكرين الغربيين في المملكة العربية السعودية من أمثال: برنارد لويس، باسكال مينوري، جيل كيبل، دافيد ريكوليه روز، جورج جودت دواليبي الخ… فبعد 11 سبتمبر أصبحت السعودية الشغل الشاغل للمثقفين الأوروبيين والأميركان. ولا يمكن أن نحصي عدد الكتب والمقالات التي نشرت عنها في اللغات الأجنبية. فقد اكتشفوا فجأة أنهم لا يعرفون شيئاً يذكر عن هذا البلد الكبير بحجمه وموقعه وإمكانياته المادية ودلالته الرمزية والروحية العالية بالنسبة لكل العرب والمسلمين.
وهكذا راحوا يكسرون جدار الصمت الرهيب الذي كان يحيط بالسعودية على مدار السنوات السابقة عن طريق هذه الأبحاث والمؤلفات. فالناس يريدون أن يعرفوا سر هذا البلد الذي أنجب ليس فقط بن لادن وإنما أيضاً خمسة عشر انتحارياً من أصل تسعة عشرة. ولذا راح مفكرو الغرب يدرسون السعودية من الداخل لفهم تركيبتها القبلية، والمذهبية، والجغرافية، والعلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الدينية، ومعنى ظاهرة الوهابية، وسبب الانغلاق الفكري الرهيب الذي لا مثيل له في العالم، الخ… نقول ذلك على الرغم من وجود تيار وسطي لدى رجال الدين، وكذلك تيار ليبرالي رائع في أوساط المثقفين السعوديين. ولكن التيار الأصولي المتزمت جداً يفرض إرهابه الفكري على الجميع كما يقول الباحث جورج جودة دواليبـي في دراسة قيمة صدرت مؤخراً في العاصمة الفرنسية.
بمعنى آخر فإن هؤلاء المفكرين الغربيين طبقوا المنهج العلمي لأول مرة على بلد كان يقع خارج الدراسة العلمية بل ولم يكن أحد يتجرأ عن تطبيق الدراسة العلمية والسوسيولوجية والتاريخية عليه. وبالتالي فالمداخلة تستعرض كل هذه الإضاءات التي ألقاها مثقفو الغرب على السعودية. وهي إضاءات لا تكتفي أحياناً بتشخيص المشكلة وإنما تقترح لها العلاج أيضاً. وربما كان جديراً بالمثقفين العرب أن يطلعوا على هذه الآراء والتشخيصات سواء اتفقوا معها أم اختلفوا. فالنظرة الخارجية لها مزاياها بالقياس إلى النظرة الداخلية. والبعيد قد يرى أشياء فيك لا يراها القريب. نقول ذلك على الرغم من أن للنظرة الخارجية نواقصها أيضاً.فقد يكون هناك تحيز ضدك أو موقف معاد أو مسافة زائدة عن اللزوم عن الموضوع المدروس. وكل هذه الأشياء ينبغي أخذها بعين الاعتبار أثناء قراءة الصفحات التالية. فهي ليست معصومة عن الزلل أو الخطأ، وإنما هي مجرد اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ. لنبتدئ إذن بشيخ المستشرقين على صعيد الغرب كله: برنارد لويس.
السعودية في مرآة برنارد لويس
بعد ضربة 11سبتمبر كان متوقعا أن يجيش برنارد لويس كل طاقاته لشرح الأسباب العميقة لما حدث. وقد نشر عدة كتب عن الموضوع من بينها كتابان يحملان العنوانين التاليين: ما الذي حصل بالضبط؟ الإسلام، الغرب، الحداثة. ثم: أزمةالإسلام: حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس.وقد اعتمدت هنا على الترجمة الفرنسية:

Que s’est-il passé? L’islam, l’occident et la modernité. Gallimard. 2002

L’islam en crise. Guerre sainte et terrorisme satanique. Gallimard. 2003

وهذا الكتاب الثاني هو الذي يهمنا أمره هنا. ففيه يخصص فصلا كاملا للموضوع التالي: السلطة السعودية والعقيدة الوهابية. وفيه يقول بما معناه: إن رفض الحداثة باسم ماض مقدس أو خلعت عليه أسدال التقديس لاحقا له تاريخ طويل في المنطقة العربية الإسلامية. ولكن أخطر الحركات الدينية التي ظهرت في العصور الحديثة عند العرب ووقفت من الحداثة موقف العداء المطلق هي بدون شك الوهابية. فحيثما سيطرت فرضت هذه الحركة نظاما دينيا صارما لا هوادة فيه. وقد استباحت الجزيرة العربية والمناطق المجاورة حيث قتلت الناس برجالهم ونسائهم وأطفالهم دون تمييز لأنهم لا يطبقون الإسلام كما تفهمه هي. وقد اعتبرتهم خارجين على الدين وبالتالي يحل ذبحهم واستئصالهم بدون أي شفقة أو رحمة. وقد عقدت هذه الحركة الدينية المتزمتة إلى أقصى الحدود حلفا مع آل سعود منذ البداية باعتبار أن لآل عبد الوهاب أو آل الشيخ كما يسمونهم الآن السلطة الدينية ولآل سعود السلطة السياسية. وهذا الحلف الديني السياسي الذي لا ينفصم هو الذي أدى إلى تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932. ولا يزال هذا التحالف سائدا حتى الآن وان كان قد تعرض للزعزعة والاهتزاز بعد زلزال 11 سبتمبر كما سنتعرض إليه لاحقا.

