أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 27 من رواية تصبحون على غزة














المزيد.....

الفصل 27 من رواية تصبحون على غزة


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 3032 - 2010 / 6 / 12 - 13:24
المحور: الادب والفن
    


27
في المساء ، حطت فراشة الأحلام على البيت فأبعدت عنه كآبة التوقعات . أدخلته في مسار إعادة النظر في أساليب التربية . خضوع غير مسبوق وقراءة موضوعية لم يقف يوماً على أعتابها ، وتساءل : هل يا ترى ، مورثنا الشعبي يحمل في مضمونه فشل في أساليب التربية ومعاناة لم تكن متوقعة عند إخضاعها للمحاكمة العقلية النزيهة؟ فيما كان حوار داخلي يتصاعد وهو ينظر إلى ريتا ، حبيبة العقل والروح ، الزوجة التي حلمت منذ الصبا بالطمأنينة والاستقرار وإنجاب جيل من المتنورين القادرين على محاكمة الماضي وبناء المستقبل تبعاً للتطورات العاصفة : في كل لحظة تأمل بداية معرفة ، وفي كل خطوتان إلى الأمام بداية تقدم ، وأما كل خطوة إلى الوراء ففيها حالة من التقهقر وفقدان للبوصلة !
لا أمل يفتحه المدى ، ولا مدى ندخل من فتحاته إلى أبواب الاعتراف . الضوء الوحيد ، البسيط ، المنبعث من تراث الأجداد وأمجادهم لا يكفي لسطوع الحقيقة الصادمة ، إنه مجرد انبعاثات توقظ فينا روح البحث، وبعض الذكريات الضرورية الدافعة للتمسك بالتاريخ مهما كان موغلاً ..
نظرت ريتا إليه ، قالت :
- كنا نفكر أننا هنا يمكن أن نبلغ مدارات الاكتمال ، ولكن تبين أن لا فائدة من النظر إلى الأشياء بحيادية أو من خارجها . الشيء الوحيد الذي بمقدرنا فعله دون تردد ، العودة إلى أرض الوطن ، فهو ينتظرنا ولن يقسو علينا مهما ظلمناه .
وكان طرح القضية في هذا الوقت بالذات ليس أسوء من غيره ، لأن طرحها لا بد له أن يحدث ذات يوم ، والتعامل معها بجدية خيار مفروغ منه ، وما طرأ على الأجواء لا ينبغي أن يحملها أضعاف ما تتحمله . ببساطة ، إن مشروع طرحها الآن وفي وقت مبكر بالنسبة لإسماعيل ، يضعني أمام ضرورات المحاكمة المتمهلة للموروث الشعبي منذ بواكير نشأته، والتعامل معه بمنطق انعكاساته المؤلمة على سياسات الهيكلة التطبيقية لأصول التربية وعدم إعادة النظر فيها، بل وتهميشها لدرجة غدت معه تشكل عبئاً إضافياً على عملية التطور الطبيعي ، فضلاً عن أن المسألة برمتها لا تخلو من شعور ثقيل بوطأتها أصاب في الصميم رتم حياتنا شبه المستقرة وأضفى على سطحها ملامح التغيير والانقلاب على السائد .
إذن ، هذا الموروث الشعبي الضعيف في تكوينه والمحكوم بالهشاشة منذ البدايات ، لا يقوى على الصمود أمام محاكمة عادلة لعقل متنور يأخذ طرحها المباشر على بساطته، ويتعمق في أصوله المتعددة التي لا تقف حيادية عندما تبدأ معركة المرافعة بين طرفي المعادلة ، ورغم ذلك ، فإن محاكمة اعتيادية دون أن تأخذ طبيعة الأفعال مأخذ الجد ، هي محاكمة لا اختيارية تفرض شروطها القاسية، الصارمة ، التي لا حول فيها ولا قوة ، مثل النوم والأكل والملبس..الخ..
وهكذا ، فان إفراغ الموروث الشعبي من محتواه ، لا يعني بالضرورة إخضاع كل موروثاتنا للمحاكمة وإعادة النظر بنفس المقاييس ، بقدر ما هو تسليطاً للأضواء عبر الوسيط الهش الذي يمثله الطير ، الصغير ، المسالم ، على طريقة التربية وأنماطها التي أخال أنها تسببت بالكثير من الكوارث والمأساة !
بهذا المعنى ، نغدو جميعاً بحاجة إلى إعادة تأهيل وعلاج مكثف ينقينا من شوائب الموروث الذي تناقلناه أبا عن جد، وأضحينا فريسة له بمعنى من المعاني ، ذلك أن من يقتل الطير الصغير (العصفور) ويقطع رأسه ويتلذذ برائحة الشواء وطحن لحمه الطري تحت أسنانه ، سيكون ، فعلاً لا قولاً ، قاتلاً مجرماً ومحترفاً عندما يبلغ سن الرجولة ويشتدد ساعده ، بغض النظر عن الضحية بعدئذ.
