أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 10:22
المحور:
الادب والفن
(1)
بموجب قرار هيئة الرئاسة للبلدين : تُفتح الحدود بين الشطرين, ويكون الحق , كل الحق لكل مواطن يمني في أقصاه الشمالي أو الجنوب : التنقل بحرية .. دون مساءلته , دون عرقلته, مع ضمان عدم تعرض جهازي الأمن .. له !! ...
يختفي الصوت ليعود مرة أخرى
صوت المذياع
.. الشطرين
هي خطوة وحدة لا عبر , لا شمال .. لا جنوب .. أليس قراراً, فالبلد للجميع . وقت ما تحب تذهب جنوباً تكون في الجنوب , وإن بدا ل كلك تذهب شمالاً , هي بلدك الطبيعية لا عليك مهما فرقت الحدود . مهما عمل المستعمر البغيض , فموطنك واحد , حتى عسير . لا تظن ليست لك نجران ـــأن عصفت ساعة الصفر , وفتحت صنعاء أبوابها ــــولّن كان لها باب واحد فلا عليك , فأنت ابنها – لا تصدق أي كلام آخر– اذهب أين تشاء منها وقت ما تريد – لعنة الله على الاستعمار . نحن البلد الأحد .
.. لعنة الله على الاستعمار !!! ...
(2)
- إذا سمحت
املأ الاستمارة هذه ( ضابط الحد )
اسمك الرباعي , عملك فترة الزيارة تلفونات من تعرفهم في....
- يا أخي قالوا النزول بالبطاقة الشخصية .
- ما لكم ؟
... لماذا كل هذا ؟
... ألسنا في بلدنا ؟!
- بــ ... الطبع
لـــ .. كن الروتين ...
(3)
- يقولون الطلوع سهل , لا يأخذونه أحد
- ماذا لو عملناها نطلع يومين ونعود ( الأول )
- صحيح الأمور كويسة
والوضوع أصبح هناك أفضل ( الثاني )
- أوكي نطلع يوم الخميس صباحاً ...
ونعود يوم الجمعة مساء
***
- كم تقضون هنك ؟ ( ضابط الحد )
- يومين .
- على بركة الله .
- إنهم أطيب ما يمكن ليسوا متشددين كما عندنا ؛ أكيد سنقضي أجمل يومين تمنيناهما في العمر .
...
- ألو ..... ألو
اسمع الذين طلعوا مئتان وخمسون فرداً .
سيملي محسن عليك أسماءهم
.... ركز على ....
شكراً .
(4)
(جـ)
الأخ / يسلم سعد
بناء على قرار السكرتارية , وجب علينا إشعارك للخروج من مبنى الاتحاد , وذلك للترميم , وعليه يُمنع بقاءك في الأيام القادمة – ترميم المبنى – سنوات وهذا العذر المتداول كلما أرادوا طرد أحد ما .
أين أذهب , هل أخرج إلى الشارع ؟ غير معقول : إنه العقاب أن تلوث ثورياً , هذا يصفعك وذاك يمتهن كل ذرة فيك بمجرد أن تبحث عن لقمة العيش .
- لكنه بلد ثوري وإلا لما جئت إليه
بالضرورة هناك من سيقدم المساعدة
غير ممكن ينعدمون كلياً .. غير ممكن ( في نفسه منهاراً )
.. أ. ت غبي بل أغبى مما يمكن أن تتصور نفسك
.. و .. ولا كأنك تعلمت !! ( أصوات في الذاكرة )
... أرجوكم .. قدروا وضعي
الدائرة تضيق عليك , تضيق .. تضيق , خير ما تفعل تنثر حسن النوايا في كل موضع تذهب إليه . لكل تابوت يقفل نفسه وراء مكتبه المنخور بالأرضة أو الجدار الذي يقبع خلفه , انثر رجاءك, وابتسامتك الصفراء – لا يهم – حتى ينفجر انفعالي , وما هي إلا لحظة حتى أسايسهم – تسايس من .. إنهم يتوارثون تسييس الــ ...
أنت لا تدرك شيئاً قبل أن ترى عين الواحد منهم النور – يمتص في أحشاء أمه كيف يعبث بالآخرين .
كيف يستلذ أن تكون قزماً , بل بلياتشو إذا ما علم أن هناك شوكة . تسند قامتك من الخف فتمنعها من الانحناء .
(ع)
لماذا لا تحاول التخلص من الشوكة اللعينة , لكن إذا لم يقووا على كسرها .. جميعهم فكيف أستطيع أنا .
