أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }















المزيد.....


حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3081 - 2010 / 8 / 1 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


الشاعر نصيف الناصري: شعرياً كنت ومازلتُ في صف الحياة والانسان والطبيعة والجمال
31/07/2010 18:52


حوار: سردار زنكنة


عدّ الشاعرالعراقي المغترب نصيف الناصري مقهى البرلمان الثقافي الذي كان ملتقى لعدد من الادباء والكتاب والفنانين العراقيين قبل ازالته القسرية مطلع ثمانينيات القرن الماضي،جامعة تضم مختلف الاكاديميات الادبية والفنية،وهذا ما دعاه الى اكتشافه وارتياده ثم ليكون له تاثير على بداياته مع الثقافة والشعر،كما تطرق من خلال متن نص المقابلة الاتية التي أجراها معه مراسل وكالة كردستان للانباء(آكانيوز)الى علاقته المهمة مع الشاعرين الراحلين جان دمو وكمال سبتي ،فضلاً عن اشارته الى الدور السلبي للأدب التعبوي الذي كان يدعو اليه أدباء السلطة ابان النظام السياسي السابق:



* من مركز لمحو الأمية بمدينة الثورة (الصدر) في بغداد الى مقاهي الثقافة والشعر والفنون . كيف عرفت طريقك الى تلك العوالم،وهل تهيّبت من دخول تجمعاتها وسجالاتها ؟



- قبل أن اكتشف مقهى البرلمان كانت لي تجارب بسيطة في اكتشاف الشعر وكتابته ، وكان الكثير من أصدقائي ممن هم مثلي وينخرطون في نشاط القراءة،يحاولون التعرف الى المقاهي الثقافية . في يوم من صيف عام 1980 ذهبت الى سوق السراي لأشتري الكتب وكان معي الشاعر ناصر مؤنس ، بعد تبضعنا الكتب دخلنا مقهى البرلمان في ذلك اليوم لأول مرة . سحرتني على الفور بسبب التجمعات الفنية والنقاشات والحديث عن الكتب وتبادلها . عرضتُ في البداية قصائدي على المرحوم الشاعر كمال سبتي بعد تعرفي اليه بأيام . أشفق عليّ ونصحني بضرورة تعلم النحو وقراءة الشعر والتراث العربي . تعرفت حينها على شعراء وكتّاب وفنانين وانتظمت زياراتي اليومية للمقهى نهاية الدوام . أعتقد انني لم أتهيّب من الدخول في السجالات الأدبية والمعرفية التي كانت تدور هناك بشكل يومي ، لأنني كنت أخوض هذه الأمور مع أدباء شباب مثلي في البداية وتطورت الأمور بمرور السنوات لأصبح صديقاً لكل الأدباء والفنانين . طالما اعتبرت المقهى جامعة يستطيع المرء أن يتعلم فيها الكثير من الأمور عبر المتابعة الدائمة لآخر اصدارات الكتب والمجلات ، ومُناخ السجال المعرفي الصاخب واختلاف وجهات النظر ، وكانت قراءة نتاجاتنا بعضنا للبعض الآخر من أهم الأشياء في تبلور وتطور الرؤى التي كنا نود أن نطرحها في سعينا الى تكوين شخصية أدبية معينة . في بعض الأحيان كانت جلساتنا المشتركة تضم شعراء وكتّاب ظهروا قبلنا بسنوات طويلة وكانت أسماءهم معروفة عبر النشر والعمل في دائرة الاذاعة ، وكنا نخوض معهم النقاشات في شتى المجالات ولم نكن نتهيّب الحوار معهم على الرغم من أن ذخيرتنا المعرفية كانت في بدايتها ، لأنه كانت هناك تقاليد راسخة في احترام وجهات النظر المختلفة واحترام الآخر . كان الدخول الى مقهى البرلمان يعني انك ستتعرف الى اكاديمية ومعهد الفنون الجميلة ، ونقابة الفنانين التشكيلين ، ولاحقاً الى اتحاد الأدباء ومنتدى ونادي السينما ، ومنتدى المسرح ، وقاعة الاورفلي للفنون التشكيلية . هذه الأمكنة الثقافية لعبت دوراً مهماً في تشكيل وعينا المعرفي في بدايات طريقنا الى الأدب والثقافة وعالم النشر .



