أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مجموعة { في ضوء السنبلة المعدة للقربان }















المزيد.....



مجموعة { في ضوء السنبلة المعدة للقربان }


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2914 - 2010 / 2 / 11 - 09:41
المحور: الادب والفن
    











المحتوى

عهد وثيق مع المجرات والملائكة
اللحظة التي يتوارى فيها الغمام
النور الذي وعدتنا به التنانين والعظايات
ما بين الشدوّ المهلك والرقصة المنعطفة
الشعلة التي لها هذيان حيوات كثيرة
موعظة في مقبرة سويدية
موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة
ربيع النار في عظم الشجرة المرتعشة
أنغام الليل التي تثقب النوافذ وستائرها
نريد النوم في خميرة ينابيعك
جسد / نرجس
ذبائح مضيئة الى سهرات العالم
سماء محيّرة بنرجسها الدائم
الأضرحة / فضاءات سديم
نشيد الى ممالك الانسان
أروقة من الدموع مشتعلة
بين عقيق الأيام ووميض أعمدتها المتصدعة
أعلى من قمم الجبال
موت يحلم بحرارة شمس الصيف
صور من معارك جبل { كَرده مند }
1988 . الأنفالات . بعض الهوامش
حلم في الزواج
الشعلة
لا فجر عندي لا شعلة
ظلالي . ظلالي الحزينة
بيلادونا
موت رياض ابراهيم
النفخ العالي
قصيدة عن عبقرية حسن النوّاب المقدسة والشجية















عهد وثيق مع المجرات والملائكة

عطرها الميت في الحديقة ، تعبث به الريح
والقبر يطير فوق أجمات تطرد الأسرار .
منذ عهود طويلة
والاسم يبحث عن هيكله العظمي .
وجهها غير المرئي ، وأشجار نهديها العاريين التي تظلّل
فصول السنة ، وسرّتها المرسومة على شكل نهر و الشبيهة بعين تفاحة .
جواهر تضيء وسط شقوق السأم .
كلانا كان ميتاً ، وفي تعاقب الأيام تذكّرني تنهداتها بتنفس
القرون المنوّرة ، بالتقمصات والتيقظات المرفرفة عبر الدائم
والمتحول ، عبر الزائل واللانهائي ، بعرّي الانسان الطويل
على شواطىء نومه المروّعة ، وهو يخرج من جليد الكهف
والمغارة ، الى بذور شمس البيت والسرير .
سيدة الصلاة تمشّط شعرها الايروتيكي تحت هالة النور
المنحدرة صوب البحر .
ينبغي أن نرفع حلماً مقدساً جديداً على فجر العالم
من أجل خلود القيمة المتحقّقة لوجودنا
من أجل عهد وثيق مع المجرّات والملائكة الذين يحرسون
أغصاننا وأبواب هواجسنا ، ويروّضون المادّة المظلمة لمرآة
لحظتنا الفريدة ، من أجل تضرعاتنا المتقشفة لآلهتنا العنيدة
وصرخاتنا التي تتعدّد وتتوحّد في صراعنا ضد الحتميات .
هل ننحدر ما بين انفصام الارادة والرغبة صوب أرض النسيان ؟
ما هي الغاية التي تتحرك نحوها شرارة التاريخ ؟
لماذا نتأخر دائماً عن رمي الجثث فوق الروث ؟
لا ثمرة
ولا برهان .
هل لنا أفق آخر نملكه ولا يملكنا ، حين نتثاءب أمام جدران كهوفنا المتصدّعة ؟
عصور كثيرة تقدمت ونحن نتسلّق شجرة الدورة الأبدية للخليقة ،
من دون أن نفكر بثمرة ما ، والزمان سلّم ننزل منه لنذوب في ظلمة الطبيعة
وننسج ثياب موتنا خيطاً ، خيطاً .
أصوات زهور حبنا اللامورقة ، تهدّد في انفصال الكلمة عن الفعل ، نوم الآلهة
تحت النجوم ، وكلّما ارتفع غصن من أغصان التحنيط ونوّر الأرض كلّها ،
نحمل قرابيننا ونتقدّم باتجاه هاوية الموت والميلاد .
من هؤلاء الذين يفتحون الأنهار على ظلام العالم ؟
لماذا يتمدّد الكون في كل لحظة الى ما لانهاية ؟
هل يتحول الانسان الى نجمة بعد الموت ؟
لماذا تعجز كلّما اتقدت شرارة الفكر ، عن الافصاح الكلمة ؟

اذا أردنا الهروب من العودة الى الحياة
ينبغي أن نترك { الموجود _ يوجد }
هل تخضّر ماهية الأشياء في ليل السرّ الذي ينفتح على الرياح التي تبعّثر قرابيننا ؟
يستريح في جبيني الطائر وشجرته .
ليس للحبّ مركز ثابت ، والعاشق أسير يقظته .
هل يضيء نبع الموت السهران دائماً ، جروحنا المفتوحة على صيف الأبدية ؟
الدرب الغريب والسهرّ الى الأعماق هما ما ينبغي أن يكونا قنديلا صلاتنا
وفجرها الذي يظلّل ثمرة التاريخ .
تولد من موتي كلما جفّت الأنهار ، كلمة يتنفس تحت سنابلها العشاق .
أنثى النحام التي تنعس تحت الشمس المليئة بالوديان ، هي بذرة الحبّ النامية
في أرض العين والمتنشّقة صوت الرغبة .
هل الحبّ الذي لا يرمش ، أشجار موسيقى مقطّعة وسط الطريق ؟
ورد مفرط في اللمعان يسيل بخفة على ليل سرّتك الناعسة ، يسيل على شفتك
ذات الينابيع القرمزية ، ورّنة جرسها شديدة العذوبة ، أغنيتك المضيّق عليها دائماً
هو ما يغرينا في العودة الى الوطن ، وشواطىء الأيام تجفّ في كل لحظة ، لكن ساعات
انتظارنا التي تتمطى فوق الأشجار ، لا تستطيع أن تحولنا الى أنغام تتلاشى في السراب .
سيدة الصلاة تتنهّد في حديقة الزنبق ، وتغمض عينيها لمرور الأمطار .
شفتاها لم تريا عطر الموسيقى منذ خريف السنة الماضية ، صوتي وجدائلها
الخضر ، عاشقان يسيران الليل كلّه تحت أنهار النجوم العليلة ، والهاوية في لآلائها
على امتداد القرون ، تحنو على وجودنا الهش والمنزلق صوب بواباتها المعلّقة في سهرّ
الجرح ، طعم الغياب في شفتي ، والصوت الحلمي لنحلة موتها أسمعه يأتيني مرتعشاً
من أغصان الماضي ويخترق ظلمة يأسي كالبرق .

أرق الزوال
وومضات فراديس دموعنا التي تمحوّ الزمان ، يبعثران جميع العلامات التي رفعها الحبّ
في الطرقات المظلمة والمتعرّجة .


اللحظة التي يتوارى فيها الغمام


هنا قبر للزمن / الشجرة
الزمن الشمس
الزمن الصيف
الزمن الجناح
الزمن الخطوة .
هل لي أن أصالح اللحظة ، هل لي أن أصالحها ؟
هل لي أن أصالح المخلب ؟
هل لي أن أتمدّد في الديمومة مثل كلمة تزن الروح وتقشّر اللحاء ؟
الخمود الأجوف يأسر الظهيرة . هنا وهناك تحتضر النمور والعقبان
في الأقفاص .
يسوع المتكىء على خشبة الدرج في بهو الفندق .
الصيف الماضي
كانت شجرة .
يسوع يفتح عينيه على ناطحات السحاب التي يغطّيها الدخان ، وما بين اللحظة
واللحظة يضمّد جروحه التي تلتئم ولا تلتئم .
هل هي القيود التي يأوي اليها الخفاش ؟
أين محطّم عظام الموتى الذي يقف متجلياً بين الماهية والحركة ؟
أين كريشنا الذي يعود من الكهف بشذرات من رؤى محطمة ؟
أين اللبؤة التي تلد في برميل النفاية ثم تلعق موتها ؟
أين الملك الهرم بوجهه المتغضّن الذي يعشش فيه البوم ؟
على حطام الزمن / شيوخ أطفال يرضعون
الزمن يتقدم / والريح تعصف قبل الميلاد وبعده ضجرة في كهفها العميق .
اللحظة والظلام
اللحظة التي يتوارى خلفها الغمام
هل تسترجع اللحظة نفسها عند الشروق ؟
هل يصارع النور الظلمة ليظل حيّاً في ما هو حيّ ؟
هل يوصلنا اختراق السرّ ، اذا عبرنا هذه المتاهة الوعرة والمظلمة ، الى شرارة اللامتناهي ؟
أشرعة الصيرورة تتأرجح معلّقة ما بين الديمومة والهاوية .
ينبغي أن نظل أطفالاً ونحيا في الماضي ، من أجل أن تظل الشمس تسطع على السنبلة
من أجل أن لا يذبل قرنفل النجمة بسرعة .
من أجل أن لا يتعفّن الينبوع في حديقة العقيق .
كلّما ماتت حشرة ، غصن ، ابتسامة ، أو كلّما سقطت دقيقة من لبلاب الوقت .
انتحرت الطبيعة وتكشّفت هشاشة الانسان ، نبتة المستقبل السامة تكبرّ كلّما تقدّمنا صوبها .
لا نصر ولا وعد .





النور الذي وعدتنا به التنانين والعظايات


يطفىء الانسان شعلة ابيقور
ويعيد بناء السجون التي هدّمها الفيلسوف .

زقزقة عصافير
وطنين ذباب
ومتاهة واسعة نسميها الحياة ، ترتفع فيها رايات العبث والسأم منذ الأزل .
أرض النجوم المهجورة والقريبة من حافّة العدم ، تجتث أشجارها صرخات الآلهة
وينغلق الليل فيها على ذاته . النجمة روح الانسان التي تتسلّل بلا حراك من القبر
الى سماء الفجر المتوثبة لانارة البركان ، والروح في كهفها الوسنان والمتحرّك في
طحلب العالم . موسيقى أسرار ترفع الرماد صوب نيران تتضوّع أنفاسها بالتغيّر
والغبطة الوفية لشفافيتها المهلكة .
هذه الحضورات والعلامات المستريحة في برق البرثن . مياه للزمن الذي يكتسح شدوّ
الطيور وتضرّعاتنا في ليل لهفتنا ولحظات أزهارنا .
كلّما تخلّص الانسان من أفق سجن ، اخترع سجوناً أخرى أعمق هاوية من عبوديته
وذلّه ويمضي حياته اليائسة مهاناً يردّد كالببغاوات أكاذيب رعاة الغنم .
ابيقور ، ابيقور يا ذهب الأدلاء الذي يضيء لنا ليل الهاوية ، يا مَن حرّرتنا من جلادينا
الطغاة ، ومع انك مشيت طويلاً تحت نداء النجوم وفي صمتك أسرار الموت والحياة
ها اننا الآن _ أحرقنا مفاتيحك وأضعنا الرماد ، ما بين وحشتنا ورعبنا اللامبرر .
أين هي الآن جمرّتك ، ابيقور ؟
الدهاليز التي أضأتها والآبار التي أخرجتنا منها ، أعدنا تأثيثها من جديد وملأناها بتنانين
وعظايات غريبة أشدّ غرابة من غربتنا في ليل التيه . لم يبق لنا الآن _ إلاّ هذه الصخور
المتعرّجة والمرصوفة بالعظام . لا ضحى فراديس
لا أحلام ترفع أشجارها على الأنهار ، لا أدراج تتصارع فوق قشّها شرارات الصاعقة .
هل ينبغي أن نحلم الآن بذلك النور الذي وعدتنا به التنانين والعظايات ؟


ما بين الشدوّ المهلك والرقصة المنعطفة

شواهد قبورنا الأكثرّ لمعاناً من السرّ
أدغال متعفّنة في سراديب تستوطنها الحشرات والخفافيش .
هل الغبار/ الحلم الآمن لانفتاح صرخاتنا على ضباب الأبدية ؟ لا أحد يسقط أو يتقدّم .
الماضي والحاضر مرآة واحدة للأمس والغد ،
وحياة الانسان تمرّ مرور الشهاب . هل حقّاًً يضيئها الينبوع الإلهي ويغلّفها بشفافيته الرحيمة ؟
انهيارات / تصدّعات
من الميلاد الى الموت
ومن الموت الى الميلاد
لكّن الانسان يقول انه يمتلك بذرة ذهب ، هل يمتلك الانسان الدودة ، بذرة ذهب ؟
أهذه بنفسجة وجوده التي تتهدّج أمام أسيجة الجليد ؟
هل تعرف القلق الذي كتّبته القرون نشيداً وفيروزاً ونجوماً ؟ ارثنا الباقي ،
نار الغابة المتأرجحة ما بين الشدوّ المهلك والرقصة المنعطفة للنهر السريع الطافح بندوبه
طويلة التثاؤب . ارثنا ليل اللهفة ،
ونبوءة الماسة المسنونة التي تخضّر فيها لطخات العصور المذهّبة والمفتوحة على الفجر تحت
ثقل بساتينه وضجيجها الشبيه برعود تختزّن في اندفاعاتها ثمار العقيق المنعكسة علاماتها على
مسلاّتنا التي تتدّثر في أغطية مخاوفنا وقناديلنا المختنقة تحت أيام الحصاد المصطفة والمتشابكة
أمام نيران الفجر الأسيان .


الشعلة التي لها هذيان حيوات كثيرة

ميتة تطيرين في لازورد الليل ، وجرحك لا يمكن تضميده .
شمس جبينك مجروحة من قرنفل الأعماق ،
وروحك المرتعشة ، صومعة الكلمة في ملح
سهراتنا التي بلا غفران .
يا غابة بقناديل يحاصرها الموت والنشور
يا أزهار الكبريت في أرض العظم
يا شعلة ترطن في أروقة الهاوية
يا هجرة الدم وتشعباته في نسيم الغروب
يا كتابة خاطئة فوق رأس النحلة
يا وميض النجوم الممحوّ وسط أدغال القرون .
ليل ألمك يتضرّع لأشجار الزمن ، وفجرك يشتبك ويتجذرّ مع الشعلة التي لها هذيان
حيوات كثيرة ، فجر الموسيقى أنت فجر . الباب المنزلق على حدّ الأبدية .
تضرّعت اليكِ طويلاً وكانت صلاتي تمحوها عدالة
زئيرك المستعدة لاقتلاع الجذور
وصيف النسمة المنقلبة .
في الأرض التي كنّا نموت فيها ميتة حيوان ، كانت مصائرنا ونذورنا تتشكل بالوراثة ،
وكانت دموعنا تتلهف لزمرد دموع أخرى متسمّرة ومضيئة . أين قمح حيواتنا الذي
اكتمل في الدهاليز المضطرمة ؟ هل مازالت أعيادنا تنتظر في الظهيرة التي لا تعقد ميثاقاً
مع الشمس ؟ صوتكِ المدهون مثل شجرة وفية لأنقاضها المترنحة ، حديقة فيروز بلا أضواء ،
تتمطى فيها أوراق الساعات المثقلة بشهبها المنحوتة والمنطلقة . في صراخنا اليكِ يتمدّد الزمن
ويختلس النظرة التي ترفرف في انعطافات الشمس . ظلال حيرتنا تنثرّ بذورها في أرض الأيام
والسنوات التي عشناها مخبأة وساهرة تحت ينابيع تقهر النور وإيماءاته المرفرفة في الهاوية ما بين
الرماد والحرير . دمعتك المسترخية والمشحوذة في الغياب ، أغنية ينبثق من رمادها ، فجرّنا الخشن
الضرعين . نداوة الأحلام وعواصمها الوهّاجة كما مراكب كحّلها الابحار .



