أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مرضعات الموتى















المزيد.....


مرضعات الموتى


نصيف الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2765 - 2009 / 9 / 10 - 20:24
المحور: الادب والفن
    



ابتهال

نرفعُ الى حرير أردافكِ المتمايلة والعارية في الصيف القائظ لرغباتنا . التضوعات اللافحة للعطش وأسلحة التعظيمات ، وفي جلوسنا الطويل للتعزية في ليل الفناء الذي يوسع الاسطبلات ووميض هاويتها ، بانتظار القناديل المذنبة للعشاق الذين سيعودون من الحرب . حرب الحياة وضرائبها . تجللّنا النعمة الإلهية لضياء حدائقكِ على الملح الفلفلي لعهودنا مع ابوة البحر ومناقير طيوره اللامعة على الحجارة الضخمة السوداء لموتنا . تراب شجرة موتكِ التي يحنو على عطشها الزمان ، وفيروز عباد شمسنا الساهر في نسيم الرعشة الأخيرة لأجنحة المعدن على الشطآن . هما ما يخففان الترنحات الدائمة لقرابينا المحترقة .

1
ماذا أبقت لنا صاعقة حبكِ يا ليليت بين الأشجار التي تحاصرها التغضنات المشتعلة لحشرة الزوال على لحظتنا الحانية ؟ في القنديل الأزرق المتصالح للشمس . مالك حزين القصيدة ، يعانق ثمرة الكستناء في وثبتها المدندنة صوب حبل الشنق المنير للتراب ، وتتوهجُ صخرة الغفران الوسنانة لاحتضاركِ بين تموجات تضرعاتنا وتواتر رصائع رحمتكِ الغفيرة . لا وميض الآن لأسلحتنا التي يتعذر علينا حملها في الطريق الى الحلم ، ولا انجذابات لصلواتنا المترنحة صوب النعمة الجريحة لآلهتنا ، ولا ايناع لثمار صيفنا عبر البوابات العتيقة لأضرحة موتانا وشواطئها المغلقة . كتائب من الأمطار المسمومة يستدرجها العويل الطويل للهفتنا الى سهر الشجرة وعطورها المنذرة . في حيوات قادمة أخرى ، وفي معابد تنتظر مجيئنا . لن نقدم تقدمات ولن ننحت ذبائحنا على الأعمدة المتثائبة للينابيع المتعانقة لسيدتنا الشفيعة . كل شرارة حبّ . قصيدة ومجالدة مع الضجر العظيم في العالم ومع الكينونة والماضي والحاضر . مع الأحلام والقلق الذي لانارته يقوّض الانسان الهذيانات اللامتناهية لرغيف حياته ، من أجل الظفر بأشواك النعمة المعفرة بالانزلاقات الرخوة للرجاء . ليليت فيض نعمتنا عبر الأروقة القرمزية للقرون المقنعة بالقناديل وقمح صلواتنا المنحني على الركيزة الخفيفة لصحراء حياتنا .