مهما يكن من أمر فان برنارد لويس يعتقد انه لولا البترول وأمواله الضخمة لظلت الحركة الوهابية محصورة داخل جدران نجد أو الجزيرة العربية على أكثر تقدير ولما شهدت كل هذا التوسع والانتشار الذي شهدته لاحقا وجعل منها ظاهرة عالمية ضخمة. ثم يضرب برنارد لويس المثل التالي لكي يقرب فكرته إلى الأذهان والعقول. يقول بما معناه: تصوروا لو أن حركة اليمين المتطرف الأميركي،كيو كلوكس كلان، استطاعت الاستيلاء على ولاية تكساس الغنية بالبترول. ثم قررت أن تستخدم أموال البترول هذه في بناء شبكة كاملة من الكنائس الأصولية والمدارس والجامعات ليس فقط في أميركا وحدها وإنما في كل أنحاء العالم المسيحي. ألن يسود التزمت عندئذ في كل مكان؟ ألن تخنق حرية الفكر والروح في كل مكان من العالم الأوروبي الأميركي؟ في الواقع إن الوهابية تظل أخطر بكثير من هذه الحركة اليمينية المتطرفة. وبالتالي فالمقارنة تظل تحت مستوى الحقيقة وذلك لسبب بسيط هو أن البلدان المسيحية تمتلك نظاما تعليميا حديثا وقويا. وبالتالي فيستحيل على حركة اليمين المتطرف كيو كلوكس كلان أن تسيطر عليها ببرامجها التعليمية أو تبث فيها سمومها وأفكارها المتشددة مهما كانت ثرواتها طائلة. وهذه ليست هي حالة البلدان الإسلامية التي قد لا تمتلك أي نظام تعليمي يستحق هذا الاسم. لنفكر هنا ولو للحظة بأفغانستان أو بنغلاديش أو حتى الباكستان أو سواها من بلدان عديدة حيث وجدت الوهابية مرتعا خصبا. ولهذا السبب استطاعت أن تنتشر فيها انتشار النار في الهشيم وان تسيطر عليها خلال عقدين من الزمن فقط بفضل أموال البترول المتدفقة والمدارس القرآنية..

بل ووصل تأثير الوهابية حتى إلى الغرب المتقدم في أميركا الشمالية وأوروبا حيث توجد جاليات عربية وإسلامية كبيرة. فقد وصلتها الدعاية الوهابية مدعومة بالفلوس وأثرت على عقلية الكثيرين من أبنائها وسببت مشكلة لدول كبرى كفرنسا وانكلترا وألمانيا والخ… بل وأقامت السعودية هناك المساجد الكبرى والمراكز الإسلامية في قلب العواصم الأوروبية كباريس وليون وروما وبروكسيل ومدريد ولندن وسواها.. هذا في حين أن السعودية ترفض إقامة كنيسة واحدة على أرضها..ثم يردف برنارد لويس قائلا: لقد استفادت السعودية من عاملين أساسيين لنشر هيمنتها على الصعيد العربي والإسلامي بل وحتى العالمي.أولهما وجود الأماكن المقدسة الإسلامية على أرضها. وثانيها اكتشاف البترول بكميات ضخمة في باطنها. ولولا ذلك لظلت الوهابية عبارة عن طائفة متشددة وظلامية في دولة هامشية.

ثم ينتقل برنارد لويس بعدئذ لمعالجة قضية خطيرة ألا وهي الأصولية قائلا بان المصطلح ينطبق أولا على الحركة البروتستانتية الأميركية التي تنحرف عن التيار الغالب في المسيحية الغربية من حيث رفضها للتفسير التاريخي للكتابات المقدسة واللاهوت الليبرالي التحرري الذي ساد في الغرب بعد انتصار الحداثة. فالأصولي الأميركي الذي يشكل أقلية بالقياس إلى التيار العام يظل متشبثا بلاهوت القرون الوسطى والتفسير الحرفي للكتاب المقدس. ويرى برنارد لويس أن المصطلح لا ينطبق على الوضع الحالي للإسلام لسبب بسيط هو أن جميع المسلمين أصوليون في نهاية المطاف وليسوا منقسمين إلى تيار ليبرالي وتيار أصولي متزمت كما هو حاصل في أميركا أو الغرب عموما. وما دليله على ذلك؟ دليله هو أن التيار الليبرالي مات في الإسلام بعد القضاء على المعتزلة والفلاسفة وبالتالي فجميع المسلمين أصبحوا أصوليين بعدئذ وان بدرجات متفاوتة. ينتج عن ذلك أن الفرق بين المسلم الأصولي المتطرف والمسلم المعتدل هو في الدرجة لا النوعية. صحيح أن اللاهوت الليبرالي، أي العقلاني، قسم المسلمين في الماضي وقد يقسمهم في المستقبل. ولكن في الحالة الراهنة للأمور لا يوجد لاهوت ليبرالي عندهم لأنهم كلهم مجمعون على أن القرآن هو كلام الله الحرفي غير المخلوق بأي شكل كان. وبالتالي فلا يمكن إعادة تفسيره أو تأويله. وإنما ينبغي أن نأخذه بحرفيته كما هو. إنه الكلام الإلهي المعصوم بإطلاق. انه ليس فقط مستلهما من قبل الله كما هي حالة التوراة والإنجيل عند اليهود والمسيحيين وإنما هو الكلام الحرفي لله. قد يوجد بعض المثقفين المسلمين الذين لا يعتقدون بذلك ولكن لا أحد يتجرأ على إعلان رأيه صراحة.