* يرى الشاعر الراحل كمال سبتي في تقديمه لمجموعتك الشعرية " ولاء الى جان دمو" انك تكتب القصيدة بنبضات قلبك وكذلك هو ايقاعها ، برأيك ماذا كان يريد سبتي من وراء هذا التوصيف؟



- ربما كان يعني حرارة الحافز الذي عبره أكتب القصيدة . لست رجلاً يجلس في مكتبة ويكتب الشعر . شعري هو حياتي وعادة ما يكون هناك حافزما لكتابة القصيدة ، حارّ جداً . من المعلوم وهذا رأي معروف أن كل تفكير في القصيدة يقتلها . لا نستطيع كتابة القصيدة عبر التفكير فيها . أغلب نتاجاتي الشعرية طوال حياتي كانت تجارب حقيقية معاشة ، وهذا لا يعني انني أكتب وقائع أو أسرد أحداثاً يومية . القصيدة التي أكتبها تشبهني ،لطالما بحثت في شعري عن الماوراء وعن الحيرة في متاهات الوجود واللاوجود . ليست هناك بيئة معينة تشغل قصيدتي . ماذا يمكنني أن أكتب عن مقهى (حسن عجمي)أو ساحة (الميدان)؟. هذه المهمة ليست مهمتي . طوال 34 سنة أمضيتها بالعراق كنت أشعر دائماً في الاستلاب والاغتراب الروحي والجسدي ولم أشعر بانسانيتي قط . أنا الوحيد من الشعراء العراقيين مكتوب في جواز سفره ، المهنة شاعر. وربما كان المرحوم جان دمو أيضاً . طوال 30 عاماً كرّست حياتي كلها من أجل الشعر الذي لا يعنى بقضايا وموضوعات الايديولوجيا . في العام 1986 أصدرت بخط اليد مجلداً ضم أربع مجموعات شعرية بعنوان(جهشات) وصرفتُ راتبي من أجل 50 نسخة فقط ، وزعتها على عدد من الشعراء الأصدقاء العرب والعراقيين . حين كتب الناقد حاتم الصكر عن هذا المجلد في العام 1989 في صحيفة (الجمهورية) مقاله ( جهشات الغجري الملعون) قال: ان شعر نصيف الناصري لا يشبه أيّ شعر سوى شعر الغجر في العالم ، ومن هنا جاءت هذه التسمية التي التصقت بي (الغجري). في تلك السنوات كانت وزارة الثقافة عندنا تطبع المجموعة الشعرية للشاعر ب 5000 نسخة وتمنحه مكافأة يحلم فيها أيّ شاعر في البلدان العربية. لم تكن أيّ من مجموعات ( جهشات)صالحة للنشر في وزارة الثقافة ، والسبب أنها لا تعنى إلاّ بالشعر وجماله الخالص. لا تمجيد للحرب ولا اشادة بنظام الطغيان ولا ولا الخ...


* ثمانينيات القرن الماضي في العراق كانت جحيمية بكل ماتحمل الكلمة من معانٍ، وكنت حنينئذ في بداية محراب قصيدة النثر ،اين كنت تقف من ضفتي قصائد المعارك الصاخبة ،وقصائد الفن والجمال المتناغمة مع الحياة والطبيعة والسلام؟