إنها اللعنة أن تقذفني أمي إلى الخارج بهذه الشوكة عن سائر الناس .
لما لم أن صلصالاً . مثلهم مرة قزماً متكوراً ينتفخ وسطه وكرشه , لا عنق له , ورأس صغيرة .. بل متناه الصغر .
هل يعقل أن يمتلك عقلاً ؟ كيف ورأسه مفقود وأخرى ذو عنق طويل جداً باسطوانته الضيقة أما أن يقف أعلاه رأس ضخم مجوف كالطبل إذا ما قرعت أحد وجهيه , أو ينتهي بثقب يطلقون عليه رأس الدبوس .
- البطولة الجديدة ؛ زمن الصلصال .
انقرض نوعك – إنكم بعض أفراد قلائل لن نقتلكم , فنحن أنصار السلام لا نستخدم السلاح – بالعمل .. عفواً بالقانون أو قل بالوريد .. نجعلكم تتهاوون – هذه الشوكة الحقيرة طالما عذبتنا كثيراً .. جداً , تنغرس الآن في حناجركم ولن تبقى هناك قامة تأبى الانحناء .
اللعنة عليكم . لتموتوا , لتقعوا في الخمور , لتنتحروا – لقد أرهبنا كبرياءكم .
- لا يرهبونا , أيها السفلة , من تدعون أنفسكم ثوريون ... هاهاهاها .
عامان من البؤس بين الفينة والأخرى , بين اللحظة والأخرى , يركبك الهم , هَمُّ هذا العالم , أن يجري إلى الأمام , لا هذا اللهث والقدم لا تحرك ساكناً , بين هذا الضجيج الذي يهز وصلات الدماغ العصبية فتهتز له النفوس يأتي من يطلبك بلغة التهذيب – المعهودة – بالطرد – إلى أين – على الشارع بالطبع , فالأرض مساحتها لا تستوعبك – كما تصادف هذا من كل الأفواه – لا يهم من يكون – ان يشغل كرسياً بأمر ويخافه من حوله , فإما يتملقونه , أو يتأسون لك فتزداد حالتك انهياراً
بالأمس ساعة وطئت قدماك أرض المطار بدأت تتلاشى أزمان الشوق وحلمك – في بلد عظيم تستطيع أن تخلق ذاتك – وبدأت الفاجعة ,ترمي نسيجاً فتطوق جسدك .. موضعاً .. موضعاً – تذكرت وجهك كنت تقول :-
عد أفضل لك .
أنتم لا تتعلمون .
... سأتصل لك بالسفير
... إياك ستتعذب .
.. الوقت لم يصبح للوصاية مكان ( داخلياً )
- لا سأشق طريقي . ( قلت )
- أنت حر .. المهم أنذرتك .
كان الحلم يركب عقلي الصغير , بل مساحة منه فهو كبير كما أتصوره – ذكريات الطفولة , الحماس المتأجج الذي قاد خطاي في لحطة من أحلام اليقظة .
- كنت أحس أني أبعث في الماضي .
أحس روح أبي الذي قهره الطاعون فيَّ متى ما لامست قدماي الأرض – أشعر بقوة لا تُقهر , روحه التي فقدناها منذ تركناه مدبرين من بؤس المدينة – هذه المدينة التي تلتهب تحت أشعة الشمس الحارقة طوال العام – التي وارت جثته التراب ولم تذكره, وكأنه لم يفن عمره في صنع المتربعة على العرش الآن , إنها العدالة, ما دام أفنى نفسه بيده , فلا ذكرى له !! .
يالروحه الشقية , يبدو كما لو أنه – بالطبع عصر الليونة الصلصالية – لا يحاكمه , بل أصدر منذ القدم , منذ بدأ يحبو بين جوانبنا بالنسيان .. إضاعة كل ذي حق .. حقه – لا شيء يبقى غير حيطان منزل آيل للسقوط , رحلوا أيتامه وأقاموا أفراحاً لا تنتهي .. آه , إني أشعر بوحدتي القاهرة , هناك شيء يوخز صدري, ويضج رأس فأجد بكائي ينزف في الداخل .
- ليست هناك دموع – لكني أشعر ببكائي – إنها حارقة لا تهدأ– كم حاولت إطفاءها , لكن ليس هناك ما يخمد نيرانها – كنت أعتقد سأراك ثانية بــ .... ؛ بجسد جديد نبيل – آه.. كم هو متعب هذا الرأس , آ .. أ .. متعباً .. السماء تصفو وهاهي نسائم الهواء الباردة تهب مشبعة بأنفاس الشجر المنثني كبرياء لتسامقها .
