|
فلسفتي في الوطنية والإنسانية
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 08:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك مقولة ليبرالية مفادها إن عالمنا الحديث قد غادر الإيديولوجيات، ولكن هذه المقولة وما يترتب عليها، هي بحد ذاتها لون من ألوان الأدلجة، كما إنه قديما قد قيل بأن نفي الفلسفة هو لون من ألوان التفلسف. ومن هنا لا بد للسياسي أن يمتلك قاعدة فلسفية أو قل فكرية يقوم عليها كل بنائه السياسي، فكرا وخطابا وموقفا وسلوكا سياسيا. وعندما أقول «فلسفتي»، فليس من قبيل ادعاء أني من أهل الاختصاص في الفلسفة، بقدر ما يعني ما يمثل فهمي للقضية التي تدور حولها ما أإسميه بـ«فلسفتي».
من هنا أردت في أكثر من مقالة لي بيان «فلسفتي» في أهم القضايا السياسية، وبالأخص في مفاهيم «الوطنية والإنسانية» و«الحرية والمسؤولية» و«العلمانية والدين».
فيما يتعلق الأمر بكل من «الوطنية» و«الإنسانية»، وعلاقتهما ببعضهما، فأقول إن المعني هنا بـ«الوطنية» هو ليس معنى الإخلاص للوطن، مما تقابله اللاوطنية بمعنى خيانة القضايا الوطنية، أو العمالة للأجنبي، بل المقصود هنا بـ«الوطنية» هو «العراقية» في حالتنا في العراق، فالكلام عن وطنية مشروع سياسي يعنى به عراقيته، أي اعتماد المواطنة الواسعة في مقابل المشاريع الضيقة التي تختزل المشروع السياسي، في مثالنا العراقي، في أن يكون كرديا أو عربيا، شيعيا، أو سنيا، مسلما أو مسيحيا. هذا من حيث تضييق المشروع السياسي في أطر دينية ومذهبية وقومية وغيرها، ولكن أيضا في مقابل توسيعه بالامتداد عبر جزء من مكونات الشعب العراقي، دينيا كان أو طائفيا أو عرقيا إلى ما خارج العراق مما يمثل امتدادا للهوية الخاصة تلك لذلك المكون، فيمتد الشيعي في انتمائه إلى ما وراء حدود العراق فيما يمكن تسميته بـ(الأمة الشيعية)، وكما يمتد السني إلى ما يمكن نعته بـ(الأمة السنية)، وهكذا بالنسبة لـ(الأمة العربية)، و(الأمة الكردية)، و(الأمة المسلمة)، وغيرها. لكني في الوقت الذي لا أتبنى كلا من التضييق والتوسيع، واللذين غالبا ما يجتمعان، فمختزل هويته ومشروعه السياسي في الهوية الخاصة، يمتد في كثير من الأحيان إلى خارج حدود العراق حيث امتدت تلك الهوية الأخص/الأعم، لا أرى أن نضيق ذرعا في وطنيتنا أو عراقيتنا، فلا ننفتح إنسانيا على رحاب كوكب الأرض.
قد يرى البعض للوهلة الأولى، أو ربما لما بعد الأولى، لرؤية يختلف فيها عن رؤيتي في هذا الموضوع. نعم، قد يكون تناقضا، فإني صحيح لا أتفاعل من جهة مع التوسع في الهوية إلى هوية (عربية)، أو (إسلامية)، أو (شيعية)، أو (سنية)، لكني أدعو من جهة أخرى إلى التوسع والانفتاح إنسانيا. ففيما يتعلق بالسياسة لا أفهم تحقيق عراقية العراقي إلا كخطوة نحو تأكيد إنسانية الإنسان، ولذا فتأكيد مفهوم (المواطنة العراقية) إنما هو الطريق نحو تحقيق (المواطنة الكونية). فإني أجد أن كلا من (الدين)، و(المذهب)، و(العرق)، أو ما يسمىبـ(القومية)، و(العشيرة)، وغيرها، عندما يجري المبالغة في تأكيدها، تتحول إلى حواجز وجدر وفواصل تفصل بين الناس، وتحول دون تحقيق الإخوة الإنسانية. فلذا تأكيد (عراقية العراقي) تعني تحقيق (إنسانية الإنسان)، بدءً بـ(الإنسان العراقي)، ذلك بكسر تلك الجدر بين مكونات الشعب العراقي، وممارسة المواطنة الإنسانية في كرة أرضية مصغرة، هي العراق، مما يكون مقدمة لانطلاق في آفاق الانفتاح على عموم المجتمع الإنساني.
وهنا أذكر (الحب) بمعناه الأخص، أي تلك العلاقة القلبية والروحية والعقلية والجسدية بين حبيبين (حبيبة وحبيب)، فالحب هذا، هو وحده القادر على أن يتجاوز الدين والمذهب والعرق، فعندما يحب اثنان أحدُهما الأخرى، وإحداهما الآخَرَ، ويكونان من عشيرتين مختلفتين، أو من قوميتين، أو مذهبين، أو دينين مختلفين، لا يقف هذا الاختلاف حائلا بينهما وبين حب بعضهما البعض، إلا بمقدار ما تحول العشيرة والقومية والدين والمذهب واللون بينهما، حؤولا يتقاطع مع إرادتهما، ولا أقول إرادتيهما، وإن استطاع فرض إرادته على إرادتهما.
