أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-14 - لاجئ..! ومكابرأيضاً..!-














المزيد.....

يوميات هولندية-14 - لاجئ..! ومكابرأيضاً..!-


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3078 - 2010 / 7 / 29 - 22:46
المحور: كتابات ساخرة
    



مركز تجميع اللاجئين في تيرآبل- هولندا.
كنت أشعر بالحزن والمهانة كلما أقف في طابور خليط المهاجرين، أنتظر دوري لتناول وجبة طعام. لكن ما لقيناه من حسن معاملة واحترام ومودة وحس انساني مرهف، من حرس وإدارة المعسكر، رطبت خاطري وأعادت لي بلا مقاربة، تذكـُّر، ذل وتدافع "سرة" البيض والحصة التموينية، ومبيت الناس في السيارات لطول "سرة" البنزين الذي لا يوصف، مرورا بشريط أيامنا السود الأخرى. لكن! هنا، ما كان علينا سوى إطاعة نظام صارم مقدس والإذعان لمشيئته. هكذا جرت العادة، ومعها أقنعت نفسي واستسلمت لمشيئة قدرنا الجمعي، فتأقلمت مع النظام ورتابة الأيام ونكهة الطعام.
امرأة صومالية كانت تقف أمامي في رصفنا الطويل، تحمل رضيعا بيدها، وآخر على ظهرها ويلتف حولها أربعة صبيان لا يتعدى أكبرهم سن السابعة!. عندما همست بدهشة : "كيف وصل هذا الجمع الى هولندا..!؟". جاءني الرد من خلفي ساخرا: "لا تقلق يا حجي.. لقد غرق اثنان من الثمانية في الطريق!!. ..أرجوك تقدم خطوتين، فالشوربة طيبة".
وجبة الغداء: شريحتي لوف وشريحة بسمك ورقة من لحم البقر، مع قطعتي زبد صغيرتين ومثلهما "لطعتي" مربى مع كاسة شوربة مبهـّرة لذيذة.
العراقيون كانوا يتندرون على تلك الوجبة ويدعوها: حفلة "لباخة". اللـَبُخْ، تعبير عراقي يعني "طلس" كلس الجدران. أي مسح الزبد ثم المربى على شريحتي "اللوف". وهو تندر في مكانه، قياسا بنهمنا وشراهتنا بالأكل.
حسب تصوري، ولشخص مثلي، كانت الوجبة كافية لإشباع خاملين على شاكلتنا. فواحدنا لا هم له سوى النوم والأكل وخوض جدل سياسي عقيم بلا نهاية، أو اجترار ذكريات مجده الشخصي الذي يقف الآن بأدب دون عنترة!، في طابور الآمال الضائعة الجائعة. لكنه ما زال حياً، مكابراً، يسخر.. ويتندر.. ويضحك أيضاً..!
أدوات "اللبخ" كانت: شوكة وسكينة وملعقة من البلاستك، خوفا من شجارات لاجئي الأمة، الأخوة الأعداء الذين وحـَّدهم على غير العادة، احترام نظام المعسكر الصارم. أجمل ما في معدات الأكل هذه، أنها دون "قرقعة" عند الأكل. كان يكفينا صخب وضجيج وتعليقات اكثر من مائة لاجئ بعشر لغات. عدا صراخ وبكاء أطفالهم. هَرَجنا هذا، لا يخلو من متعة. هو ذات ما اعتادت عليه آذاننا ومسامع جيوش هروباتنا الجماعية المظفرة!. صخب ثرثرتنا الفارغة، سمة مميزة لنا أين ما حللنا. نشوة غامرة ومثار طمأنينة لنفوس مروعة مرتابة مسكونة بالوساوس على الدوام.. وهذا يومها. لقد وجدت ضالتها، ملاذا آمنا للبوح بحرية وطلاقه بما خبأته النفوس، مواساةً لروحها المأسورة بالحسرة والحزن والألم.
لاجئونا ، خلطة عجيبة من تنوع سياسي وفكري وثقافي وديني ومذهبي وعرقي وحتى طبقي.
عالم تعليقات خليطنا الغرائبي هذا، يشبهه تماماً. من نفس الطيينة. تعليق يعيد لنا بهجتنا المفقودة، وآخر مدعاةً للشفقة والحزن والرثاء. الكل يغرد على هواه ويبكي ليلاه وهذا سر الغرابة ومثار الحيرة والدهشة.
فما دام هناك صخب وهرج، ما المانع ان يختفي بيننا على أقل تقدير، مغنٍ أو مهرج مؤنس ينقذ روحنا البليدة المكتئبة، ويبدد قلقنا ليملي وقتنا الرتيب بالمسرة.
عدم حسم موقفنا من اللجوء، قلق استثنائي آخر مريب. هَم، يحاصرنا نفسيا طول الوقت ويزيد ضعفنا واكتأبنا. للخروج من هذا الجو الخانق، كانت حاجتنا لا تتعدى سماع تمتمة لأغنية عراقية، أو نكتة سياسية ترد روحنا المهمومة. فجأة، يظهر من جمعنا، لاجئ يريد أن يلعب دور "بليادشو" سياسي. أين نذهب ؟ النكبات تلاحق الطيبين أين ما حلوا. مثل هذا المعلق الخطيب السياسي، يقينا، سيجعلني أتقيأ صمتي وشوربتي معا.
مساوئ الصدف، جمعتنا معا..! ها هو عين المهرج، مضحك أمسنا الصاخب، وموهِم المساكين الجياع. جلس مع زوجته أمامي بالتمام، وعلى نفس الطاولة. يا للنكبة..!! رجل في الأربعين،. راح كالعادة يتندر بصوت عال وبلكنة جنوبية واضحة، آملا جلب انتباه وإضحاك "المكاريد" ، يكرر ذات المفردات، و كل يوم وذات ساعة الغداء: " إكلَـوو..لِبخـَوو.. يرحَم والدِيكـَمْ .. كِلهَ مدفوعه منِفـْلوس نفطاتنه".
ترحمت على الزبده الهولندية التي سهلت بلع سم تكرار الكلمات. تركت لبخ شطيرتي ودون أن أنظر اليه عاجلته بالرد: " يمعود إلبخ..إلبخ زين! يا نفط آلاسوَد هذا!. وين أكو هيج سالفة!".
وقبل ان أكمل ما يخص وكالة غوث اللاجئين. مارس حذلقته وحقه الديمقراطي كلاجئ متحضر! وقال: "عمي ..هذا رأيي الشخصي ..أكو عندك مانع..؟".
أجبته : "طبعا لا..لكنك تفكر بصوت عال، ومن حقي الشخصي الرد .. أنا يا سيدي.. يكفيني ستين سنة من الوهم والهم ..شيبت من وهم المكابرة بهالوطن آلاكشر..!!.
لبَخت شريحتي، وشربت شوربتي على مضض. وتركته يغني على ليلاه المريضة. يوهم الآخرين ويقارن..! بعصر وطننا الخائب.
**************
هولندا – سعد سامي نادر



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ألم الحقيقة بين اليأس والسخط والشتيمة-
- حاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة!!
- - خَوّاف الغرب!! بين ( متَّسعة ) صدام و نووي أحمدي نجاد!-
- حول المنقبات!. مرة أخرى مع قرار سوريا الشجاع!
- - وجاء النعال!! في مكانه من سورية الشجاعة-
- الجزء الثاني – شيعة لبنان ..شيعة العراق -
- الجزء الأول- شيعة العراق...شيعة لبنان –
- كيات وحكايات المنبر الديمقراطي – عَلَم النجوم الثلاث -
- - عمو الزعيم نريد جسر..عبد الكريم: حاضر من عيوني!!-
- لماذا كل هذا السكوت عن تبريرات الموت المجاني؟؟
- - العامرية*... بكائية وتر -
- كيّات وحكايات المنبر الديمقراطي – أنا كردي.. ومام جلال!!-
- من أين لنا من قديس يشبه -مانديلا-؟؟
- كيّات وحكايات –نظرية المؤامرة-
- --كيّات- وحكايات المنبر الديمقراطي-
- نوافذ- .للحب. للذكرى. .للغربة -
- يوميات هولندية 13 - حكايتي مع -هُبل العظيم- -
- يوميات هولندية 12- آداب الحمام بين السياسة والدين_
- يوميات هولندية11 -حذاري من البصرة!.السبب ليس الكهرباء!!
- يوميات هولندية 10 -تعزية!!.. أم تهنئة؟؟-


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - يوميات هولندية-14 - لاجئ..! ومكابرأيضاً..!-