.. كفى
.. كفى ( متشنجاً )
.. كفى ( بانهيار )
- رحمة الله عليك .
.. عليكم جميعاً .. لا تولدون حتى يأتي الموت فجأة ليأخذكم , تاركين وراءكم أطفال البؤس , الكهول طائعين , يتوزعون بين الشحانة والثمالة والعمل كثيران الحقول يجرون محاريثهم القديمة تحت الشمس المحرقة .. أبداً – إني أذكرهم تلك الأجسام الجلدية الفاقدة ؛ لأبسط مكونات الشحم وقد اكتست وجوههم بالسواد وانبثقت عروقهم إلى الخارج كما لو أنها تبتهل إلى الله أن يكفيها العذاب – إنهم لا ينطقون , قواهم لا تحتمل ذلك , وكفى الله المؤمنين الذين اختبرهم في الدنيا شر القتال !! .
السماء , ورحيق الزهور الخجلى بعد سقوط أمطار الصيف تبدو بأجمل حلة .
- كم اشتهيتها .. بل كم أشتهيها – لاتكذبوا إني أعرف تماماً استراقكم جميعاً نحوها – آه يا عبدة الشهوة .
- قربها , كيف تغدو متعباً , غريباً بل .. مطاراً , حقارة أن يكون حبك المجنون .. جرماً .
.... أنت تعرف أنها .. تبادلك العشق ( نفسه )
.. لكني أشعر .. لا متأكد أنـــ ... ها تجاذبهم
الســـ ... السرير .
..... إنها بريئة , ونعمتها تجعلها لا تقوى على المقاومة أو ... التمرد .
.. ماذا لو كانت هذه حقيقتها .
.. أن يتوقف خوفاً من تصديق ذلك
لا .. مستحيل .. مستحيل ( منفعلاً وقد تصبب عرقاً )
(5)
ما بين ليلة وضحاها أول ما تفتح عينيك على الحياة التي فضلك اله حبها على سائر المخلوقات – هي غفوة اللحظات وتستيقظ بعدها , تجد قطار العمق أخذ منك مشوار الطفولة إلى الكهولة , وها أنت تنتظر نعشك المحمول على الأكتاف – هذا ينوح وذلك يعدد بطولاتك التي لم تكن في الحياة فيها بطلاً من اللية الأولى , أثر ما ينكسر الضوء على ضريحك ا لترابي , تكون الديدان قد بدأت بنهش أمعائك وهم يلوكون التندر عليك .. وخطاياك .
نحن المستخلفون في الأرض نحيي الأشياء ونميتها وقت ما نشاء, ما دمنا لا نملك جاهاً أو وسطاء , فقدنا كل الأشياء . هي اللعنة الأم منذ الانحدار الأول للإنسان الجبروت , كان السفالة دوناً عن الكائنات ..
... بغيض أن يكون المرء صلصالاً .
... – لما لم نولد مثلهم .. كنا عشنا .
... – لماذا جئنا إلى هذه المتاهة .. الحقارة .
لماذا ؟؟!!
فرغت صرخات التحفز , وها قد عاد زمن الديناصور ولكن بزيه الجديد , أن تقل , تموج الأرض تحت قدميك عند رخاوتها أول ما تلامس قشتها الهشة أو ينكسر عنقك هو الصلصال اليوم– متى ما استبدلها بالصخر البركاني ...
- ألم أقل لكم أنهم رضعوا الــــ ... ذكاء في بطون أمهاتهم !! ..
ألم تدركوا قوتنا بعد !! لا أظنكم بهذه الدرجة السفلى من البلاهة – إنه زمننا الحاكم , زمن الصلصال الجديد – لتتذكروا ذلك .. جيداً – أوجدناه وصرنا نحكمكم به ولا فكاك منه . هنا , هناك .. وراء الحد المعلن ... قسراً – وضعناه بأيدينا , تحاولون تكذيب ذلك وأنت أعرف به – وهناك وهناك .. وهناك
... وهناك .......... وهناك
في كل مكان , في كل زمان – لا عصر دون ملك – لا أعتقد كم تكذبون وتصدقون أنفسكم البلهاء – وإلا لكانت الجنة قد غذت في الأرض ورحلتهم إليها عنا سابقين .
الأشياء لا قانون لها , ولا لكم إلا نحن – أنت .. وأنت , و... وأنت .. مسلوب هناك في كل مكان , لكنك قد تتدبر العيش كحيوان كريم روضته الأيام , وهنا قد تملأ رئتيك بالحديث دون تحفظ , مخافة مخبر رصد أحرفك المتناثرة – هناك , ولا تقوى تبيت وتأكل البقايا كحيوان رضي عنه أهل البيت !! .