- كنت ومازلتُ في صف الحياة والانسان والطبيعة والجمال. الكثير من شعراء ما يسمى جيلي أصدروا مجموعات تعبوية عبر سلسلة (ديوان المعركة)ومجّدوا تلك الحرب الوحشية . بالنسبة لي وكما هو معروف أصدرت عام 1986 ،مجموعات(جهشات) الانفة الذكر . لم تكن في تلك المجموعات أيّة قصيدة تمجّد الحرب ، بل بالعكس توجد 5 قصائد ضد الحرب في واحدة من تلك المجموعات وقصيدة طويلة عن مأساة حلبجة بعنوان(الانفالات 1988 بعض الهوامش) . مجموعتي الأولى صدرت عام 1996 بدعم من عبد الوهاب البياتي ببيروت ، بعد أن أصبح عمري الشعري 16 سنة ولم أستطع اصدار أيّة مجموعة بالعراق لأن شعري ترفضه المؤسسة دائماً ولا يلبي ما تطلبه من قيود وتوجهات . لم اكتب قصيدة واحدة طوال حياتي بالعراق تمجد حروب صدام أو سياسات نظامه الفاشية ، باستثناء تلك المرة التي أقام فيها منتدى الأدباء الشباب بالتعاون مع وزارة الثقافة والاعلام مهرجان (الميلاد العظيم)وتمت فيه دعوتي مع 24 شاعراً تحت التهديد لأكتب قصيدة تافهة ومنحطة عن عيد ميلاد صدام المزعوم ، قام بعدها عدنان الصائغ رئيس منتدى الأدباء الشباب ورئيس تحرير مجلة ( أسفار) التي يصدّرها المنتدى بتكريس العدد 13 لقصائد ونشاطات المناسبة . في صحيفة بابل التي كان يملكها عدي صدام حسين ، نشر رئيس اتحاد الأدباء والسكرتير الثاني لرئيس التجمع الثقافي في العراق ، المدعو رعد بندر (شاعر أم المعارك) بمرسوم جمهوري يوم الاثنين المصادف 30 / 12 / 1991 مقالاً تحريضيا ضدي يتهمني فيه انني ( لم أكتب لا قصيدة ولا أيّ شيء آخر يديم روح النصر في المعارك الخالدة بقيادة الرئيس العظيم ) ويطلب مني أن (لا أستخدم لقب الناصري لا من قريب ولا من بعيد لأن لقب الناصري خاص بعشيرة الرئيس فقط ) وأنني ( منشغل بالغنائم بعيداً عن خيام الوطن) كان يريد أن يوهم دوائر نظام صدام حسين الأمنية ، أنني أقيم بمحافظة (الناصرية) } وبالتالي فانني مشترك في الانتفاضة الكبيرة التي قامت ضد النظام بسبب جرائمه الفاشستية و التي قام بها الشعب العراقي في 14 محافظة عراقية ، يا إلهي ، هل حقاً أن كاتب هذا المقال هو رئيس اتحاد الأدباء في العراق ؟ ماذا أفعل وكاتب المقال في صحيفة عدي هو نفسه سكرتيره الثاني في التجمع الثقافي المزعوم ؟ صحيح انني أكتب قصيدة النثر وأعرف انها لا تنشر في العراق لكنني أستطيع أن أنشرها في الخارج اذا ما تمكنت يوماً ما من ذلك . وكم أشعر بالاشمئزاز الآن عندما أتذكر الشاعر عادل الشرقي سكرتير تحرير مجلة الطليعة الأدبية الذي أنهى خدمته العسكرية في دائرة التوجيه السياسي و الذي أصدر مجموعة حملت عنوان ( 100 قصيدة في حب الرئيس القائد صدام حسين) وأستحق من أجلها شقة فاخرة قدمها له محبوبه صدام هدية تقديراً لمحبته اياه . لقد رفض هذا الفطحل أن ينشر لي مجموعة قصائد قدمتها الى مجلة الطليعة الأدبية في الشهر الرابع من عام 1986 بحجة انها قصائد نثر سوريالية والبلد يخوض حرباً مع ايران وبالتالي فانه لا يستطيع أن ينشرها وطلب مني أن أقدم قصائد حرب تعبوية طالما انني جندي في جبهات القتال وقال : ( هات قصائد تعبوية وسأنشرها في العدد القادم ، حتى لو كانت غير موزونة) طبعاً لم أقدم قصائد تعبوية لأن ذلك بصراحة يعنني انني لا أستطيع مهما حاولت أن ( أقشمر) نفسي أن أكتب ما يخدم الحرب والنظام التي أشعلها . انني أكتب قصائد عن الحرب حسب قناعاتي وفهمي للحرب التي هي حرب النظام الفاشستي وأسياده من الامبرياليين الذين دفعوه لاشعالها . كتبت عن مصير الانسان وأشواقه وتوقه الى الحرية وأحلامه المشروعة في عالم تسوده العدالة الانسانية والطمأنينة . كتبت عن الجنود العشاق ، عن أنين الجرحى ،عن أولئك الشباب الذين يساقون الى ساحات الاعدام بسبب رفضهم للخدمة العسكرية ، عن أخوتنا الكرد الذين يحرق بيوتهم وقراهم الجيش العراقي ويقتلهم في كل آن .