وأخيرا يرى برنارد لويس أن الأصوليين الحركيين في الإسلام هم أولئك الذين يعتقدون بأن مشاكل العالم الإسلامي ناتجة ليس عن نقص التحديث وإنما عن زيادته! وزيادة التحديث أو المبالغة فيه هي التي أدت إلى خيانة القيم الحقيقية للإسلام. وبالتالي فالحل يكون في العودة إلى الإسلام الأصلي الأولي وإلغاء كل الأفكار والقوانين والعادات المستعارة من الغرب. ينبغي أن نعود إلى الشريعة أي إلى القانون المقدس للإسلام والمعتبر إلهيا بالخالص. وبالتالي فالعدو الأساسي بالنسبة للأصوليين الحاليين ليس الغربي الدخيل بقدر ما هو المسلم الإصلاحي المستنير الذي يلغم الإسلام من الداخل ويزعزع اليقينيات الراسخة. لهذا السبب تتم تصفية المثقفين الليبراليين في العالم العربي باعتبارهم أصل الداء وجرثومة التغريب. كما ويحاول الأصوليون قلب الأنظمة الحاكمة باعتبار أنها تابعة للغرب ولا تحكم بشرع الله.

باسكال مينوري واللغز السعودي
ننتقل الآن إلى دراسة أفكار الباحث الفرنسي باسكال مينوري، خريج قسم الفلسفة من جامعات باريس. وقد اشتغل سابقا كأحد أعضاء السفارة الفرنسية في الرياض، ثم عاد إلى بلاده وأصبح مسؤولا في إحدى الوزارات.

وبعدئذ عاد إلى الرياض مرة أخرى على إثر تفجيرات 11 سبتمبر بوقت قصير وأقام هناك لمدة عام كامل. ومارس التدريس في إحدى الجامعات السعودية، واختلط بالطلاب وتعرف على بعض السياسيين المثقفين من ليبراليين وأصوليين. ثم سافر كثيرا في شتى أنحاء الجزيرة العربية. وبعدئذ ابتدأ بتأليف هذا الكتاب الذي سنعتمد عليه هنا.

وقد قدم له باحث أكبر سنا وتجربة هو "فرانسوا بورغا" صاحب كتاب: "الأصولية وجها لوجه". وهو مدير المركز الفرنسي لعلم الآثار والعلوم الاجتماعية في صنعاء باليمن. وبالتالي فيمكن اعتباره بمثابة الأستاذ للمؤلف.

ويرى "بورغا" أن ميزة هذا الكتاب هي أنه يلقي نظرة علمية وإنسانية على مجتمع مجهول بالنسبة لنا نحن الغربيين هو: المملكة العربية السعودية. فقد ظهرت عنها كتب عديدة بعد 11 سبتمبر، ومعظمها هجومية وسلبية جدا. والكثير منها يقدم "كليشيهات" عامة من نوع: إنها البلد الذي أنجب بن لادن، إن حكومتها تدعم الإرهابيين، إن أموالها تذهب إلى الأصوليين، إنها البلد الوهابي الأكثر تعصبا في العالم، الخ.

ثم يردف فرانسوا بورغا قائلا: وقد آن الأوان لتصحيح الصورة وتقديم صورة أخرى أكثر مرونة وإنسانية عن هذا البلد. ثم يعيب الباحث الفرنسي على المملكة عدم اهتمامها في السابق بتصحيح صورتها في الخارج، وترك مسؤولية هذه الصورة لرجال الأعمال وتجار البترول والأسلحة، وعدم إقامة علاقات مع المثقفين في أوروبا أو أمريكا… ولذلك فعندما وقعت "الفاس بالراس" كما يقال لم يحاول أي مثقف في الغرب الدفاع عنها.

والواقع أن المسؤولين السعوديين كانوا يعتقدون بأن العالم بحاجة إلى المملكة الغنية بالبترول، ولكن المملكة ليست بحاجة إلى العالم. وهذا خطأ ما كان ينبغي أن يقعوا فيه. ولكنهم بعد 11 سبتمبر شعروا بضرورة الانفتاح على العالم لتصحيح الصورة السلبية جدا عنهم. وهي الصورة التي تنشرها وسائل الإعلام في الغرب على نطاق واسع باعتبار أن المملكة هي البلد الذي يفرّخ الإرهابيين، أي بلد التزمّت والأصولية الأكثر تعصبا. وربما كان هذا الكتاب أوّل بحث يدافع عن صورة معقولة وإيجابية عن المملكة العربية السعودية.

والواقع أن مؤلفه، باسكال مينوري، كثيرا ما ينتقد الكتاب السابق الذي شهّر بالمملكة وأساء إلى سمعتها كثيرا والذي ألّفه باحث فرنسي أيضا يدعى لوران موراويك. وهو خبير يشتغل في الولايات المتحدة وله علاقة بالبنتاغون وبريتشارد بيرل والمحافظين الجدد والأوساط المعادية للسعودية.

