معاناة الفلوجة

عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 11:16
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    

..هيروشيما.. ناغازاكي.. الفلوجة..
وهكذا أتضح أن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، ولكن ليس قبل وصولنا واستخدامنا لها!
جنباً إلى جنب، مع ممارساتنا الأخرى في الفلوجة- العقاب الجماعي للمدينة المتحدية (جريمة حرب) في نوفمبر/ تشرين ثاني العام 2004، بقتل آلاف المدنيين، تحطيم البنية الأساسية للمدينة (بعد ست سنوات لاحقة، لم يتم إصلاح نظام الصرف الصحي والنفايات، وتدفق مياه المجاري والنفايات في الشوارع)- نحن كذلك (كاتب المقالة) ضربنا المدينة ضربات قاتلة، وتركنا إرثاً من السرطان، اللوكيميا/ سرطان الدم، معدلات ضخمة لوفيات الرضع والتشوهات الجنينية.
الحرية لم تتحقق، ليست مجانية.. أتذكر عندما انتهى الأمر إلى محاربة عدد من المتعصبين بيننا في المدينة، فجاءت الأحداث بحصيلة مروعة مشمئزة من هذه الحرب المجنونة في ضوء إحصاءات سقوط العدد الكبير من الضحايا المدنيين.. انتهى النقاش.. هنا توقف التفكير..
هذه هي قوة الكلمة.. الكلمة التي يُطلق عليها "الحرب"، وترافقها على طول الخط تسميات: المجد، الواجب، الشجاعة، والتضحية.. أقوى ما استُنبطت من صفات إنسانية أوامرية كبيرة.. هذه الكلمة (الحرب) لا يمكن اختراقها.. تجعل قلب الإنسان في حركة.. العقيدة (الله) تُشكل المظهر.. تُبارك القوات، بل وتُبارك الأسلحة أيضاً!.. عملية حرية العراق!.. إنهم جميعا سيقفون لتحيتنا واستقبالنا بأذرع مفتوحة!
وفي نقطة ما سنتعلم درسنا(تجربتنا) هذا.. الحرب معنوياً هي بالوعة من العواقب المروعة، ترافقها أشكال مخيفة من القلق، ويمكن أن تولد نتائج خطيرة غير متوقعة!
وهكذا ففي نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، قدمت مجموعة من الأطباء البريطانيين والعراقيين التماساً إلى الأمم المتحدة للتحقيق في الارتفاع المذهل في التشوهات الجنينية المسجلة في مستشفى الفلوجة. وذكروا بأن "المتزوجات الشابات في الفلوجة مرعوبات من إنجاب الأطفال بسبب تزايد أعداد الولادات المشوهة.. تشوهات غريبة.. ولادات: بدون رؤوس، عين واحدة في الجبهة، تشوه الهيئة أو أطراف مبتورة.. علاوة على ذلك، ينتشر بين الناجين من الأطفال بعد الولادة أمراض السرطان واللوكيميا اللعينة.!"
كان رد الفعل الأمريكي الرسمي أن رسالة الأطباء عبارة عن حكاية قصصية anecdotal: لم تكن هناك دراسات للتحقق من وجود أي شيء خاطئ في الفلوجة أبعدْ من الدمار الذي سببته القوات الأمريكية والقنابل. والآن فقد تغير ذلك..
نشرت مجلة بحوث البييئة العالمية والصحة العامة مؤخراً دراسة وبائية epidemiological: "السرطان، وفيات الرضع Infant Mortality، ونسب ولادات الجنوسية Birth Sex-Ratio في الفلوجة- العراق للفترة 2005-2009"، حيث وجدت، بين أمور كثيرة أخرى، بأن الفلوجة تشهد معدلات أعلى من السرطان، اللوكيميا، ووفيات الأطفال مقارنة بنفس الحالات والمعدلات التي سببتها القنبلتين الذريتين الأمريكيتين في هيروشيما (و) ناغازاكي العام 1945.
ربما الأكثر غرابة وشواذاً eerily، أن الحصيلة الأخرى للدراسة التي نفّذها فريق مكون من 11 خبيراً عن طريق مسح ميداني خلال يناير/ كانون ثاني- فبراير/ شباط الماضي، وشملت زيارات لـ 711 منزلاً، تجسّدت في حصول تحول لنسب الجنوسية (نسب ولادات الذكور والأنثى). ففي ظل ظروف اعتيادية تكون نسبة الولادات هذه ثابتة وبواقع 1050 ذكور مقابل 1000 أنثى. بعد الغزو الأمريكي للفلوجة صارت النسبة على هذا النحو: 860 مولود ذكر مقابل كل ألف مولودة/ أنثى! وهذه الحصيلة مشابهة لتلك التي ظهرت في هيروشيما بعد قصفها بقنبلة ذرية أمريكية!