* كنت من رفقاء الشاعر الراحل جان دمو الخلص .. هل كنت تسعى الى محاكاة حياة دمو كما حاول بعض المتأدبين والمتشعرين ؟


- من الصعب محو جان دمو من الضمير الشعري العراقي، وكونه ظاهرة فريدة من دون انجاز فهذا لايعني انه سيموت ، ذلك لأن هذه الظاهرة لن تتكرر في يوم ما. جان كان أحد الأدلاء الكبار في شعرنا العراقي ، وقد أرشدني في بداياتي الى المنابع الأصلية للشعر. حين تعرفت اليه عام 1980 في مقهى ( البرلمان) كان أبي وأمي قد أكملا استعداداتهما لتزويجي من ابنة عمتي وكنت أرتدي دائماً الملابس الأنيقة ، واستلم راتبي من وزارة النفط . سحرتني شخصيته الصعبة المتحررة والنبيلة منذ البداية . دعوته الى حانة وفي اليوم التالي استلمت خرقة التصوف منه ، وخلعت ملابسي الرسمية وخسر أهلي مشروع زواجي ، واعادتي اليهم الى الآن . طوال 18 عاماً مع جان استطعت أن اكتشف الجوهر الحقيقي للشعر،وعرفت انه لا يكمن في تلك الأصوات المشهورة والمهووسة بالمشاريع القومية والخزعبلات السياسية ، وحتى الآن مازلت أعرف أن الشعر الأصيل والذي يبقى ولا يزول ، هو ذلك الشعر الذي يكتبه أولئك الذين ابتعدوا منذ البداية عن طلبات القطيع ومشاريع السياسيين . الشعر من أصعب وأقدس الفنون التي تستطيع كشف وتعرية الوجود والموت والميلاد ، ولذلك نلاحظ أن المنجز الأصيل في جميع العصور قليل جداً . لا يمكن للشعر أن يكون وثيقة أو تسجيل وقائع آنية ، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نعول على جلاله ومجده . أردت عام 1987 أن أحيي جان دمو وصداقته من خلال الشعر ، فكتبت عنه 37 قصيدة ضمتها مجموعة ( ولاء الى جان دمو ) وذكرت في كتابي (معرفة أساسية) أن أختي الكبرى كانت تسخر مني ، عندما أهرب من الخدمة العسكرية وأعيش متخفياً خوفاً من عقوبة الاعدام ، وتقول لي : (لماذا لا تكتب مجموعة ولاء الى الريس حتى يتم نقلك الى بغداد في دائرة التوجيه السياسي؟). كانت الصعلكة مع جان بالنسبة لي اختياراً واعياً وحرّاً ، لأنها تمنحك فرصة أن تعيش للشعر وحده وتكرس كل حياتك له بعيداً عن الالتزامات السياسية والاجتماعية وسواها . وحتى هنا في السويد ، حيث أعيش منذ 12 سنة ، لم يتغير شيء في حياتي أو نظرتي للشعر والحياة . تصور انني مطرود هنا من كل الجمعيات المسماة زوراً (الجمعيات الثقافية) ذلك لأنني لا أستطيع أن ألبي ما تطلبه هذه الدكاكين السياسية مني ، ويسمونني الصعلوك .



* طيب هل نستيطع ان نقول عن مجموعتك " ولاء الى جان دمو " انها سيرة شعرية عن دمو والناصري ،والامكنة والاحداث في مرحلة جد خطرة ومدمرة من حياة العراق؟


- نعم. انها سيرة حياتية وشعرية لجان دمو . حياته ، طريقة تفكيره ، لحظات سكره وصحوه ، آراؤه في الشعر والتعامل مع الآخرين ، موته ومرثيته ، وكانت الأمكنة التي ذكرتها تبدأ من كركوك حيث مسقط رأسه مروراً ببغداد الى بيروت ، تتخللها بعض التفاصيل عن جبهة الحرب والكنيسة المفترضة والحانات... الخ،كل كتابة تحتوي على عاطفة أو انفعال غير مسيطر عليه. لا عمق فيها وتشبه تلك المنحنيات المعوجة وغير المتناسقة في فن عمارة عصر الباروك. الانفعال يهدم (التوازن التماثلي) لجمال اللغة ويضفي طابعاً دينياً على النص. يجب التخلص من هذه الدمامل حين نرغب في تقديم ما يتوق الى الظهور ونحن نغطس في الأعماق السحيقة للحلم أثناء لحظة الكتابة.


