أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - المُسْتَبِدُ أبنُ بِيئَتِهِ ، وَهُوَ صانِعُها















المزيد.....

المُسْتَبِدُ أبنُ بِيئَتِهِ ، وَهُوَ صانِعُها


محمد الحداد

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 19 - 22:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدأ معلمنا دَرسَهُ هذا اليوم بِطَرْقِ مَوضُوع جَديد ، حَيث كَتَبَ العُنْوان أعلاه عَلى السَبورَة بِخَطٍ عَريض وَ مُلون ، قائلا التالي :
تَعْلمون جيداً ، بَلْ كُلنا تَقريبا عُشنا الاِسْتِبْداد بِشَكْلٍ أوْ بِآخَرْ فِي بُلدانِنا الوَطَنيَّة ، وَكَما تَحَدَثنا سابِقا عَن البُنْيَة التَحْتِيَّة وَالبُنْيَّة الفَوْقِيَّة ، فَرُبما يَطرأ سؤال على خَواطِرَكُم ، إلى أيِّ بيئة يَنتمي المُستبد ؟ هذا أولاً .
وثانياً ، مَنْ الذي يَصنعُ الآخرْ ؟ أيّ هَل المُستبد هُو الذي يَصنعُ شَعبه ؟ أمْ الشَعْبُ هُو الذي يَصْنَعُ المُستبدَ الذي يَحكِمَهُ ؟
وَ طَبْعاً لاحَتْ مَلامِحْ الشَوق وَ التَرَقُب ، لِأنَّ أَكْثَرُنا قَرَأَ مَقالة حَول ( المُستبد يَصْنَعُ شَعبِه ) ، لَحِقَتِها مَقالَة ( والشَعْبُ يَصنَعُ المُستبدَ ) ، فكانَ الشَوقُ يَقتلنا لِمَعْرِفة أيّ الرَأيين أصْوَب ؟ أوْ أيَهما أقْرَب لِلْصَواب ؟
فَعادَ مُعَلِمُنا مُعقباً بَعْدَ طول تَعَقُبٍ لِمَلامِح وُجُوهِنا ، حَيْث قال :
سَأقفِزُ عَلى الفَقَرَة الأولى لِأُجِيب عَلى الثانية لأنَها هِيَّ التي تُثير الشَوْقَ فِيْكُم ، صَحيح ؟
فَأوْمَأنا بِرِؤوسِنا دَلِيلَ تأكيدٍ وتأييد .
فقال : هو يشبه سؤال من الأول ، أ هي البيضة أم الدجاجة ؟
فكلاهما صنيعة الآخر ، ومهما رجعنا بالزمن للوراء ، فأننا لن نجد الجواب الفاصل ، بل هي تكهنات ، كذا العلاقة بين الشعب و مستبده ، فالعلاقة بينهما تبادلية وتواصلية بحيث يصعب بأحيان كثيرة إيجاد المسبب الأول الرئيسي فيهما .
ولكن ، قال معلمنا معقبا : أن موضوع الشعب والمستبد ممكن أن نضعه تحت مجهر البحث السياسي الاجتماعي ، كي نرى مدى تأثير هذه العلاقة التبادلية ، ومن هو الصانع الأول ؟
هنا طلبت أحدى زميلاتنا التحدث ، فأذن لها المعلم ، حيث قالت :
هو إعادة لما سبق ولكن أود أن آخذ خلاصة ما تم التوصل إليه في المناقشة السابقة ، هل ما زال الشعب يصنع المستبد دائما أم أحيانا ؟ هل الديمقراطية أمل يستحيل التحقيق في بلادنا العربية ؟ هل تغيير الشعب أسهل أم تغيير المستبد ؟ ومتى يكون ذلك مناسبا ، ويا ترى مقولة المستبد العادل ـ إن وجد ـ ما نسبة صحتها ، لأنها هي الخيار المتاح في بعض البلاد العربية .
فأجاب معلمنا قائلا : أسألتك كثيرة ومتعددة وجميلة لأنها تشحذ الهمم ، وتدعوا للتفكر بعمق ، ولكن دعيني أولا أنتهي من الفقرتين أعلاه ، ثم أحيد نحو تساؤلاتكِ سيدتي .
فلنعود لفقرتنا الثانية ، التي قلت فيها بصعوبة إيجاد من الذي صنع الآخر أولا ؟
ولكن لو وضعنا السؤال بصيغة أخرى ، وهي هل المستبد يصنع بيئته التي يعيش فيها ؟ أم البيئة الاجتماعية والأخلاقية هي التي أوجدته ؟
وهنا ستكون الإجابة أسهل نوعا ما ، حيث ربما الكثير منا سيقول أن المستبد هو ابن بيئته ، ولكن أيضا بعد أن يصل لسدة الحكم فأنه يقوم بصنع البيئة التي تعطيه الاستمرارية بالحياة وممارسة استبداده وديمومته .
فالاستبداد مستشري داخل مجتمعاتنا ومن أصغر خلية فيها ، ففي الأسرة الصغيرة هناك استبداد بالرأي للرجل على زوجته وأبنائه ، يعلقها بعضهم على ظهر الدين باسم القوامة والولاية ومقولة ناقصات عقل ودين ، ويعلقها آخرون باسم العادات والتقاليد ، وأيا كان المسمى فالنتيجة واحدة ، وهي استبداد ذكوري سلطوي داخل الأسرة الصغيرة ، والذي يترجم وينعكس سلبا على الأسرة الأكبر ، أي المجتمع .