فإننا نجد غالبا ما يكون الدين بشكل أساسي، ثم المذهب، ولكن أحيانا العرق أو اللون أو العرف وكذلك القبيلة، نجد أن هذه العناصر هي التي طاما فرقت بين الحبيب وحبيبه، ودمرت أحلامهما، وحولت سعادتهما بأحدهما الآخر إلى شقاء الفراق بين أحدهما والآخر، وحرمان أحدهما من الآخر. ولكن عندما يعطى الحب قداسته التي يستحقها، ولا يُسحَق وتُسحَق قداسته أمام الغلو في تقديس أي مما ذُكِر، ستنهار أمامه كل تلك الجدر والحواجز والفواصل.
وهكذا عندما نأخذ (الحب) بمعناه الأعم، أي عندما يعيش المجتمع الصغير (الوطن)، بل والمجتمع الكبير (كوكب الأرض)، وشائج الحب، والإنسانية، والرحمة، والأخلاق، ستتحقق سعادة الإنسان الفرد، وسعادة الإنسان المجتمع، ابتداءً من المجتمع الأصغر، ونتهاءً بالمجتمع الأكبر، أي عموم الإنسانية.
هذه الفلسفة التي اعتملت في داخلي قناعة فكرية، وتفاعلات وجدانية، وعواطف إنسانية، هي التي جعلتني لا أتفاعل مع مشروع شيعي، ولا مع مشروع عربي، ولا مع مشروع مسلمي (ولا أقول إسلامي). فـ(العراقية) في التوجه متصلة اتصالا مباشرا عبر كل ما بينهما بـ(الإنسانية) في التوجه.
هذا لا يمنع لكن اعتماد رابطة القومية، على سبيل المثال (القومية العربية) بالنسبة لعرب العراق، وكذلك (القومية الكردية) بالنسبة لكرد العراق، لكن دون تقديمها على الانتماء إلى (الأمة العراقية). وهنا أحب أن أذكر أن ما يسمى بـ(القومية)، ليست - حسب فهمي وتفاعلي – إلا رابط اللغة، وربما إضافة إلى ذلك أو كعامللا تعزيز لتلك الرابطة، ألا هو مشترك الجغرافية. فالعربي يتفاعل مع العربي، وهكذا الكردي مع الكردي، بدرجة أساسية بسبب اللغة، أي أداة التفاهم والتعاطي والتعامل والتفاعل. وهذا يعني أنك عندما تتعلم لغة قوم، تشعر بقدر ما أنك منهم، وذلك بمقدار إتقانك للغتهم، وتفاعلك مع تلك اللغة. ومن يعتبر تعدد الإحساس بالانتماء نوعا من ضعف (الوطنية)، أو (القومية) بالنسبة للقوميين، فإنه في تقديري لم يدرك المعنى السامي والراقي لوشائج (الإنسانية).
من هنا وكفهم ليبرالي - حسب فلسفتي - لا بد أن تكون وطنيتنا نابعة من إنسانيتنا، ويكون انتماؤنا الوطني تعبيرا عن انتمائنا الإنساني، وتكون إنسانية انتمائنا توسعا لانتمائنا الوطني، أو بتعبير آخر تكون (عراقيتنا) تجسيدا لـ(كوكبيتنا)، و(كوكبيتنا) توسعا في (عراقيتنا).
18/05/2010
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا يعني توحيد (دولة القانون) و(الوطني)؟
-
وجهة نظر عراقية في الفيدرالية 2/2
-
وجهة نظر عراقية في الفيدرالية 1/2
-
شكر للقوى الشيعية والسنية لإنهائها الطائفية السياسية
-
مع الأستاذ الحراك والحوار حول المشروع الوطني الديمقراطي
-
الخطاب السياسي المغاير ما بين الدبلوماسية المفرطة والهجوم ال
...
-
العلمانية والديمقراطية والليبرالية بين الإسلام والإسلامسم 2/
-
لماذا نقدي المتواصل لتسييس الدين والمذهب والمرجعية
-
الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون
-
ثورة إيران في ذكراها السابعة والعشرين
-
نداء تاريخي إلى الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية
المزيد.....
-
الناشط الفلسطيني محسن مهداوي يوجه رسالة قوية لترامب وإدارته
...
-
-تيم لاب- في أبوظبي.. افتتاح تجربة حسيّة تتجاوز حدود الواقع
...
-
كأنها تجسّد روح إلهة قديمة.. مصور كندي يسلط الضوء على -حارسة
...
-
المرصد السوري يعلن مقتل 15 مسلحا درزيا الأربعاء في -كمين- عل
...
-
الأردن.. دفاع المتهمين بـ-خلية الصواريخ- يعلق لـCNN على الأح
...
-
ثلاثة قتلى جراء غارة إسرائيلية على سيارة في جنوب لبنان (صور)
...
-
خشية ملاحقتهم دوليا.. إسرائيل تكرم 120 جنديا دون كشف هوياتهم
...
-
ماذا تخبرنا الفيديوهات من صحنايا وجرمانا في سوريا عما يحدث؟
...
-
وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر ناهز 116 عاماً
-
حاكم خيرسون الروسية: 7 قتلى وأكثر من 20 جريحا بهجوم مسيرات أ
...
المزيد.....
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|