* قضيت بعض سنواتك في عمان قبل ان تقبل لاجئاً .. وكنت قريباً من اسماء شعرية عراقية بارزة :عبد الوهاب البياتي ، حسب الشيخ جعفر وآخرين ، ماذا اكسبتك تلك الرفقة ؟وهل نستطيع القول ان عمان كانت المنطلق لبدايتك مع المنهج التثقيفي الذاتي ان صح التعبير؟



- استطعتُ في عمّان من خلال اللقاءات اليومية وشبه اليومية لسنوات عديدة ، مع المرحوم عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وحسب الشيخ جعفر أن أتخفف من الغلو والتطرف الشعري الذي رافق حياتنا الصاخبة بالعراق ، واكتشفتُ من خلال تلك اللقاءات والمناقشات انني بحاجة الى اعادة النظر بمجمل تجاربي الشعرية على الرغم من أن هؤلاء الشعار الكبار هم من أجيال سبقتني بكثير في الظهور ولهم انجازاتهم الكبيرة في شعرنا الراهن . ما عاد الرهان على رمي تراثنا الشعري القديم في الهاوية صحيحاً ، وما عادت الذهنية والألعاب اللغوية هما الأساس في كتابة القصيدة ، ثم انني اكتشفت أن مجمل تجارب شعراء الثمانينيات كانت مجرد صراخ ضد أشياء مجهولة ومطولات متبجحة لا تقدم الى القارىء أيّ شيء حقيقي من الابداع ، واللغة تمارس فعل تغريب سيء أحاط كل نتاجاتنا على مدى تلك السنوات الماضية في عراق الحروب . عندما صدرت مجموعتي (أرض خضراء مثل أبواب السنة). نالت في الصحافة عبر العروض وبعض الدراسات النقدية أصداء طيبة ، وشجعني هذا الأمر على أن أفكر باصدار مجموعاتي التي لم أتمكن من اصدارها في العراق . هنا أخبرني البياتي وحسب انني ينبغي عليّ أن اتريث قليلاً وطلبا مني أن انتظر وأعيد النظر بمجل تجربتي الشعرية . كانا يعتقدان وهذا صحيح أن أغلب شعري السابق هو صراخ واحتجاج ضد وقائع ومآسي الحياة التي عشتها ، ومن حسن حظي انني الآن عندما أقرأ انجازات شعراء الثمانينيات التي اصدروها من دون مراجعات ،لأجد انها تتخذ من الهوس والتغريب في اللغة اداة تنطلق منها القصيدة . كان التغريب اللغوي والهلوسة طاغيان على كل تجاربنا الشعرية ، وكنا نبتعد عن الحياة والأحلام والتخيّل وتحضرني هنا تجارب عدد من الشعراء لا أريد أن اسميهم . في عمّان تمكنتُ أن اقرأ الكتب التي كانت ممنوعة في العراق طوال سنوات الحرب ، وبسبب الحصار الذي كان مفروضاً على نظام صدام والذي كان يجعل من التواصل المعرفي مع العالم الخارجي مستحيلاً ، فقد تمكنت أن أتواصل ولو قليلاً مع المعرفة في حركتها الدائبة . في عمّان قمت بتمزيق 7 مجموعات شعرية ، كتبتها في سنوات الثمانينيات واعتبرتها تمرينات لما هو لاحق.



* بالرغم من انتمائك الى الجيل الشعري الثمانيني في العراق الا ان الراحل كمال سبتي يصنفك ضمن " خبطة "- على حد تعبيره – الجيل الستيني ، الا ترى في ذلك غرابة ان لم نقل مفارقة ؟