موعظة في مقبرة سويدية

ظلال أشجار السرو الكثيفة تنشرّ صمتها بين القبور
ومرايا العالم موحشة في النهار ، والبراكين خامدة .
في هذا العراء الذي يترّبع على المشهد كلّه ، وحدها الحشرات
المضيئة ترتشف السديم وتطارد النبضات القليلة التي تتعذّب بين الزهور .
أقبور هذه أم بيوت موشاة بخيوط العشب كثيرة اللهب ، تتنفّس ضجرة
فيها التنهدات ؟ البراكين خامدة ، وأصوات العطور تسمع فوق سياج
المقبرة متجاوبة مع طنين الحشرات اللاهثة .
أحاول الآن ـ وأنا أتمشى بين هذه القبور ، متأملاً شواهدها القديمة
والنظيفة ، أن { أعلّم الكلمات أسرارها ، لكن هواء اللغة عسير على
التنفس } أحاول ، ماذا أحاول أنا الغريب وسط هؤلاء الأموات ؟
هل أستطيع أن أمنحهم السلوان ، أنا المؤمن بقول ييتس :
{ لا عزاء في القبر ولا راحة } ؟ ضجرنا من أكاذيب الرياضيات
ومن ثمار الفلسفة المرّة ، ومن الوعود بجنة ما ،
ومن أحلامنا القديمة بأرض أكثر نعمة . نريد الهذيانات ، نريد الهلوسات
والنشوة المترعة بالدموع والغيوم الموسيقية { تعدّدت الألعاب والسيرك واحد }
أنظر في شواهد القبور حيث ظلال الصمت تتمطّى وحدها وأرثي لمصائرنا :
{ الكاهن انغمار سيمونسون مات في يوتوبوري على أيدي العصابات
النازية في 3 /8 / 1942 .
ايريك اوسبرنك مات في مالمو في 14 / 5 / 1953 منتحراً لأسباب نفسية .
ايفا ياكوبسون ماتت بداء السرطان في 18 / 3 / 1982 .
ليف اندرسون مات في 16 / 3 / 1993 على أثر سماع نكتة تخدش الحياء .
بيا يوهانسون ماتت في 15 / 7 / 1971 في حادث سير .
يان نيلسون مات غرقا أثناء رحلة الى الفليبين في 2 / 9 / 1994 } .
من يستطيع أن يمنحنا العزاء وسبينوزا يقول : { الله لا يحب أحداً } ؟
هل نعكّر { مياه الحياة الصافية بخشيتنا من الموت } ؟ ولكن أنت أيها المعزّي
هل تستطيع أن تمنحنا ، نحنا الذين نعيش في ضفاف مهدّمة وصحارى
لا تعرف إلاّ الصبار ، وأكواخ قديمة متربة في أقصى المدن ، تعبث
فيها الجرذان ، أيّاً كنت :
البابا
أو الملك
أو الطبيب
أو الجنرال
أو زعيم قبيلة من قبائل الهنود الحمر ، أو أمين مكتبة مجلس اللوردات
أو المتأمل الذي يرى الملائكة دائماً { يرى جنود المظلات ويحسبهم
ملائكة } طعم السلوى والسهر ؟ لا نريد موعظة أيها المعزّي .
نريد أن نسفه الكلائش الأكاديمية التي تملأ كتب الدراسة .
لا نريد موعظة
لا نريد سلوى
لا نريد عزاء .
ماذا نفعل الآن بعد أن طردنا الملك اللامرئي الذي توجّناه منذ بدء
الخليقة ؟ أين ولّت تلك الأزمنة المليئة بسعاة البريد السماوي
والأحلام والرجال الذين يسيرون على الماء ؟
لا سلوى .


موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة

1

عادوا الى البيت مجتازين ممرّ أشجار طويلة ، ترفرف فوق رؤوسهم
طيور جائعة . نباتات الفطر السام المنتصبة في سأمها الموحش ذابلة
وغريبة مثلهم . كيف السبيل الى ايقاد شعلتهم التي تذوي وهذه
الأشجار تطفىء قناديلها ، حانية على الجذور ؟
في ممرّ الأشجار ريش نسور تهزهزه الريح وسط الأوراق المتساقطة .
ريش حيواتهم التي تنزف بلا انقطاع .
في قفزتهم الكبيرة الى العلوّ ، كانوا يترنحون في ليل الهاوية الساكن .

2

ظلال قبورهم التي ترتعش في نيران الفجر ، ترفع الفهود من وحشتها
المعششة ، من أجل الزرقة المتحصنة في الهاوية ،
من أجل العلّيقة المشتعلة في الرغيف ، تاريخ الطبيعة .
أين يذهب الموتى في الفجر ؟ أين يتركون أشجارهم المحمّلة بالطرائد
الكبيرة ؟ كم من الأسرار في أحلامهم العميقة ؟
الموتى ينصتون لعرّي كلماتنا اللاهثة ، لا تهمّهم أعياد حصادنا ،
لا مجازر حروبنا ، لا الطوفانات .

3

ثمة أشياء نجهلها وتعرفنا :
غضب الصقر في عطشه ، سهرات زيز الحصاد في الصيف الماضي .
ناي الراعي الذي يحدّق في أبواب الكوكب .
في كل يوم من أيامنا التي نقضيها على هذه الأرض المشئومة
ثمة ما يبعث على اليقين بأننا سنتعرّف على غريمنا ـ النسيان ـ
أين نجد الآن باباً لموتنا الذي يستجمع شجاعته { وحيداً وبلا
معين } * ؟ لن نرفع الرأس عالياً ، سنكظم غيظنا ونتقدم بخطى
متثاقلة صوب أرض النسيان .


4

قرب ضوء نجمة ، في التماعة عشب يخزّن أسراره للصيف
ينهض حلم الانسان ـ صخرة صلدة ـ ويتمطّى في مروجه
ليل البرد البعيد . الانسان يجلس قرب الهاوية
حياته الفقيرة ـ سجن ـ يسند الشمس في نهوضها الهادىء .
لمن هذه الدمعة المحفورة على رخام الفجر ؟

5

{ قفير } نحل في الغابة ، يعمل ليل نهار
من أجل الانسان الساهر في اللوعة
من أجل العالم وخلاصه الموعود .
{ قفير } نحل يخفي في أروقته الغريبة قناديل الأمل المضيئة كما
الأعماق ، لكن الرماد ، رماد الانسان الصياد ومكائده في
الغابة . أطفأت القناديل ورفعت { القفير } الى الهاوية .
ليس للانسان سوى مخالب طويلة تنهش بين فخذيّ خطيئته .


6

ناموا في منفاهم على شاطىء البحر بانتظار سفينة ما تحملهم
الى أرض الوطن الذي حلموا برؤيته دائماً ، وحدها البروق
المتلظية تعرف سرّ غيابهم وتعرف أين علّقوا جدائلهم
ودموعهم المقيّدة . موتى المنفى يحرسون البحر عند الظهيرة
كما يحرس الضوء بوّابات البكاء .

7

طائر النورس في الماء الذي يغلي ، يتبع ظلي وظلك
أظفاره الحمر صاعقة بين حقول القمح . هل تحطّمت أشرعتنا ؟
لماذا لم يبق من أيامنا سوى صفصافها الذاوي ؟
طائر النورس ـ الأسود ـ ألسنة اللهب .
8

هنا ، الصخور شاخصة ، والطبيعة بدّلت ثيابها .
الملك يستعرض فيالقه بأبهة وكبرياء ، يمدّ يده الى
الشمس فيأسرها بكاملها . في كل صيحة من صيحاته
غابة من الندوب الغليظة . هذه الأرض ـ أرض الملك ـ
المترامية الأطراف ، حين تنشب حرب جديدة ، ستضيق
عليه حدّ اللعنة وستنقلب عليه أرض أخرى مزروعة بآلاف الصلبان .

9

مضى زمن طويل وهم يتلذذون في جرائمهم
عيونهم محمّرة من كثرة الاعدامات ، ظلالهم الكافرة
حجبت عنّهم الهواء والساقية ، وصرخاتهم الثاقبة
اقتحمت علينا حلبات الليل . دعهم ، دعهم يتقدمون بوحشيتهم
سنجعلهم يرسفون في الأصفاد ، سننزع جلودهم ونحشوها بالقش .
وحوش تزحف صوب قداسة معابدنا ومنابع أنهارنا العظيمة .
* ريتسوس


ربيع النار في عظم الشجرة المرتعشة

ربيع النار في عظم الشجرة المرتعشة
لا الأنفاس
لا اللهاث .

جوع الينبوع وعطش الظبية في ليل الكنيسة .
أين نجد شفافية الومضات التي تزيح لطخات العصور الأخيرة ؟
أين نجد أريج الألم الذي يؤنس الجرح السهران ؟
السأم العليل يتنهد في ستائرنا المشتعلة ، والساعات ذات الجدائل
المصرية تئن في حيرتها أمام زنزانة الشمس المنتظرة شهادة الثمرة
الأسيرة نضجها ، وأنت ، يا أثداء النار التي تنمو وتتمدّد مثل
بحيرة تفتح أحضانها لصرخات التراب والأشجار
يا طحالب ينابيعنا الخائنة .
يا يأسنا المتعثر والملتصق في هياكل عباداتنا المتقوّسة
أيتها المجدلية التي تبحث عن الظبية في القبر فلا تجدها .
هل من جرح فاغر نستبطن في هاويته قلعة العدم ؟
بين الحلم واليقظة ، بين الاقامة والسفر
يتمدّد الزمن في قبره المختلط بالحجارة الساكنة .
الأنغام الموصدة في السنبلة التي تتعرّى في الفجر ، صيحة الانسان
الساهر في شواطىء الحيرة ، وبذرة شكوكه التي خرجت من كينونتها
لتستوطن في فضاء السديم . ربيع النار في عظم الشجرة المرتعشة
لا الأنفاس
لا اللهاث .
العين ناقوس الحديقة . العين سماء المكيدة الملبدة بالديون ،
والمبخرة تتململ في ضجرها العنيف ، والهواء يفرد أجنحته
لمجيء غبطتها العاصية ، هناك أيضاً ـ الضباب والجليد لهما
محنة نيراننا الساهدة في الصحراء .
أعشاب وشرارات فجرنا ترتمي ميتة فوق الصخور عارية
كالفكرة ، بيضاء في حلكتها كالسراب .
لم تبق لنا سوى أغطية أحلامنا الرمادية الداكنة التي تترّجرج
في وحشتها مثل زئبق يدل الليل في سيله على طريق الهاوية .


أنغام الليل التي تثقب النوافذ وستائرها

أنغام الليل التي تثقب النوافذ وستائرها ،
رماد الماضي المحفور في شواطئنا حيث نسهرّ في قلاع المنفى
منتظرين البرد الأشدّ وخزاً من الشعلة .
ماذا في أكمام أشجارنا العابسة سوى براكين حيوات لا يمكن
القبض على نيرانها المتنهدة . شموسنا تنطفىء مثل فراشات عبر
أدغال ، وجروحنا بلا ثمرّ ولا أيام خطرة .
الأعشاب المزدحمة في ليل حاضرنا البعيد عن المراكب
تمنح الصقور شفافية النظرة ، ونحن أسرى عاداتنا التي تترنح .

في شظايا صرخاتنا ، يتقدم موتنا ويسند صخوره على حافّات
الطرق القصية ، بانتظار أن تغرز الصاعقة سيفها في أرض
تنهداتنا ، أو تحفرّ في جلد صمتنا وتجتاز غابة النجوم .
أين ذهبت أحلامنا بجزر خضر تمتحن قناديل الأسرار ولحاء الكلمة ؟
بصرخات تتقطع ، تتلوى ، تتلعثم ، نصعد السلّم المتهدم
الذي فيه موتنا ونرتجف تحت الثلج طالبين كسرة من حياة
عقيمة ، من غير أن نخطف حنان الجمرة أو نقتلع الجذور
حيث جباهنا الممهورة بالرماد الشجي ، تسكنها طحالب آهاتنا المتقوّسة .
هل نستطيع رسم الفضاء القديم ، أو ننعش في جروحنا
ظلال الوعود التي نسيناها معلقة في ثمرة السراب ؟
أنغام الليل التي تثقب النوافذ وستائرها ، تترأس كل
صاعقة تهبط على الينابيع النابضة ،
حيث يمتدّ نومنا في أرض الشمعة / القوس .


نريد النوم في خميرة ينابيعك

أسمع تنهداتكِ ـ ارض
تصعد منها أنهاري
أرض كثيرة العذوبة ، يرقد الحمل فيها الى جانب الذئب .
في العروق الضخمة السود للأحلام التي سئمت عطشها
الكبير ، تعلو ذخيرة النار وتكشف الكنوز التي خلّفتها
أمواجكِ المتنهدة . أرضك الآبنوس وأختام الشتاء
أرضك النجوم والأمطار الخائنة . أرضك الناي والحجارة الكريمة
أرضك رايات الفاتحين والسروات التي تظلل المراثي
أرضك الينابيع ذات الأثداء الكبيرة والرؤوس المظفورة
أرضك القبلات والأخطبوطات . يا معادن مشتعلة رغم برودتها
يا عروقاً مصعوقة في ليل الشجرة . يا أقفاصاً معادة الى السجن
يا جسد الكوكب النائم في ذاكرة الأنهار
هل تصعد شراراتنا في المنفى الذي يستريح في صحراء الغابة ؟
أيتها الشفيعة ، نريد النوم في خميرة ينابيعك
في زمردات صرختك المكتومة ، في سنبلتك المنذورة لامتحان النار .