2

في حرث طويل ومتأجج . يوسّع الهاوية العالية لموتي
ويأسر الطمأنينة ونعمتها في الجبهات الشاطئية للزمان .
ينتصب ويتحدى الميثاق المجمّد والعتيق لعسل الذكرى
بيني وبينها . كل شريعة تنبثق من الجفاف والحموضة ،
والعروق الضخمة لمحاصيل غيابها . تصرخ في ليل الحلم
الذي نسجته معي الأسرار في نداوة الموت وفي الميلاد .
يبادلني صوت غيابها في كل آنٍ فراديسه ، من دون انقسام
أو علامة عبر البراثن الحادة لأوقات الحصاد . رماد وجهها
على الشواطىء المحمحمة للعالم . حجارة صفصاف محمولة
على العصّارات المنيرة للفجر . تقاسمني لألأتها العذراء ، تنفسها
لأبواب القيثارة ومفتاح المرايا النائمة وسط التماثيل المنفتحة
على الطبيعة .
في هيكل النحل
وفي أسلحة النعمة المولهة والمحظورة لنومي ورأفته الخفيفة
أغري آلهتي . أنزع عنها الوميض وأسرار الغفران الحصينة
وأقودها الى بيتي الضائع في أرض طوت الظلمة فيها النسيم
والحديقة . صيفنا المدبوغ بعطور التراجيديات المنحنية على
الحجارة الكريمة لممرات موتنا ، وصخوره المرصوفة على الهاوية
التي بلا غطاء ، يجعلنا نرغب دائماً في الحصانة من الأسقام المنحوتة
في الضمانات التي نصطفيها ونتحالف معها تحت نجوم الممالح
الموغلة في تغضناتها العميقة . سرير العاشق الغريق المرفوع فوق
البوابات العتيقة للمدّ والجزر في أضرحة الفقدان ، حيث الأبدية
تغذي الصواري المنشدة لعذوبة محنتنا . حيث النعمة تسهر بنهديها
المنتهكين على نداوة أعمالنا وصاعقة موتنا البنفسجية . حيث موت
الانسان تحت المصابيح المنخفضة للصيف ، وموت الأوراد العريقة وهي
تتأمل سهرها في اغفاءة العطور والتجاويف الخيزرانية لطيور الخطّاف .
لا ذكرى لنا الآن إلاّ ذكرى المخالب العارية للفجيعة ، تستيقظ قرب حجارة
عتبتها وتغوص في البذور والحواجز المؤمنة بينبوع الخليقة وأصيافه
الشفّافة . جباهنا المحفرّة والتي ترصّعها الطحالب المشعشعة في أعياد
الحصاد الفقيرة . يطرح الموت فيها لآمالنا ، الحشائش المفككة للخديعة .


3

يبعثر ندى الأشجار في المساء ، الأسيجة العالية لأضرحة موتانا
وخطاطيف ممالك الشواطىء تعلق أقنعة حظوظها وأسلحتها في السقوف
المنطفئة لينابيعنا . عهودنا الموزونة مع آلهتنا . دمرّت الرياح
نضارتها في الهبوب المدويّ للروائح العطنة لقرابين تحالفاتنا المتقلبة
ما بين الصيف وما بين القرميد الأسود لموتنا الأكثر انزلاقاً من ضوء
سنبلة . لا وعد ولا ميراث لنا إلاّ الحنوّ الدائم على بذرة تطوافاتنا
التي نحضنها احتضاننا لقرنفلة القانون في التعجبات المشؤومة لحلمنا
المنعطف في الظلمة الوثيرة للزمان وتماثيل فيروزه الضخمة .
يسطعُ ضوء الصخر في شفاهنا ، والذين نحبهم هلكوا ، وبرق الوحشة
يتعرجُ ويتفرع ويوسع لحيواتنا تفاهاتها .
المواثيق التي عقدناها في الماضي مع الأنهار . ينبغي الآن أن نحلّها كلها .
ثمار أعيادنا وقناديل فجرنا عطشى ، وجذورنا تمددت في صلابة الرماد .
هل لنا أن نصعد الذروات المحروسة لأحلامنا بثيابنا التي حفرتها مخالب السنوات ؟
نحرثُ في أرض محنتنا حقول الفحم المستنفدة ، من أجل العطور الميمونة للحظة
التلاشي . من أجل الصمغ الذي يهدم روابطنا مع الينابيع المفتوحة على اللذة
وحصانتها . يتنفسُ سهر الحجارة على الشواطىء المغمورة بنسيم صرخة الانسان
وتسحب العاصفة حظوتها ، وهي حظوة بجعاتنا المرصودات في العطية الكبيرة
للفضل الإلهي ، ومصائر قرابينا المقيّدة الى النعمة العظيمة وغليان اعتدالاتها .
تدل العقيق الأزرق للموت على حمحماتنا في ليل محنتنا . يكبلنا الأزل ويكبلنا
الأبد ، وفي المستنقعات الغريبة التي تضيّق عليها العصور . نترك الشعلة العملاقة
للروح على الحافة المتصدعة ، وتفنى الكينونة في التحالفات التراتبية للحظة العدم
المترصعة باضمحلال الأشياء . لاشيء يبقى لنا إلاّ صمت الظهيرة المتأرجح على
عذوبة سهادنا العتيق في الحديقة الفيحاء ، ونحول اللبلابة المتخفية والمغردة في
أرض خريف العالم .