- يكتب عني محمد مظلوم في كتابه (الجيل البدوي) انني ( صاحب الكولاجات الشهيرة ) في الثمانينيات ويقصد انشغالي بقصيدة الكولاج واقامتي لمعرض بعنوان (التفكير بواسطة الصورة) في منتدى الأدباء الشباب عام 1989 حيث عرضت فيه 8 مجموعات شعرية بخط يدي وبالحبر الصيني الأسود ، بطريقة الكولاج ، ووضعت عدة توابيت من الورق المقوى فيها قصائد وحملت عناوين (قبر جان دمو 1) ،(قبر جان دمو 2) ،قبر جان دمو 3)وأشياء سوريالية أخرى ، بالاضافة الى ذلك انني بدأت حياتي الأدبية شاعراً سوريالياً أكتب قصيدة النثر ، وكانت قصائدي تثير الضحك والغرابة . كانت السوريالية والتجريب الدائم والبحث عن أساليب وأشكال جديدة هو ما يميزني عن الشعراء الآخرين. كنت دائم البحث عن نتاجات شعراء جماعة كركوك في العراق وتتبع خطواتهم ومغامراتهم في الأدب والحياة ، ورأي كمال سبتي نابع من اكتشافه لهذه الحقيقة التي كان أحياناً يلومني عليها ، وعلى الرغم من أساليب المنع والتعتيم والمصادرة التي كانت تقوم بها دوائر السلطة الثقافية ضد كل النتاجات المعارضة والمغايرة لنهجها وثقافتها ، فاننا كنا نستطيع الحصول على تلك النتاجات والابداعات المعارضة ونقوم بتصويرها واستنساخها وتوزيعها فيما بيننا ، وعندما التقينا في دورة مهرجان المربد عام 1986 الشعراء سركون بولص وصلاح فايق والأب يوسف سعيد ، استغربوا من تواصلنا ومعرفتنا بآخر اصداراتهم وقراءتها .كتب عني كمال سبتي انتمي الى خبطة جماعة كركوك السورياليين والتركمان...الخ ،كان اكتشاف الغريب واللامتوقع والسعي الدائم الى الماوراء ونبذ المألوف ، هو ما ركزت عليه السوريالية في بحثها عن فن وأدب ينطلق من اللاشعور والأحلام والهذيان والجنون .



* سعد جاسم ، محمد تركي النصار ، محمد مظلوم ، باسم المرعبي ، فضل خلف جبر ، زعيم نصار، وآخرون اين نصيف الناصري من تلك الاصوات الشعرية الثمانينية؟



- لكل من هؤلاء الشعراء تجاربه التي أعتز بها دائماً ، ولا استطيع أن أضع تجاربي مع تجاربهم أو اقارن نفسي بهم .



* كيف تنظر الى دعاة تقسيم الثقافة العراقية الى : ثقافة داخل مكافحة وصابرة وثقافة خارج مرفهة ومسترخية ؟



- وجهة النظر التافهة هذه لها جذور قديمة في واقعنا الثقافي ، ويطيب لي هنا أن أوضحها ربما للمرة الاولى . عام 1989 بعد مرور سنة على نهاية حربنا مع ايران ، أعلن الطاغية صدام حسين عبر أجهزة اعلامه ومؤسساته الرسمية انه سيتم وضع دستور دائم للعراق ، وأن الحريات ستترسخ وسيتم السماح للأحزاب العراقية المعارضة في العمل العلني وانشاء الصحف الخ ، وفي البرلمان المزعوم آنذاك كان يدور لغط حول هذه الترهات . كنا أثناء النقاشات في اتحاد الأدباء نستبشر خيراً بهذه التطورات التي ستحصل في العراق . ربما بسبب أحلامنا ولهفتنا الى فجر الحرية . كيف سيسمح الطاغية للديمقراطية أن تترسخ في عراق يحكمه هو وحزبه الفاشي ؟ كانت الأحلام والآمال أكبر من الواقع ، وكنا نقول سيأتي الى العراق والى اتحاد الأدباء سعدي يوسف والجواهري ومظفر النواب وسركون بولص وفاضل العزاوي ومؤيد الراوي وأنور الغسّاني والأب يوسف سعيد وصلاح فايق وعبد القادر الجنابي وغائب طعمة فرمان وهادي العلوي وفوزي كريم وعبد الكريم كاصد وهاشم شفيق وكاظم جهاد وشاكر لعيبي وهاتف الجنابي وفيصل لعيبي وزينب وناهدة الرماح وعفيفة لعيبي وصلاح جياد
.... الخ . في صيف عام 1989 أجرى الصحفي ناصر النشاشيبي حواراً مطولاً مع صدام حسين ، جرى التطرق فيه الى الديمقراطية والاصلاحات السياسية التي ينوي الطاغية القيام بها ، وكان هناك من ضمن الأسئلة ، سؤالاً حول السرّ في هجرة الكثير من العقول الثقافية المبدعة من العراق . أجاب صدام حسين : (هم يعملون في الخارج لأن رواتبهم عالية). كان الكثير من أدباء السلطة ممن ليس لهم أيّ رصيد ابداعي يمتعضون من فكرة عودة المبدعين العراقيين الى العراق ، وكنا نناقشهم ونعرف مدى رفضهم وامتعاضهم . استمرت أبواق اعلام النظام تطبل للديمقراطية المزعومة طوال عام 1989 حتى جاءت أحداث احتلال الكويت ليقرر البرلمان في جلسة طارئة تنصيب صدام حسين رئيساً للعراق مدى الحياة ، وتم سحب مشروع الدستور الدائم والديمقراطية في أعقاب هزيمة صدام من الكويت وتكليف وزير النقل محمد حمزة الزبيدي بمنصب رئيس الوزراء والغاء محكمة الثورة وفتح السفر، نتيجة للهزيمة والانتفاضة الكبيرة التي حدثت ضد سياسات النظام الفاشية ، عاد الحديث يجري من جديد حول احتمال عودة المبدعين العراقيين الى العراق وكنا في اتحاد الأدباء ومقهى حسن عجمي نأمل عودتهم ، وكالعادة بدأت أصوات أدباء السلطة ترفض عودة هؤلاء وتعتبرهم انهم لم يعانوا من الحرب وانهم مرفهون و...الخ ، وما زلت أتذكر النقاشات الصاخبة في مقهى حسن عجمي حول احتمال عودة هؤلاء الأدباء والفنانين . اذن ، الحديث عن أدباء الداخل وأدباء الخارج ، مفهوم بعثي ترسخ منذ سنوات طويلة وظل ينهش في جسد الثقافة العراقية الى الآن.


