أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون















المزيد.....

الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 1813 - 2007 / 2 / 1 - 11:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سيتوهم البعض أن العنوان يتضمن تناقضا، أو لعله تناقضين. فكيف يمكن أن يكون الملحد إلهيا، أو كيف يمكن للمرتدّ (المرتدِد) أن يكون متدينا؟ وإذا أمكن اعتبار الضدين الثانِيَين متضادَّين غير متناقِضيَن، فلا يمكن إلا أن يعتبر الضدان الأوَّلان متناقِضَين من دون أدنى شك في تناقضهما، لأن الملحد لا بد أن يكون ماديا بالضرورة، ونعني هنا بالمادية المادية الفلسفية، والتي لا تعني إلا اللا-إلهية، وبالتالي فهي نقيض الإلهية.



ولكني رغم هذا التناقض أو التضاد الذي يوحي أو أقول يوهم به العنوان، سأبين كيف أن هناك من الملحدين من هم إلهيون على نحو من أنحاء الإلهية، وكيف أن هناك من المرتدين من هم متدينون على نحو من أنحاء التدين.



ولكن قبل مناقشة هذه المتقابلات، وحالات التضادّ، أو التناقض، وحالات التلاقي - إن وجد ثمة تلاقي كما تدعيه هذه المقالة - فيما بين طرفي كل من المتضادَّين أو المتضادّات، إن تعددت إلى ما هو أكثر من حالتين للتضادّ، أود أن أمر على المفردات المستخدمة، لأعرِّفها ولو تعريفا بحدود ما تتبناه هذه المقالة.



المؤمن: هنا لا نتناول (المؤمن) بمعنى الإيمان بالإسلام على وجه الخصوص، والذي يقع في قبال (الكافر)، أي الكافر النسبي، أي المنكر للإسلام كدين إلهي، دون الكفر بالله وربما بالمعاد والنبوة العامة دون الخاصة، ولا نتناول (المؤمن)، بمعنى الملتزم أحكام الدين، حسب المصطلح القرآني، والذي يقع في قبال (الفاسق)، أي العاصي أو غير الملتزم، وكذلك لا نريد تناول المعنى الفقهي المذهبي للـ (المؤمن)، بمعنى ما يكون في قبال (المخالف) لضرورات المذهب. بل نقصد بـ (المؤمن) هنا (المؤمن بالله) وربما بالدين بمعناه الأعم.



الملحد: هو الذي أنكر وجود الله سبحانه، بقطع النظر عما إذا كان قد وصل إلى الإلحاد عن بحث وقناعة أو عن تقليد واتباع أو عن شبهة وغفلة.



الإلهي: هو المؤمن بالله وما يترتب على هذا الإيمان من لوازم خاصة بهذا الإيمان، بقطع النظر عن إيمانه بدين من الأديان أو عدم إيمانه، وبقطع النظر عما أوصله إلى الإيمان بالله دين ما، أو بحث فلسفي ما، أو من خلال التقليد والاتباع. وهذا مصطلح يقع عند الكلاميين أو اللاهوتيين والفلاسفة في مقابل مصطلح (المادي).



المادي: المادي هو الذي لا يؤمن بالغيبيات أو بعالم الميتافيزيقا، بل يؤمن فقط بالعام المادي، وبالتجربة طريقا وحيدا للمعرفة الإنسانية. ولا نريد هنا تقييم هذا المنحى من الفكر، الذي يختزن في داخله التناقض حسب فهمي وتقديري، من حيث رفض الدليل العقلي الموصل إلى الإيمان بواجب الوجود، ويستخدم من جهة أخرى أدلة عقلية لرفض العقل كمصدر للمعرفة، ومن ثم كطريق للإيمان بالعلة الأولى، علة العلل التي لا علة لها، والتي لا يمكن أن تكون حادثة ولا فقيرة ولا ناقصة أو محدودة بحدود الزمان أو المكان.



العقلي: هو من لا يعول فيما هي المعرفة الإنسانية العامة على التجربة وحدها كمصدر للمعرفة، كما هو الحال مع الماديين، كما لا يعول فيما هي المعرفة الدينية الخاصة على الوحي وحده كمصدر للمعرفة الدينية أي للإيمان، بل يجعل العقل مصدرا أساسيا للمعرفة العامة، وأما بالنسبة للمعرفة الدينية الخاصة فيجعل العقل حاكما على الوحي وليس العكس.



التجريبي: هو عكس العقلي فيما هي المعرفة الإنسانية العامة، لا يعترف إلا بمصدر واحد لكل معارف وعلوم الإنسان، ألا هي التجربة العفوية أو التجربة الواعية، المنفعلة منها أي بالمراقبة، أو الفاعلة أي بالاختبار، وذلك في ضوء أدوات الحس الخمس.