جسد / نرجس

جسد / نرجس
تتباعد بينه المسافات / والموت لا يعرف سوى الأقنعة /
في العتمة التي تنهب ذهب الأرض / نرفع عظامنا علامات لأعياد الأبدية /
هذا هو الشاطىء القبري للانسان / شاطىء في غير مكانه
يغرق سنابل كلماتنا / شاطىء ـ ليل .
يشدّني اليه فأدير وجهي صوب لمعانات يمرّ صيفها فوق
أمواج وسطوح معشوشبة ورحيمة / أيها الصيف /
أيها الصيف / بطشك الجبار مغمور بالتراب والرماد /
هنا شجرة الانسان تنتحب لدى مشهد غروب الشمس /
هنا شبح الانسان يحوم في الليل / فوق حشد من أشباح
أخرى كئيبة تخشخش وسط أكوام من أوراق الأشجار
المتساقطة / الموت / الموت الحاقد / البشع / يطارد دائماً فرائس جديدة /
هنا ليل الأرض تنبعث منه رائحة الموت من غير ميتين
والموت خديعتنا التي لا تفلت منها إلاّ قناديل الشعراء /
هنا العدم المرئي والخفي الذي يخترق صخور العالم /
هنا شعلة الموت الغامضة / تدجن جميع الأشياء في هذا الكوكب البارد /
آه / أيتها الأبدية / ينبغي أن تسطع السنبلة / ينبغي أن نسترّد الخيال /
هل أمتلك القوة الكافية لأدفع عن حياتي هذا الرعب الكبير ؟
الزمن يتكسر / والموت على مبعدة ، وموكب عرس جديد /
موتي ورقة شجرة / لهبها يشتعل دائماً /
ماذا تعني طقطقة العظام للانسان في ليل العالم ؟
الشعير ـ عريس
الحنطة ـ عروسه
هل الموت عريس
والحياة عروسه ؟
يا موت ، يا عيدنا المرئي والمحمول فوق الأكتاف
لماذا نمشي في طرقاتك التي تبتلع ظلال حيواتنا ؟
حيواتنا أكثر من انتظار / أكثر من ليل لا ينقسم
أكثر من مياه مظلمة وعدوة / حيث يلتقي شعاع فقير بالرغوة العميقة للرماد /
أتقدم اليك يا موتاً لافح الحرارة وأسمع ضجيج انهداماتك
تحت الأنقاض المبعثرة في مرآة الوردة /
هنا خرائب الانسان العالية يرفع فيها الرعد استراحاته وأشعته
الزرقاء / هنا وجه الانسان المدهون بليل الموت
هنا الأيدي / أيدي الموتى المرفوعة في الصحراء / علامات مذاق
مرّ للنجوم المهمومة بزوالها / الدودة لامعة والعظام ساكنة
هل هذه جمجمة انسان أم خريف النجمة ؟
الموتى يذهبون بعيداً في ليل العدم / لا أحد يرافقهم سوى عواءات
الرماد / ومع ذلك يتركون لنا أغصاناً مطفأة من ذكرياتهم لئلا ننسى
أعيادهم وجرائمهم / وجوههم المعرّاة لرائحة الهاوية / ممتقعة ومحروسة
تستريح في بياض دموعنا التي تزين أرض أحلامهم المسيجة /
بلا شعلة ولا عري ينغلق على الفضاء / يقف الكوكب المهزوم تحت
قدمي وموتي رايته / حيث يستسلم صيف النهار / حياتي تتفكّك والهاوية
تفتح أبوابها للموتى الذين يتقدمون حشوداً حشوداً /
الهاوية بيضاء تحت سفح من الصقيع /
الدود الذي لا يقهر هو مديحنا الذي نرفعه للموتى والذي يشتعل
في سماء جريحة / مصابيحها أكثر تكسراً من عظامنا المأخوذة بزمهريرها
المكشوف لريش الضباب / آه / يا نفسي الجذلانة والمحتفلة بموتك العنيد
الموت وحيواناته الطليقة يرتع في حقول حياتي /
أيتها اللمعانات / إني أضمك إليّ / أستعيدك وأحضنك
ضد التجمدات وأحضن وشيعة المياه الكثيرة السهرّ في شفاهنا
حيث نتعرّى لهبوب الهاوية /
ينبغي للانسان أن يموت في شمس أمينة نافضاً عنه انهداماته
وليل البرد المتألق في طرق العالم حيث الضياء اللامحدود
لشواطىء المساء المليئة بالحشرات المشتهية عطوره / حيث العوسج
ينام حانياً على أرض عظمته الممسكة بالعدم /
موت خائن كثير العذوبة / ليست رؤوسنا فقط هي الناضجة أمام
السديم وليس الرعب المعرّش من قبل في المروج الكئيبة / ولكن
النجوم / نجوم ليل الانسان / تنحني كلّها وتبتهل في التفسخات الهزيلة /
في الشمس العارية / الوديعة / ثمة ميتة للانسان / حجرية / مهينة /
حاقدة / الليل الحرّ يدخل ويخرج من بوابات النهار / بروق عدوة
وملائكة متجهمون يجرجرون الانسان عبر دروب موحشة وثمة
رائحة دم في الهاوية المحروسة لهذا الليل /
الموت خديعتنا التي لا تفلت منها إلاّ قناديل الشعراء .


ذبائح مضيئة الى سهرات العالم

لا شمس حرّة تسطع في يدي / لا نار حصاد /
لا ذهب يمدّ أعناقه صوب الضفاف الأخرى /
واقف بين عشب رماد ، يسوّرني برد آلام متعفّنة ومذهولة /
عيناي مرمّدتان يستظل بهما نعيق غربان يطاردها صيف صمغي /
لي مظلة من دخان / ولي ذكريات شرسة أنبشها وأضمّدها في
المساءات المغمورة بالمستنقعات القديمة للحروب /
موتي يتبعني ولا يتبعني / آخيته / اصطفيته / حضنته / حنوّت عليه
بين أقنعة من فجر منبوش وفي السهاد / اللهب / فتحت له الأبواب /
الأسلحة المعرّاة للقصف ملكي وملكي الخزائن المطمورة في رمال الصمت /
السهاد تحت السهاد تجرّني قلاعه كما شجرة مرتجفة / السهاد ليل
الخرائب / ليل الوحدة المقوّسة مع قناع المشاعل الهاذية في نارها اللامعة والمطفأة /
تآكلات / حياتي نهر بلا جسور وظلمة يمرّ من تحت فراغها ربيع ميت يستقرّ
فوق أجفان تتجمّد بين العشب وبين الغبار /
فجر بارد على العشب المجنون يلمع مثل مصابيح لا تضيء /
هنا في هذا العشب المتألم / في عذوبة المياه المبسوطة والليّنة
مثل قبور أطفال جديدة / يكفيني صيفك / صيف الغبطة القليلة
والنوم المحموم بمذاقاته المزدوجة / يكفيني حضورك البهيّ والمستعاد
ثانية / يكفيني ذهبك الجريح واللافح في صمت الريش /
تقدمي أو لا تتقدمي يا فجرنا الواقف بين الأكتاف وبين القنديل
النائم / هانحن نرقبك يا ضوءاً مميتاً كما نرقب رغوة العدم الذي
يصارع في استراحاته العنيدة / أين شرارتك التي تبحث عن ليل الينابيع ؟ /
هذه الدمعة المتروكة لوحدها والتي تتسلل بلا حراك / هي دمعتي
التي تنهض فوق ملح الليالي المخرّبة حيث سطوع الأسلحة التي
تحالفت معها في الماضي والتي تتحرك الآن ببطء فوق ظلال يدي
المغروسة في ريش الشاهين /
الآن ـ أسمع عواء ابن آوى بين أشجار السرخس . أسمع صرخات
القرابين المنحدرة صوب أدغال العلّيق المستهزئة بفحولتنا ومدائحنا /
أسمع ذوبان الثلوج في لهب التحننات المسيّجة والمحروسة / وأرى الآن
في هذه المتاهة / العواء / أحلامنا المرعبة والمفككة تتقافز أكثر من
نجوم مختلطة بشفاه يدثرها الصقيع بصوته المرتعش فوق الشعلة الجذلانة /
في ساعات النار وفي ساعات المياه الساكنة / أتدثر تحت أعمدة ربيع تتأرجح
بين مرايا وتماثيل مهجورة / هل ثمة حياة تشبه تلك التي عشناها في الأنهار
التي بلا ضفاف ؟ / حياتنا الآن هاوية متروكة لسديم يعقد مواثيقه مع
الرماد وتنقصها الظهيرة المتمددة بين النجوم وبين الحنطة الزرقاء /
متى أسترد وجهك المنحوت في الغياب ؟ / هل أنحني عليك وأنت ترسلين
خطواتك مع بروق الموت التي تنقسم بين الرغبة وبين الصخر العاري
المحروس ؟ / العشب تحت شمس الألم يبحث عن أرض مرفوعة في فضاء
يومض بترائكه / هذا عشبك / عشب كلماتك الذي ينقع طرقك الهرمة
والمنزلقة صوب جرح النجمة الأشدّ تألماً من خزائن مهمومة بأسرارها /
لماذا طرقك مثل طرقي / مظلمة وغير منفرجة ؟
آه ، أيتها الأخت المباركة والمضيئة مثل سيف ملاك يحطم الصدمة
اللامرئية / سرورك في الشمس العليلة وهي تحمل صوفها المختلط
بالهاوية القريبة من أرض المياه /
طحلب وانتحار بطيء وانعكاسات ظلال خائنة وقبائل نمل تتقهقر فوق
رمال طرق حياتي السود / لكن هناك سهادات ، ومدائح من أمواس تصعد
في النهار وغيومه التي لا تنام / الأعشاب المطفأة خضر ومركومة فوق الصخور
الداكنة / هل الشعلة ندبة سوداء فوق مياه الليالي المتبخرة ؟ /
دموع / وتشردات وجنونات وشفاعات / تلتقي بخيانات من ليل الألفاظ المكسوة
بالريش / ببغاوات تفاجىء برطاناتها صمت العاشق / سرب كبير من الخيانات
المنقسمة على نفسها في جنون الألم / لماذا يستعجلني الموت ؟ /
هل أتخلى عن هذه الحياة المليئة بشرارات الألم وشواطىء الصيف والذبائح
المضيئة الى سهرات العالم ؟ / في الروح المنعزلة / في القبور وظلالها /
في شكوى الموسيقى النقية / في عناق الليل الذي تصعد منه غابات من الأنفاس /
ينمو الطحلب أكثر فأكثر في فم الشاعر /
عميقا في كلمة بلا ماء / أشعل اللامتناهي في أشجار مصنوعة من
قيثارات حمر وتظللني أرض الغيوم / مثل قبور مغمورة حتى أعناقها
في الفضة / كنت ذبيحة وصعدت / كنت محاطاً بهجومات ومذابح /
قلاع من نعاس / قلاع من وساوس / قلاع شاهقة في حصاراتها
ونذورها / ريش نحام فوق ضفاف العالم / أصوات صامتة تعكس
حروبا وتحالفات شمس مخفية في كهوفها ثمار ظلام يتهجى فضاء
الغيوم الأسيرة /
لتكن هذه الكلمات هي الراية التي أرفعها أمام الضباب وتكسراته
في نار العدم المتأهب للحصاد الأخير / ولتكن هي اللعثمة الجريحة
والساهدة في انقسامات الصراخ / صراخ الانسان النائم بجنب الفراغ /
ليل من الأعشاب المطحونة / مكتوبة على مراثيه تنهدات النهار /
ليل يتحالف مع اللامرئي ويتحرك في الضجيج المحموم للصحراء
التي تلامس شفاهنا / هو ليل الغيوم المرتجفة والمكتظة بأوراق البرد
التي ترتعش فوق الظلال الجافة والمتنهدة لكلماتنا التي لا تتقدم اليها الشمس /
أبواق بعيدة وجهشات / وفي العالم الكئيب / كائنات غامضة تسرق الشعلة .


سماء محيّرة بنرجسها الدائم

الحياة رواية سريالية /
رقابنا المحنية يرفعها الموت ويغطسها في الظلمة الداكنة للهاوية /
أيّة رغبة غريبة تدفعنا الى التعاطف مع موسيقى الموت ؟
أيّة ظلال وحشية تتقدم للتضحية بمصائرنا ؟
هل نحن ذبائح للحجارة الحصينة في الطبيعة ؟
شجرة الانسان الإلهية تتكىء على ظلالها وتنزف بعيون مقوّسة
في ليل الموت / كان ثمة سراج منطفىء وأحلام محترقة يترقبنا خلفها
الموت ببوصلته الكبيرة ونظراته التي تهرس الصخور / هنا الشعلة المحطمة /
شعلة الانسان المحطم وعطوره الصموتة في اللهب المتكوم فوق
الفناء / هنا العدم في طرقاته المشيدة من أوهامنا / يتتبعنا / يرفعنا /
يصهرنا / يهوي بمطرقته الثقيلة فوق رؤوسنا ونحن نغزل في صمت
الحجر موتنا / وموتنا يتسكع حراً في هاويته المتشابهة والمتحالفة مع
صراخنا المتلاشي / ماذا نكتب على التراب ؟ / هل نتوسد الصخور
في عزلتها وترملها ؟ / هزائم / هزائم كبيرة ودائمة / هزائم الانسان
المحفورة في لوعته الراسخة والشبيهة بساحل كبير / هزائم المحارب
الذي يغلق عرينه ويطفىء أغنيته الأخيرة /
أيها الموت/ تبقى سلطاننا الوحيد بمجدك / بغطرستك / بعظمتك /
بطغيانك / بزحفك الجبار الينا ونحن لا نملك إلاّ مصافحات استعارية
نستقبل فيها جيوشك المتجاهلة لتضرعاتنا / سنبقى عاجزين عن الوقوف
أمام جزرك ومدّك الذي يكتسح سدودنا وتحصيناتنا /
حيواتنا التي ننفقها على الأرض بلا طائل في التفكك والخواء / ونظراتنا
التفاؤلية / تنطرح صارخة على ظلمتك المتغطرسة /
هنا / هذه الجيفة المتعفنة / هي التجسيد الأعمق لثمرة عمل الانسان /
هي الرؤيا العنيفة للخليقة في صراعها ضد الموت / الفوضى المؤتلقة
والمتألمة لتناقضاتنا الغريبة / الموت / الغربال الذي يغربل عمل الانسان
وأحلامه التي تتصحر / الموت / يتقدم بافتتانه النيزكي صوبنا مصحوباً
بأصواته المتسلقة والتي تستحضر ضخامتها للاطباق على أعناقنا /
سماواته المحيرة ونرجسها الدائم / سماوات لغته التي تهجر العقل والتهكمات
الطفولية / الموت الرؤيوي الذي يتخطى بمجيئه شمسنا الحارسة /
أيّ معنى يخفيه الموت ؟ / أية قوة ترفع عظامنا في سقف الهاوية ؟ /
لماذا تعجز نيراننا اللامنهزمة عن الرؤيا الطليقة ؟ / نتأمل الموت
ونتأمل الانغلاق والهزائم الشمولية والمتلاشية أمام اللاأمل /
خطواتنا المنقادة والمنعطفة باتجاه الشاطىء المهدم للسقطات
المندفعة والمتوجة بالبرد الذي يستسلم لفجائعنا / كلها تتقهقر / اللاهوت /
السياسة / الجمال / الصروح العظيمة / الانسان وصخره الهش الذي
يصارع ضد البروق الشرسة للعدم / ينبغي أن نقتسم النوم مع الحجر /
القنديل مع الضريح / الاستراحة مع الكوكب /
وأنت يا عتبة الفراغ المستغيثة عبر الضوء المجهول للنبع اللامحدود
في وضوحه / أم الأمل الأخير ورغوته العميقة / وزّعي نفسك
يا رغوة النار ويا حجارة اليد المتنفسة / الغياب يسطع في الجمرة
العارية والوحيدة في طرقاتها النازلة / تقدمي / تقدمي يا عطور
الرغبات / يا أشجار اللازورد التي تبيض بين ظلالها أحلامنا المنكسة /
الخديعة ولا مبالاتها / خديعة العين المنقلبة / خديعة الموت في تفرجاته /
خديعة الموت في خموله وألفته الحميمة للأوهام الكسولة / حيث الظلمة /
السطوة تتقدم بتفجعاتها المشوشة / ظلمة السرور المحظور واحتراقاتها
الدائمة في الصدمة الجحيمية / ظلمة التحرر المتجسد على هيئة نغمات
منفرجة / الظلمة التي تقوض أدراج اللاهوت ووحوشه الغريبة /
الخطيئة والهرطقة تتكافآن /
هنا يموت العشب العتيق لملائكة الغبار / يموت الفلز وصراخه الأخضر /
وتنطفىء نظرات الانسان الشكوكية في تحليقاتها الشرّيرة والمنهزمة /
تموت دمعته وشعلة عظمته التي تضيء الدروب المؤدية الى فجر الأبدية /
دمعة الكلمة وروحها الساكنة والمتيقظة في موجودات الطبيعة /
ما الذي سيبقى سوى العواصف والثلوج وثمرة الموت التي تنضج في
الظلمة المتواطئة مع أرضنا الخائنة ؟ /
الثمرة العابسة التي ترتطم بقوة في أذرعنا المرفوعة للرطوبة /
الموت أم الزمن وريثنا الوحيد لأعمالنا البطولية ؟ .