ويمكن اعتبار هذا الكتاب الجديد بمثابة رد على كتاب موراويك الذي أزعج المسؤولين السعوديين كثيرا على ما يبدو. بل ونلاحظ أن باسكال مينوري يهاجم معظم الكتب التي صدرت في فرنسا عن السعودية ويعتبرها مليئة بالأحكام المسبقة والكليشيهات المعادية والتبسيطية. ويذكر من بينها الكتب التالية:

1-كتاب للباحث كلود فوييه بعنوان: الجزيرة العربية مهد الأصولية الدينية. الشبكات المتعصبة، المدرّبة والمموّلة من قبل مملكة آل سعود، منشورات فافر، لوزان، سويسرا 2001
Claude FEUILLET : L’Arabie à l’origine de l’islamisme, les réseaux fanatiques formés et financés par le royaume des Saoud, Favre, Lausanne, 2001

2-كتاب الباحث والصحافي اللبناني أنطوان بصبوص: المملكة العربية السعودية في قفص الاتهام، منشورات بيران، باريس، 2002

Antoine Basbous : L’Arabie Saoudite en question, Perrin, Paris, 2002

3-كتاب الباحث ستيفان مارشان: المملكة العربية السعودية: الخطر الداهم، فايار، باريس، 2003.

Stéphane MARCHAND : L’Arabie Saoudite, la menace, Fayard, Paris, 2003

4-كتاب الباحث التونسي والأستاذ الجامعي عبد الوهاب المؤدب: مرض الإسلام، منشورات سوي، باريس، 2002.

Abdelwahab MEDDEB : La maladie de l’Islam, Seuil, 2002

نضيف إليها مقابلة أجراها الصحافي أمير طاهري مع لوران موراويك في مجلة السياسة الدولية، رقم (98) تحت عنوان: المملكة العربية السعودية: العدو رقم واحد.

Laurent MAURAWIEC : Arabie Saoudite : l’ennemi public n°1, Politique Internationale
كل هذه الكتب وكثير غيرها أدى إلى تشويه صورة السعودية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، كما يقول المؤلف. ولهذا السبب ألّف كتابه لتقديم صورة أخرى أكثر توازنا. وهو يعتمد على مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية في تأليفه. ولهذا السبب فهو يبتدئ بدراسة المملكة من جميع النواحي: الجغرافية، والتاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية لكي يموضع الأحداث ضمن إطارها الطبيعي فلا تبدو منزوعة من السياق كما هو عليه الحال في التحقيقات الصحفية السريعة أو المتسرعة.

بعد مقدمة فرانسوا بورغا التي تفتتح الكتاب نجد مقدمة المؤلف نفسه. وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام. الأول يحمل العنوان التالي: كيفية تجاوز المنطق الأمني. بمعنى أنه ينبغي علينا نحن الباحثين الغربيين أن ننظر إلى العرب من وجهة نظر إنسانية واجتماعية وليس فقط من وجهة نظر أمنية أو حتى بوليسية ومخابراتية كما هو حاصل حاليا وبعد 11 سبتمبر.

فالعرب، يضيف المؤلف قائلا، هم بشر مثل بقية البشر. وليسوا كلهم عبارة عن وحوش ضارية أو أصوليين متطرفين يريدون تدمير الغرب ووضع القنابل في مراكزه الكبرى ومتاجره كما تشيع وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية. إن للعرب همومهم ومشاكلهم وينبغي أن نفهمها بشكل صحيح قبل أن نحكم عليهم.

ثم ينتقل المؤلف إلى فقرة بعنوان: أسامة بن لادن والمملكة العربية السعودية. وهو يستغرب كيف يحسب بن لادن على السعودية في حين أنها حرمته من الجنسية السعودية وطردته، بل وأجبرت السودان على طرده. وبالتالي فهي ليست مسؤولة عن أعماله وجرائمه.

وفي الفقرة الأخيرة من مقدمته يبرز المؤلف السعودية وكأنها إحدى ضواحي الغرب من حيث استيراد أحدث أنواع التكنولوجيا والتجهيزات الأوروبية والأميركية. وكذلك من حيث طمع أميركا بالسعودية بدءا من عام 1920 عندما عرفت بوجود احتياطات نفطية خيالية فيها. ولذلك فإن الرئيس روزفلت عقد زواج مصلحة عام 1945 مع الملك عبد العزيز. وهذا الزواج لا يزال مستمرا حتى الآن. ثم يقول المؤلف بأن السعودية حتى بعد 11 سبتمبر لا تزال الحليف الرئيسي لأميركا في المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل.

وبالتالي فليس صحيحا ما يقوله الحاقد موارويك بأن أميركا تخلّت عنها أو سوف تفك تحالفها معها أو أنها سوف تشن عليها الحرب القادمة التي ستتلو حرب العراق.

ثم يقول باسكال مينوري بأن عام 1933 كان يعني نهاية النفوذ البريطاني في المنطقة وحلول النفوذ الأميركي محله. ولكنه يعترف على الرغم من دفاعه عن السعودية بان الوجود الكثيف للحداثة المادية والأجهزة التكنولوجية فيها يتعارض مع استمرارية العقلية التقليدية المتزمتة هناك. وبالتالي فهناك مشكلة لا يمكن إنكارها. ولذا يستغرب الغربيون كيف أن السعوديين يستهلكون السلع على الطريقة الغربية ويستوردون كافة المخترعات الحديثة ثم يرفضون في ذات الوقت قيم الغرب وحضارته! ويرون أنه يوجد تناقض رهيب بين الحضور الكثيف للحداثة المادية في المملكة، والتعصب الوهابي السائد.

ويقولون بأن هذا التناقض المخيف أدى إلى تفجيرات 11 سبتمبر! ثم يردف أعداء السعودية قائلين: لو أن المملكة بذلت بعض الجهد التعليمي لتحديث الفكر والعقليات لما حصلت هذه التفجيرات الإرهابية. ولكن المؤلف يدافع عن موقف المملكة قائلا بأن لها الحق في أن تأخذ من الحداثة الغربية ما تراه مناسبا وترفض الباقي. فالحداثة السعودية أو العربية لا ينبغي أن تكون نسخة طبق الأصل عن الحداثة الأوروبية أو الأميركية. بالطبع فان هذا الكلام لا يعني عدم إدانة التزمت الديني والإرهاب، على العكس.

بعد المقدمة العامة نلاحظ أن الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أجزاء أساسية مع خاتمة في نهاية المطاف. وكل جزء ينقسم إلى عدة فقرات أو فصول.

فمثلا يتحدث الجزء الأول عن تشكيل الهويات. وهنا نلاحظ أنه يشرح كيفية تشكل الهوية السعودية. ثم يطرح هذا السؤال: هل صحيح أن الهوية الوطنية السعودية أمر يتعذر على التحقيق؟ وما هي عوامل الانشقاق التي تحول دون ذلك؟ هنا يتوقف الباحث عند مسألة الخلاف بين البدو والحضر، أو بين السنة والشيعة، أو بين الحداثة والتقليد، أو بين المركز (نجد) والأقاليم الهامشية.

وفي الجزء الثاني يتوقف عند العلاقة بين السلطة والمعارضة، وفي الجزء الثالث يتحدث عن الاقتصاد والمجتمع.

الخلاف السني-الشيعي هل حقا يهدد وحدة المملكة؟
من المعلوم أن أطروحة موراويك المعادية جدا للسعودية كانت تقول بأن هذا البلد غير موحّد فعلا، وإنما هو تركيبة اصطناعية. ولذلك فينبغي تقسيمه إلى عدة مناطق: إقليم الإحساء الشرقي (شيعي)، إقليم الحجاز (شافعي وصوفي)، إقليم عسير (يمني)، ثم إقليم نجد (حنبلي، وهابي). ولكن المؤلف يرد على هذه الأطروحة ويدافع عن السعودية ووحدتها قائلا: هل للانقسام الديني من معنى في السعودية؟ ينبغي العلم بأن هذا البلد ذو أغلبية سنية، ولكنه يحتوي على أقلية شيعية مهمة تتراوح بين 5 إلى 10 % من العدد الإجمالي للسكان.

والسنة أنفسهم منقسمون إلى حنابلة في نجد، وشوافعة على الشاطئ الغربي للجزيرة العربية.

ولكن المملكة تصف نفسها بأنها مسلمة وكفى. فهي ليست سنية ولا شيعية ولا حنبلية ولا شافعية وإنما مسلمة.

ومع ذلك فإن المؤلف يعترف بأن الأقليات الدينية تعرضت للاضطهاد في السابق من قبل الحنابلة الوهابيين النجديين. ثم يضيف قائلا: إن هدم القبور في الحجاز حصل في السابق، وكذلك هدم مساجد الشيعة في الأقاليم الشرقية. ولكن هذا الشيء أصبح ممنوعا الآن، والسلطات أصبحت تغض الطرف عن ممارسة الطقوس الشيعية أو الصوفية في البلاد. وصحيح أن حنابلة نجد اضطهدوا شوافعة الحجاز منذ أن كان هذا الإقليم قد ضمّ إلى المملكة عام 1926. ولكن هذا الاضطهاد لم يدم طويلا، بل وتوقف منذ زمن بعيد.

وأما فيما يخص الشيعة فالمسألة أكثر تعقيدا. وذلك لأنه يوجد حاجز نفسي بين الطرفين على مدار التاريخ. ولكن بعد أن هدأت فورة الثورة الإيرانية وتحسنت العلاقات بين طهران والرياض فإن الأمور تغيرت كثيرا وأصبحت أحوال شيعة السعودية أفضل من ذي قبل.

ففي عام 1993 تم توقيع اتفاق بين رؤساء المعارضة الإسلامية الشيعية من جهة وحكومة الرياض من جهة أخرى. وتم تعيين شيعي من الأقاليم الشرقية في مجلس الشورى. وأخيرا فإن ولي العهد الأمير عبد الله اعترف لأول مرة بتاريخ 21 يونيو 2003 بالتعددية المذهبية في البلاد. وكذلك اعترف بها معه العلماء السنة في نجد. وهذا قرار تاريخي ما كان ممكنا من قبل. ويضاف إلى ذلك أنه بدءا من عام 1993 حذفت من البرامج التعليمية المقررة في المدارس السعودية تلك الشتائم والاتهامات ضد الشيعة أو المذهب الشيعي.