الوحيوي: العقليون واجهوا رفضَين للتعويل على العقل كمصدر للمعرفة. الرفض الأول من قبل الماديين غير المؤمنين بما وراء الطبيعة وجودا وغير المعترفين بما وراء التجربة مصدرا للمعرفة، والرفض الأول من قبل الدينيين المتمسكين حصرا بمقولات مصادرهم الدينية المقدسة (القرآن والسنة عند المسلمين، والعهدان القديم والجديد والتقاليد الكنسية عند المسيحيين). والوحيوي أو الوحياني هنا هو من يعول على النص المقدس عنده، وهذا ما اتبعته مدارس لاهوتية كنسية ومدارس كلامية إسلامية، خلاف العقليين، كالمعتزلة والإمامية.



الديني: هو من لا يؤمن فقط بالله تعالى بأدلة فلسفية أو تأملات روحانية أو شهودية، بل يؤمن بفكرة الدين عموما، أو بدين معين على نحو التحديد والتخصيص. ولكن من الممكن أن يكون هناك من يؤمن بالدين، ولكن دون دعوى مصدريته الإلهية، بل يرى أن القاعدة والمنطلق والمحور للدين هو الله، أو لنقل ثنائية العلاقة (الله-الإنسان)، ولكن يرى أن الدين هو من صنع الإنسان، وإن كان بإلهام إلهي، أو لنقل بوحي غير مباشر، إذا ما استخدمنا لفظة (الوحي) بمعنى الإلهام غير المباشر للإنسان من لدن الله سبحانه، إما بأدوات الغيب، أو بما أودع الله في الإنسان من قدرة على التأمل والاستلهام، بعملية ذهنية فلسفية، أو عملية روحية شهودية.



الديني الإلهي: هنا نميز الديني الإلهي عما مر آنفا من الديني بالمعنى العام المفترض. مع العلم أن المقصود بالإلهي المقترن بالديني هنا، هو ليس الإلهي بالمعنى الفلسفي أي المؤمن بالله، والذي هو المعنى المقابل للمادي، بل بمعنى إيمانه بالمصدرية الإلهية للدين، أي أن الدين ليس دينا إنسانيا طبيعيا أو فطريا محضا، بل هو منزل من الله إلى الإنسان بواسطة الرسل من الملائكة والبشر، أو بأي واسطة أخرى.



اللاديني: اللاديني معنى عام وشامل، قد يشمل المادي الملحد، وقد يشمل الإلهي غير الديني، ويمكن أن نسمي هذا النوع أيضا بالديني غير الإلهي، أي الذي يؤمن بالله وبضرورة الدين، ولكن لا يعتبر أن مصدر الدين هو الله بشكل مباشر، كما تراه الديانات اليهودية والمسيحية والصابئية والإسلامية وما يماثلها، مما يسمى بالأديان السماوية أو الإبراهيمية أو الوحيوية.



اللاديني المتدين: وهذا المعنى لا يشتمل على تناقض، كما قد يُتـَوَهَّم، بل المقصود هنا هو من لا يؤمن بدين محدد موحى به من الله إلى نبي من الأنبياء، بل يؤمن بالله ويؤمن بضرورة التدين والتعبد والطاعة لله واستشعار المسؤولية أمام الله وانتظار الثواب منه والهروب من عقابه، مع التوكل عليه والثقة به، والرضا بقضائه والتسليم لحكمه، وإشعار القلب بحب الله ومهابته أو مخافته، مع الالتزام بنظام أخلاقي إنساني، دون التعويل على نص مقدس، بقدر التعويل على العقل والفطرة والضمير والعلاقة الروحية بالله.



ولنعد إلى عنوان هذه المقالة (الملحدون الإلهيون، والمرتدون المتدينون) وما تختزنه من مُدَّعى وما توهم به من تعرض قد يصل إلى مرتبة التناقض. ولطرح السؤالين على ضوء ما مر من مقدمات وتعريفات، سؤال كيف يمكن أن يكون الملحد إلهيا، ما زال الإلحاد ليس إلا إنكارا لوجود الله سبحانه، وكيف يمكن للمرتد أن يكون متدينا، ما زال الارتداد لا يعني إلا الإعراض عن الدين.