الأضرحة / فضاءات سديم

لا واهب إلاّ الضريح
لهب
وما أكثر سطوع النيران على البيوت المهدمة في أقاليمنا /
نناديك أيها اللهب / يا لهب الأسلحة نناديك /
فضاءاتك فضة أضرحتنا /
هنا الموت العطري الأكثر حرارة من الرمل العاري / الذي له سفوح
شبيهة بجهشاتنا والذي يدركنا في الظلام / نناديك يا لهب الأمجاد
العالية علوّ آلامنا /
يا لأضرحتنا غير المفطومة / يا لموتنا الذي يثمر في كل حين /
الموت / الموت ولياليه المعطرة بشمس العراق / أين نهرب من موتنا العطري ؟
هل نتوسّد هذه الأسلحة الشيطانية / نعمتنا ؟
الأضرحة / سديم حيّ وفضاءات سديم /
فوق جبالنا المقصوفة يلمع القمر كما المرايا المتشظية /
أتحدّث اليك أيتها الفرائس المعلقة فوق رماد أهدابنا / الذهب في
النعوش والموت / نفاش في الأقاليم / والدم فوق السفوح ينشر
التماعاته المنعشة وسط السديم /
هنا بصاق الملك المسلول في شفتيّ الوردة / هنا أيام مسننة / أيام
سهادات كما صيف بلا قناديل /
من موت الى موت من أجل الموت / اتسعي يا أضرحتنا وليكن
سديمك ناموسية تغطي انشاداتنا الشجية / اتسعي يا أضرحة اتسعي /
بلاطاتك نهاية أحلامنا الذهبية /
رأسي يشتعل وفي القلب الأسود تنصهر الأحقاد /
تمهل / تمهل يا وقت القشعريرات / يا مناخ النداوة الهائم
ستعود الأيام القديمة ويرفع ذهبها الصليل /
هل للموتى تاريخ مغلق تحرسه الكتابة ؟
والظلمة /
الظلمة التي تواري النهار
من يفتح باب الظلمة ؟ /
مبنية بلحم وحطامات أسلحة متلألئة في هبوبها المساءات / والشوارع
مرمّدة وذهب السياجات تحرسه المروج / ومطر الرماد المقذوف
بشراهة يبلل الأضرحة ويبلل المشاعل والعيون / وتهبط فضة الضباب /
تهبط من هديل الأضرحة وعظامها المبعثرة في الرمال / رابطاً بالأصفاد
رقاب البغال والبهائم الفضائية أعود / أهتف في أقاليم الفجيعة / أنا القائم
في الترائك / أطبقت عليّ الأنوال والقوائم / وانشدّت علي أصابع الياقوت /
ومحاريث الكوكب العائم / هذا ياقوت الدم يزيح الأعمدة والمقابض /
سهادات / الآمال مطمورة تحت تراب البرد والقشعريرة /
الأضرحة / سديم حيّ وفضاءات سديم /
اذعني لمغلوبك يا أسلحة / الأضرحة أذعنت لانهطال السديم /
وها الأرض حشّدت غبارها واستجمعت نفسها السماء كوكباً كوكباً /
من الآتي في أسمال أحرقتها القذيفة ؟
عيون / أقواس نار
نباح / ليل عاصف وأرتال من القتل والاستلابات
ثغاء / سهرات في أقاليم الورد
عواء / كنوز حرائق وهجاء شعوب ذليلة
غناء / جروح أحدثتها الحروب القديمة
نهيق / عروش ـ شعوب منقرضة تصعد الى الهاوية
نعيق / ودائع ملوك في رياضيات أمينة
جعير / أقطان تحلج في مدائن مقدسة
فحيح / مشانق ـ نهارات شتائية كوشايات الأمراء
زئير / مواكب بمشاعل ودروع تبغية .

هل انتهت الحشرجات بين البلاط والبلاط ؟
هنا ظلمة آختها السلاسل هنا في الرماد الحيّ
والظلمة الأرجوانية تطقطق العظام
هنا كلمات الحكماء يمحوها حجر البازلت
{ فكرت بأنني قادر لا محالة على اقامة سلام وأن الروس متلهفون له
لكنهم خدعوني وخدعت نفسي /
نابليون

{ رأس بصل
غسل توا
يرتجف من البرد /
باشو
{ يلعن آباؤنا الزمن الفاسد
ويمضون الى قبورهم في النهاية /
ايدرين سسيل ريتش

النهار مغزل الظلمة في كل مكان تسحل ذيلها والحشرات
ونحن خيوط تسمع من بعيد / لمن هذه الأسماء التي يشطبها
الصوف / الدود ؟
ـ من الغازل ؟ سقطت
تقدمي غبت
تقدمي تدحرجت
يا سلاحف ورأيت الأضرحة غابات تسوّرها النيران والأحقاد
يا أضرحتنا الجميلة / بلاد من مخمل وحرير / فضاءاتها ذهب
الكبيرة / وأقاليمها رماد / الأضرحة تذبح أولادها / تطرد
دم الانسان حبر الله العصافير / تنفي الشعراء والعشاق وترّسخ الليل /
هنا شمس تتسلح بشمس / ولحى حديدية /
غزالة جريحة لهب شموع للأرض القتيلة
أحملك في حلّي طائر التم يحلق بعيداً
وترحالي / وأخشى تاركاً عشه
عليك من وحوش وصغاره العليلة /
تفترس المقدس هنا زمن الأضرحة تمثال محطم تتدلى من حنكه
والقصيدة / المخدد لحية خشنة مرت عليها قرون /
مدّي لي يداّ عبر سراب ورماد مهدم تنتصب خيمة حياتي
مدي رباطاً وعهداً مقنعة بموت متماسك / ربيع مظلم
ليباركنا القتل ربيع مظلم
بصخبه وجنونه ربيع مظلم /
هل تفضح النار الغيرة ؟

الليل العادل وسفوحه السماء اللازوردية
وسبوراتها / المراثي ومساطرها كلها تستظل
تحت بروق ضريحك اللامع / ليلك الأزرق
الطويل / ليلك جنان يسهر فيها الجمر
يسهر قمر الرماد والذهب البهي / يسهر
كوكب الحليب وصقر العيد .

انقتلي / انقتلي يا شرارات الموت / أيتها النايات المكممة شقيقة
السخام / ها أنني أرفع انشادي وأمزج النهار بالنهار والفرائس
بالفرائس / هنا الصفصاف في الغروب وارى الشمس / في
أقاليمنا الأسيرة / في أقاليمنا الأسيرة في الأوهام / تنهض
الانتقامات وتصعد / تصعد الشمس من رطانات الظلام / ماحية
عن جسد البلاد كل ندبة من الظلمة الوثيرة /
الصفصاف في باحات الأضرحة / ميسم
احتضار واستلابات تحرق
رمل التاريخ والأوهام .



نشيد لممالك الانسان

1

أحلم بالفهود والنمور والبوابات البابلية
بالقوارب والآلهة والقيثارات السومرية
بالنايات الغاديسية . جندياً كنت في فيالق { صن تزو }
وعرافاً في المعابد الأزتيكية . تهت في الصحراء أربعين عاماً / وفي بئر
وجدني تجار رومان / وقايضوني في تدمر
بحفنة زبيب . { ظللت كشاة ضالة } غير أنني اهتديت الى هيروشيما
وعدت منفياً بعربة حرب آشورية .

2

يا شمس الله / يا نجومه الزعفرانية /
ليهبّ ضوءك على حنانات الموتى / على قبورهم والحصاد /
قبور الأحلام خادعة الصيف / ليهبّ على الأرض /
أرض الامبراطوريات ومزارع العظام /
أنني أحيّي الأدوار كلها / المحتفلة والخائنة وأحتفي
بهجرات السلالات الغامضة وذهب النعوش /
حيث مجد الانسان يصعد من الينابيع العميقة لليل /
أغنّي شغف الأرض وشهوتها تحت الصاعقة /
أغنّي جمال الأقحوانة العارية / وطقطقة العظام
تحت الصخر / وأغني دموع القتلى في الليالي .

3

يا أرض الأحلام والمراسيم المختومة بالدم
يا أرض سهرات السيسبان
لي الجبال
لي الأنهار
الجبال قبري
والمياه عرشي /
على الأقاليم كلها سأطرح انشادي :
يا ايثاكا
يا قرطبة
يا بابل
يا صيدا
يا بخارى
من يدلّني على مشاعل لوط وسدوم ؟
من يقودني الى ثكنات اسبرطة ؟
سأغنّي مجد الانسان على الشواطىء الايجية /
أغنّي لهب الأرض وشراسة الأدوار .

4

يا أرض الطوفانات والأهرامات
أرض الأعراس والأرامل
أرض { يوبا } و { طوبيا }
أرض الغفران والمذابح
أرض الأديان والعلامات المضيئة
يا أحلاماً أطول من لدغة /
يا كركماً ينحدر من المسالك الغريبة للمياه البيزنطية /
احضنينا تحت أثدائك وعلقي عظامنا فوق الجبال /
يا أرض النحام
يا أرض الرمال السود
يا أرض الرماد والغيوم والزمرد والكمأة والعاج .

5

انخيدوانا / يا أخت اورفيوس / الى متى تبكين تحت فسيفساء الصيف ؟
هاهم تجار الاسكندرية جلبوا لك شجرة عرعر من جنائن الامبراطور
{ ثيوفلوس } سترقدين تحتها وتغنين نار حبي اللافحة / ستغنين هجرات
الطيور والعشاق والفرسان / وستسطع المشاعل أمامك على الدغل
والمرجان / على القلاع والزيزفون / على الشبوط والاسقمري /
ستغنين نار الحب الضائع في أرض المنفى :
{ على أنهار أوروبا هناك جلسنا وعلقنا قبلاتنا على الدر دار }
انخيدونا / أيتها المهجورة كمعبد
هل نستطيع أن نرنم { ترنيمة الحب في أرض غريبة } ؟
طوبى لمن يسمع جهشاتك ويضرب فيها ليل الحدائق البابلية .

6

منفيين جئنا أرض عامورة /: قال رفيقي :
ـ { سأفجر نبعاً في هذه البطاح الموحشة / سأشعل ناراً في
صمت حلباتها } لكن أمراء عراة يحملون صقوراً وأسلحة /
اقتادونا الى كهوف مؤنسة ونصبوا لنا المشانق ،
قالوا ـ { من أين جئتما ؟ }
ـ { من عهود الدم واللغات المتشظية المجنونة }
منفيين جئنا من أرض الهجرات المركونة في النار /
صعدت صوبنا الحروب والأوبئة وأحاطت مشانقنا / صيحات
آلهة الريح / قال رفيقي : { آه ، يا للعذاب ، عد أنت الى أرض
الوطن / عد أنت ودعني اقتل هنا } لكن صقور الأمراء شقّت
الصخر ورفعتنا من ليل الهاوية /
منفيين جئنا أرض عامورة ومنفيين خرجنا .

7

عم صباحا يا اغاممنون
عم صباحا أيها البطل
تعال الى بغداد الثكلى / الى شوارعها وخرابها وأنهارها الباكية /
عم صباحاً يا اغاممنون / عم صباحاً /
بغداد لم تعد تضحّي بأبنائها جرّاء غيظ عاطفي /
انها الآن ـ منهمكة بتضميد جروحها /
تعال أيها البطل
سيصعد القمح في الحقول
وتسطع حنينات العائلة .
8

تايريسياس / أنت شمس مصائرنا العمياء /
أيها القابض على جوهر هواجسنا المزدحمة /
عد الينا / الى أقاليمنا المحترقة /
أعمارنا مفتوحة لهبوب الدم والخراب /
هجرتنا الآلهة
والقيثارة
والغيمة
دمّرتنا غزوات الغوط والسلت والهون /
رهيبة اللعنة التي حلت علينا /
هل نوقظ الآلهة التي هجرتنا ؟
آه / ما أبشع الظلمة /
ما أبشع النساء العائدات من المقابر /
آه / ما أبشع الدود /
ما أبشع الأرامل العائدات من هاوية النحيب .

9


لك الجلال أيها إلاله العظيم
لك الشكر أيها القدوس
لك المجد أيها الباقي
جئت إليك يا إلهنا / جئت لأرى مخلصنا /
ليقف الهي على يميني / ليقف إلهي على يساري /
أيها الرب السلطان / العالم يغرق في الهاوية
ارفع العالم يا إله ولتشرق شموسك الخضر فوق حموضة روابينا /
لتصدح مزاميرك في أعياد جديدة / نحن رعاياك في هذه
الهاوية يا رب / ضعنا وضاعت خطواتنا في ليل المنافي /
افتح لنل دروبا توصلنا للطوفان .

10

أيها الهندي الأحمر في مكسيكو ستي
أيها التاجر الهندوسي في كلكتا
أيها النحات البوذي في كهوف الهمالايا
أيتها العرافة الغجرية في غرناطة
أيها الفيلسوف في باريس
أيها الصياد في غابات مدغشقر
أيتها العاهرة الابيقورية
أيتها الراقصة الرواقية
أيهما العلماء والقضاة والجنرالات واللصوص والملوك والباباوات
لنوفق بين الواحد والكل / بين الموت والحياة
بين الجحيم والفردوس
بين العقل والملاك
بين الماء والنار
بين الشوك والاسفنج
بين العش والموجة
بين الغصن والعرين
لنتوحد بالجوهر / صيادنا الكبير
ستارته في الجفاف
وطعمه في العدم .

11

أيها المحاربون البافاريون والكرواتيون / إنني ألعنكم
العن نابليون وصقره الامبراطوري
العن راياتكم البيض والحمر
الثلج الروسي مفتاح مصائركم
العن صقوركم ومدافعكم وأحيّي أرض الثلوج التي ابتلعتكم
ورفعت جرائمكم
الثلج الروسي مفتاح مصائركم .

12

انكسري أيتها القوة الغاشمة انكسري /
ستأتي عهود جديدة وتدمر في هبوبها العظيم هذه الجيف /
الأسلحة / النفايات / الطبول / الأمراض / القشعريرات /
ستعيد الزرقة لسهوبنا الناشفة وتبدّد الزمهرير والظلمة المجنونة /
ستتكسر المدافع وتسقط الأقنعة وتموت اللغات العفنة /
وتنطفىء الجرائم / انكسري أيتها القوة الغاشمة انكسري .

13

الإمبراطور جنكيز خان / بعد عودته الأخيرة
من فتوحاته الكبرى/ أعطى ابنته الجميلة { كاساني }
عقداً من اللؤلؤ
والجنرال وساماً
والأمير اقطاعية
والجندي رتبة
والبناء حجراً
والخباز قمحاً
والبيطري حصاناً
والأعمى عصاً
والصائغ ذهباً
والموسيقي بوقاً
والشاعر صفعة قوية
والفلكي مرصداً
والشرطي لصاً
وحين وزّع جميع الغنائم / التفت الى زوجته
وقبّلها منتحباً .


14

عرياناً أرقص في نور الله وتحت الأفلاك /
أهذي مجنوناً في نار الياقوت الشعشاع /
أقول لأوراد الليل ارتفعي / وللأرض اتسعي /
محترقاً بالنار وبالنور أطارد فراشات الانسان /
أخرج من قلبي سنبلة سوداء / أصرخ في برد
الأضرحة وتحت ضباب الفجر العاري / اقتربي أيتها الشمس
ولتزأر فوق الأرض الأبواق / اشتعلي يا نار الحب في ليل
الأحزان / وكوني في صحراء المنفى /
دليلاً للانسان .