4


الفراشات أقنعة تخفي الحطامات والتحولات النشوانة للطبيعة من المادة
الى الفكر ، وتدلنا على اللحظة الفريدة لانسان التاريخ وهو يواجه رماد
الأفاق الغامضة في الأصداء الغريبة للكلمة وبرق الولادة .
ما معنى فضة وجودنا المعتمة في العوالم التي تستنشق الانعكاسات
الرخوة للتحلل والفناء ؟ في لحظة تنفس يمجّدها صيف أمواج عملاقة
على الشجرة الشائخة لحيواتنا . نسترد ونطلق مصائرنا المختبئة في السلطة العمياء
للنسيان . في وصول الانسان الوحيد الى ذروة انشطاره وتحلله . يتحسس ضوء
اللحظات المقبلة ، والأكثر تقلباً في الشفرة التي تجاهد عبر الخزّانات المعتمة
للفصول . هو ترويعنا الدائم من الجفاف الأخير لصلاة السمانى في لحظة
التقاء الحب بالموت . في عهودنا التي نسيناها في الأجراف الغريقة تحت
المصبات المترمّدة لأنهار السهر . نسينا النور الكلي لعدل لله ، وحجارة فضله
المهدومة ، ونسينا الغبطة القليلة والمتعذرة لظهيرة الملح في الذروات العالية
للنهار . دفء الطبيعة في ثيابها العيدية التي تستنطق البروق ومنحدراتها ،
والرقاد بلا تنفسات حرّة تحت الشجرة الكبيرة للثعبان في أصائل ايماناتنا ، والعطر العذب للثمرة
المحرمة . تغيّرات هائلة في تواتر لحظات موتنا وأحجاره المستنفرة في الركائز
الحجرية للهب شمعة العالم العارية . لا شيء لنا الآن إلاّ هذه السطوعات الإلهية
وغفراناتها التي نترصد في جلالها العظمة الشطأنية لموت الانسان . نترصد
النشوة المرجوة في المشاعل الأليفة للأشجار على الأرض الشحيحة .



5

بروق أشجار أيامنا التي نمضيها في الترقب الجحيمي للعودات المأمولة
لأيائلنا وعقباننا المؤلهة من الشواطىء المسوّدة للصلاة . صمّاء . لا عطر
فيها ، ولا دفء نسغ يدوّي في رماد وجوهنا التي يرصعها الجدري والجذام .
لماذا انطوت وامّحت في الصقيع المتعفن للنسيان . الأيام الطفولية التي كنّا
نباشر فيها الطيران الطويل في البحيرات الغريبة للتضرعات ؟ أيّة تحريمات
أطفأت رغباتنا وندائفها المترنحة في الأبواب الهاذية لصيف الحياة ؟ شجرة زعفران
الموت التي لا انشاد يوازي انشادها . هي وحدها التي ضمنت لنا نذورنا في
الرصائع المتوهجة لنيازك سنواتنا الرحيمة . الحجارة المبعثرة تصدأ في شفاهنا
واللعنة تكبر في كل حينٍ في طرقاتنا التي يسيّجها العطش الطويل لنار الغفران .
لا شموس في بذور أفعالنا وهي تعود من الهجرات المدوّخة لروائح بخور طموحاتنا ،
ولا جدائل قرمزية في صلواتنا التي يملأها النسيم الشائخ للعواء . ظلمة عظيمة
بلا عطر تهدم دائماً التنظيمات التي نقوم فيها في الحرّ اللامرئي للظهيرة القائظة ،
حيث يرقد شدوّ الكلمة الانسانية تحت تجمّدات زمن لا شكل له ، وتندثر مخالب الطائر
في الأوراق المحترقة لحجر الفيروز .


