قالت لي النّجوم في انقطاع الكهرباء..

نبيل الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 2019 - 2007 / 8 / 26 - 11:14
المحور: الادب والفن
    

إهداء: للضوء حين يفرح بسماء غزة والقدس ورام الله ذات وطن وفرح.
(1)
قُطعت الكهرباء.
في الثّلاجة كِسَرُ خبز، وبقايا دجاجة مجمّدة خبأتها لأوهم أسرتي أنّنا ما زلنا بخير.
وفيها فلفل لاذع، وخضار مجمّدة تيمّنا بقدوم رمضان كريماً ذات قدوم..
في الثّلاجة ماء للشّرب، وسمكات -بعدد المعلّقات- تسع جاهزة للقلي، متماثلة مع عدد أفراد الأسرة المقليّة بالحرّ والعطش والفقر والحصار، والمغلّفة ببطالة معيلهم المنكسر أمام احتياجاتهم اليومية.

(2)
قُطعت الكهرباء
نيرون أحرق روما وأنت تطفئ غزة.. للتاريخ دورة لا تَزِل ولا تخيب!!
هل غزة ظلامية لتستحق أن نطفئ نورها؟
وهل غزة قلبها معتم ليطاردها الانتربول الدّولي أو يصادر ما بقي فيه من نور؟
وهل إعادة النّور إلى القطاع سيحتاج إلى اجتماع قمة؟؟!

(3)
قُطعت الكهرباء..
لستُ مع قيس ولا مع يمن، لكنّي من حارات غزّة..تحديداً من الرّمال.. ومن عيونها الزرق أسيل.
فتعال وخذ حسابك (إن وجد)، وأعطني نوراً كي أقول ما قالته لي ولغزة هاشم النّجوم..
قبل العتمة وخلالها قالت لي النّجوم.. على نور قالت النّجوم:
سيقطعون عن غزة الكهرباء (أو) والماء (أو) والتلفون (أو) والطحين (أو) والهواء وسيحاولون اختبار قدرة الجوع في الهيمنة على جسدها النّحيل.

(4)
قُطعت الكهرباء
فيما مضى كنت احتاج الكهرباء كي أشاهد ما يمكن أن يشاهد على التّلفاز..
نشرة أخبار.. أغنية فيدو كليب.. مسلسل تاريخي ماكر.. خطبة الجّمعة تدعو على اليهود والعرب في آن.. خطاب لشيخ القبيلة يحدثنا عن بطولة تحرير حيفا والجليل..
أو أشاهد أخبار النّازحين والقتلى والحروب والزلازل والبراكين والأعاصير.
كلّ هذا لم أعد بحاجة إليه.
فالأخبار فقط عن قتلنا وعن قتل من هم مثلنا.. وعرينا أكثر عهراً وعرياً من أي فيديو كليب.
والتاريخ منخرط في العولمة، وفي سعر النّفط، وفي محاربة الإرهاب، وغسل الأموال وفي عمليّات شفط الدّهون.
أما إمام الجمعة فقد باع عمامته واشترى بندقية حديثة سيحتاجها لإقناع المصلين بوجهة نظره حول المسح على الخفين.
وعن حكاية التحرير فقد رمينا قبعاتنا وخلعنا ملابسنا كلّها أقرب حاجز تخيلناه سور عكا العظيم..

(5)
قُطعت الكهرباء..
فيما مضى كنت أحتاج الكهرباء كي أفتش في (جوجل) عن مدائح تليق بمديري في العمل، وكي (أكو) ملابسي لأبدو أمام فتيات الحيّ في كامل الوعي والوسامة.. أما الآن فأنا عاطل يا أصدقاء عن العمل، والصّبايا اللواتي كنت على مدخل الحي ألقاهن تجلببت البيوت، وغزّة أثقلت فارسها عن فرسه، وأثقلتني عن الاغتسال بمائها المالح.
فيما مضى كنّا نحتاج الكهرباء للخبز، وعمّا قليل لن يعود لنا حاجة للخبز، فمن قطع الكهرباء ربما يقطع ماسورة الماء ويقطع الطحين، أو يحاول قطع الهواء.
يا لهواء غزة البحري المحمل بالسّلمون والسّردين!!!!

(6)
قُطعت الكهرباء..
علماً أن احتياجي لنور الكهرباء مختلف..
أحتاجها للعصافير كي تقف على أسلاكها فتسرق نظراتها إلى غرفة نومي العلوية..
وأحتاجها حتى لا تتوه نسمة البحر الليلية عن شرفتي..
ومن أجل أن تهتدي عيون حوريّة البحر إلى نوافذي المشرّعة على البحر،
ومن أجل أن يعلو شبق الموجات إلى جدار الحديقة حين تضاء.
احتياجي لنور الكهرباء مختلف..
كي أحفظ أبجديّة المصابيح وهي تتلو الدّروس على الفراشات الحائمة..
احتاج لأن تقطع عني الكهرباء قليلاً كي أرى نجوم الليل بعدما تعودت على نجوم الظهر.
يا صاحب الأسلاك الكهربية وقاطع عني وعن القطاع نورها
تعال ولملم أسلاكك من فضائنا..
فمن تآلف مع نجوم الليل، وسحرها، لم يعد له ولا لغزة هاشم حاجة بالكهرباء.

#نبيل_الجندي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات