باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28 - 09:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منطقة اللاّوعي هي مخزون الدّوافع الحقيقي لدى الكائن البشري بما فيها تلك الّتي يعمل على إخفائها و التّمويه عنها لأسباب مختلفة....حواسّه المختلفة تربطه بالعالم الخارجي المحسوس و المُدرك و تجعله يتعرّف على ذاته و على محيطه و من ثمّة تتخزّن و تتراكم المعلومات و الإيعازات و الإيحاءات و الأوامر و النّواهي المقدّسة و العادية بطريقة آلية و غير انتقائيّة و بترتيب معيّن داخل اللاوعي و على أساسها تتشكّل أو تتبلور طريقته (الكائن البشر)في الانفعال و التّفكير و التّعاطي مع بيئته و الّذين من حوله...
اللاّوعي يحوي كلّ الآليات و المحفّزات الّتي تشغّل محرّك الأفعال و الأقوال داخلنا و يتضمّن اللاّوعي في أعماقه و طبقاته الخفيّة كلّ البروتوكولات و البنود (منها إلزاميّة و منها غير ذلك) الّتي جمعها و كدّسها مثلا المسلم داخل اللاّوعي عنده و الّتي يُبنى عليها لُزوما مسار حركة الفعل المباشر و يُتّخذ باسمها و لأجلها القرار النّهائيّ إزاء أحداث الحياة المختلفة...!
إنّ المسلم الّذي اعتاد و هو في سنوات الطّفولة الأولى على رؤية والديه يُصلّيان و يصومان و يعتقدان بأنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه دمية و تهرب لصوت الصّفير أو الموسيقى لأنّ التّصوير و التّجسيم حرام و لأنّ يوم القيامة يُعذّب الله الرسّام أو صانع الذّمية حتّى يدخل فيها الرّوح و لأنّ صوت الموسيقى محرّم باعتباره مزمار الشّيطان ...هذا الإنسان الّذي هيّأت له الأقدار أو العبثيّة أن يلد في بيئة يدين أهلها و سكّانها بدين الإسلام لا محالة سيصلّي و سيصوم و سيتبرمج منذ الولادة على كره و رفض الموسيقى و نبذ كلّ الفنون الّتي تتعلّق بالرّسم و التّصوير و ستُحبط كلّ نزعة طبيعيّة لديه إزاء هذه الأشياء و بالتّالي ستنتقل و تتكرّس هذه المفاهيم الهدّامة كردود أفعال مباشرة و غير مباشرة و كأفعال ملموسة مرئيّة و غير مرئيّة في حياته و أدائه ثمّ تتقولب في قوالب اجتماعية شاملة و غامرة تنتج لنا مجتمعا إسلاميّا ذو ثقافة تُعادي الإبداع و تُحارب الفنون بكلّ أنواعها...!
الصّورة الّتي حرّمها الإسلام تعني في حياتنا اليوم/
الصّورة الّتي نجدها في بطاقة الهويّة لكلّ واحد فينا...
الصّورة الّتي ينقلها لنا التلفزيون و المحطّات الفضائيّة و الصّورة الّتي تبثّها لنا الأقمار الصّناعيّة عن كوكبنا و مدننا و عن مناخنا إلخ...!
الصّورة الّتي نجدها في الجوّال و آلات التّصوير ونستخدمها للاتّصال و لأخذ الصّور التّذكاريّة...
الصّورة الّتي نعتمد عليها في المدرسة و المؤسّسة و العمل و كلّ الحياة الّتي نحياها...
الصّورة لبنة من لبنات الحضارة البشريّة و وجه من وجوهها و لا يمكن لنهضة أن تقوم لها قائمة دون فن التّصوير و الرّسم و التّجسيم...
الصّورة مثلها مثل الكتابة وثّقت و خلّدت حضارات إنسانيّة بادت قبل آلاف السّنين و جعلتنا نعرف عن شعوبها ما لا يمكن معرفته دون تصاوير و رسومات و تماثيل و منحوتات رائعة تصف أنماط حياتهم و تخلّد ملوكهم و مشاهيرهم و تجعلنا ننبهر بما أنجزته و حقّقته تلك الحضارات...
في الغرب انطلقت و سادت منذ القدم عددا من المدارس في فنون الرّسم، التّعبيريّة أشهر روّادها الألماني هانس بالوشيك، الواقعية وأحد مشاهيرها دمومييه، الانطباعية و أشهر روادها أوغست رينوار، الكلاسيكية و أحد نجومها ليوناردودافنشي، الرومانسية و أحد أعمدتها غويا، الوحشية و من مشاهيرها هنري ماتيس، التكعيبية و أشهر روادها بيكاسو، و السريالية و و المستقبلية و التجريدية و الرمزية و التنقيطية و من أشهر رساميها بوكشيوني و سلفادور دالي و أوديلون و غيرهم كثير
أين مدارس المسلمين في الرسم و أين روادهم و مشاهيرهم يا تُرى على غرار تلك الشّعوب...؟ لقد دفنتهم في غياهب اللاوعي الجماعي للمجتمعات الإسلامية أحاديث نبوية مثل هذه/
فإنّ الرّسم لذوات الأرواح إذا كان مجسّماً حُرّم بالإجماع، وممن نقل هذا الإجماع النووي في شرح مسلم، قال: وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره...!
وإذا كان الرّسم باليد على اللّوحات والجدران والثياب وغيرها، فهو مُحرّم أيضاً عند جماهير العلماء، لأن الأحاديث جاءت مطلقة، ولم تفرّق بين المجسّم، وغير المجسّم، كقوله صلى الله عليه وسلم: "الذين يصنعون هذه الصّور يُعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم" رواه مسلم عن ابن عمر...!
وروى مسلم كذلك عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصوّر هذه الصّور، فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: "كل مصوّر في النار، يجعل له بكل صورة صوّرها نفساً، فتعذّبه في جهنّم"....!
وفي رواية البخاري أنه قال له: "ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشّجر، كل شيء ليس فيه روح"...!
وهذا يدلّ على جواز رسم كل ما لا روح له كالشجر، والحجر، والأنهارومن الحكمة من تحريم التّصوير ما فيه من مضاهاة وتشبيه بخلق الله تعالى، وكون اتّخاذ صور ذوات الأرواح وسيلة إلى الشّرك....!
وهي تنفّر الملائكة وتمنعهم من دخول البيت....!!
ففي صحيح مسلم أن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة"
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إن من أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله" وفي رواية: "الذين يُضاهون بخلق الله"....!
قال النّووي في شرح مسلم: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة، كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى....!
الموسيقى الّتي هي إحدى أرقى وسائل التّعبير لدى الإنسان لأنّها تصنع بهجته و فرحته و لأنّها وسيلته المثلى للتّعبير عن أرقّ و أنبل مشاعره الإنسانيّة كما أنّها تعبّر أيضا بلغة الإيقاعات و النّغمات عن ثقافات و حضارات الشّعوب منذ خلْق الإنسان وإلى الآن و بعد مرور مئات السّنين نجد في الغرب و دول أخرى أعظم رصيد موسيقي إنساني تمثّل في سيمفونيات و مقاطع موسيقيّة لأفذاذ في الموسيقى استطاعوا عن جدارة أنّ يمثّلوا و يعبّروا أحسن تعبير عن حضارات شعوبهم العظيمة بل و ينشروا بموسيقاهم و ألحانهم الرّائعة ثقافاتهم و مجدهم على مدى شاسع من الزّمان و المكان...
فأنت عندما تسمع لبتهوفن أو باخ ستستشعر داخلك نفحات حضارة و عراقة و عظمة الشّعب الألماني و كذلك الأمر عندما تستمع لسمفونيّة روسيّة أوفرنسيّة أو أمريكيّة أو غيره
أسألك الآن أيّها القارئ الكريم عن رصيد العرب و المسلمين من السّيمفونيات و المؤلّفات الموسيقيّة من ذاك الطّراز و المستوى...لن تجد و للأسف و لو سيمفونيّة واحدة يُعرفون بها في هذا العالم و يعبّرون بها عن ثقافتهم و حضارتهم الإسلاميّة أمام باقي الشّعوب الأخرى...لماذا..؟!
لأنّنا منهيون كعالم إسلامي عن الموسيقى...لماذا لأنّنا تربّينا على أنّ الموسيقى هي مزمار الشّيطان لأنّ هكذا كانت تربيتنا و هكذا وقر و استقرّ هذا المفهوم و هذه النّظرة في وعينا و عقلنا الباطن ؟
إذا لا تعجب كيف أنّ العرب استطاعوا أن يصلوا إلى شبه جزيرة إيبيريا بقوّة السّيف و بقوّة الحماسة للدّين و بالرّغبة الجامحة في نشره لكنّهم عجزوا عن صنع آلة تصوير واحدة و لو بدائيّة بل أنّهم عجزوا حتّى عن تسجيل آثارهم و تخليد ملوكهم و أمرائهم و علمائهم بالتّصوير و الرّسم و النّحت باستثناء كتابات الشّعر و الحديث و القرآن الّتي نقشوها على جدران و بناءات القصور و الجوامع الّتي أقاموا بعضها على أنقاض كنائس بمساعدة البربر و السّكان المحلّيين على عكس الإسبانيين الّذين كتب تاريخهم فنّانون أوروبيون باللّوحات و الرّسومات و التّماثيل و بمختلف الكتابات و الرّموز و التّصاوير...
أمّا فيما يخصّ فنونا أخرى راقية مثل رقص الباليه و التّمثيل وحتّى فنّ التّزحلق الفنّي على الجليد و عدد كبير من الرّياضات خاصّة النّسوية فهي في ذهن المسلم و المسلمة (الّتي يقيّد عقلها وجسمها الحجاب) إمّا فسق و عهر أو انتهاك صريح لحرمات الله و حدوده....!
و للحديث بقيّة.....
#باهي_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