وهكذا ، موروث على هذه الوحشية من التناقل والاكتساب من جيل لجيل ، لن ينتج عنه سوى المآسي والقتل ومزيد من الدم ، ويدفع بالتالي، صدارة التطور الذي وصلنا إليه ، إلى قاع السلم بالنسبة للشعوب الأخرى، ويجعلنا دون سوانا من البشر لا نفهم سوى لغة العنف والقتل وتدمير الماضي والحاضر بما يحملاه من جماليات ينبغي أن نتغناها على طريق تأسيس بناء المستقبل وفقاً للتعددية التي من شأنها خلق المناخات الملائمة للتطور العلمي والحضاري وتشجيع حالات الإبداع الفردي في كل مناحي الحياة .
وهكذا ، فقط ، نصبح أسوياء . يعتمد بعضنا على البعض الآخر ، في بناء متصل وتأسيس لا يتوقف لدولة العدل والمساواة القائمة على إتاحة الفرص أمام الجميع حتى يقف المجتمع على قدميه بعيداً عن المناكفة والهزات العنيفة التي تودي بحياته إلى جحيم الدمار وتبادل مواقع العنف بين الفينة والأخرى .
قد يقول قائل ، من يحاكم الماضي لا يستحق المستقبل . إن مثل هذا القول لا يصدر إلا عن مستفيد من الفرقاء وثقافة العنف ، وفي غيابهم لا سطوة له . يفقد موقعه وأنصاره ومستمعيه . يصبح على هامش الحياة التي لا تعبأ بوجوده بعد أن ترسخ مفاهيم جديدة تناغم جماليات الحياة ووجوب المحافظة عليها والدفاع عنها من العابثين الذين لن يتورعوا عن إحاكة المؤامرات بهدف إعادة عجلة التقدم إلى الوراء .إنه التشبث بالقديم والدفاع عنه من زحف الجديد الذي يحمل بذور النماء والتطور والتقدم الاجتماعي، وتوفير الحرية للجميع لممارسة حياتهم بالطريقة التي يرونها ملائمة ولا تضر بالآخرين ..
في تلك الليلة استمر النقاش بين إبراهيم وريتا إلى وقت متأخر . الأسئلة ذاتها تطرح نفسها بإلحاح، وإن كانت بأوجه مختلفة، وصيغ متعددة، طالت الماضي والحاضر، وتوقفت على أعتاب المستقبل . وكلما حاولا الانتهاء تمهيداً للنوم فاجأهم سؤال جديد بحدية قاطعة ، لاسيما وأن وقع ما حدث لإسماعيل كان صاعقاً ، انفتح على فضاءات مخيفة لا تتوقف عند أسئلة الموروث الشعبي وانعكاساته على مجمل التكوين المجتمعي ، بل تعداها إلى أفق ما ينبغي أن نكون عليه بعد استخلاص العبر من تأثير الموروث على سلوكنا ونمط تفكيرنا بغية بناء إنسان جديد بمفاهيم وقيم جديدة وليس بناء إنسان جديد بأساليب قديمة تسعى لاستنساخ الماضي بكل ترسباته وشوائبه ومآسيه!



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 26 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 25 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 24 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 21 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 20 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 19 من رواية تصبحون على غزة
- الأول من أيار
- الفصل 18 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 17 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 15 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 14 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 13 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 12 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 11 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 10 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 9 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 8 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 7من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 6 من رواية تصبحون على غزة
- الفصل 5من رواية تصبحون على غزة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 27 من رواية تصبحون على غزة