6

هل تمنحنا اللبدات المهتزة لوميض الأحلام ، امكانية أن نحيا في المنحدرات الجانحة
صوب المستقبل ؟ حيواتنا التي يفحّمها التثاؤب وتهزهزها الريشات المجدولة للقلق
المغربل دندناتنا وصرخاتنا تحت نيران الرغبات المشحوذة في سهاد الصاعقة . تخفي
الجذوع العالية لأشجار قبورنا المعراة لغبار القرون التي جمّدتها حجارة موتنا المرصوصة .
الجحيمات الرحبة لطحالب وكهوف مصائرنا المغمورة . تستقبل أعمالنا وخواتيمها استقبالها لدلائل
وأوزان طيور القطرس في الخلجان . لماذا يطاردنا دائماً ، ضوء الفزع الذي يحرك أهدابه تحت
العذوبة الدامية لملح قبر الانسان الميت في الظلال العاصرة مصيره ، وفي التفتحات المترنحة
لسنوات سهاده الطويلة والمعلقة فوق صارية فجيعته ؟ يطلق الصمت المنتفخ لمجاذيفنا في
تقهقرنا والاطاحة بقناديلنا وبأحلامنا الطحلبية . الرعشة السوداء على الوجود وقبورنا المدعومة بثياب أعيادنا المتفرعة .


7

ننسى دائماً في استنفادنا لوسائل الرصد الكثيرة . حراسة العناقيد اللامتناهية لأشجار محنتنا
وننسى أيضاً الشواطىء المهدمة لبيزنطة الضريح ، والجروح التي خيّمت في فراديسها .
في مصاهراتنا للّحظات المحمومة لتفتح سنبلة بعثنا ، وفي الانزياحات المترجرجة لقبورنا
المختومة في الرماد القرمزي للفناء . نفرك ظلمة هزائمنا ونذريها أمام أصنام آلهتنا المرتعشة
في النسيم المحترس للتجديفات والانزلاقات الرخوة لتنهداتنا وتذوقاتنا لثمار صلواتنا الملفوفة
بالخيبات والاستلابات الدائمة في التعهدات الصائتة والتي لا تُنفذ في الساعات الطقوسية لمجيء
البروق المعذبة لذهب زوالنا وتويجاته المتفحمة في الأنهار التي تتلاشى في كل آنٍ .

8

ممضياً نهاية حياتي في صمت يشبه ليل المشنقة
أحاول النوم برغبة شديدة ، لكن الرنّات المتقطعة
لجروح الماضي . تصعد وتهبط في كل حين
وتحرمني الانصات الى أدوات التعذيب التي ألفتها
دائماً . شجرة تين حياتي المفتوحة على الأبواب
الخضر لصيف الأبدية ، وجرحها الذي حصدته
البراكين في ليل شبابي ، ومرايا ثمارها العقربية
لامست بروق موتي وأصابتني بالدوار .
لحظة بلا حراك تؤدي الى البيت الذي يفصلني
عن النبع والنجمة العتيقة .
شعوري الدائم بالفقدان يسهل لي أن أنسى أشياء
كثيرة ، يمنحها البعض أهمية عظمى .
هل تولد من رغبتي المقوّضة سنبلة فجر تنغلق
على المرايا المتمايلة لأسرار الطبيعة ؟
لماذا يعفر رماد الحبّ وجهي ما بين الذكرى
والرغبة التي تجتثها الظلمة الضارية للخسارة ؟
لا تكتمل لحظة العلامات المرجوة في تقدم وانعطافة
صيف السرّ الأزرق للروح الانساني ، ولا في حلم
الطائر على شجرة الرمّان الساهدة في البستان .