وبالتالي فلا يمكن القول بأن الشيعة مضطهدون الآن في السعودية كما كانوا مضطهدين سابقا. لا ريب في أن مكانتهم ليست مريحة ولا مرموقة في المجتمع ذي الأغلبية السنية، ولكنها أفضل من ذي قبل. فالآن أصبحنا نجد السنة والشيعة يختلطون ببعضهم البعض حتى في دوائر السلطة، وفي نفس الجامعات، ومكاتب الصحافة، وسوى ذلك. ولكن لا يزال هناك جدار نفسي يفصل بين الطرفين وهو جدار سوف يزول بالتدريج يوما ما.

ثم يضيف المؤلف قائلا بأن انفصال الإقليم الشيعي عن المملكة لم يعد واردا للسبب البسيط التالي: وهو أنه لم يعد ذا أغلبية شيعية! فهذا الإقليم البترولي وفدت عليه موجات بشرية سعودية من مختلف أنحاء البلاد واستقرت فيه إلى درجة أنه أصبح مختلطا جدا. وهذا شيء لم يأخذه موراويك ومعظم الصحافيين الغربيين بعين الاعتبار.

المعارضة السياسية في المملكة العربية السعودية
يخصص المؤلف صفحات مطولة لهذا الموضوع في كتابه. وهو يرى أن المعارضة كانت قومية عربية، أي ناصرية، أو ماركسية اشتراكية في الخمسينات والستينات. ولكنها أصبحت الآن أصولية إسلامية في أغلبها. هذا دون أن ننسى دور المثقفين الليبراليين الذين يمثلون الجناح الآخر للمعارضة حاليا. ولكنهم يمثلون النخبة المثقفة والمنفتحة على الغرب. وبالتالي فهم لا يزالون أقلية بالقياس إلى المعارضة الأصولية التي تمثل الشرائح الشعبية العريضة في المملكة العربية السعودية.

ثم يردف الباحث الفرنسي باسكال مينوري قائلا: ابتدأت المعارضة الأصولية ضد العائلة المالكة ترفع رأسها منذ نهاية السبعينات. ففي مطلع القرن الخامس عشر الهجري وبالتحديد في العشرين من شهر نوفمبر عام 1979، قام "أهل الحديث" بقيادة جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني يهجومهما الشهير على المسجد الحرام في مكة المكرمة. واضطرت الحكومة السعودية عندئذ للاستعانة بالقوات الفرنسية من أجل إحباط الهجوم والقضاء على المتمردين.

ماذا كانت حجة هؤلاء ضد النظام؟ قالوا بأن العائلة الحاكمة مادية، فاسدة، خاضعة للغرب. وطالبوا باستقلالية علماء الدين بالقياس إلى العائلة السعودية التي تستخدمهم لخلع المشروعية على سياستها والقرارات التي تتخذها. فرجال الدين أصبحوا مدجّنين من قبل السلطة.

ثم حصلت بعدئذ الاحتفالات الشيعية (بعاشوراء) في 27 نوفمبر من نفس العام، وتلتها الانتفاضة في بداية 1980 مع تنظيم الإضرابات بمشاركة العمال والطلاب في منطقة الحقول البترولية وجامعة الدمام. وعندئذ تدخل الحرس الوطني السعودي بقيادة الأمير عبد الله وقمعها بعنف شديد. ولكن العائلة المالكة لم تستخدم العنف فقط لمعالجة الوضع وإنما استخدمت أيضا سياسة الإصلاحات والاستجابة لمطالب سكان المناطق الشرقية. وهذه هي سياستها عادة، فهي مزدوجة الحدين: من جهة الضرب، ومن جهة أخرى تقديم المساعدات المادية وأخذ مطالب السكان بعين الاعتبار بمعنى أنها تستخدم العصا والجزرة وليس فقط العصا.

وهكذا ابتدأت الحكومة بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأقلية الشيعية. ووعدت بإجراء الإصلاحات واتخاذ التدابير اللازمة من أجل التقارب بين السنة والشيعة. ولم تؤت هذه التدابير ثمارها إلا بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ، أي في بدايات التسعينات كما ذكرنا سابقا.

ثم ابتدأت الحكومة بتقديم التنازلات للحركات الإسلامية عن طريق منع الفتاة السعودية لأول مرة من الدراسة في الخارج أو الظهور على شاشة التلفزيون.

ثم ازداد نفوذ الحركات الإسلامية وتصاعد في السعودية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ونمو الحركات الأصولية في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي.

ففي عام 1987 نشر مثقف شاب في عسير يدعى سعيد الغامري شريط تسجيل يدين فيه حركة الحداثة في السعودية. وقد انتشر الشريط في كل أنحاء المملكة بسرعة البرق وطبعت منه ملايين النسخ.

وبعدئذ نشر الشيخ عواد القرني كتابا بعنوان: "الحداثة في ميزان الإسلام". واتهم فيه المثقفين التحديثيين بالتواطؤ مع أجهزة الدولة وبخاصة الصحافة من أجل التحكم بالسلطة الفكرية والإيديولوجية في البلاد. وقال أن هؤلاء المثقفين عبارة عن أقلية درست في الغرب وتأثرت به وتريد أن تفرض نمط حضارته علينا… وهذا ما لا نسمح به.