هنا .. هناك .. وهناك , وهناك وهنـــ ...اك ..... ك ... ك ... ك ... القسوة !! ..
يوم كنت سائحاً تجوب دمشق كان الشاميون بأجسامهم الطينية البيضاء الضخمة يسحلون نهاراً أمام عينك .
- لا شيء إلا لكونهم من طين , ويحكمون بالإعدام في المفترق الآخر أول ما يلفظ فاهك بحرف التهمة ( النرويج للماركسية والإلحاد ) وهناك .. هي الوحضية – ألست تعيش الزمن الــ .. جديد – لتكن حشرة أو ما شئت بشرط أن نصنع منك ما نشاء .. لن تعيش ما دمت تحتفظ بشوكتك خلف عنقك , ما دامت قامتك لا تنحني .
ألست من يسمون أنفسهم بـــ ... الثوريين !!
لتذهب إلى الجحيم – أن تعيش عليك التشرذم كحشرة القز اليافعة . الحقيرة , وراء الجنون .. زجاجات الكحول .. أن تدفن نفسك حياً , أن تموت – حياتكم لا تساوي شيئاً أيها الــ ... سفلة .
......... لترحم نفسك أتعبت كل من حولك .
- لن يجديك هذا الهم شيئاً ( صوت مبهم )
كل العالم يحمه الروتين
- هنا !! نحن الروبوت
- نعم نحن الروبوت ( بصوت مسموع تختلجه ضحكات هستيرية وبكاء )
..... الخوف أن تخاف
.. الخوف أن تخاف ( صوت خارجي )
.... الخوف أن تخاف ( مكرراً بخفوت .. منهاراً )
...... مازلت تتصنع الشجاعة أيها الــ ... ميت ( صوت )
هو زمننا هذا , لننتخب رجل الصلصال سيد العصر , سيصنع المعجزات و .... , في كل شيء .
سيدمركم , نعم إذا لم تتخلصوا من شوكتكم اللعينة . نعم هي سبب النقمة عليكم – كم أتأسى عليكم – لتذهبوا إلى الجحيم – هي الشوكة هذه فتحت أفواهكم , أتتمردون – أصواتكم لا تصمت – سترون يا حثالة الجرذان المشوكة .. سترون .
***
... لتختار عذاب الحلم
أو عذاب الانسحاق
أنت مسلوب الآن
لتختار , لا أحد منهما أهون ,
هنا أو هناك !! .... ( هاتف )
يجرجر قدميه ببطء متجهاً صوب مغارة مظلمة بدت في البعيد, لا ندري أكانت السماء أو الأرض , أو فتحت بينهما .. قليلاً , قليلاً يحل الظلام إلى الداخل – كان شعر رأسه ينتثر إلى الأعلى مسنناً كأوراق الشجر الصحراوي المسمارية , مدببة – يلهب . الآن نسمع صوته لا نتبين المعنى هي صورة لم نعهد مرآها حتى في الخيال عن أجداده الأولين قبل الانقلاب .
- هل صار مسخاً ؟!!
يسحب نفسه مدمراً – كانت قامته محنية بهيئة تثير الإحساس بالبؤس , كما لو أنه قد عمر لقرون – ماضية .. سحيقة القدم ويظل عنقه قائماً .
يصرخ وينفتح الصوت :-
أنقذونا
- من ينقذنا من هذا القعر سائراً بخطوات متكسرة
لاما يديه على صدره مرتعداً .. من ينقذنا
.. أ .. أكاد أختنق
أ .. أكـــ ....ا.....أختـــ .......نق
يلف الظلام المنطقة وقد غطت سحابة داكنة السواد من الدخان حوالي جانبي السرادق المؤدي إلى المغارة .
.... القعر سيد الأشياء .
.. القعـــ ....ر سيد الأشياء .
صدى عظيم يهز الأعصاب يحطمها مائتين لا محالة , وأنتم معنا أردتم أم لم تريدوا
القعر سيد الأشياء
... سبحانك يا زمن الصلصال .
... سبحانك .
(• ) في الاستخدام العامي الشائع يقصد بيومين أيام قلائل قد تقل عن أسبوع أو تزيد . ولذا كان الضمير تعبير عن الجمع في الجمل التالية ( ) وهو الاستخدام الشائع للغة التحدث عن اليمنيين كلهجة .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