مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3007 - 2010 / 5 / 17 - 10:24
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إن موقف الكاتبين مما يسمى باليسار و اليمين ليس إلا رأي يجب احترامه بالضرورة , المشكلة ليست في رأيهما بالذات بل في اليسار و اليمين الذي حاول كامل عباس تحديدهما , رغم أنه ليس من السهل اليوم تحديد اليساري من اليميني فعلا , لكن كامل عباس لم يجد إلا أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي ليبحث بينهم عن يسار و يمين , جيد أنه لم ينتقل بنا للمفاضلة بين ستالين و بيريا أو بين ستالين و خروتشوف المقارنة المفضلة لدى البكداشيين هذه الأيام . يعني هل من المعقول أن يمسخ اليسار ليحاول أن يبحث عنه بين مجموعة من البيروقراطيين التافهين و المهووسين بمصالحهم و الذين يمكنهم التنافس فقط في ترديد بعض العبارات المكررة سلفا مئات المرات للبرهنة على صحة مواقف بيروقراطية الحزب , و أرجو ألا يكون ممن يعتبر ستالين مثلا , و تلامذته العرب من قومجيين و ستالينيين , يساريا هو الآخر , و جيد أنه لا يعد حزب البعث يساريا لمجرد أنه يسمي نفسه اشتراكيا أو أنه لم يبحث في قيادته عن يساريين و يمنيين . إن كل هؤلاء هم الطبقة التي تملك و تحكم في مجتمع استغلالي تماما يقوم على تسخير عمل الأغلبية لخلق فضل القيمة التي تتحكم هذه البيروقراطية بتوزيعها , و من قال أن اليسار و اليمين هما حكر فقط على الزعامات و النخب , أنا أزعم أن الناس العاديين أيضا يمكنهم أن يكونوا يساريين و يمنيين أيضا على طريقتهم , و أزعم أكثر من ذلك أن وضعية هؤلاء الناس العاديين هي من تحدد حقيقة مضمون كلمة يساري و يميني , الأمس كما في اليوم كما في الغد , و لهذا بالذات فإن كل من عددتهم من بيروقراطيين ( كونهم مسؤولين مسؤولية كاملة عن بؤس الجماهير و تهميشها و قمعها ) ليسوا إلا يمنيين بامتياز . و أتفق تماما مع أن الحدود بين اليسار التقليدي و اليمين قد زالت عمليا , لقد أصبح الجميع يمينيين فجأة , منذ ثمانينيات القرن العشرين ظهرت حاجة عميقة ملحة لدى الأنظمة الستالينية , أوروبية و عربية , للتبرجز صراحة و علنا تشبه موقف غالبية البيروقراطية العسكرية و المدنية الحاكمة في نظام عبد الناصر عندما اختارت طوعا أن تتبرجز في عهد السادات كمقدمة وبادرة لهذه التحولات القادمة , يجب التذكير هنا أن البروليتاريا الروسية لم تكن هي من أطاح بالنظام الستاليني , لقد فعلت ذلك ذات البيروقراطية التي ركبت على ظهورها بحجة الاشتراكية و الشيوعية , أعضاء المكتب السياسي و زعماء الحزب أنفسهم الذين مارسوا الحكم باسم الشيوعية لعقود سبعة , قرروا يومها التحول من استمداد الشرعية من كلمات لينين المقدسة إلى استمدادها من مظاهر "ليبرالية" فارغة , لسبب وجيه جدا في لحظة تاريخية متقاربة اتخذت قوى متناقضة فكريا و حتى طبقيا تتفاوت من رأسمالية احتكارية في الولايات المتحدة و رأسمالية دولة الرفاه المتحالفة مع الرأسمالية الاحتكارية في أوروبا إلى رأسمالية الدولة البيروقراطية في الدول الستالينية الأوروبية الشرقية و