ثم سطع بعدئذ نجم الشيخين سلمان العودة وسفر الحوالي اللذين نزلا إلى ساحة المعركة الإيديولوجية ضد المثقفين الليبراليين. وهكذا حصل الطلاق بين التيار الأصولي والتيار التحديثي في المملكة العربية السعودية. وراح السؤال التالي يطرح نفسه: هل ينبغي أسلمة الحداثة، أم تحديث الإسلام؟ وأصبحت الحداثة المستوردة من الغرب في قفص الاتهام.

ثم يردف المؤلف قائلا: ولكن الحركة الإسلامية السعودية تنقسم إلى قسمين: قسم معتدل متأثر بحركة الإخوان المسلمين المصرية، وقسم جهادي متطرف يدعو إلى العنف لتغيير الأوضاع بالقوة. وبالتالي فلا ينبغي الخلط بينهما كما تفعل وسائل الإعلام الغربية. فليس كل الأصوليين إرهابيين، وليس كل المسلمين أصوليين.

والواقع أن العائلة المالكة نفسها منقسمة إلى قسمين: قسم قريب من الأصوليين، وقسم قريب من المثقفين التحديثيين الذين درسوا في جامعات الغرب. وبالتالي فهي على صورة المجتمع السعودي نفسه. والانشقاق الذي يخترقه يخترقها أيضا.

ثم زادت هجمة الحركات الأصولية على الدولة والعائلة المالكة بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. ولأول مرة يتجرأ المشائخ على الدولة ويتهمونها بالعمالة لأميركا والخيانة لأنها استنجدت بالقوات الأميركية بأعداد هائلة من أجل مواجهة صدام حسين.

وقالوا: لقد صرفت الدولة على شراء الأسلحة مبلغ 275 مليار دولار بين عامي 1975-1995. فلماذا لم تستطع الدفاع عن نفسها بنفسها، لماذا صرفت كل هذه الأموال إذن؟ وهي أموال ذهبت إلى جيوب الشركات الأميركية والانكليزية.
ثم علاوة على ذلك، دفعت المملكة لواشنطن تكاليف حرب الخليج التي وصلت إلى 70 مليار دولار فيما يخصها هي وحدها. وعلى الرغم من كل هذا فإن الملك فهد استطاع أن يحصل على فتوى شرعية من علماء الدين الرسميين التابعين للسلطة وهي تجيز الاستعانة بالقوات الأجنبية. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت التمرد في أوساط رجال الدين غير الرسميين.

وعندئذ نشرت المعارضة الأصولية بقيادة الشيوخ سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر بيانا يحمل اسم "الكتاب المطالب". ووجهوه إلى الملك فهد شخصيا بتاريخ شهر مايو 1991. بل ووقع عليه المفتي الأكبر للمملكة الشيخ عبد العزيز بن باز. كما وقع عليه 52 شخصية أصولية أخرى. وفي ذات الوقت، أو قبله بقليل، نشر ثلاثة وأربعون مثقفا علمانيا بيانا مشابها ووجهوه إلى الملك أيضا. وطالبوا فيه بإجراء الإصلاحات في البلاد: كتأسيس مجلس للشورى، وإعادة فتح المجالس البلدية التي كانت موجودة في البلاد، أو في الحجاز منذ بدايات القرن العشرين. كما وطالبوا بتحديث نظام القضاء، وإعطاء حرية أكبر للصحافة، وإصلاح البوليس الديني أو ما يدعى بالمطاوعة، وبإسهام أكبر للمرأة في الحياة العامة، وكل ذلك ضمن الإطار المحدّد من قبل الشريعة الإسلامية.

والواقع أن مطالب الأصوليين كانت تلتقي بمطالب المثقفين العلمانيين في نقاط عديدة. فهم أيضا طالبوا بتشكيل مجلس الشورى المستقل عن أي ضغط رسمي يؤثر على مسؤوليته الفعلية. كما وطالبوا بتشكل حكومة من الخبراء، وبالمساواة في الحقوق واحترام كرامة الشخص البشري. وكذلك طالبوا بمسؤولية الحكام أو الولاة، أي إمكانية محاسبتهم. ومعلوم أن معظمهم من العائلة المالكة. وطالبوا أيضا بتوزيع عادل للثورة البترولية على الشعب. كما طالبوا بإصلاح الجيش لكي يستطيع الدفاع عن الوطن، وإصلاح وسائل الإعلام وتأمين حرية التعبير مع التقيد باحترام الشريعة. كما وطالبوا بإجراء إصلاحات على السياسة الخارجية للملكة فلا تعود تابعة لأميركا. وأخيرا طالبوا بإصلاح جهاز القضاء.

وقد ردت الحكومة على هذا الهيجان الشعبي والمظاهرات والبيانات والمطالب بسياسة مزدوجة كعادتها. وهي نفس السياسة التي اتبعتها منذ الخمسينات والستينات أمام أي تمرد شعبي. فمن جهة كان الرد بوليسيا وقمعيا من خلال وزارة الداخلية التي أخذت تراقب المساجد بصرامة مع اعتقال المئات من الشيوخ المتمردين بين عامي 1992-1994.

ومن جهة أخرى استجابت لبعض المطالب كتأسيس مجلس الشورى. ولكن ذلك لم يكف المعارضين فشكّلوا لجنة للدفاع عن الحقوق الشرعية عام 1993 بقيادة عبد الله المسعري، وعبد الله التويجري، وعدد من أصدقائهما.