9

هناك لحظات ترخي في نعمتها الجليلة ورود الصيف نغماتها على ظلال موتنا
وهناك لحظات لا مياه ولا نسمة ولا خبز فيها .
لحظات مظلمة ، اخطبوطية ومتعالية .
في الظهيرة السوداء للاعوالم الخارجية . يغوص الكلام في
الترنيمة المسطحة للتحركات المرنة لدفء الطفولة ، ويومض
الهلال بأظافره على السلة المترهبة لضفة صلواتنا وأغصانها
الهيفاء . لانارة لحظة قصيرة في كهف العالم . تلزمنا شحنات
كبيرة من الارتواء في الينابيع المتنفسة والتي تحرس الاعصار
والصاعقة . الحاضر سيف يثلم القنديل النحيل لفجر مصائرنا ويسدل
الأنياب على عطور وأضواء الحديقة .
جروح تألقات اليقظة ، والصفاء الخشن لملمسها وملح أنهارها
المعلقة ما بين أهدابنا وما بين كثافات انبعاث فراشات موتنا .
ينبوع نظرة محترسة .
جملة بيضاء ترصع الحجر المثقوب للعوسج .
أغنية تنساب من أرض حائرة .

10

أولئك الذين يترنحون في التوهجات المحتضرة لأشجار كستناء عشقهم
وأولئك الذين يصعب عليهم النوم في التقلبات المترجرجة لدهاليز حاضرهم
ينبغي أن نلتزم الصمت أمام نحولهم المنزلق على التعفنات الكبيرة للطبيعة .
سنوات يحياها الانسان في ضفائر ذاكرته وخرطومها الشبيه بمعبد هندي
بانتظار أن تمدّ شجرة النسيان عنقها ، أو تغلق القوارب نوافذها أمام حشرات
زنا المحارم . رجال حزانى يضعون قنابل فوق جغرافيات جزر طهرهم ،
ويستبدلون مصابيحهم بقناديل بحر لا نبض فيها . احساساتهم بندمهم في
الفجوات الساخنة لتألماتهم . تحرضهم على تأنيب أنفسهم ، ويشعلون قرون
ثيران كفايتهم في البراري لمجيء أمطار الصيف . انحرافات عظيمة في
رقبة الشمس التي يحفظها النمو العشوائي للفراديس على شواطىء طواحيننا
المتهدمة . مجاعة أزهار تدعونا لاسقاط فروضنا الجنسية المنقسمة .
الجسد وصفصافة عهره
جسد كائن الظلمة
س : من 1 الى 10
ج : من 10 الى 30
ن : من 30 الى الهاوية
وكما البحر المغربل أسماك أحلامنا وأبوابها التي تخترقها الرياح والعويل
نفتح أجنحة رغباتنا ونندفع صوب السراب العطري للنكبات .
عذوبة عودات تتكلل برؤية انعكاسات شدّونا بين المخالب الحاّة لهذياناتنا
في الأنفاق . في تلعثماتنا أمام التهجئة الخاطئة لمشاعل الثمرة . ننزلق في
السقطة القوّية لحجارة الفجر ، وتعبرنا اشعاعات الغبطة وفصاحتها المعتصمة
بضفاف يأسنا وظلال قبورنا المتوهجة .