أروقة من الدموع مشتعلة

حتّى الآن ـ ليس لي دمامل
هيأت لي فراشاً من التبن ولجميعهم قلت : { الموت المبعثر يدركنا
في الشتات } / سماء العالم مكفهرّة وفي الأفق أسلحة تتقدم
وصيحات نار / خوذات ترفعها رؤوس / رؤوس ترفعها شراشف /
وبنات الفولاذ يضفرن عويلهن وسط أنهار ونخيل وبيوت السيدة
الوحيدة / أخشى على سقفي من لهب الفولاذ / أخشى على حياتي
وكتبها المهدّمة /
ـ { اعطوني واحداً آخر / سأقتل كل نبتة في الوطن / قال الجنرال / } .
سلام عليك يا قتل / يا استلابات / في ليل من الجنون لا ينتهي / أشملك
بحبّي وأعطّر وجهك بالدم / قال الرماد /
ترفقوا / اسمعوا / الجنرال يئن : لا أريد الموت هاها / لا أريد الموت هاها /
ليغتسل الآن من معصيته ليغتسل /
سيدي / القبر العتيد بانتظارك حيث لا كفّارة ولا استغفار /
مد الكنغر يده في جيبه بعصبية وأخرج ميتته / قضى عليه الهمّ
بثقله الغلاّب / الجنرال نفسه / الجنرال حضر جنازته وعندما أنزل
تابوته الى القبر / أطلق الجنود النار تحية له / كانوا يريدون اخافتنا
فقط لأن بنادقهم محشوة بعبارات فارغة /
لكن كيف ننسى تلك التنكيلات التي ألحقها بنا الجنرال ؟
في تلك الليلة الثقيلة زحف كل سكان الثكنات صوب بيت السيدة
الوحيدة / لست أدري كيف يمكن للنهدين أن يسعا كل تلك الأسراب
المغيرة من الطائرات القاصفة ؟ / سيدي / الحصان معد لساعة الهزيمة /
هل تنحني مرغماً أمام روعة الذبح ؟
ثلاث سنوات مضت كان الإله رحيماً بي فلم يعيدونني الى جبهة
الحرب في الشمال ثانية بل بقيت في زريبة العجول في مزرعة
الألبان حيث أساعد العمّة الأرملة /
صرخات / صرخات في الشوارع / أمل أذنك واسمع / من صافقي
الكف هذه العواءات / ضاقت يدك يا سيدي / عيناك تنظران المصيبة
ولا تنهدم / سهادات / سهادات لحماية أنقاضك والفخفخات /
الأيام
أيام شبابي
تتقاطر قبورها التي من غير حجارة الآن صوب تويجات الليل /
متصلب وقبوري زمن العظام هذا / ينفث الدم ووجهي ماكث
في الخواتيم / ماتوا والزمان في أول شبابه /
يا أخت الشتاء / أكلّما تغضنت البراثن / نشفت روح الشعر المجيدة ؟
أقول مرحى / مرحى أيتها العزلة الجميلة / مرحى أيتها اللوعة /
تكسرات في لمعان الأحجار الكريمة /
تعفنات وهزائم في يد جنرالنا المزيف / أيتها الجمالات /
أدعوك نفايات / الصقور الجاثمة على السطوح وهي آلامي تئن كما الساعات /
حصان الطاغية يصهل في مستنقع الهزيمة /
أيها الموت / يا موتي / أشجارك أصابعي / وأنت تتضرّع لكي
تقبلني / لا تنس السكين الحمراء / اربط / اربط الى عنقي السكين
الجميلة / اربط الى قلبي السكين حتى أتبعك منتشياً بدمي المنذور /
أيها الدافىء يا موتي / يا موت اسطع / اسطع مثل ذهب القرابين /
صرخاتي أبواق مكممة والظلام لم يكن نهاية الظلام /
من يقودني الى الأضرحة وجمالاتها ؟ من يعظني في المعصية ؟
عبرت جحيمات الحروب وفي حقيبتي قنديل الله وشعلة القصيدة /
تغضّنت روحي ولمعت من الموت كقبلة العاشقة /
ألف سرور وسرور وهذه الطبول والأبواق تراقص شقائي /
أين قمح سنواتي الذي يترقب أمطار المدفعية ؟
اسكب كخمور ضوءك أيها الموت الصديق /
أيامي الماضية نساء مؤتزرات بقذائف ثقيلة وحياتي الآن مهشمة ككسر
هواء يتنفسها الرماد / الآن صرت كغمامات الحديد / كلوعات الصفصاف /
لا نسمة
لا سنبلة
هذا الجسد المثخن بالنواح / خرائب نفخت عليه الحروب سخامها /
أقفالك أيها الرعب على فمي وقمحي / العلف لكهوفك السود /
أمشي بين أروقة من الدموع مشتعلة /
كانت هناك أيام تدمي / والمجازر تحصد الجميع / كانت هناك انتهاكات
واعدامات تحيط بنا / كانت هناك مشانق وأعراس دموية شرسة ومظفورة
تنتظرنا / نعاسات نووية / واستلا بات في الوسائد / كان الموت رائعاً على
الطراز القديم / طعام مشتهى ومقصلة في حديقة الوطن / وكانت الديون
تأتي الينا ثاغية كأسرى الحروب /
لي نيران الوصية
الآن ابدأ مديحي :
الناصري : يجلس في التابوت / وهناك فوق التابوت ثلاثة أنهار للوعة .
الناصري : يحصد الموت في { الرفاعي } ؟
الناصري : يشم عفونات في نهر الفرات .
الناصري : يزرع القصائد الى جانب أحد الأضرحة .
الناصري : يقدم قرباناً من سمك الشبوط الى { الناصرية } .
انظر الى الفضاءات / وتنال الليالي قناديل أحلامك /
عظمة ساق قصيدتك / جبل في { ديره لوك }
أقفال على الفم
أقفال على الفم
والرطانات ينشرها الهواء في كل آن /
أحييك أنت يا نفسي المبجلة / يا سيدة الهدوء والعاصفة
لا أنام في بيت عمودي / كي لا أرى بعيراً أجرب :
ا ـ له عرف ديك .
ل ـ يلبس تاج الأرض وتاج السماء .
ن ـ النظير الانثوي للآلهة .
ا ـ شقيق الرخام وناياته السمر .
ص ـ أخت أوزوريس وزوجته .
ر ـ العصافير / السهاد ـ تظللها شمس السهاد .
ي ـ دعني أعض زندك الشبيه ببطيخة حمراء / ليجعلني الظلام صانع أدوية /
نبي ومعصية / العيد والأم قتيلة / { أقول لك انه ذكر / وتقول لي احلبه }
قيلولة أكثر وحشية / لا أحد يجهش جهشات طويلة مثل جهشاتي /
جديلة العيد / والعيد عوسجان / كم قتلوك في الحرب وكم سحلوك
ما الذي أفادهم ؟ أين الرايات التي غنموها في حروبهم المجيدة ؟
كومة خراء هو كل ما يبقى من مجد الجنرالات /
وأنت / ماذا تفعلين بهذه الخيانات / يا ابنة نذوري ؟
عرسك معروف في ليل الأسرار / عرس اخفاء الجريمة /
كنا ندق حدوة للحصان / رفع زوجك قائمته وقال : لا تنسوني /
كل فتيات الوطن / الثكنة / لك ولكنك عنّين أيها الطاغية /
وبقيت واقفاً عند القبر الأخير / والى هناك قادتني الطعنة الشجية
آه / يا حبيبتي ويا شبابي الدامي / ثم بصقت على صورة الجنرال
وكل حياتي العسكرية / أشعر بطعم الزفت والزبيب في فمي /
ثور معلوف بخسارات / دم أسود / قناع رعد / واخلاد بلا حصاد .



بين عقيق الأيام ووميض أعمدتها المتصدعة

جنرالات الحرب وضعوا أسلحتهم وخرائطهم فوق المرحاض وذهبوا الى النوم /
خطط الحرب تدور حول نصيف الناصري / الشاعر السكران في حانة سويدية /
على الجانب الآخر من العالم / أعياد كبيرة بوسعها أن تجعل الظهيرة المضطرمة
أكثر نعومة من القطن / انها الحرب تحاول تدمير رغبتك وصحوك /
فوق مآذن بغداد
تطير حمامة
شقراء جداً
سوداء جداً
بيضاء جداً /
أيتها الحرب
أيتها الحرب
قلبي انصدع
قلبي انصدع
حبيبتي الحمامة
حبيبتي الحمامة .
كما في قصيدة لأحمد شوقي : { شيّعت أحلامي بقلب باكِ } /
ذهبت الى الحانة مفلساً / سكرت وعربدت وحين أمروني بدفع الحساب /
انسللت كالصل من الشباك / كانت الحانة مكتظة بالبحارة والأرامل وحيوانات
السيرك / وفي الخارج يتعثر القمر في الثلوج / وفوق أمواج البحر القريب تطفو
ساعات الذين عبروا ولم يخلّفوا ندوباً / هل يمكننا اعطاء فكرة ولو غامضة عن
كوننا سنرحل نحن أيضاً ؟ / العالم صامت في ظلمة الصقيع / ونحن أنفسنا نلتحف
الصمت ولا نرغب في أن نفتح جرحاً / حتى بعد لقاء في حلم مع طاغية /
حتى بعد تذكر أطفالنا الذين قتلوا ؟ /
بعد سنوات /
التقيتكِ بمحاذاة شجرة الحنّاء في أرض الحلم / كلماتك الغريبة التي اقتلعتها
أنهار القرون التي ذهبت لتنام / تحطمت بلا ضوضاء / وأغنيتكِ ذات الأحراش
الزمردية / يبست في الينبوع / بين ذراعيّ ناره الزرقاوين / قلت لك سأموت
تحت أعلى نجمة في جبينك / وبكيت طوال الصيف في { الناصرية } /
بكت معي الأشجار والأحلام حتى تبللت أهدابها / وها انني الآن _ أتقدم حافي
القدمين صوب سهرات حدائقك المتألمة / لا ينعس حبي في النسيم ولا في الحجر /
الآن _ انتهى كل شيء والطيور رحلت وأضواء حبك أخفاها الغياب وأحاطت
بي سياجات الوحشة / هذا القنديل المضمّد والمعلق فوق الأسلاك الشائكة هو كل
ما تبقى من شفاعتك / يسهر ويتململ في سرير المنفى / العاشق وضعه هناك /
تائهاً بين عقيق الأيام ووميض أعمدتها المتصدعة /
راكضاً صوب السهاد / يخضّر السأم ويعين السطوة عليّ / أختبىء في ساق نبتة وأعدّ
براكين حياتي المشدودة الى الطمأنينة / في الحرب أطلقت النار على طوابع البريد وأسرار
الناس وملح الأغاني وكركرات الأطفال وقبلة العاشقة ومستشفيات الشمس /
وفي الحبّ / كنت أغار اذا انحرفت الأنهار باتجاه الصحراء / ولا أبكي اذا الأرض المزدوجة
للألم صعدت صوب اليد أو الرقبة / وفي الموت الذي يحفر في ليل العظم / أضعت إلهي بين
أغصان المدافع الرشاشة / قمت برحلات تتحرك معي السنابل والعصافير / شعوب كثيرة
أيضاً عبرت الجبال والبحار باتجاه المنفى / طبعت أسلحتها غبطة وحيرتها مشاعل /
في حرير الفجر / بمحاذاة عظاية تنحني متمتمة أمام رمل أسرارها / ونمور حياتي الماضية
تقتسم صمت الليل وطرائد الحقد والضغينة / سأترقب الملاك / القذيفة
ثم أموت لأراه في انعكاسات اللاوعي المفعمة في تمددها / الأدغال الكثيفة
لشاهدة الحبّ / الحرب / منحوتة في شقوق الزمان ومغطاة بغبار الذكرى /
هل نموت بالقرب من كوكب الأغلال أم نحيا في فضاءات اللاعدالة ؟
كلّما ماتت امرأة أحببتها / تفتش عنها كل كهوف العالم / لكنك في ذروة
لا يقينك / تعود ومعك دولة / وكصيّاد متهرىء الأسمال / تعبر النهر وتنسى
الغنيمة / لا شيء يطفىء رغبتك ويأسك / ستظل منبطحاً في صبّار الليل تنتظر
شرارة الهاوية / تدفن الرغبة باندفاعاتها العظيمة نفسها في شوك نعاسك /
وتتنهد كشجرة محملة بالصخور / في حديقة النجمة واغماضة البركان /
ريح السموم فوق شفتيك تترقب انغلاق الأنغام .


أعلى من قمم الجبال

1

أعلى من قمم الجبال كنّا ندعو الموت الى الاحتفال لنمجّده في النار
القوية / لكن الموت لم يكن نهاية العالم / كان الموت في جوف الجبال /
وكانت الجبال في جوف الموت /
هل كنت أنا مع الموتى الذين يغنون المراثي تحت القناديل المخفية ؟ /
فوق أسوار قلعة آلامي / كان القمر يجلس مصاباً بالجدري /
كانت البراغيث تزحف صوب جدران البيوت / في الوسائد الطينية /
في الخزائن / في صناديق الحلي / في أعشاش الطيور / في الثياب / في
الشفاه الناشفة / .

2

تحت الشمس العراقية
فوق أعمدة بعلبك
في فحم جنائن بابل
في ينابيع أرض جاسان
عبر غناء ودبكات الفرات
رأيت مجد الانسان يصعد صوب الفضاءات
الى الغابات العذراء والأصقاع القصية حيث ظلال الله
وحب الانسان لأخيه الانسان
وأنت يا قلعة آلامي / يا مدخنة / يا حديقة زفت / أسلاك شائكة /
حيوانات نافقة / أمراض / نفايات / موت يتثاءب في أصص الزهور .

3

أيها العمر / ليس ثمة وقت لأرثيك
أو أرمم أيامك المحطمة الفقيرة
أو انظر الى ماضيك
ولا أدغالك التي لطخّها الرماد
ليس ثمة وقت يا شبابي الدامي
يا فحماً يحترق /
فوق أسوار قلعة آلامي قلت للموت :
ارفع مكرك
ارفع نذالاتك
ارفع خياناتك
ارفع اللامبالاة
ابتعد عني / ابتعدي أيتها الدودة / يا لزوجة وعفونات /
فوق سفوح جبل { حصار وست }
فوق جثث ورسائل الجنود الذين يسهرون
على أشجار البلوط المحترقة في { جومان }
على آمالنا التي تهدمت
على شيخوختنا المبكرة
تربض القشعريرات بانتظار موتنا القسري .

4

وحدنا عبر الجروح التي تقرحت
عبر البكاء الوحشي / السهاد الدائم
وحدنا نصرخ فوق الجبال / تحت القصف الكثيف :
كَرده مند / بقدميه الكسيحتين والميت منذ عام 1983
كَرده كو / الجاثي أمام الكتل النارية والذي يقيء كل ليلة قتلى وجرحى
كوردي / الميت وفروته المحترقة
زرار / وحافاته الغربية التي تتضور جوعاً ولا تشبع من القتل
كردي هلكان / المتشظي بسبب تغريد بلابل المدافع المستمر منذ سنوات .

5

دم يصرخ في ليل حروب غادرة /
تمزقات عميقة يصعب تضميدها
الخديعة / الابتزازات / الاعدامات التي تتجدد في كل لحظة /
لهاث الشمس المحتضرة فوق دخان العراق /
نقالات اخلاء القتلى الدبقة /
مجازر مرئية وغير مرئية / يسكت عنها الصديق والجار وبن العم وبن
الكلب / أولاد القحبة /
مجازر / جراثيم حروب /
تتكاثر في النار الدائمة السواد / لتحرق أرض الذهب / السواد .