* ثمة هوة عميقة اسستها الانظمة الشمولية في العراق، بين الثقافة العربية والكردية ، برايك ما أخصر السبل لردم تلك الهوة ؟وهل لديك تواصل مع الادب الكردي وبخاصة الشعر منه؟


- طبعاً عندي تواصل مع الشعر الكردي وأقرأه كما أقرأ الشعر العربي والعالمي دائماً ، وتعجبني فيه الكثير من التجارب والانجازات المهمة والرائعة . أعتقد اننا الآن لا نملك حلولاً جاهزة لردم الهوة القائمة التي سببتها سياسات الأنظمة الشمولية التي حكمت العراق في التعتيم على الابداع والثقافة الكردية . تقوم الآن خطوات كبيرة في النشر والترجمة والتواصل من أجل أن تأخذ الثقافة الكردية مكانتها الانسانية في المسار الصحيح .



يذكر ان الشاعر نصيف الناصري عام 1960 في الناصرية، أصدر عام 1986 4 مجموعات شعرية بخط اليد وبطريقة التصوير بالدفلوب، ضمها مجلد حمل عنوان (جهشات )، أصدر عام 1996 مجموعة ( أرض خضراء مثل أبواب السنة ) على نفقة المرحوم عبدالوهاب البياتي، أصدر عام 1977 كراس ( قبر في الذاكرة )، أصدر في بعض من الدوريات ( الباب المنزلق على فجر الأبدية) (من أجل أن لايتعفن الينبوع في حديقة العقيق ) ( ولاء الى جان دمو ) ( فجر الزمان الممتد بين الوجود والماهية ) ( الحياة كثيرة السهر في شفاهنا ) وأصدر سيرة بعنوان (معرفة اساسية ، الحرب، الشعر، الحب، الموت ).

Share! ارسل الى صديق اطبع
أرسل هذا الخبر من AK NEWS.COM إغلاق



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحطمات هائلة
- تعهدات ملزمة
- مخططات للحفاظ على القانون
- الحبّ . الزمن
- بلدي السويد
- ايمان الحيوانات
- الصيرورة المتعاقبة لمرايا التاريخ
- مقدمات في الكلام الجسماني عند أهل البصرة
- طقس ختان القنبلة النووية
- مدينة الفيل
- قداس جنائزي الى السيدة الشفيعة
- الشواطىء المهدمة للزمن
- النوم الأبدي
- تجربة مع الموت
- كتاب { العودة الى الهاوية } في الشعر العربي الراهن
- مجموعة { في ضوء السنبلة المعدة للقربان }
- مجموعة { نار عظيمة تحمي الياقوت }
- مجموعة { الأمل . أضداده . خيّاط الموت . نار الأبدية }
- كتاب { الأنهار الكبيرة المتعرجة } ردّات واندفاعات الشعر العر ...
- كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - حوار مع نصيف الناصري { وكالة كردستان للانباء( آكانيوز ) }