11

يقوّض الانسان في صيف المصابيح أغصان ايمانه ،
ويرمي أصوات غفران وقناديل فراشات الآلهة الى الجحيم .
كل الظلال الإلهية المسهّدة الآن هجرت بلاد النهرين ، والردهات مظلمة
في مستشفياتها والمعابد . لهب السكاكين السود – تماسيح جرائم الدين .
يدنس النافورات والمعانقات المهفهفة للنساء .
لماذا يتحرك قبر الصلاة الحانقة ويهزّ ندى الأغصان الطائرة في ليل آلامنا ؟
لماذا تمتلىء نجوم الفرات الطبية بمعاصم النوارس الممتلئة ؟
فجر اللمسات الانسانية المنقوشة في اخوة الشجرة .
يحجبه تنكر ديناصورات تفخيخ الجوامع والسيارات . هل تجمّدت ايماناتهم في
التجويفات المتدرجة لحمّى التدميرات الشيطانية ؟ .
التشنجات الفظة لغرائزهم وشهواتها المهيّجة للعيش في شرك الرطوبة .
أغلقت علينا الأبواب وأسلاك الجريمة . انسان ملمس النفاية الذي يبغض ويشقق
حرير انسانيته . انسان جراثيم الانتحار وعلاماتها الممتقعة .
انسان البصقات التعذيبية للكراهيات .
لا حمام الآن يطير فوق غيوم آلهته وأفياء صلواته المتصلبة والمتحالفة مع الرماد .
ولا عصافير تزقزق في فرو أنهار لياليه .
لا شرارة عقل . لا رصعة حلم . لا التماعة أغنية تطلقها فضة السنبلة ،
والمياه فرّت بأشجارها الجريحة الى صحراء السهاد . سخام ليل المذابح في الرئات
وعلى الرؤوس المثقلة بالتنهدات . في التنفسات الرخوة للنهار وفي النار الباردة للقبلة .
أصوات نيران التاريخ المرتعشة أسمعها الآن في احتضار
يمامة { الرشيد } وأصغي الى تشنجاتها المتفككة . أصوات أكثر شجاعة من ترانيم
زمننا التي تتجنح وتطير في اللانظام . زمننا وصيرورته . ظلمة أعشاب تقضمها
أسلحة اندحاراتنا المنكسرة ما بين فجوات الوردة والجمجمة . وصخور جداول أحلامنا
التي تدفقت في فحم اشمئزازنا وخوفنا عبر العصور . تنتصب الآن مطمورة تحت ثقل
ملوحة موتنا والذوبان الدائم لتخديراته المتصدعة . الستائر العالية لحيواتنا تهبط مسرعة
ومديحنا لشقائنا في حقول الانهدامات ، لا نستطيع أن نثبته في صفاء الدمعة المحترقة .
حاضر شرس تخترقه الظلمة المدوّخة والمحمومة ، ونحن مثل رنّة سقوط
الثمرة . نترنح في صمت تفجعاتنا ونسهر في برد اثمنا وثلوجه المرتعشة .
التهشمات الطافية لساعاتنا في العناقيد المهتزّة للظلال ، ومخالب طيور اهتزازاتنا
التي تومض مثل ثعلب الهلال في أعالي فضة ضغائننا . هي التمزقات المصطفة
لنذورنا في وميض المتاهات وجزرها الطحلبية التي تتهشم ويخفيها الاعصار
في الليالي المتحجرة لحاضرنا المتكىء على الأريج العفن للهاوية .


12

لا مجد للروح إلاّ في عذوبة الملح وعصّابات عسله الوارفة
ولا تفتح للبذرة إلاّ في انعكاسات وشم موتنا .
النجوم الآن رطبة في أرصفة قبورنا ، ولا ريش يدثر زيت قناديلنا .
الايماءات المظلمة لغّسالات الأمراض لن تتوقف عن تجهماتها المجوّفة
ضد أزيز فروج فتياتنا . لماذا تختنق أصواتنا المرتابة المنغرزة
والمرمية في الغدد المتورمة لأحلامنا السود ؟ أيائل لحظاتنا تتمرغ في
تراب سجن صرخاتنا المتوسلة ، ومعادن تيقظاتنا تسقط في مراكب
أقنعة الذكرى المستفهمة لحروبنا تحت السقوف المدخنة في التهديمات .
صدع كبير في وادي الشمعة التي تعيش زمنها ما بين عفونة الحلم
والنجوم الأسيرة . لون عطر تنخره الدويبات اللامرئية لدوّامات مجابهاتنا
للسهاد . معابر ابتسامة مضطربة ولا تنصت لالتماساتنا الكثيرة .
ليل كتابة تتهدم في عجزها عن الافصاح ، وجفاف نعمة تغطي أورادها
صلاة جثث محترقة في المحركات المضيّق عليها وسط اللآلىء الخافتة .