موت يحلم بحرارة شمس الصيف

1

قذائف ثقيلة / صليات رصاص / خنادق مقصوفة / دخان /غبار ملاجىء
تحترق وتتناثر في الهواء / قمل يعشّش في الأجساد / ثلوج / ثلوج /
حنينات متجمّدة / موت متيّقظ يتربص بنا ويطلق قذائفه باتجاهنا دائماً /
خطوة / خطوة تتعثّر حياتك فوق الجبال الكافرة /
أيها الصعلوك
الشاعر الغجري
هاهي أحلامك تذبل من شدّة الدويّ / الأشجار الكثيفة الظلال
والصقور الأنيسة والطبيعة بثرواتها التي لا تنتهي
والآمال / ربيعها الأبدي يحطم القشعريرة .

2

بين قبر وآخر / تنوب النملة عن الفراشة
ينوب الغاز عن الهواء
ينوب الميت عن الحيّ
ينوب الليل عن النهار
ينوب النشيج عن الغناء
تنوب العقرب عن القبلة
ينوب الثعلب عن الأسد
تنوب طقطقة العظام عن الموسيقى
ينوب الخفاش عن العندليب
تنوب الصفعة عن الحلم
ينوب العظم عن الشجرة .

3

وحشة الجبال المهيأة للموت / والراجمات / والمدافع / والصواريخ /
وقصف الطائرات الذي لا ينقطع / ومدافع الهاون الرجيمة /
والميتات التي تموتها عدة مرات في اليوم / والخوف الذي لا يوصف
وشماتات الشعراء / الأبواق الذين يتوسّدون أذرع أبقارهم
في أسرّتهم الوثيرة تحت أضواء بغداد التي تنسانا في صراعنا
ضد الموت / الموت الذي أعدّه مغول القرى المنسية /
القمل يأكل جلدة رأسك في الملاجىء التي تقصف دائماً .

4

هنا أصابع بلا خواتم
سيقان من خشب
هنا برد يحفر العظم
والقبور جائعة /
المخاوف والثلوج رابضة على أعناقنا / على احساساتنا والأصابع
والحناجر والعيون / هنا موت يؤجل موته /
موت يحلم بحرارة شمس الصيف وأنين الجذور/
هنا القلب الأكثر رقة هو الأسبق لاستقبال الموت /
هنا نهر الموت الكبير يجرف الضوء والحديقة / يجرف الغصن والايماءة .

5

يا ثلج / ابن الظلمة
يا دم / ابن الرماد
يا رماد / ابن الحرب
من يعيد لحياتنا عافيتها القديمة ؟
من يعيد للحبّ ربيعه وللميت حنينه ؟

كم ميتة أخطأتنا ونحن ننتحب حول جثة الشمس ؟
يا ليل / خذ الظلمة .


صور من معارك جبل { كَرده مند }

1
لا الليالي الثلجية الكافرة
لا الكلاب الجائعة الشريدة
لا الكروم النائمة التي يقتلها الزمهرير
لا الجزمات العسكرية القديمة / وقود النار
لا الأكف العارية التي تلتهب برداً
لا دويّ القذائف
لا رائحة البارود
لا صور النساء المعلّقة على جدران الملاجىء المتآكلة
لا الاجازات الدورية المؤجلة
لم يبق أيّ شيء
كل الصور انمحت يا كّرده مند /
ما جئتك لأصطاف أو ألمس النجوم فوق قمتك التي تقصف ليلاً ونهاراً /
صخورك الكافرة تسلقتها صخرة / صخرة /
وفي سفوحك الحاضنة قبور الأكراد / رأيت موتي بقوادمه المحفّرة /
رأيت أحلامي تنطحها الأوامر العسكرية /
الآن _ لم أعد أنتظر القصيدة / دفاتري ومصطلحاتي نثرتها القذائف /
فيما مضى كنت أكتب عن ليل رومنتيكي وأحلام /
أو أتنزّه قرب شواطىء محملة بتغريد البلابل / وأتكلّم مع أصدقاء في مقهى
أو بار / ما العمل الآن ؟
تحت هذا القصف المدفعي الرهيب /
لم يعد الموت غولاً شعرياً /
ولم يعد الشعر مانعاً طبيعياً /
هنا في هذه الملاجىء المقصوفة بصواريخ الراجمات والطائرات والدبابات /
يرقد آلاف الجنود القتلى / بأعمار لا متجانسة ومن مدن لا يعرفها حتى الله /

2

ليلة البارحة / تحت قصف مدفعي كثيف /
حاولنا اخلاء جثة آمر الفوج الرائد الكردي سردار أحمد هادي /
منذ عشرة أيام وجثته ملقاة فوق الصخور /
{ الأوامر تنّص على عدم اخلاء الجرحى والشهداء أثناء الصولة } .


3

رياض كريم /ستار جبار / قاسم حمودي / ابراهيم عباس /
منير غريب / علي وهاب /
{ لم تخل جثثهم لقربها من مواضع العدو } .

4

أستطيع الآن أن أبتر يدي /
أصرع ضابطاً في فرقة اعدامات الفيلق /
أو أصعد الى الله في خمس دقائق على دراجة شعرية /
لكنني لا أستطيع الآن أن أحضر مشهداً لقصيدتي الجديدة /
في بغداد يكتب السادة الطراطير /
قصائد عن حرب لا توجد إلاّ في موائد سكرهم /
وكتبهم القومية المصفرة .

5

أيتها المخيلة / المجاز والاستعارة /
هل لي أن أرى وجه صديقي اليزيدي خديدة رشو /
أو وجه أمي الباكي ؟
في الموضع الدفاعي المكشوف / لا أفكر بأحد ما / لا أتذكر أيّ شيء /
ربما أشتم نظّامين في بغداد لم يتنفسوا دخان الحرب /
هذه الصواريخ الرخيمة /
قنابر الهاون 120 ملم /
أطلاقات ال BKC /
أين تسقط { رماحها } يا مناويك الشعر العمودي ؟ /
تعالوا انظروا الموت فوق كَرده مند .

6

أيتها القذارات /
العفونة /
قمل الحرب /
يا فراقنا القسري عن الحياة الانسانية /
من الملوم ؟ /
يا إله / رب البول والبراز / خلصنا /
هل لنا حياة فوق كوكب آخر ؟


1988 . الأنفالات . بعض الهوامش

اترك الساعات
اترك الحديقة
اترك حبيبتك
اترك العطور
اترك الخزانة
اترك الأطفال في المحطات
تعال انظر الى جثث الأكراد / الى أنهار دماء الأكراد /
تعال انظر الى الجثث المجهولة في القرى والوديان وفوق الجبال /
في جيشه كه
وجمباره وك
ورايات
وديره لوك
وميركَه سور
وماوه ليان
وطق طق
وكوي سنجق
تعال انظر الى أجساد الأطفال والنساء والشيوخ الموشومة بالشظايا /
ومنظر فأر يجرجر نفسه بعيداً عن جثة جندي قاتل وقتل فوق جبل
كَرده مند / والفأر مكظوم مهضوم حتى انه لا يستطيع أن يرفع كرشه
المنبعج عن الأرض /
الآن _ يوجد هذا الرماد / هذه الصرخات التي تصعد الى السماء ونجوم
من الألم العميق تسطع فوق أغنيتي المتورمة / متعباً / جائعاً / جريحاً /
أجبرت على صعود جبال كافرة / نزفت دمي وأيام شبابي / ماذا جنيت
سوى هذا الشقاء الرهيب وهذه الجروح التي لا تلتئم ؟ /
في اجازتي الدورية السابقة بعت معطفي العسكري في سوق { الهرج }
بسبعة دنانير / كنت مفلساً وجائعاً / كنت غائباً على الاجازة ثلاثة أيام
وأخشى الاعدام / لم آكل شيئاً ولم أدخن سيكاره / صديقي الشاعر المسلّح الذي
يعمل في { مجلة حراس الوطن } ببغداد / وينشر كل يوم قصائد تمجد الحرب
قال لي : { اشتريت هذا اليوم
زبدة دانماركية وزجاجات ويسكي فاخرة } / وقال : { عشيقتي اتصلت هاتفياً /
أخبرتني انها ستجلب لي ربطة عنق وبدلة جديدة } . / قلت له : { أدخن روث
الحمير وأغنياتي نهاقية / أدخن روث البغال وحبيبتي سحاقية } /
{ أنا لا أقول شيئاً عن سجوني ولا عن ملايين الفقراء /
أجلس أياماً على حافة السماء وأحدق بلا انقطاع في دورة
المياه / و عندما أذهب الى الجنّة / أسكر ولا أهدأ أبداً /
يظن الله انني على ما يرام / أما آمر الفوج فيظن انني مصاب
بالحساسية / والحقيقة انها عقابيل داء الجرب الذي أصبت به
عندما كنت نزيل سجن الموقع في أربيل } /
انني متعب الآن وأحاول اراحة ضميري /
لكنني لا أستطيع التخلي عن هاجسي /
أحلم بالحصول على خيمة /
أو عربة قطار قديمة /
أو زجاجة عرق أحتسي نصفها في المساء /
أحلم بالحصول على نصف متر من أرض الوطن
أقف فوقه كاللقلق في نومه /
مكتب المعلومات في مركز الشرطة يقول : { حدّد مكان إقامتك /
حدّد مكان إقامتك } /
أحلم بماذا ؟ /
سركوت عبد الله أعدمه رجال الاستخبارات في مقر الفيلق /
دلشاد كاميران اختطفته دورية الأمن العام في { دهوك } ومازال غائياً /
الشاعرة انخيدوانا هجرتني وتزوجت { عقيد متقاعد } من دائرة الأمن /
جان دمو في حانة ولا أريده أن يصحو } . /
صعدت جبالاً تحترق / وصعدت السفوح / جفّ الدم وجف الخوف /
وما جفّت الجروح /
في { كَه لاله } قبل العرض الصباحي للفوج كنت أمسح عيني وأمشط
شعري بالمطر / وألمّع جزمتي العسكرية بزيت محركات السيارات وأتبول
في برميل النفاية الموضوع في الملجأ / لأنني أخشى الظلام في الخارج
وفي البيت / لا أنام تحت المروحة لئلا تسقط فوق رأسي / ولا أتعرى
في شلالات { ديكَه له } / خسارات وأحزان العالم كلها في جيبي /
أصرخ أو أنهق وسط مقبرة مهجورة في { قصروك } غبر مكترث
لاحتجاجات الموتى / مطرود من الحياة على يدي الحياة /
أرسم في صراخي صورة لحياتي / أو وجه امرأة أحببتها بعد خروجي
من السجن بسبب الهروبات المتكررة من الخدمة العسكرية / كانت جميلة
وتتغنج في الشعر / تركتني بسبب حبّها للمال والبحث عن الشهرة /
كانت تقول لي : { أنت شاعر مفلس ومغمور / أنت صعلوك / غجري
متسكع / حمار أحمر ومحمور } . / كنت أقول لها : { أنا أبحث عن ذهب الأزمنة } /
لا مقدسات /
لا غفران /
يقول الجنرالات { الموتى حيوانات انقرضت وتعفّنت تحت التراب }
أنت مدنس : { يقول الجنرالات } / عظام محطمة تحترق في أحلامي /
لمعان موت يخطف البصر / وليل جرائم الطاغية / أنفاق لا أبواب لها /
أعمى تقودني العفونات من هاوية الى هاوية /
لا نبع لي /
لا سراج /
أحمل جثتي منذ عشرة أعوام في بدلة عسكرية / أحمل الخراب ويدي تقطر
دماً / أحمل الترّهات / طموحي أن أكون رأس عر فاء سرية / على الرغم
من انني شاعر /
انني متعب الآن وأحاول اراحة ضميري /
عام 1988 في الأنفالات المشؤومة / كان الطاغية يطارد الأكراد ومواشيهم
في الطائرات والمدافع الروسية / وكان الجنود يدخنون تبغ { راوندوز } ملفوف
بمنشورات الحزب الشيوعي المحظورة /
هل تغفر له القبور التي هدمها في وادي { شه لغه } ؟
هل تغفر له الأكواخ التي هدمها في { قصروك } ؟
هل تغفر له الأشجار التي أجتثها في { كاني ماسي } ؟
جرائم دبقة تسطع فوق شمس البلاد الجريحة /
جرائم عفنة /
نيرانها تميت النهر والحديقة .


حلم في الزواج

1

فتاة مغربية تبلغ من العمر 29 عاماً ، حسنة الأخلاق ، مقبولة الشكل . تعمل خياطة في إحدى
الشركات ، تقدس الحياة الزوجية وترغب في الزواج من شاب عربي ، يتراوح عمره بين 26 و30
سنة ، وضعه المادي متوسط ، حسن الأخلاق ويقدس الحياة الزوجية ، مستعدة للاقامة معه في أيّ
بلد .

2

فتاة عراقية تبلغ من العمر 31 عاماً ، من عائلة تهتم بالفنون الجميلة ، شقراء طويلة ، معقدة شوية
تقدس الحياة الزوجية ، أنهت السنة الثانية من الدراسة في كلية الفنون الجميلة وتركتها . ترغب في
الزواج من شاب عراقي مثقف يحترم الحياة الزوجية .

3

فتاة مصرية تبلغ من العمر 28 عاماً ، بيضاء البشرة ، جميلة ، مثقفة ، تعمل مدرسة في أحد المعاهد . تدّرس الخياطة وتجيد الطبخ والأعمال المنزلية ، ترغب في الزواج من شاب عربي مثقف ، ميسور الحال ويقدس الحياة الزوجية .