قال الدكتور Chris Busby- أحد معدي الدراسة، يمكن أن يُعزى "بعض التشوهات الجنينة الضخمة جداً" فقط إلى حصول تعرض خطير جداً قادر على توليد انحراف من هذا القبيل.. الجاني على الأرجح هو اليورانيوم المنضب depleted uranium- معدن كثيف له قدرة غير عادية على الاختراق، يُستخدم في صناعة الاعتدة، القذائف، والصواريخ، وبعد تفجيرها تتحول إلى ذرات ناعمة جداً من الغبار الشديد الإشعاع والسمية، تستقر على الأرض، وتنتقل بواسطة الرياح. وفي حين أن الجيش الأمريكي ما زال ينكر أضراره على التنفس والصحة العامة، يصر العديد من العلماء على أنه شديد السمية ومساهم مرجح كسبب مباشر لأعراض حرب الخليج- باختصار، إنه سلاح نووي مع تداعيات ومخاطر القنبلة النووية.
لمتابعة قراءة المزيد في هذا المرض/ الوباء المتنامي والقابل للانتشار بسرعة متزايدة، علينا أن نسأل أنفسنا: مَنْ نحن.. وماذا نفعل؟.. ما زلنا نناقش معضلة "الحرب".. ما زلنا نضفي على هذا المصطلح- النزيف المستمر- أثمن القيم الوطنية.. ما زلنا نقتل المدنيين في أفغانستان وباكستان، ونهرب بحزم من أية مسئولية عن الجرائم البشرية والبيئية التي ارتكبناها في العراق، وفوق ذلك.. ما زلنا نعمل بشكل صامت، وعنيد/ حتمي inevitably التحضير لحرب قادمة أخرى.
هل يمكن أن ننقل معاناة الفلوجة إلى قلوب الأمريكان.. أو على الأقل، إلى قلوب أعضاء الكونغرس الذين وافقوا تواً على إطلاق 59 بليون دولار إضافي لـ "تمويل القوات"!؟- لاحظ دقة صياغة الكونغرس للموافقة على المبلغ لتمويل الحرب في أفغانستان..
أعداد ضخمة لحالات تسخير المستقبل، يقوم بها الكونغرس بمثل تلك السهولة، عندما تطلب الماكنة الحربية المزيد من النقود.. يُخلق المال ويُخصص لبناء المستقبل أو إصلاح الأضرار من حروب قديمة ميتة، وهذه مسألة أخرى تماماً: فجأة تصبح حقيقة مثل رطل من اللحم بما يحويه من صراخات الألم!
للمساعدة على تنظيف تراثنا من سموم ألـ Agent Orange والقتل التي تركناها في فيتنام، على سبيل المثال، خصص الكونغرس تسعة ملايين دولار، فقط، منذ العام 2007. قمنا برش 19 مليون غالون من هذه المادة العالية السمّية Agent Orange على النباتات وفي كافة أنحاء فيتنام خلال الفترة 1962-1971، مما تسببت في إلحاق الأضرار بعدد لا يقل عن ثلاثة ملايين من الفيتناميين في هذه العملية. وشعورنا بالمسئولية وصل إلى ثلاثة دولارات للشخص المتضرر الواحد.. بل أن هذا المبلغ لم يصبح متاحاً إلا بعد عقود من الإنكار عن أية مسئولية على الإطلاق!!
أعود بفكري مرة أخرى إلى الفلوجة. إن معاناة المدينة ستطارد أحلامنا الوطنية لعقود قادمة. إنه مستقبلنا نحن. على مدى جيل أو نحوه، سيواجه أطفالنا عواقب ما قمنا به هناك، ولكن في نفس الوقت، سنستمر في محاولة شراء "النصر victory" وفي نهاية المطاف، ستتصاعد التكاليف لأعداد مضاعفة من بلايين الدولارات ولغاية النقطة التي تتساوى فيها إفلاسنا المالي financial bankruptcy مع إفلاسنا الأخلاقي moral bankruptcy!
ممممممممممممممممممممممـ
The Suffering of Fallujah,Robert Koehler,uruknet.info, August 1, 2010.
Robert Koehler is an award-winning, Chicago-based journalist, contributor to One World, Many Peaces and nationally syndicated writer. His new book, Courage Grows Strong at the Wound (Xenos Press) is now available for pre-orders. Contact him at [email protected] or visit his website at commonwonders.com.
© 2010 TRIBUNE MEDIA SERVICES, INC.

#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات