أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - حاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة!!














المزيد.....

حاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة!!


سعد سامي نادر

الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 01:53
المحور: كتابات ساخرة
    


قبل يومين، قرأت تحقيقا مترجما عن "لوس انجلوس تايمز"، يتحدث عن محل شربت زبيب "حاج زبالة" الكائن في شارع الرشيد. راح فيه "ابو أحمد" ابن الحاج، يسرد شريط ذكريات قرن كامل من نشاط عائلة، عصرت روحها في الحفاظ على جودة صناعة شربت زبيب العنب. مهنة متوارثة أب عن جد، مهنة توثق بصور رموزنا العراقية المعلقة في المحل،، تاريخنا الاجتماعي والسياسي خلال مائة عام. صور شخصيات وحكام عراقيين خلـّفوا بصماتهم (الشريرة والطيبة) في ذاكرتنا وتاريخ العراق السياسي. وخلال مسيرتهم، تخطوا على محل حاج زبالة، تسحبهم نكهة ومذاق بغدادي خالد في ذاكرتهم.
في شريط الذكريات هذا مرّ أبو أحمد في حديثه، مادحا الجميع من نوري سعيد الى الزعيم عبد الكريم الى صدام حسين، ومؤكدا على حب القوات الامريكية وميلها لشرب عصير عنبه الطيب. ولم تنس ذاكرته أيامها العصيبة حين سيطر مجرمو القاعدة على شارع الرشيد. ليصف جثث ضحاياهم الملقاة في المجاري والأزقة، وبنيته الطيبة قال: "رغم ذلك "القتل"، كانوا يدفعون لي ثمنَ ما يشربون!!". يا لنكد عيش الكادحين!!
ما أثار انتباهي في التحقيق الصحفي، هو جواب أبو أحمد حين سؤل عن سر عدم تعليقك صور لشخصيات اليوم!! السياسية. أجاب : "لا أحد من المسئولين يأتي إلينا. فلماذا نضع صوره..؟". وأضاف أبو أحمد :" إنهم لا يعرفون شيئا عن عصيرنا..إنهم جهلة!!!.
انه برئ لا يريد التحدث بالسياسة . لكنه بدون ان يدري وضع إصبعه على مكمن العلة: (إنهم جهلة). صدقوني إنه برئ. لم يعنِها! ارحموه.. كان يقصد لا يعرفوا، أي يجهلون نكهة ومذاق عصيرالعنب لا غير. لكن اللسان سبّاق للتهلكة!!.
يا للنكبة حتى أنت أيها الحاج "المكرود" تعرف سبب ومكمن علة الوطن!!.
********
أعادني هذا التحقيق الى عام 1958 . عند أول يوم من رجوعنا من دمشق الى العراق، بعد ثورة 14 تموز. حينها، قادني والدي بعد وصولنا بغداد بلحظات، جرني بسرعة ومشى بي وكأنه تذكر شيئا من إرث كان قد أضاعه قبل ثلاثة عشر عاما على هروبه من العراق. نكهة ماض لم تحسّها طفولتي بعد. بل فقط هوَ، وأنفه وصدره المعلول بالسل والربو.
قلت له: إلى أين يا أبي تجرّني بخطواتك الثقال؟؟.
قال : لرائحة لا يعرفها غير المصدورين مثلي . رائحة لم تفارق روحي وعمري. رائحة كعك السيد "السامرائي"، ألا تشمها. وبقى عجلا. سحبني من العيواضية الى شارع الرشيد فالحيدرخانة. وقرب فرن السيد تيقنت وتأكدت، ان رائحة الوطن ليست في ترابه. انها في رائحة كعك السيد!..
حمّلني كيس البقصم وكعك سادة خفيف وابو السمسم المحمص. واشترى لي "شكرلمة" بالدهن الحر، ليرسي في نفسيي من يومها ، رائحة ما زال عبقها يعتـَّني للالتفات الى وطن، ضيَّع هويتي وضيّع هويته، غباء وعناد قادته الابطال!!.
أدار أبي ظهره ليقول لي: "سعدودي! ألا تشم!، رائحة الزبيب؟؟. أعبر الشارع معي لأريك واحدة أخرى من هويات ورائحة الوطن..عهداً تذكرني حين أموت. لا تنساني عندما تشرب زبيب حاج زبالة".
يا لحلاوة أيامنا ومذاق ورائحة روح الاشياء وجوهر الحياة. وطعم وجودنا البسيط ..أدركت من يومها ان هناك هوية وطنية في رائحة خصوصياتنا المبعثرة تبقى اسفينا في الروح تلهب الذاكرة متى عبقت..
بعد خمسين عام، وقيل يومين من هجرتي في 4.4.2008 بالتمام. تخطيت نفس خطوات أبي الواهنة، المثقلة بهموم ووهم الوطن. تسكعت ببقايا شارع كان يسمى الرشيد. شارع بلا روح، بلا بسمة، بلا نكهة. ووفاءً لعهدي، اشتريت كعكا كآخر متاع لي للهجرة. وشربت قدحا من زبيب حاج زبالة . لكن زفرة روحي وقرفها ونتن فساد عالمي المسحور، لوثت نكهة العصير. جعله بلا مذاق.
***********
هولندا – سعد سامي نادر



#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - خَوّاف الغرب!! بين ( متَّسعة ) صدام و نووي أحمدي نجاد!-
- حول المنقبات!. مرة أخرى مع قرار سوريا الشجاع!
- - وجاء النعال!! في مكانه من سورية الشجاعة-
- الجزء الثاني – شيعة لبنان ..شيعة العراق -
- الجزء الأول- شيعة العراق...شيعة لبنان –
- كيات وحكايات المنبر الديمقراطي – عَلَم النجوم الثلاث -
- - عمو الزعيم نريد جسر..عبد الكريم: حاضر من عيوني!!-
- لماذا كل هذا السكوت عن تبريرات الموت المجاني؟؟
- - العامرية*... بكائية وتر -
- كيّات وحكايات المنبر الديمقراطي – أنا كردي.. ومام جلال!!-
- من أين لنا من قديس يشبه -مانديلا-؟؟
- كيّات وحكايات –نظرية المؤامرة-
- --كيّات- وحكايات المنبر الديمقراطي-
- نوافذ- .للحب. للذكرى. .للغربة -
- يوميات هولندية 13 - حكايتي مع -هُبل العظيم- -
- يوميات هولندية 12- آداب الحمام بين السياسة والدين_
- يوميات هولندية11 -حذاري من البصرة!.السبب ليس الكهرباء!!
- يوميات هولندية 10 -تعزية!!.. أم تهنئة؟؟-
- يوميات هولندية -9 -أيها العراقيين: هلهلوا، تفوقت -يُوويَهْ--
- يوميات هولندية (3)*- في الطريق الى أمستردام-


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعد سامي نادر - حاج زبالة: نكهة الزبيب ومكمن العلة!!