الصين و بعد وقت قصير التحقت بهذا الركب الستالينيات العربية و بقية أشكال البرجوازيات التابعة مثل مصر , و في وقت لاحق النخب ذاتها , الجميع أصبحوا نيوليبراليين بين ليلة و ضحاها , أنا أزعم أن هذا ليس فقط تعبيرا عن الإيديولوجيا و السياسة التي أراد مركز النظام الرأسمالي العالمي فرضها في العالم بأسره , إنها نتيجة منطقية لتطور كل هذه البرجوازيات و تتويج لتطور طويل جعل النيوليبرالية تبدو ضرورة و فرصة ليست فقط للتخلص من عبء التزامات دول الرفاه الاشتراكية الديمقراطية أو الروزفلتية و الستالينية و دول الاستبداد الشرقية تجاه الطبقات الأكثر فقرا و تهميشا و ليس فقط لاحتواء قدرة الجماهير في الليبراليات التقليدية على كبح جماح الرأسمالية الكبيرة و ليس فقط بسبب رغبة البيروقراطية الحاكمة في الدول الستالينية و المشاركة في الحكم في دول الرفاه الرأسمالية بتحويل نمط الملكية من عام ( أي حيازتها لملكية كل شيء "نيابة" عن الشعب ) إلى خاص ( أي حيازتها مباشرة لكل شيء , إن الأرض المشاع على وشك الانقراض سواء في سوريا أم في العالم بأسره , كل شيء تحوله النيو ليبرالية إلى ملكية خاصة للرأسمالية الكبيرة ) , إنني أزعم أن هذا الانتقال مثل انتقالا ضروريا من أصولية السوق ( الرأسمالية في الدول الرأسمالية و "الاشتراكية" أو رأسمالية الدولة في الدول الستالينية ) إلى فاشية السوق , لقد أعلنت القوى السائدة , البرجوازيات من كل الأشكال عن ديكتاتوريتها السافرة ضد أغلب مكونات البشرية و بضمنها معظم مواطني مجتمعاتنا المسكينة , جرى تهميش حتى أتفه أشكال المشاركة السياسية للجماهير و نقلت الصلاحيات المطلقة إلى مؤسسات غير منتخبة و بعيدة تماما عن تأثير الطبقات الأفقر و خاضعة تماما للنخب المالية و الأكاديمية النيوليبرالية مثل البنوك المركزية و صناديق النقد الدولية و حتى تلك المؤسسات الداخلة في النظام السائد التي كانت تمد يد العون للجماهير جرى تدميرها و تحطيمها , يجب ألا ننسى أن عهد تاتشر و ريغان بدأ بمعركة كسر عظم مع النقابات , و أن كل الجسم السياسي الرسمي قد ربط برأس المال الكبير عن طريق تزايد أهمية "التبرعات" في الحملات الانتخابية و اللوبيات التابعة لرأس المال الكبير و الرشاوى العلنية , في الدول الستالينية بما في ذلك في بلادنا كانت القضية أسهل بكثير , فكالعادة كل شيء جرى من الأعلى دون أن يكون للناس أي علاقة بما يصيبهم , و أراهن أنه لا يوجد اليوم من هو أكثر ليبرالية من الدردري و سيده على هذه الأرض , لسبب بسيط جدا هو أن النيوليبرالية و بشكل قريب جدا الليبرالية التقليدية تعتبر النقطة المركزية في قضية الحرية هي "حرية" رأس المال في العمل دون ضوابط و أية حرية أخرى يجب أن تشتق من هذه "الحرية" , و هذه بالمناسبة لم تكن الحالة الأولى التي يتناغم فيها الرأسماليون من كل المشارب , ففي الثلاثينيات لجأ ستالين و روزفلت لذات سياسات التخطيط المركزي لغرض تحفيز التراكم الرأسمالي و لذات أساليب الإنتاج الجماعية , التي سميت بالتيلورية في أمريكا و السوفخوزية في روسيا , و لو أن ذلك كان لغرضين مختلفين : حل أزمة الرأسمالية الأمريكية و ترسيخ رأسمالية الدولة الستالينية , و اليوم أيضا فإن أساليب حل الأزمات المتفاقمة هو نفسه في كل العالم الذي تحكمه الرأسمالية الكبيرة باسم النيوليبرالية من اليونان إلى الولايات المتحدة إلى مصر و سوريا , و هو تحميل تبعات الأزمة للجماهير , هنا يصل جشع و إرهاب الرأسمالية إلى مستويات غير مسبوقة , فرأس المال يريد أن يحول حتى الأزمة إلى فرصة للنهب على اعتبار أنه سيكون قادرا على كبح و احتواء و قمع الاحتجاجات الطبقية التي ستنتجها هذه الأزمة , إنه لا يريد فقط إفقار معظم البشر إلى حد الإملاق و العيش على الكفاف , بل يصل نهبه أيضا إلى أنه يريد أن يسرق تعب و عرق الأجيال القادمة عن طريق تحميلها هي الأخرى تبعات هذه الأزمة و أن تصبح مطالبة بسداد ديون هائلة حتى قبل أن تولد , و النيوليبرالية تشكل رأس الحربة في هجوم رأس المال الكبير هذا , و هذا ما يرعبني عندما يدور الحديث عن الليبرالية و حسنا فعل غسان المفلح عندما حدد الديمقراطية التي يتحدث عنها و لم يتورط في اعتبار أن الديمقراطية هي شكل واحد مفروض و قدري لا مناص منه و حدد ديمقراطيته بأنها ليبرالية , لأنني أزعم أن للديمقراطية معاني عديدة و متناقضة , لكني ما زلت أرجو منه تحديدا أكثر , فأنا اعتقد أنه يوافقني أن القضية ليست في التسميات و أنه للمفهوم الواحد معاني عديدة و حتى متناقضة , هناك مثلا ليبرالية يلتسين التي انتهت بضرب الدوما الروسي بالمدافع و هناك أيضا على نفس المنوال ليبرالية عبد الله الدردري و سيده القابع في قصر الشعب , و على ذات المنوال أنا لا اعتقد أن الكاتبين يعنيان بالليبرالية مجرد تغيير الدستور أو القوانين بحيث نستبدل وصف سوريا من دولة خاضعة لحكم البعث إلى أنها دولة ليبرالية و انتهت القصة , يعرف الكاتبان أن القضية في علاقات القوة و السلطة و الملكية و التوزيع القائمة , من يحكم و كيف , و أين هم الناس العاديون من تقرير مصيرهم , و كيف سيأكلون , أي باختصار من سيملك و كيف سيتم توزيع الثروة , لأوضح ما أقول سآتي بمثال ملموس , عن الفرق بين ليبرالية رفيق الحريري و هو يدفع الأتاوة لغازي كنعان و من بعده رستم غزالة و بين ليبرالية سعد الدين الحريري و هو "متحرر" تماما من قبضة مخابرات النظام السوري , لا أطرح السؤال من موقع الحريري الأب و الابن بل من موقع الناس العاديين . كلما مررت بكلمة الحرية أجد نفسي أتذكر جملة ميخائيل باكونين الشهيرة "الحرية دون اشتراكية امتيازات و ظلم و الاشتراكية دون حرية عبودية و وحشية" , أنا مثل الكاتبين لا تهمني التسميات , يهمني أن أعيش , كما هو حال العشرين مليون سوري و الستة مليارات إنسان , بحرية , حقيقية إن سمحتم لنا هذه المرة , دون أن يملك أي كان الحق في سلبنا صوتنا و رأينا و حقنا في رسم حياتنا و دون أن نعمل لنعيش في فقر بينما تحصل قلة ممن لا تعمل على نتاج عملنا كما كان يفعل هؤلاء "اليساريون" , هذا ما أسميه اصطلاحا ديمقراطية الجماهير , لأنه عندما نعيش بحرية و عدالة لا تهم الأسماء
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