13

في صلواتنا المتشجنة أمام البوّابات اللازوردية لبحار العالم ، وتحت مشاعل قرابيننا
الفيّاضة لليل الذي يستنطق الغيوم وندوبها . تضيع منّا شهادة الثلوج وقنادس الحديقة ،
ويضيع رماد تقدماتنا في الأنهار الأندلسية للتفجعات . قبورنا المتخمة والمنحدرة صوب
السيول المتعرجة لغفرانات آلهتنا وأفيائها ، في كهفها الذي من بنفسج وصلصال . تنوّرها
وتنتشلها من حطاماتها . وردة فرجكِ المهجورة والمنحنية تحت وطأة ثقل النسيان في ليل
الصيف ، وشموع صوتكِ المتواطئة مع القناديل القرمزية للأشجار . تغمر القبور التي
يهجرها الموتى ، ووجوه غاسلات تماثيل الملوك المحمّلة بالتوابل في الفجر .
الغيوم ، مرضعات الموتى تحت الظلال الساهرة للاشارات المعتمة للتاريخ . هي وثباتنا
التي لا ترتوي من النشوة المحلولة للهاوية ، صوب الأيكة المتكلسة للموت .


14

تعبرُ طيور سويدية الخرائب المتصدعة في قفار حياتي ، وتسلبني الاغماضة الخضراء لموتي .
الريش الصافي الذي له رائحة شبيهة برائحة اليرقات ، وحمرّة خزّانات المناقير ،
والأغصان المقطوعة والمصغية الى أزيز الرياح في المستنقعات . تحفزني على نسيان
المرأة التي أحببتها وأصبحت الآن هرمة لادمانها الوقوف في نوافذ الأفكار الدينية .
أيّة التماعة واهنة تبرز صورتها أمامي في هذه الهجرات التي لا تنقطع ؟
كل ذكرى حبّ . طعم أغصان شجرة تشعر بالاشمئزاز من ايماننا الذي يدنس زمنها .
عسل السأم يضغط على صخرة أغنيتي ، وظلال الحبّ البعيدة تستريح تحت الذرّات
الممتلئة لذكرى الذين أحببناهم في أرض الماضي .
ينبغي أن نقيم قداس صلواتنا للنحلة بين أشجار النيزك في الصيف ،
حتى تظهر لنا ودائع انخطافاتنا ونزفها .


15

لفّافة الحشيش الافغاني الثقيلة .
الانصات الى موسيقى هايدن في المطبخ .
النزهة المسائية المعتادة في { بحيرة الطيور } .
أيهما تختار ؟
في بخار العزلة ندبة كبيرة تخفي المفتاح وأوراق النسيم .
أيّة سعادة نصاهرها في لحظاتنا الرمادية ؟
في الصمت
نعبركِ بلا اعياء يا هاوية القربان ، وندس حشرجات
أيامنا بين الطيّات الجحيمية للقشعريرة وتنملاتها القهّارة .

16

أسماك نهر شجرة غرامنا ، تجرجر سلاسل عبوديتها في الترددات
المتعاقبة لصدى المجازر القديمة للعناق ، وأعيادنا تنفتح على الهذيانات
الغرامية للصخرة . رقبة الصباح هذا اليوم متورمة ، وفي وهاد ضجرنا
يستطيل القراص ويلتهب مع حجارة الطيور المعرضة لحنق الشواطىء .
في ضوضاء نفاية القبلة وفي مسالخ المدن . تحدق الدموع في وجوه القتلى .
كواكب الجنس المصبوغة بلون الاقحوان . تتحسر على أصيافنا المعطرة
بأسلحة لها أثداء مأتمية ومربعة . مشاعل في الأمواج الانسانية ، تضيء
رعشات الصنوبر في مسرح الأعضاء التناسلية ، حيث تتقيح مخازي النهار .
في العيد التاسع لميلاد ابنة شجرة الغرام . في عرسها الذي انتظرناه طويلاً .
اصطفت معنا طوابير شديدة من ثياب الغبار لتحية سحالي
النساء اللاتي أحببناهن ، ونسيناهن نائمات فوق أغصان العالم .
وعودنا ، عظامنا المسلحة والمتأهبة لدخول بويضة الفردوس .
المصباح غنيمة العرس ، والنبع يدفع الضرائب الى الغريق
والى الغرق . يدحرج الماعز الفضائي الفاكهة ويستلم رسالة البلعوم .
الرسالة انصات طويل لحروب قمح ساكنة في بلاد اللحظة .
كنّا نحمل عظام قبيلة من طيور الحياكة ، وكان النسيم ينزل
من قوارب حواجبنا وبطانيات زمننا الملحية . نعود من الحرب
وفي شعير أسرارنا ، ثمرة حياة نصف مقضومة . رئة صليب
الغرام مملوءة بريش صلوات العاشق ، والأمل لا يظهر ولا
يختفي في التصدعات المعمارية لشموع الالوهة العاشقة في الفراغ .