الإيمان بالله سبحانه وتعالى - كما هو بديهي - هو أهم مفردات الإيمان، كما إن الإلحاد والذي يعني نكران وجوده تعالى هو أقصى درجات الكفر. ومع هذا أقول إن هناك ثمة ملحد إلهي، وأقصد بالملحد الإلهي هو الذي لم يوصله عقله إلى الإيمان بوجود الخالق عز وجل. إذن كيف يمكن أن يكون هذا المنكر لله إلهيا؟ أقول إذا افترضنا أن ملحدا لم يلحد عنادا ومكابرة، ولكن لشبهة، أو ثغرة في ما استخدَمَه أو ما استـُخدِم له من أدلة، ولكنه مع إلحاده عاش إنسانيته بكل ما يمكن أن يعيش إنسان إنسانيته، فكان الإنسان العادل، والإنسان الصادق، والإنسان المنتصر للمظلوم، والإنسان المضحي من أجل الآخرين، والإنسان الذي استطاع أن يهذب إنسانيته من الأنانية والتكبر والحقد والتعصب، وأن يصوغ عقله - مع ما في تفكيره من ثغرات - صياغة تحاول أن تنسجم مع الموضوعية والعقلانية، ثم إذا كان هذا الإنسان علاوة على تنزيهه لنفسه من الأمراض النفسية وتزكيته لأخلاقه يتحرر من التسافل الأخلاقي، وعلاوة على محاولة صياغة عقله صياغة تخلصه من السطحية والخرافة والشعوذة والتعصب والجمود، علاوة على كل ذلك يحاول أن يتحلى بالخلاقية والإبداع ليضفي إلى حياته وحياة الإنسان عموما ثراءً جديدا، يكون مثل هذا الإنسان الذي غفل عن حقيقة وجود الخالق، قد انسجم مع الفطرة الإنسانية التي أودعها الخالق في الإنسان، وتناغم مع مفردات الجمال والكمال، وبالتالي تناغم مع الروح الإلهية التي نفخت في عقل وروح الإنسان، ليكون عليما، وحكيما، وعادلا، ورحيما، ومعطاءً، وخلاقا مبدعا. أما مصير هذا الإنسان في الآخرة، فليس من شأننا أن نحكم له أو عليه، ولكني أتساءل، لو تصورنا أن زعيما لشعب ما يتحلى بالعقل والحكمة والعدل والرحمة والإنسانية ويحب شعبه الذي نذر نفسه لخدمته، سواءً من أيدوه منهم، أو من عارضوه، من أحبوه، فهل يا مثل هذا الزعيم سيتعقد ممن لم يعرفه من أبناء شعبه، أو من لا يؤيده ولم ينتخبه، أو من لم يقدر له خدماته وتفانيه وكفاءته، أو هل سيواجه هذا الزعيم العاقل والإنساني والديمقراطي معارضيه أو غير العارفين أو غير المقدرين لمزاياه بالغضب والكراهة والعقوبة؟ فكيف ينتظر من الله سبحانه الذي هو حكمة مطلقة ورحمة مطلقة وخير مطلق أن يخلد من جهله بسبب أو آخر، ولكنه ورغم جهله لله خالقه وموجده قد انسجم مع مُثـُل الله وقيمه.



أما كلامي عن المرتد المتدين. فأقول إذا افترضنا أن ما قد فهم الدين والتدين لا من خلال النظرية المجردة، بل من خلال الواقع الذي عاشه، فرأى في أوساط وسلوك (المتدينين) الكذب والنفاق، والتكبر والاستعلاء على الناس، والتكالب على حطام الدنيا من مال ومنصب، والخرافة والشعوذة، والتعصب والتطرف والعنف، والكراهة، والظلم والاستبداد. أنا لا أقول إن هذا يمثل واقع المتدينين أو جل المتدينين، ولا أنفي وجود هذه الصفات في أوساط قسم منهم، وقد يمثل هذا القسم الأكثرية الغالبة، بل أقول لنفترض أن إنسانا عاش هذه الأجواء في أوساط المتدينين، وبُرِّر له كل تلك السلوكيات وكل تلك الأخلاقيات بأنها من لوازم الدين والتدين، فعاش المقت والنفور من هكذا دين، واستجاب بروح وجوهر الدين في حقيقته، لا على ضوء هذا الواقع الذي عاشه، فارتدّ عن هذا الدين، ليعيش الصدق والأمانة والعدل والإنسانية، والعقلانية والموضوعية، وحب الخير للناس، والانفتاح على من يتفق معه ومن يختلف معه على حد سواء، عندها يكون هذا الإنسان متدينا بما هو الدين في جوهره وحقيقته وصفائه، وليس بما هو الدين الذي لوّثه (المتدينون الشكليون)، أو (المتدينون الازدواجيون)، أو (المتدينون الخرافيون)، أو (المتدينون المتاجرون بالدين)، أو (المتدينون المُسَيِّسون للدين). مثل هذا المرتد، من يدري لعل الله سبحانه سيحب من ارتداده، وسيحسب له ارتداده اهتداءً واستقامة وتقوى، وسيكون من ينطبق عليه المعيار الإلهي للمفاضلة «وخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل إن أكرمكم عند الله أتقاكم».



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة إيران في ذكراها السابعة والعشرين
- نداء تاريخي إلى الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية


المزيد.....




- مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية
- -لم توفر بيئة آمنة للطلاب اليهود-.. دعوى قضائية على جامعة كو ...
- البنك الاسلامي للتنمية وافق على اقتراح ايران حول التمويلات ب ...
- استباحة كاملة دون مكاسب جوهرية.. هكذا مرّ عيد الفصح على المس ...
- قائد الثورة الاسلامية سيستقبل حشدا من المعلمين 
- تونس تحصل على 1.2 مليار دولار قرضاً من المؤسسة الدولية الإسل ...
- مين مستعد للضحك واللعب.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 20 ...
- «استقبلها وفرح ولادك»…تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ك ...
- لوموند تتابع رحلة متطرفين يهود يحلمون بإعادة استيطان غزة
- إبادة جماعية على الطريقة اليهودية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون