أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل الجندي - قبلك.. معك.. وبعدك















المزيد.....

قبلك.. معك.. وبعدك


نبيل الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 03:27
المحور: الادب والفن
    


هذه المرة إلى حورية من دم
(1)
قبلك..
النّهر يجري باتجاه المَصبْ.. والشّمس تعرف طريقها الغربيّة.. والحياة رتيبة جداً.. ينزل باكراً إلى العمل.. ويعود بُعيد العصر يعتصر ضيقاً.. يتناول الغداء.. ينام .. يخرج للسوق يشتري خضاراً وفواكه، ويعود ينجز ما بقي في يومه من خيبة.. ثم ينام.. وأغلب ظنّه أن لا سمر بعد العشاء..
قبلك..
الحياة رتيبة جداً.. يتناول الطعام والنّاس بفمه، ويصلّي المغرب والعشاء في المسجد القريب.. ويهيّأ إليه أنّ كلّ شيء على ما يرام..
(2)
قبلك..
رتابة فيما تقوله المرايا، رتابة في الشّعور، والوقت يمضي بأيام متشابهة، وبعلاقة متزنة مع عباد الله، الذين في آخر الليل يعودون إلى منازلهم آمنين..
قبلك لا شيء يستحق العناء ولا جهد الاستقصاء، فكفى الله المؤمنين شر القتال، وكفى رجلاً مغموراً عيش البسطاء الذين ما انفكوا يغتسلون على البئر الجبلية، يولدون وربما يموتون بذات الصمت.
قبلك..
مواطن بأحلام عادية، وطموحات مثل أحلامه، ليس فيها وقوف مؤقت بين السّطور..

(3)
معك..
خمسة هي أركان الحياة: أنت والماء والعطر والورد والشّعر.. بكم أحيا وأعيش.. وأربع هي الجهات وحيثما سرت فكل الجهات تؤدي إليك، وبوصلة الكون الوحيدة هي بوصلة عينيك..
معك..
يبدو الكون أرحب، والسّماء أجمل وأبعد، والبحر كلّه مدّ وعطاء، والمدينة قصيدة جاهليّة، والحديقة لوحة ل(فان كوخ)، والبيت كأس قهوة وحاسوب، وأكثر..
معك..
للحياة غاية مبررة الوسيلة، وغايته أن يروّض المهر الجامح للرّقص في ساحات السّباق، وأن يعلّم الفراشات كيف تتحرق شوقاً للضوء، وأن يدرّب نفسه على أن يحتوي حياته التي صارت (أنت).
(( يا مهري الجميل...الذي يفك طلاسم الانزياح اللغوي، وينقش أشكال الاستعارات المكنية.. يا فراشتي التي من انفكت تدوخني كلما زادت لهفتي ورواها الحنين، يا (أنا) التي أحببت فاتهمني الرفاق بتعظيم الذات)).


(4)
معك.. للكرم وجه آخر..
كم كنت كريمة حين أغدقت عليه بغيمة عطرك، وخيمة شعرك، وحيرة شفتيك.
كم كنت كريمة إذ منحتيه من الوقت ما يكفي أن ينمّط موسيقا الصّهيل.. وأنت تنظمين الكلمات في عقود من درر وصهيل وأنوثة ساحرة..
كم كنت كريمة وأنت تمنحينه الوقت في قراءة نزفه الذي فاض على الورق، أما كنت تدري بأنك العنوان والمضمون؟
(5)
معك..
رأيت الأطفال يمرحون، ويبتهجون بالدّمى والعرائس وعلب الألوان..رأيت "جوريات" الحديقة تزهر بكلّ ألوان الطّيف، والعشب ينمو، والشّجر يعلو.. فنبتت في روحي صفصافة وزهرة "بيلسان".
معك..
رأيت البنات تخبئ هواتفها النّقالة تحت وسائدها غير آبهات بما يقال عن أضرار الإشعاع، ورأيت آخر الموضات تتبختر في حيّنا الفقير.. ورأيت ملكات القصور تمشي بين الناس دون حراسة.. رأيت العامرية وجولييت تأخذان حصة على يديك في (الاتيكيت).
(6)

معك..
دفعت للعرافة التي سحرتني بك كل رواتبي.. ولمّا جذبتني مشيئة الله إليك، وإذ سهر أهل الحي على ضربات قلبي، منحتها ساعتي ومحبرتي وهاتفي الخليوي وعلبة حلوى فاخرة.
معك ..
-والذي نفسي بيده - أشياء من الصّعب أن تنسى.. فلست يوسف الصّديق كي تغلقي الأبواب دوني، أو يكون فيها "هيت لك".. فلستِ أميرة القصر حتى تلوكني فيك ألسنة عامة الرعيّة .. فجلّ ما كان عناق ريحانة الرّوح لريحانة روحها على أريكة البوح النبيل، ويا قوم إني بريء مما تشركون.

(7)
معك..
انتشر باعة العطور والورد المتجولون.. وأطلقت سيارات المدينة أبواقها، وزينت واجهاتها "بالشَّبر"، والحارات امتلأت بحبال الزّينة، وعلت مكبرات الصوت.. وغردت عصافير، وهدل حمام، وتطاير السنونو عن سطوح العتيقة..
معك عرفت البهجة طريقها إلي.. وما تاهت الأحلام عن شرفتي العلوية..
يا فرح القلب إذ فضحتني عيناي بريقاً..
يا هدوء البال وجدارية غبطتي.. إذ تلونت أيامي بألوان قوس قزح..
يا كلّ ثرواتي التي جاءت فجأة كأثرياء الحرب هم فرطوا فيها، وأنا عشت لدنياي.. ولا أدري كيف فرّطت بها/ بي، وأغلب ظنّي أنها اختنقت- في غمرة اندهاشي بها- بين يديّ.

(8)
معك..
الأسبوع يومان فقط يوم فرح حين أكون معك، ويوم فجيعة حين لا أكون معك.. فاحسبي كم عشت على رزنامة قلبك.. أليس ثمة فرق بين السبت والأحد.. يا واحدة القلب الوحيدة؟
بعدك..
يبهت ضوء الشمس، ويعتذر القمر عن طلته البهية، وتحجب غربان الغيوم أضواء السّماء والنّجوم البعيدة..
بعدك..
تتخبط دورة الأرض حول نفسها، أو حول شمسها وتدور الرؤوس كيفما اتفق.. وتمطر السماء مطرا حامضياً وقاعدياً ورملا وهموما وطيناً.

(9)
بعدك..
تضل العشار عن حملها، وتذهل المرضعات عمن يرضعن، وتهيج وحوش الروح المحشورة .. لتعيث في الأرض خراباً..
بعدك..
تنشق السّماء عن سمائها.. وتحترق الأسماك في البحار المسجورة، وتقدّ الضّلوعُ لحمها عن قلب يبوح.. نطت الرئتان إلى الشارع، ورقص الكبد رقصة الديك الذبيح.. واليدان مكتفتان من ذهول..

(10)
بعدك..
تخربش ساعات الوقت، فيختلط (تموز) ب(كانون) ويختلط صياح الديك بإيقاع ساعة (بيج بن) فلا الصبح صبح، ولا المساء والأيام فوضى، ليفقد المكان إحساسه بمن مرّ به أو أقام ..
بعدك..
لا ماء ..هواء .. لا أغنيات .. لا قهوة تحتسى ولا عاد عطار يبيع الهيل أو البخور..
بعدك..
جفت الحدائق والينابيع ومات الشجر.. وأغلقت محلات بيع الورود، والأزهار والدمى والحلوى والهدايا..

بعدك..
أصيب الشعراء بالحبسة الكلامية، وخرس الناي والعود الشرقي.. فلا (دو) ولا (ري) ولا (مي)
بعدك..
غير مصممو الأزياء صنعتهم وصاروا يوزعون الأكفان البيضاء على الأحياء والحارات... والأحياء والأموات
بعدك ..
أغلق العشاق نوافذهم، واستقالوا.. بعدما جفت شرايين الشّعر في المحابر والأقلام..
بعدك اسودت أوراقي، وابيضت عيناي وأنا كظيم..
وأنّى لي بقميصك يحل لغز الإبصار ..
(11)

بعدك..
لا جديلة ستتراخى على كتفين فارعين.. ولا غابة (بُن) يستفرد بي أسياف أجفانها أسراً وتقتيلاً..
الله ما أجمل قهوة عينيك الريفيتين حين تشرب في صباح صيفي..

بعدك..
لا فراشة تحوم حول الضوء.. لا مهر يصهل..
ولا قوام يعلو إلى قامة نخلة.. كان اسمها أنت.. وبقي اسمها أنت.

(12)
بعدك..
تغيرت نواميس الطبيعة وقوانينها، تسونامي الشّوق يصعد حتى أعالي الجودي، وسفينة نوح قد صادرها الأنتربول، والأزواج غرقت من كل جنس اثنين.. والكون إلى فناء.
بعدك … بعدك.. بعدك..
لا شيء بعدك.. غير الزلازل والبراكين والدّمار والخراب والقيامة
بعدك لا شيء بعدك غير الفناء.. الفناء.



#نبيل_الجندي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنت ورام الله وجهان للعشق
- أول الحبر وآخر النشيد
- مرثيّة إلى رجل طيب
- أوفدني إليك فارس داحس يا صاحب الغبراء وسيّدها.. والعكس بالعك ...
- سيمفونية الغياب والضجر
- إلى أين سيأخذني ظلّك هذا المساء؟
- قالت لي النّجوم في انقطاع الكهرباء..
- عندما عملت طباخا: خلطت التّين في العجين... وغضب مني الطّهاة
- مرثية الشهيد عماد أعمر
- يا خضر قد ملّني الصّبر: معلقة على بوابة الخضر
- عتاب.. وجلد.. وانتصار


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل الجندي - قبلك.. معك.. وبعدك