خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3028 - 2010 / 6 / 8 - 17:47
المحور:
القضية الفلسطينية
لما كان موقع فلسطين الجغرافي موقعا مركزيا في تاريخ حركة الاتصال العالمي, من حيث انه طرف من ممر الاتصال البري بين قارتي اسيا وافريقيا, يوازيه في ذلك الطرف المصري, كما ويشرف ايضا على صحراء سيناء كمضيق بري تاريخيا يصل بين البحرين الابيض المتوسط والاحمر. ولقربه الامني الان من قناة السويس, وباعتباره جزء اساسي من ساحل البحر الابيض المتوسط الشرقي, يسهل الانطلاق منه غربا الى البحر او شرقا الى المواقع القومية الاخرى في المنطقة.فان اجتماع هذه الصفات في الجغرافيا الفلسطينية اعطاها اهمية لوجستية استثنائية في هذه الحركة العالمية. واهمية جيوسياسية استثنائية جعلت منها موقعا دائما من مواقع الصراع العالمي, احتاجت كل ظاهرة استعمارية في التاريخ للسيطرة عليه ولا تزال تحتاج ذلك الظاهرة الاستعمارية الحالية, مهما كان مصدر هذا الاستعمار او نمطه الاقتصادي.
لقد انعكس تاريخيا هذا الصراع العالمي على المجتمع الفلسطيني, في صورة احتلال اجنبي دائم متواصل تاريخيا, وان تعددت اصوله العرقية واطره القارية, وتنوعت منابت ثقافته الروحانية. ولا يسقط عنها جميعا صفة الاحتلال الاجنبي, وجود حالة اتصال جغرافي اوصلة عرقية او تشابه ثقافي ديني بينها وبين المجتمع الفلسطيني, فنتائج سيطرتها جميعا على القومية الفلسطينية, تدخل في اطار التخريب المتعدد المجالات الذي يحدثه عادة الاستعمار في المستعمرات. وتستمر اثاره المدمرة حتى بعد التحرر من سيطرة الاستعمار المباشرة.
لقد لعب الاحتلال الاجنبي دورا مهما في تاريخ بناء وتشكيل الاثنية في المجتمع الفلسطيني تحددت معه مراحل تطور القضية الفلسطينية في التاريخ, تبعا لاثر ودور هذا الاحتلال الاجنبي في بنية المجتمع الفلسطيني وحركته الداخلية فبعد المشاعية البدائية كانت اولا: مرحلة بناء التشكيل العرقي الثقافي في الجتمع الفلسطيني, التي بدأت منذ اول غزو عرقي استقرفي فلسطين مرورا بما تلاها الى حين اتمها الاحتلال العرقي العربي الاسلامي, وبه استكمل التكوين الثقافي الروحاني في المجتمع الفلسطيني صورته النهائية, وثانيا: مرحلة توظيف جيوسياسية الموقع القومي الفلسطيني لصالح مناورة الاحتلال الاجنبي الاستعمارية في صراع التفوق العالمي, و ثالثا: مرحلة ثبات واستقرار وحدة المجتمع الفلسطيني في ظاهرة قومية حديثة بدأت منذ بدء المرحلة الانتقالية من نمط الانتاج الاقطاعي الى نمط الانتاج الراسمالي, وفيها يتعرض مجتمعنا لمحاول شطب والغاء القومية الفلسطينية واحلال المشروع القومي الصهيوني الاوروبي محلها.
ولما كانت القومية الفلسطينية لا زالت موجودة ومسار تطورها الحضاري لا زال مستمرا في ظل شروط وظروف القضية الوطنية, ولا يزال هدفها الانساني هومحاولة التحرر القومي الفلسطيني الناجز, الى سقفه السياسي الاعلى وهو استقلال المناورة القومية الفلسطينية في حركة الصراع العالمي. وروحه الثقافية الانسانية في الاسهام في رفع مستوى اخلاقية المبدأ الفلسفي الانساني الى حالة الاحترام المتبادل وتكافؤ القيم والحقوق والواجبات مع القوميات الاخرى, واقتصاديا الحرص على مشاركة واسهام قدرة المبادرة والابداع الفلسطينية تقنيا ومعرفيا في تطوير عملية الانتاج العالمي .
ولما كانت المحاولة الاستعمارية لا زالت جارية, والنضال الفلسطيني لا يزال يحاول التصدي لها ومنعها والتحرر منها, حيث لا نصر نهائي احرزته المحاولة الاستعمارية ولا هزيمة نهائية لحقت بالقومية الفلسطينية, فان الوقائع والمتغيرات التي ترتبت على نتائج الصراع حتى الان لصالح المشروع الصهيوني في مختلف المجالات والاطر والمستويات, ليست نتائج نهائية ولا تزال قابلة للتغيير لصالح قوميتنا, لم يمنع ولا يمنع قوميتنا عن تحقيق ذلك, الا سيادة روح و مناورة قيادية اثنية طبقية انهزامية, يسندها اجتماعيا ثقافة ونفسية وسلوك اثني انشقاقي, اجتمعت نتائجها الضارة على صورة حالة تبعية المناورة القومية الفلسطينية لحركة واتجاه المناورة الاقليمية في الصراع العالمي, تحت تبرير الانتماء العرقي والثقافي ووحدة العدو والصراع وضرورة التضامن وترتيب الاولويات لغير صالح التحرر الفلسطيني, وبما يتعارض مع شرعيته.
ولما كانت القيادة الفلسطينية الراهنة بمستواها الرسمي والفصائلي, وتعبيرها الثقافي الادبي النظري السياسي ذات نهج اثني طبقي انشقاقي انقسامي انهزامي, الى درجة حجمت افق مناورتها في اطار وحدود تمثيل التحالف الاسلامي المسيحي الفلسطيني ومصالحه الاثنية فحسب, فقد تحدد ميكانيكيا تبعا لذلك جزئية النطاق القومي الفلسطيني الذي تناور من اجله, وسقط عن مناورتها ادعاء التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية, وسحب عنها تبعا لذلك شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني, وصفته الوطنية.
ان انهزامية هذا الخط القيادي تكمن في اثنية بنيته الفكرية ورؤيته ونهجه, وهي تجلت منذ بدء المحاولة الاستعمارية الراهنة, فشكل فورا تحالفا اسلاميا مسيحيا عوضا عن طرح برنامج اصلاح ديموقراطي علماني يعالج اثنية العلاقات الفلسطينية الداخلية, وهي الان اخذت صورة قبوله جميع قرارات الشرعية الدولية, التي تاسست على وعد بلفور وقرار عصبة الامم في انتداب بريطانيا على فلسطين من اجل تنفيذ هذا الوعد, هذا القرار ذي الهدف والوجه السياسي الوحيد الذي يتاطر في مهمة التهيئة لاقامة الدولة الصهيونية في فلسطين, ومركزية الدور السياسي الصهيوني في ادارة هذا المشروع وتراجع دور دولة الانتداب الى المستوى التنفيذي فحسب.
ان اثنية هذا الخط القيادي هي دفعته الى التراجع عن الشعار الدولة الديموقراطية العلمانية, الوطني القومي الفلسطيني السليم الصيغة, والعودة لقبول نهج تقسيم الديموغرافية القومية الفلسطينية من خلال الموافقة على و قبول شرعية الدولة اليهودية الصهيونية العرقية الاوروبية, وموازاتها بمطلب اقامة دولة التحالف المسيحي الاسلامي الفلسطيني في الضفة والقطاع. وهي اصلا منذ البدء كان نهجها الكفاحي ازعاجيا, غير قادر على انجاز مهمة التحرر ولا يعود غريبا انكفائها الى سياسة دفاعية اخر تجلياتها نهج اللاعنف الغاندي الفلسطيني, الذي ياخذ في قطاع غزة صورة المقاومة اللفظية, في الضفة الغربية صورة مسارالتفاوض العدمي, وكلاهما في تبعية مطلقة للمناورة القومية الاقليمية. وشرطهما عزل الجماهير الفلسطينية عن اداء دورها في مهمة التحرر الوطني.
لقد افتقد النضال الفلسطيني الرؤية البرنامجية والنهج القيادي القومي الفلسطيني, منذ انطلاقته قبل عام 1948م, ولا يزال يفتقدها, وعوضا عن ذلك, سيطرت الرؤية البرنامجية والنهج القيادي الاثني على حركة النضال الفلسطينية, فسادت فيها الروح الانشقاقية, واعطت مدخلا للاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية لإلحاق الهزيمة بالمجتمع الفلسطيني, ولا تزال. وعليه:
فان المطالبة برؤية برنامجية ونهج قيادي قومي فلسطيني, يمثل كامل المجتمع الفلسطين بكامل تشكيله الاثني الثقافي وكامل ديموغرافيته, بات مطلبا تاريخيا حضاريا فلسطينيا ملحا كما انه اصبح شرطا لا غنى عنه لانتصار نضال التحرر الفلسطيني, وهو شرط لا يتوفر في بنية المناورة والتعبئة والتنظيم السياسي الفلسطيني الراهن, لا في صيغته الرسمية المؤسساتية ولا في صيغته الفصائلية ولا في تعبيرادبها النظري السياسي المسيطر في المجتمع الفلسطيني. ولا يستجيب لتحقيق هذا الشرط الا اعادة بناء قوة وحركة النضال الفلسطينية بناء ديموقراطيا ووطنيا قوميا, هي مهمة حزب قومي فلسطيني, تقدمي تنسجم وتتناغم دعوته وحركته النظرية السياسية مع اتجاه مسار التطور الحضاري الفلسطيني التاريخي نحو علمانية واستقلالية الصيغة القومية الفلسطينية.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