وقد اشتهرت هذه اللجنة فورا في الغرب عن طريق الإذاعة البريطانية (BBC) فمنعتها الحكومة السعودية. وعندئذ انتقلت إلى لندن عام 1994 بقيادة محمد المسعري وسعد الفقيه.

11 سبتمبر وانعكاساته على الداخل السعودي
بعد 11 سبتمبر حصل شيء معاكس تقريبا. فلم تعد المعارضة الأصولية هي الهجومية، وإنما أصبحت الدولة والمثقفون التحديثيون هم الذين يهاجمونها لأنها أنجبت الإرهابيين وشوهت صورة المملكة والإسلام في الخارج.

وعندئذ انطلقت دعوات للإصلاح في الاتجاه المعاكس وذلك بضغط من الغرب، أو من مثقفي الحداثة في الداخل أو من الاثنين معا. وأخذوا يتحدثون عن ضرورة إصلاح برامج التعليم في المدارس والجامعات السعودية. فالمواد الدينية تحتل مكانة ضخمة في هذه البرامج. يضاف إلى ذلك أن مضمونها عدائي غالبا تجاه الأديان الأخرى كالمسيحية واليهودية وتجاه الحضارة الغربية بشكل عام. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر. كما وطالب الإصلاحيون بتحديث خطب الجمعة المليئة بالدعوات التحريضية والاستفزازية أحيانا. وعندئذ قامت مجموعة شابة من المثقفين السعوديين وأسسوا جريدة "الوطن" الليبرالية التحديثية التي لا تتورع عن مهاجمة المتزمتين والأصوليين من رجال الدين. ومن بين هذه المجموعة نذكر عادل الجبير المستشار الدبلوماسي لولي العهد.
وحاولت وسائل الإعلام السعودية عندئذ أن تنافس قناة "الجزيرة" القطرية التي فتحت برامجها للمناقشات الحرة، وتناول الموضوعات المحرمة أو المكبوتة في المجتمع العربي والإسلامي. وهذا الشيء هو الذي جعلها تحقق كل ذلك النجاح وتستقطب أنظار المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج وهذا ما أثار غيرة السعودية.

وهكذا ابتدأ النقد الذاتي يظهر لأول مرة في وسائل الإعلام السعودية، وهبّت نسمة الحرية عليه. ولم يعد النقد موجّها ضد أميركا والغرب وإنّما ضد الذات أيضا، وضد الفهم الخاطئ للدين والأصوليين الجهاديين الذين يدعون إلى العنف جهارا…

وعندئذ عرف الأمير عبد الله أن المملكة لن تخرج من المحنة إلا بعد تحجيم التيار الجهادي بل والدخول في معركة معه إذا لزم الأمر. وهذا ما هو حاصل الآن. والواقع أنه وجد نفسه بين أمرين أحلاهما مرّ: فإمّا أن يحابي المتطرفين ويغضب أميركا، وإمّا أن يرضي أميركا ويضرب المتطرفين. ويبدو أنه حسم الأمر باتجاه الحل الثاني. فبن لادن وجماعته أصبحوا عالة على المملكة ومصدر تشويه لصورتها في الخارج. ثم إنه أخذ مبادرة السلام العربية مع إسرائيل في قمة بيروت ومدّ يده علنا للشعب الإسرائيلي بشرط الانسحاب من الأراضي العربية حتى حدود 1967. وكانت هذه هي أول مرة يذكر فيها قائد سعودي بهذا الحجم الشعب الإسرائيلي بالاسم الصريح.

ثم يختتم المؤلف كلامه قائلا بأن الأمير الذي أصبح ملكا فيما بعد قد يربح المعركة ضد المتطرفين لأن أغلبية التيار الإسلامي هي من المعتدلين الذين يقبلون بلغة الحوار على عكس جماعة بن لادن الذين يفضلون لغة الرشاش والمدفع والسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية.
عن الاوان



#هاشم_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 11 سبتمبر مرة أخرى
- هرطقات جورج طرابيشي
- كانَ جريمةَ قتل، فراقُنا...
- خواطر على هامش كتاب هنري ميشونيك: الحداثة، الحداثة
- الفلاسفة والتوتر الأقصى والفكر
- المحطات الكبرى للفلسفة الأوروبية
- بودلير : شاعر الحداثة والهيجانات الداخلية
- الإسلام في مرآة الغرب
- اليمين المتطرّف والأقلّيات
- هنري غوهييه مؤرخاً للفلسفة أو الفلسفة بين العلم والدين
- في ظلال هولدرلين، في ظلال الشعر...
- غادة السمان عاشقة في حضن الغياب.. إلى غائبة والشمس مكسوفة..
- الأقلّيات والمواطنة في العالم العربيّ (11)
- الأقلّيات والمواطنة في العالم العربيّ (7)
- لوتريامون.. الحداثة الشعرية والعطش الهائل للتدمير
- عذاب بودلير
- تورغنييف: ثالث عمالقة الأدب الروسي
- فولتير .. زعيم الأنوار الأوروبية
- هل يفكر العرب يا ترى؟
- محاكم التفتيش العربية


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - هاشم صالح - المملكة العربية السعودية في مرآة المثقفين الغربيين (1)