الآن _ سأحدثكم عن الأفعال السرّية
عن رجال الدين الذين يهمسون بشهوات داعرة للفتيات المراهقات /
كم من زوجة متشوقة الى أفعال الأرملة / منحت زوجها عند ميعاد
نومه / الشراب الذي أتاح له نومه النهائي على صدرها ؟ /
كم من شاب يافع استعجل ميراث والديه ؟ /
كم من شابة جميلة / لا تخجلن أيتها الجميلات / حفرت قبراً في الحديقة /
داعية اياي أنا الضيف الوحيد / لحضور جنازة رضيع ؟ /
سأدلكم على أماكن الجرائم كلها / سواء كانت غرفة النوم أو المسجد
أو الشارع أو المصنع أو الحقل / وسوف تحزنون لمرأى الأرض كلّها /
والآن _ ها انني أعود في إجازة من جبهة القتال / محبطاً ودائخاً
أحلم في الزواج / لكنني لا أعرف أيّة امرأة /
هل أتزوج من امرأة من دون أن أعرفها أو أعرف ماضيها ؟ /
من يدري ؟ / ربما تكون عاهرة / وحتى لو كانت عذراء فمن المؤكد انها
أجرت عملية جراحية لخياطة ثقب فرجها / هذا عدا مؤخرتها التي ولجت
فيها الأعضاء المصابة بالسيلان /
هل أهرب من الخندق وأذهب أفتّش عن فتاة تصلح أن تكون زوجة ؟ /
ربما أجد فتاة جميلة تعمل بائعة في مخزن / لكن هل سأعجبها ؟ /
هل ستوافق أن تتزوجني ؟ / ستوافق بلا شك / ستوافق ، لأنها دائخ ومحبطة
مثلي والرجال في الحرب /
سنتفق على تهيئة مستلزمات الخطوبة وكل شيء / سأرتدي ملابس جديدة أرسلها
لي سليم بركات من قبرص / وسأذهب برفقة أصدقاء أجلاء : /
حسن النواب بعد أن يستحم ويزيل القمل من فروة رأسه /
وكزار حنتوش الذي سيصلح حذائه الأثري ويقص شعره الشبيه بعش اللقلق /
وجان دمو الذي سيكون مخمورا كعادته ويحيي أهل الفتاة هكذا : /
{ ها / أولاد المراحيض / ستزوجون بقرتكم لهذا الحمار } ؟ /
سنتفق على حفل الزفاف وشهر العسل ودعوة الأقارب وبقية الصعاليك الأعزاء /
سأشتريها مثلما أشتري أيّة سلعة من السوق / وستتغير حياتي بعد أن أصبح زوجاً /
لا خمر /
لا صعلكة /
لا تسول /
سأجد في البداية صعوبات في البحث عن بيت للايجار /
وشراء الخبز والباذنجان /
والحاجات المنزلية الأخرى /
سأعود من جبهة الحرب يائساً ومنهكاً / وأجد زوجتي عند النافذة تلقن الأولاد
الآداب الاجتماعية / ستنظر إليّ وانظر اليها من دون أن أحييها /
وستسألني عما اذا كنت قد نمت في غابة وحلمت بكابوس عن زواج السحرة /
هل كان أبي وثيق العلاقة بعائلته ؟ /
هل كانت أمي ترفع وجهها الى السماء وتقول له / : { أيها الرجل ، تماسك ضد
الشيطان } ؟ / لكن أبي الشبيه باعصار / كان يأتي كل مساء بحزمة حطب / وبعد
الصلاة يحرق الرب وستة من ملائكته /
هل أتخذ من رصيف بعيد مقعداً لي / رافضا العودة الى البيت ؟ /
ربما أسمع هناك صوتاً بعيداً / صوت زوجة شابة تعلن نواحها ولكن بحزن غير أكيد /
طالبة صدقة ما / لربما يحزنها أن تحصل عليها / في حين أن الجمع غير المرئي من ملائكة
وشياطين يدفعونها للتقدم / سأصرخ مقهقهاً / : { ضاعت زوجتي / لا سلام على الأرض /
والخطيئة ما هي إلاّ أسم / تعال أيها الشيطان / اليك يسلم العالم } / وسيصرخ الشيطان
بصوت تردد أصداؤه جميع الأرصفة / : { آتوني بالذي تحول إليّ } / / سأتقدم الى الأمام /
حيث التجمع الطقسي المعتاد / ربما أشعر اتجاهه في البداية بأخوة كريهة مصدره كل ما هو
طيب في قلبي /
في يوم ما عدت بعد هجوم على وحدتي العسكرية / نازفاً ومدمى / فرأيت الرجال المتزوجين
وابتعدت عنهم كمن يتجنب لعنة / رأيت زوجتي البلهاء تلقن الأطفال محاسن الأخلاق كما
تقول / تلقنهم أن لا يشعروا بالخوف من رؤية الحيوانات الزوجية /
كان أبي وأمي قد ماتا منذ عدة أعوام / وجاء رجل في الليل يعتقد انهما ما زالا أحياء
يا إلهي / من يكون هذا البغل ؟ /
تكلم بصوت عميق واضح ونادى / : { أبو نصيف } / أجبته وأنا أنهض : { دقيقة يا بغل } /
عندما فتحت الباب / كان هناك رجل واقف / لم أستطع أن أتبين الحدود الخارجية لقامته
ولا ملامحه / كان الظلام يحجبه تماماً / : { هل أبوك وأمك هنا } ؟ { لا / لقد ماتا منذ
زمن طويل / أنا نصيف أبنهما } / وضع البغل على عيني سحابة ثقيلة وولى هارباً /
ما كنت أبغي الزواج /
ما كنت أبغي الزواج /
ولآن _ وداعاً أيتها السكرتيرة من لبنان / يا من أرسلت إليّ صورك
وأنت تقولين / : { أحب الرجل الذي يقدس الحياة الزوجية } /
وداعا أيتها الممرضة من تونس يا / { من وضعت مع رسالتك الأخيرة
مظاريف فارغة لكي أعيد اليك فيها أغنياتك المستوحاة من العيادة / 1
وداعاً يا خياطة ملابس السيدات من مصر / يا من تقدم دروسك للأطفال
أفضل علاج لموضوع الأثداء المترهلة /
وداعاً يا فاطمة / يا من كنت تبزين أساليب المدرسة السريالية في فن الرسم /
يا كنت تنهين رسائلك بعبارة / : { لأنني عراقية فبطلي نصيف الناصري }
بدلاً من كلمة المخلصة /
أقسم لكن وأنا ألعق المظاريف المختومة التي تحمل عناوينكن بأن اللعبة التي
كنت ألعبها معكن / في محاولة تخمين منكن / كانت أفضل طريقة للترويح
عن النفس }

مسكينة زوجتي /
{ بحثا عن الاستقرار العائلي 2
راحت تقرأ كتب الطهي
قرأت وصفات اللحم البقري بالجيلي
وشطائر السمك والباذنجان
وقرأت وصفات الجبن المطبوخ على نار هادئة
والبسكويت والشكولاته
وعندما تشعر أنني ما زلت أكرهها
وقد ترطب وجهها بالطهي وامتلأ صدرها
بعصير التفاح أو الطماطم
فأنها كانت تصنع الكعك الممزوج بالعسل الأسود
وتضع فيه خميرة حتى ينتفخ
حتى قصائدها التي راحت تكتبها بعد أن ولدت خمسة
أطفال / كانت وصفات أطعمة
فكلمة الجوع تكتبها هكذا : الجوووووووووووووووووع
كأنما لتطرده بالكلمة السحرية / ولكن شيئا لم يملأ بطنها
أو أوقف ذلك الابهام الذي تلعقه دائماً
حتى جاء يوم التقت فيه مدير البلدية
كانت وجنتاه بنيتين مثل الكعك الممزوج بالعسل الأسود
ولسانه شريحة لحم خنزير وردية اللون
أرادت أن تأكله كله وتدّخر عينيه
لكنني تنبأت بأنه هو الذي سيأكلها } /
أه / يا إلهي / ماذا أفعل الآن بعد أن انفصلت عن زوجتي ؟
سأستقبل ضيوفي الليلة ببيت من الشعر
من مسرحية { موت القيصر } لفولتير
{ ليس بين السامي والتافه / إلاّ خطوة واحدة }
_ { كيف حالك يا عزيزتي عائشة / وأنت يا سيد عائش } ؟
سيجيبان بالتأكيد هكذا : { بأحسن حال وفي غاية السعادة لرؤية
حضرتك سالما بعد كل تلك المخاطر }
وسأقول لهما : { مخاطر ؟ / أنا أزدهر في مواجهة الهزّات /
كلّما ازدادت همومي / تحسنت صحتي / الأزواج الكسالى يزدادون
بدانة في بيوتهم / أما أنا فأزداد رشاقة على صهوة الرصيف } /
بعد أسبوع من حادثة الطلاق / أصبت بنوبة هستيرية غامضة /
اذ اعتقدت وأنا أنظر الى طفلتي الصغيرة التي لا تكف عن البكاء /
إلاّ حين ألقمها الرضاعة البلاستيكية / أن من غير المعقول أن يصم /
الرب أذنيه ولا يستجيب لصراخ الطفلة /
ابنة الكلبة / انها تستمتع برضع ثديي /
يا للعنة / لقد كبر ثديي /
أتذكر انني ذهبت الى طبيب / قام بفحصي وقال :
{ يا سيد نصيف أن دمك هو أخف دم قمت بفحصه حتى الآن } 3

1_ تحوير لمقاطع من قصيدة { مدرس الشعر بالمراسلة يودع تلاميذه }
للشاعر الأمريكي جالواي كينل .
2 _ تحوير لمقاطع من قصيدة { المرأة التي عشقت الطهي } للشاعرة
الأمريكية اريكا يونج .
3 _ تحوير لحديث ت . س . اليوت مع ستيفن سبندر .


الشعلة

الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة : الشعلة :
الشعلة : الشعلة :
الشعلة :
شعلة حياتي انطفأت وظل الفتيل /
هذه ليست آثار معركة مع حيوان مفترس /
هل حدّقت أنت في المرآة ؟ أنا حدّقت فجرحتني ذكريات موت
جاثم على أيامي / جئت اليك فباركني لأن السديم يغطي حياتي /
ارفعني من طوفانات تغرقني / خلّصني من أصدقاء يكّسرون قناديلي /
اطرد الجراد عن حقولي / حلّني من معصيتي / واجعلني الشفيع لآلامي /
لم أزرع نذالات ولم أفتح ماء الحقد على أحد ولم أعص الآلهة
ولم آخذ عطية من أحد / برماد جئت الى العالم : برماد : برماد : برماد : /
مخترع المرحاض الدفاق ليس أعظم منّي وأنا لست أعظم منه /
{ بدر شاكر السياب نصفه جاهلي بدوي ونصفه الآخر انكلوسكسوني }
ـ كيف كان نشيد هذا الخرافي ؟ /
ـ حشرجات بريطانيا المطحونة في الحرب العالمية الثانية /
ممتزجة بحروبنا التحررية والعاطفية /
بالعظمة يرفع الله الشاعر اليه من غير أن يرى الموت /
الليلة ستتزوج المدينة واحداً من الجنرالات /
يا لحياة الجندي من حياة شاقة /
ساعدني يا إلهي لئلا يرفعني ملاك مسلح من فراشي /
……………….
……………….
كانت هناك قناديل من المياه البنفسجية وأيائل كلام تحاور /
الظلام وقلعته العالية الضخمة التي هجرت قبورنا كثيرة الضروع /
والآن ـ عليّ أن أعترف يا انخيدونا / أن تلك الليالي الظالمة
لم ترمّد عينيّ ولم أحصد في رمادها سوى فضة الانشاد /
ورغم انك ميتة منذ أعوام / علي أن أقول أن الأشجار /
ما تزال حبلى والزهور مشعة كما كان شأنها منذ الأزل /
لا سماء الناصرية /
ولا بغداد /
ولا أيّة مدينة أخرى / فيها من اللمعانات مثل ما رأيت في لمعاناتك يا صعلكاتي /
ماذا تكون الفراديس والأنهار والمدن العظيمة المتوهجة /
بل كل أشياء العالم / إن لم تكن قصائد ورموزاً من ابداع الشاعر ؟ /
هذا الراهب العجوز تراءى له أن يرى ملاكاً يبرهن على انه المسيح /
فلما أعاد النظر وجد انه جندي يهبط بمظلة /
حروب : حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروب : حروب :
حروب الدم السعيد بمصابيحه التي تسطع دائماً /
أسراب طائرات وجنود يهبطون بمظلات ويشعلون العار /
في حقولنا المهيأة للحصاد / وثمة عطور بارود لافحة ودم
أشجار يتيمة في الأقاليم المحمومة لهذا المساء /
الغجري/ أنا الشاعر الغجري /
الراهب / أجل
الغجري / كتبت قصائدي في الحانات والحدائق والخنادق
الراهب / أجل
الغجري / أنا الغجري / الشاعر الغجري / كانت الثكنات
التي هربت منها جحيمات مرعبة / وسررت كثيراً أنني قلت
وداعاً / وداعا لتلك الجحيمات /
يا إلهي /
بغداد الآن كئيبة وموحشة
لا شعراء /
لا عشاق .


لا فجر عندي لا شعلة

لا فجر عندي / لا شعلة / لا نسمة
لا نجمة تضيء سديمي
أندم لأنني لم أف بوعدي حيال أكثر من تسعين يوماً لم أحيها
عام 1986 / { لقد أحببت كثيراً الملابس الرثة / غرف الفنادق
الرخيصة / الخمور المصنوعة في البيوت / النوم في حدائق بغداد
حيث نمور الشرطة توقظني برفق في الفجر / أحببت كل الأشياء
البوهيمية والمنفلتة /
كل شيء مألوف لدي / الجميع يخصني / لست مديناً لأحد /
لقد دفعت أكثر مما يتوجب عليّ دفعه من ديون للذين ينسون /
لدرجة نفذت فيها المدية الى العظم / غير انني بقيت وفياً للتقاليد /
انظروا إليّ فسوف ترون بسهولة انني لا أشبه أيّ شخص وأنا
صورة الجميع } لا فجر عندي / لا شعلة /
يسوّرني الموت / البرد وتنمو فوق وجهي البثور / وأمنح للضوء
نظراتي الأسيرة / لكنني أحمل حباً عميقاً /عميقاً / عميقاً /
أبحث عنك في النوم / في الخمرة / في القصائد / فوق جبال العراق
المحفرة / في الملاجىء العذراء المهدّمة / في قبور وحانات ومنعطفات
شوارع بغداد / في نحيب ذهب دجلة / أبحث عنك يا حبيبتي دائماً /
آه / من مطر المدفعية / السماء تزرب فوق رأسي /
آهٍ / من مكر وأكاذيب الحب حين تهدي قصيدتك الى حبيبتك الشاعرة
فتهجرك وتتزوج جنرالاً متقاعداً من أجل المال وخزن النفايات /
ينبغي أن أحيّي حسنة ملص ومارلين مونرو وكيم باسنجر وهن يرتبن /
أسرّة العزاب كل صباح /
ينبغي أن أحيّي ستار كاووش وهو في غرفته المليئة بالسيارات ورجال المرور /
يرسم بورتريت لجان دمو /
ينبغي أن أحييّك يا كزار حنتوش وأنت تقرأ قصائدك للصعاليك /
والسكارى والأطفال والأشجار المثمرة /
ينبغي أن أحييّك يا حسين الصعلوك وأنت تبتعد عن القطعان الغبية /
ينبغي أن أحيّي اللصوص وهم يطعمون الحمام فوق جداريه فائق حسن /
ينبغي أن أحيّيك يا حسب الشيخ جعفر وأنت تصرع أسداً هصوراً /
عند منعطف في شارع السعدون /
ينبغي أن أحيّيك يا دنيا ميخائيل وأنت تتعرضين لصليات متقطعة من
رشاشة احترامي /
ينبغي أن أحيّيك يا ماجد السامرائي وأنت لم تنشر لي قصيدة /
في صحيفة الجمهورية من عام 1980 وحتى عام 1992 /
بحجة انني حمار وليس شاعراً /
ينبغي أن أحييّك يا كزار حنتوش مرة أخرى لأن قلامات /
أظافرك أكثر بريقاً من شعراء الحرب /
ينبغي أن أحيّي جان دمو لأنه يلجأ الى المحارم دائماً /
لا فجر عندي / لا شعلة /
ثلج في القلب والايمان /
عذاب في الحياة والايمان /
انهدامات /
في العالم المخسوف / فوق سفوحه المفتوحة على صحراء واسعة /
في الينابيع المطمورة بظروف قذائف المدفعية /
أهلا بك أيتها اللوعة /
أمواج كئيبة /
من العواء .


ظلالي . ظلالي الحزينة

1

أنام تحت غيمة
وأحلم بالبذور
يمشط شعري نهر
وتدغدغني الجسور
لا حاجة لي في النور وفي الشمعة /
تحت الشمس الخضراء
أكتب قصائد موتي
وان صعدت الجذور
عارياً سأرفع صوتي
أعلن حبي للريح
وللأمطار
وللعصافير في بطن الحوت .

2

تحت أدراج الصيف والسفوح
أرقب الظلال والظهيرة
والحجر الحزين
والتماعة الجروح /
أنظر بعيداً صوب الجبال /
تهبّ نحوي نسمات جافة لذكريات عميقة /
وأصوات رفاق قتلى /
هناك تهت شجر البلوط
والمنحدرات الغريبة
دفنت سنة من شبابي وقصيدة .