وكلما كان المجتمع أكثر بداوة ، وأقل مدنية وحضارة ، كلما وجدنا زيادة الاستبداد ألذكوري ، واعتبار الأنثى ، أيا كانت هذه الأنثى ، أما ، أختا ، أو بنتا ، فإن رأيها لا يسمع ، وإن سمع لا يطاع ولا ينفذ ، وإن عصت فمصيرها القتل أو الحبس والضرب على أقل تقدير .
ببيئة رديئة خلقيا وثقافيا كهذه لابد أن تجد بيضة المستبد المناخ الملائم كي تنموا وتترعرع .
وأيا كان رأيكم أن مستبدكم متعلم ، أو حاصل على شهادة جامعية عليا ، أو ذو خلفية ثقافية بنظركم راقية ، ولكن تصرفاته تعطي دليل على خطأ أحكامكم تلك وعلى تخلفه ، فهو لم يستفد من تعليمه إلا بكيفية صنع بيئة ملائمة لبويضاته الاستبدادية حتى تنموا ، والشهادة الجامعية ليست بدليل على حسن نوايا المستبد أو على رفعة خلقه ، فالأخلاق والعمل بها شيء ، والشهادة الجامعية العلمية أو الإنسانية أو العسكرية شيء آخر .
والاستبداد هو نوع من التخلف ، بل هو التخلف بذاته ، لأنه مانع من التقدم والرقي ، وهو مانع لنمو المبدعين ، بل وهو قوة جارة وساحبة للمجتمع نحو الخلف ، بدل التقدم الحضاري .
ثم قال معلمنا مستطردا :
وهنا أكون قد أجبت على الفقرة الأولى حول انتماء المستبد لأي البنيتين ، فهو حتما ولا محالة ينتمي إلى البيئة الإنتاجية التحتية ، ولن يكون مطلقا في البنية الفوقية ، لأنه لن يكون مطلقا قوة دافعة نحو بناء المجتمع ، حيث بوجود المستبد ستقوم داخل المجتمع قيم بالية ومنحطة ، وسيعاني المجتمع كثيرا من عدم وجود القيم العليا وتطبيقاتها ، كالعدل والسلم الاجتماعي والرفاهية .
وهنا أكون قد أجبتك سيدتي حول المستبد العادل ، فهاتان قيمتان أخلاقيتان تنتميان لنقيضين ، فالمستبد ينتمي لقيمة سالبة تأخذ المجتمع نحو الانحدار للحضيض ، حيث بممارستها تنشأ قيم بالية ورديئة داخل المجتمع ، والعدل قيمة موجبة تأخذ بالمجتمع نحو الرقي ، وأن يكون من صناع الحضارة ، فكيف يجتمع النقيضان ؟
فبالاستبداد تنشأ قيم وصولية ، انتهازية ، ظالمة ، تضع الحق بغير محله ، على عكس العدل الذي يعطي الحق لأصحابه ، وبذا وجب وجود تضارب وصراع بين الاستبداد والعدل ، لأنهما نقيضين ، ونتائجهما متناقضة .
ثم قال : لا أخفي عليكم أن هذه المقولة استخدمت كثيرا في التراث حتى تبرر أعمال المستبد من قبل بيئته التي صنعها هو على شكل أقلام للبيع ، تكتب ليل نهار لتخدر المجتمع ، وتمنعه من الثورة ، أو تغيير المستبد .
ونجحت هذه الأقلام كثيرا حينما مزجت بين المقدس الديني والمستبد العادل ، فأعطت وجود الحاكم ، أيا كان هذا الحاكم ونوعية فساده واستبداده ، أعطته شرعية دينية ، وجعلت ممن يقوم بالثورة ضده كالخارج من الملة والدين ، وهنا يكمن نجاحها ونجاح المستبد بخلق شعبه وبيئته التي ترضى بأفعاله ، بل وتباركها .
ثم قال : و لأعود لمقولة صغيرة مما قلتِ سيدتي ، وهي :
هل ما زال الشعب يصنع المستبد دائما أم أحيانا ؟
فأجيب بنعم ، فما دام المجتمع يمارس نفس طقوس التسلط والاستبداد الأبوي و ألذكوري تجاه الآخرين ، كلما خرج لنا بين الحين والآخر مستبد ، بلون وشكل مختلف عما عرفناه و ألفناه .
فما نحتاجه هو تغيير جذري بالقيم المجتمعية ، أي أننا بحاجة لثورة اجتماعية ، ترمي باليات القيم ، وتزرع راقياتها .
ولكننا سنصطدم بالمستبد الذي سيرفض ذلك بقوة السلاح ل ألا يخسر بيئته الحاضنة ، والتي تخرج مستبدون بكل يوم ، وبكل المجالات ، لذا وجب الثورة على المستبد بنفس وقت الثورة الاجتماعية ، وهنا تكون المعضلة الكبرى بنجاح الثورتين معا .
فقال أحدنا : ولكن يا معلم هذه صورة قاتمة جدا ؟ فأني لا أجد أملا بتحقيقها !!
فقال معلمنا : الأمل موجود دائما ، فهو بداخلنا ، ونحتاج أن نخرجه للنور ، وأن يصبح تطبيقا على أرض الواقع .
وإذا مات الأمل فينا ، فلا خير فينا ، فكأننا متنا ونحن واقفون .
وما دام الأمل في داخلك ينبض ، فأنت من البنية الفوقية ، ويوم يموت الأمل داخلك ، ويكون يومك كأمس ، وغدك كاليوم ، حينها ستكون من أصحاب البنية التحتية ، وبجدارة .