17

قادماً من ليل أكواخ منزلقة على نجوم البريد ، تخدعني ذئاب الهيرويين
وموتى المصابيح . رزمة مال عديمة الاضاءة تتخفى قرب نهر سياط ،
بانتظار أنظار تخرج من بين النشوات الخفية . الهزّات المختنقة للهفتي
للغنى وأنا أجفف اضطرابي تحت شمس الساعة الجاحظة . هي نفسها
هزّات اللص حول حجارة خذلانه وحول سرداب ملابسه الداخلية .
اللامبالاة العذبة في قنص رحلة ضامرة الى بلد مجهول تغذيه جُمل الأحلام
والأمراض . تحتم علينا أن نقص شَعر رؤوس الأبواب ، حتى تعلو الأصوات
الرطبة للنايات . النهايات الغامضة لحيوات سناجب البنوك ، والميتات
الصيفية للمعادن في بحيرات العيون الشرسة . هي أفكار اللص الحرّة في سعيه
الدائم للحاق بصفارات ملائكة مكائن النوم . في مدينة فك حبيبتي ، يقلّب رعاة
العذاب الجليد ، والمحرّمات التي ترصّع أشجار ليمون السنة . اللص لقلق الحظ .


18

ذا مساء ، في صيف قاهر يلمع شريان رقبته مثل صهريج مبخرة عبر حقول
رياضيات . نهضت واستطالت امكانيات رغباتنا ، وهدمت القلاع وسقالات منازل
الاعصار . مسدس زمن تخترق صمّاماته الأحشاء الضخمة للحجارة ، ويطبق على
حلم الجسور . في الصواري الحمر لقبائل باخرة الليل . يؤمم زعيم نباتات الفطر
الشيوعي الأعشاب والممالح ولحى ثعالب مستشفى الأمراض التاريخية . أمير شعب
التنهدات المنغولي يوزع التوابيت والبهارات بالمجّان على النساء في نيويورك . يلزمنا
الآن الحصول على ريش طيور القطرس لادامة مكوثنا في ليل الأفاعي . رجال
المدفعية اللقالق يطلقون قذائفهم صوب تلال أكاذيبنا ، ويحرضون الموتى على نصب
المشانق لنا . تقرّب المدافع السفر وتضفي الروعة على أيام الفراق . أبجدية لغة القذيفة
تتكون من 37 حرف خوخ . ارادة ساخطة توصد الممرّ المعتم لمراحيض الآلهة . تترك
أعشاش نداماتنا في مدينة { ب } جاذبيتها على الأدمغة المغامرة لضباط توافقاتنا
ومحرقاتها الباردة في أعقاب كل صاعقة .


[email protected]



#نصيف_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العتمة اللامتناهية للفناء
- يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر
- سهر الشجرة وعطورها المنذرة
- أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء
- للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
- عندما ارتعد عدي صدام من قصيدة دادائية
- حوار السيد والعبد
- قصيدتان
- صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية
- كتاب الحكمة الغجرية
- 3 قصائد
- 4 قصائد
- عبد الرحمن الماجدي في مجموعتيه الشعريتين { أختام هجرية } و { ...
- 10 قصائد
- 8 قصائد
- الجثث مجهولة الهوية ببغداد والإرث العراقي في القتل
- معرفة أساسية :الحرب . الشعر . الحب . الموت . الفصل 12 الأخير
- نجوم اسمكِ وهندباء مؤامرات شفته المكشوفة للعقيق
- الأرض الغنائية الشقراء لشفتكِ وقناديلها التراتبية
- صمتكِ الذي يتصدر الشجرة الكبيرة المحتاطة على هاويتها


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصيف الناصري - مرضعات الموتى