3

على السرو في { بيخال }
أرّخت آلامي
مرت طيور سود
ومزقّت قمصاني
لا عرس لي
لا جريمة /
هذه الظلال الحارة
والقناديل المطفأة
من يواسيها ؟
من يشعل النيران فيها ؟
الصمت / صمت العزلة
والحزن في الأعماق
والجهشات الطويلة
أطبقت على الشمس والباقي .


بيلادونا

1

أيّة عطور ، أيّة أحلام ؟ /
أيتها الجيفة / أيتها المستنقع تعالي معي /
ان لم تحلمي بالالوهية /
لن تعطّرك القصيدة /
سنمضي معاً عبر المروج الخضر /
ربما يرطّب النسيم وجهك الشبيه بحذاء عسكري لم يصبغ منذ 117 يوماً /
ربما يهبّ صوبك دفء الجذور الربيعية /
أيّة عطور ، أيّة أحلام /
تلك التي تبحثين عنها في المتاجر / وأحمر الشفاه والثياب المزركشة وأقراص
مانع الحمل والأساور المهداة من زناة هامشيين وعلك النايلون وحبّ الظهور ؟ /
هل خبأت الجمر تحت أهدابك ؟ /
هل حملت الموت في حلّك وترحالك ؟ /
تعالي معي سنشم عطر السوسن في الصحراء /
عطر الشعير في روث الحصان /
عطر الموت فوق الجبال /
عطر العنق في المقصلة /
عطر الله في المنفى .

2

سأدلك على أحلام وروائح أشد ضراوة من العهر /
سأدلك على الترانيم /
وآلهة الماضي العظيمة /
والقلاع والبوابات /
والمجازر الكبيرة /
وخبل الملوك /
وانحرافات الصيف /
وحنان العصور /
والذهب في المناجم /
والأسلحة والغنائم /
وستعطّرك رغم الجفاف واللهب ، البراثن والضغينة /
يعطّرك النيزك والغمام /
اتركي حقيبتك المليئة بالدود وباروكتك وعلكتك والبريق المزيف /
هل تبغين كتابة قصيدة ؟
لنتأمل الصحراء والغابة /
الدم والأبخرة /
الأدراج والأضرحة /
الموت وخميرته /
أيّة عطور / أيّة أحلام أعمق من هذه تريدين ؟ /
أضرمي النار من حولك ليعطرك السهاد في الغروب /
وانصبي شعرك خيمة للنجم والرياح .

3

أيّة عطور ، أيّة أحلام /
أية قصيدة ؟ /
أيتها الخنزيرة / يا مرحاض القردة /
لن يلهمك الشيطان كلمة واحدة /
ستبقين دائما تحلمين بالعلف والمياه الراكدة .


موت رياض إبراهيم

{ في بدايته نهايته
في نهايته بدايته
الشاعر الحيّ والشاعر الميت /
عائشان كلاهما / ربما في الشاعر المقبل
والشاعر المقبل يحتويه الشاعر الميت }
يا رياض ابراهيم / الميت الحيّ /
سلام عليك يوم ولدت ويوم انقتلت ويوم تبعث طفلاً /
ها أنني أرتعش محموماً أمام غيابك وكتبك المقدسة وأقرأ
تنهداتك وصرخاتك رغيفاً رغيفاً /
في أيّة أرض تنام الآن ؟ أواه / لماذا انكسرت كما الرمح ومت غريباً ؟ /
لماذا ذهبت الى الهاوية مبكراً / راكضاً بين أحراشها /
هل يموت الشاعر مغمض العينين ضحية حيلة / أم انه يموت لينشد الخلاص ؟ /
أعنّا على ضعفنا يا رياض / ومن خرابنا احمنا / نجنّا من العفونة /
ومن ليل الهاوية خلّصنا / استمع يا رياض لنشيجنا في القصائد /
رباه / كتبك يا رياض / ما الذي أستطيع أن أفعله لكتبك حتى
تكف عن لمعانها ؟ /
ليس لي الآن إلاّ الرغبة العميقة باحضار تقدمتي من أجل مجيئك
من سنبلة الأبدية / هل يمكنني أن أضع شمسا فوق رأسك ؟
في صراخي اليك أمرضني الفقد وسقطت فوق الصخرة المسننة /
لا أندبك / ليس هذا زمن الندب / بل زمن الجدب /
{ تذكر يا رياض / انك لست وحيداً /
لا شجرة ولا حجارة /
التمست شعلة فأرشدني الصيف الى جمرتك العالية /
كانت كلماتي متكسّرة ورايتي منكسة ممزقة ومنهكة } اطرد الظلام /
دع الظلمة اللزجة تصارع ذاتها / انهض من أجلنا نحن الفقراء لقمحك /
الرؤيا غابت عن طرقنا / وطرقنا تحتضر فيها الطيور والبروق /
العفن والرماد دفنا أنهار قصائدنا /
تتثاءب الحياة في حديقتك المتنفسة والمفتوحة صوب شمس الأبدية /
وفي موج عينيك ما يزال الحزن العراقي يضيء ليل العالم /
أنت دليلنا الى الجمرة المرتعشة / وكل الطغاة ذيول نهش بهم الذباب /
ما أشدّ حرارة الصمت في عطرك العاصف .


النفخ العالي

لست موظفاً إلهياً / برقة اللص أنقّب عن أنقاض كاليغولا / صعب عراك العالم /
هناك في أقصى المدينة / امرأة متزوجة تمسح زجاج الأحذية /
فلنرقص اعارة / رقصنا واحدة / ثانية / وطلع القمر أعرج من كيس النفاية /
ما العمل يا كاليغولا ؟ / حشد يمتدح تقاومكم أيام لم تكتب /
حروب عائلية لم تؤرخ / أنا آخر السلالة /
أنا طفل السومريين والبابليين والآشوريين والأكديين والعموريين والفينيقيين
والآراميين والجعزيين والفرثيين والكنعانيين والأثيوبيين والسبئيين والاغريق
والبراهمة والهيبيين والسرياليين والهوهويين والولوليين /
تلك وديعتي ودراجتي معطوبة / لكن حين استنزل غيمة من رف السماوات /
تتسع مقاعد كثيرة للناجين من الطوفان / أنا شمعة /
الأريكة تصطاد الطاغية / من الفراشة ؟ / { الأيام وشيعة } /
أزرار الفيلسوف تسطع في خزانة الطباعة /
لا تستمعوا الى الغبطة / مندهشاً أصرخ خلف البيطري المجنون /
المجد للرنين / الغلبة للغلبة /
البهائم اللولبية تناسلت في غرفة الجغرافيا / التابوت الفقري على الوسادة /
اهبطي من نجمة أمريكا / ـ عندي المنطاد / رائحتك اسفنج /
الفيل بطة /
انفخي سأبكي / البوق يعلف خصري / من أجل الاباحة أعضد ملوكيتك /
أيها الحزن بمسدس عاطل / الرقص وسرّه يعلنان غموضي /
الملعون أعطاني كوباً ليظهرني العطب / لا الأنوال / لا الألقاب / الحظائر عالية /
درج طويل / لبست نقاباً / اقتنيت موسوعة الضحك وقهقهت عالياً /
قافية العبء عضّت ركبة الأريكة /
من أجل بلاغة أنفك حشّدت روائح في ممرات الصحراء /
أيتها المليئة / اربطي خصري / اصهلي لحصان يشم الزفر فوق الركبة ويصهل / .


قصيدة عن عبقرية حسن النواب وحياته
المقدسة والشجية

1

الكتب لا تصنع الشاعر /
والكلمات دائخة ومستوحشة دائماً /
يتقدس الشاعر كلما تقدم في الإثم /
كانت لحسن النواب في عام 1983 لحية ذهبية طولها 3 أمتار /
لكنه حلقها في بغداد عام 1992 قرباناً لامرأة أحبها /
لماذا يلام الشاعر على تمجيده للرموز ؟ /
أحييك يا نمري الفاسق / أحيي وأشيد بزئيرك يا حيواني المقدس الجميل /
الليالي المتألمة والدموع التي ذرفتها على من قتلوا / والجبال التي تسلقتها في الحروب /
ما الذي تبقى منها الآن ؟ هل البصر أرقى الحواس ؟ هل كان موتك بلا عطر أو حنينات ؟
أنت صانع خزف ومخترع أرض من خيباتك / سائق دبّابة وفارس أحلام المعلمات /
شظايا قذائف في جيوبك / وفي جيوبك موت يخيم على أيامنا /
أواه / يا حسن النواب / أواه / أنت في الفندق تنام معلقاً في
غرفة النمور / وأنا في البيت أتوسد أشجار وشظايا قصائدك /
أواه / { رسائلك الفلسفية أوقعتني في شراك التصوف } /
تعال / تعال يا نمري الفاسق المقدس / يا أكثر سطوعاً من
أحقاد أعدائي / تعال برقصك الهندي لتصعد أمواج دموعي /
جروحك العميقة ترتعش فوق رايات خيباتنا الدائمة /
هل أنت قصيدة مهشمة ؟ /
روحك المتنهدة والمتوترة تصعد آهاتها بعنف صوب آهاتي /
لتصنع قصيدتك حلماً يأوي عسلنا المرّ / ليولد حلمك من
يأسه / هل أنت مرثية شجية ؟ هل أنت ناب صيف أحمر ؟ /
موتك المرتقب يترنح على أنقاض قصائدنا واشراقاتنا .

2

دعهم / دعهم ينبحون / هذه ليست طريقة ثمانينية في الكلام /
دعهم ينعمون في بحبوحة المناصب والرواتب / أولاد البحبوحات
أواه / يا نمري / { لقد تركت لي ما يكفي لأن أحيا / قرنفلاتك
السود وعسلك في دمي } /
هنا { الحيدرخانة } التي تخدعنا وتصلبنا وتعذبنا / لا تفكر إلاَّ
بمتعتها / كل ما أعرفه أن الزمن هنا قد مات وأفترض أن { رجاء }
ترقد في قبرها الآن / وانخيدونا لم تكن شفيعة / ولا كتاب كزار
حنتوش { الغابة الحمراء } /
أحب رامبو لأنه يمنحني انفلاتاتك / ولأنه يزّين قبره بقذائفك وصورك /
أحب سركون بولص لأنه شاعر أكثر من البقية المتبجحة /
أحب جان دمو لأنه يعتقد أن { ما لا تاريخ له يمكن تعريفه } ويقول /
سيجيء الخبز والكساء / لا سوط / لا سجن / لا رصاص / لقمع الشاعر /
أنت تعلم يا نمري أن مقهى { حسن عجمي } شديدة القرب من جامع
{ الحيدرخانة ؤ وفي كل يوم يأتي رجال المخابرات الملتحون / فيرون
الصعاليك منهمكين بأداء صلواتهم الشعرية /

3

ليكن سلام الله ملحوظاً في الأرض / ولتكن أسلحتي موجهة لقهر وتمجيد حبك /
ليكن بيني وبينك عهد من البكاء والرايات البيض / ليكن بيني وبينك رماد ماء ومتاريس ليلية /
ليكن بيني وبينك سلام دم وقرابين / لماذا تسطع على وجهك آلاف الأقمار ؟
أنت طاهر مثل حوض استحمام مليء بطلقات / نظراتك البروقية / أصابعك / أزندة بنادقك /
تجعل الشوارع آهلة بالكتب والأطفال / عندما تتحرك يزهر الهواء أمامك بأهداف الرمي /
وتترك وراءك أثرا بطولياً من الخراب / من قناني البيرة المذبوحة بجانب الطريق /
وجماجم الطير الحائل لونها في غروب الشمس / إيه / يا نمري الفاسق والرحيم / ذو الوثبات المجنونة / المشرد في دروب ومنعطفات ليل الأشجان / لماذا كلما أتذكر لحيتك تثغو في حقيبتي شياه الناصرية ؟ /
أسمعك الآن في منفاك الذي من غير صقور / تصرخ وتبصق
على الحريات الفردية / ومثلك أنا أصرخ / لكن من شدة لمعانات قداستك والعناد /
آلاف الشعراء يا نمري يسيرون الى جنبي / كلهم ظرفاء وكلهم يملكون عقارات /
لكنني حين أبدأ باحصائهم / لا أجد أحداً معي سواك /
تعال لنسهم باحراز نصر كبير / لنتحرّر من ثقافتنا المقيتة
والمستسلمة / تعال نبصق على تمثال الحرية وجمال العجوز
مار لين مونرو / ونياشين الجنرالات الشبيهة بكلبات مومسات /
وصلعة غورباتشوف التي تقرّحت تحت ليل ثلوج الشيوعية /
ماذا عن أجدادك القساة /
اقبال الدولة /
معين الدولة /
حرامي الدولة /
ماذا عني ؟ /
ماذا عن كزار الدولة ؟ /
نحن البلور الذي تأتي اليه راكضاً /
نحن المقدس الذي تدّنسه كلما تمرّ من خلاله .

4

يدي الحمراء /
يدي الموشومة بجروح حروب / فوق رأسك / من أجل أن تسمو فوق رماد الهاوية /
من أجل أن تبقى أكثر حبّاً لشمس الأبدية / كتب في لحيتك /
أم في لحيتك معابد ومعسكرات ؟ / يهبّ الرماد عليك فلا يصل / لأن بياضك أكثر قوة /
لأن وميض قصيدتك أشدّ لمعاناً من قنبلتهم النووية / { كر بلاء } بحيرة تغرق روحك /
نيزك لجهشاتك وجنون صديق /

5

من أمواج نهر { الغراف }
بين حقول نفط { بابا كركر }
تتقدم صوبي أسلحة كلامية وأرى شعراء براميل يسحلون أحلامهم النافقة /
مصابيح نافقة تنحدر في الرمل / انها القشعريرة التألمية / لا النشوة /
انها الشفيعة الجريحة ولا الجريحة /
أواه / يا نمري / أواه / صافحتك بالدم فصرت أبيض مثل عاطل عن العمل /
وأنزلتك ماء الحزن فصرت أكثر طهراً /
وأنشدتك العزاء وعقدت ميثاقا في الشمس مع دموعك / لا أحلامي انتهت /
لا التلمسات / هنا / خيبات لي وتنهدات عميقة بسبب اليأس /
بسبب النهارات البيض وذهبها الميت / أواه / يا نمري / أيها المربوط كشعلة متنهدة /
يا من عشت آلاماً طويلة قبلي / لدي الآن مشاعل خبيئة وهي أكثر لمعاناً من صاعقة /
لدي سنابل حارة تمزق ظلام جوعك / سأنهض يا نمري /
سأنهض وتنهض معي من ليل النكبة /

دمعك البنفسجي يمزق أحشاء الوحشة .



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة { نار عظيمة تحمي الياقوت }
- مجموعة { الأمل . أضداده . خيّاط الموت . نار الأبدية }
- كتاب { الأنهار الكبيرة المتعرجة } ردّات واندفاعات الشعر العر ...
- كتاب { خديعة السنبلة . شهادات } في شؤون وشجون اللحظة الراهنة
- كتاب { معرفة أساسية . الحرب . الشعر . الحب . الموت }
- أشياء ما بعد الموت
- مرثيتان
- ما ينشده الشيوخ المحقى
- كتاب صوت سنبلة قمح لم تولد
- مرضعات الموتى
- العتمة اللامتناهية للفناء
- يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر
- سهر الشجرة وعطورها المنذرة
- أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء
- للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
- عندما ارتعد عدي صدام من قصيدة دادائية
- حوار السيد والعبد
- قصيدتان
- صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية
- كتاب الحكمة الغجرية


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مجموعة { في ضوء السنبلة المعدة للقربان }