محمد الحداد
19 . 06 . 2010



#محمد_الحداد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- والشعب يصنع المستبد
- تعليمات كأس العالم
- قِ نَفْسَكْ
- فِ عَهْدَكْ
- هل الخِرفانُ أصْلُها عَربي !؟
- الإنتاجُ فِكْرٌ أمْ عَمَل ؟
- قَطّارَة النَتائج
- الأخلاق الانتخابية
- توضيح مهم لكافة القراء الكرام حول مقالنا الموسوم لو كان البع ...
- لَو كانَ البَعثُ دِيناً وَ رَبّاً لَكَفَرتُ بِه
- الجدار الناري
- عِ قَوْلَكْ
- القاعدة والتكفير وأحمد صبحي منصور
- نظارات جدتي
- أين العقلاء في مصر والجزائر ؟
- مِيزان قبّان
- مقالات علمية بسيطة ج 2
- رزوق دق بابنا
- نوري قزاز
- مقالات علمية بسيطة ج1


المزيد.....




- إدانات دولية وتحذيرات بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد ا ...
- إيران: ضرباتنا ضد إسرائيل -استمرت حتى اللحظة الأخيرة-
- هجوم صاروخي إيراني جديد على إسرائيل
- البيت الأبيض: ترامب منفتح على الحوار لكن الإيرانيين قد يسقطو ...
- ترامب يعلن نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران
- كشف كواليس التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران ...
- مسؤول إيراني يؤكد موافقة طهران على وقف الحرب مع إسرائيل
- ترامب يتوقع استمرار وقف القتال بين إسرائيل وإيران -للأبد-
- فيديو: انفجارات قوية تهز العاصمة الإيرانية طهران
- وزير خارجية إيران: لا اتفاق على وقف إطلاق النار -حتى الآن- ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الحداد - المُسْتَبِدُ أبنُ بِيئَتِهِ ، وَهُوَ صانِعُها