مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2979 - 2010 / 4 / 18 - 23:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا شك أن كلمة ديمقراطية لا تطرب أي مسؤول عربي , أيا كان , إنها تنتمي لخطاب سياسي يمقته كل زعيم عربي مهما كان تعريف تلك الديمقراطية بائسا و محدودا . لكن هذا لا يعني أن الموجة الدارجة تشكل أكثر من إزعاج نفسي لهذه الأنظمة , فهذه الموجة نفسها تشكل جزءا ضروريا , لسوء حظ هؤلاء السياسيين , من مواجهة خصوم اليوم , حلفاء الأمس : الأصوليون ( يستطيع النظام السوري أن يعتبر نفسه رائدا هنا في هذه المواجهة , لكنه يكتفي بخبرته في استخدام أجهزة الأمن , إن العداء بينه و بين خطاب الليبراليين الجدد السياسي مستحكم حتى ينهي خلافه مع مرجعيتهم السياسية و الفكرية المتمثلة في أمريكا مركز النظام الرأسمالي العالمي رغم أنه متحمس جدا للجانب الاقتصادي من هذه الليبرالية الجديدة ) . عند الحديث عن الديمقراطية الكويتية مثلا نجد أنفسنا مضطرين لتناولها في عدة مستويات متعارضة تماما يجب عدم الخلط بينها , بين الديمقراطية الكويتية نفسها كتعبير عن توازن هش بين الأسرة الحاكمة و النخب الاقتصادية و العشائرية و بين الليبرالية الكويتية , الأنضج من بين القراءات الخليجية لليبرالية , و التي تعتبر مهمتها الأساسية مواجهة الأصوليين و ليس تكريس الديمقراطية القائمة أو مواجهة سياسات الأسرة الحاكمة المعادية للديمقراطية و التي يقف الأصوليون و معهم النخب الاقتصادية و الاجتماعية القائمة خارج النظام في مواجهتها , إننا أمام ليبراليين لا يكترثون للديمقراطية على الإطلاق رغم أنهم يتحدثون عنها طول الوقت , كما أن أغلبية اشتراكيي الأمس و اليوم لا يكترثون للاشتراكية نفسها و هم لا يتحدثون عنها إلا لكي يفسروها لصالح البرجوازية و الطبقات السائدة , إننا أمام طرق مختلفة إلى روما نفسها , تبريرات مختلفة لذات الواقع . يحدثنا التاريخ أن هذه الديمقراطية , و مؤسساتها التمثيلية , كانت تعبيرا عن توازن غير محسوم بين سطوة الأمير و عائلته و بين النخب العشائرية و المالية الكويتية المتنورة و التي كانت تطالب بدرجة من المشاركة في الحكم , و أن تاريخ العلاقة بين تلك النخب و المؤسسات التمثيلية التي شكلتها و بين الأسرة الحاكمة كانت عبارة عن تاريخ طويل من الصراعات التي غالبا ما حسمها الحكم بتعطيل هذه المؤسسات و لو إلى حين , و المستوى الآخر لفهم الليبرالية الخليجية و الكويتية خاصة هو المستوى الفكري و السياسي الراهن , الذي تشكل فيه تقليعة خاصة من الليبرالية ماركة مسجلة "خليجية" في فترة ما بعد 11 سبتمبر أيلول , تماما كما شكلت السلفية الأصولية الماركة الخليجية المسجلة في فترة الحرب الباردة , و التي كانت يومها جهادية ضد الاتحاد السوفيتي و الشيوعيين والقوميين , بذات الدرجة التي نرى فيها هذه الليبرالية الجديدة "جهادية" ضد الأصوليين و بعض اليساريين و القوميين الذين يدعمونهم أو يترددون على الأقل في مهاجمتهم . هذا الشكل الخاص من الليبرالية يريد أن يترجم النيوليبرالية الريغانية – البوشية خاصة إلى اللغة العربية السياسية و يقدمها ليس فقط كخصم جدير للأصولية , بل كمواصلة , أو إعادة , لمشروع التحديث المنقطع أو المتوقف أو المأزوم , ليس فقط في ظروف الخليج الثري بفضل أموال النفط , بل أيضا في الدول العربية الأكثر فقرا و ربما الأكثر تأثيرا أيضا . هذا ينسجم بالطبع مع التغير الهائل في الفكر السياسي البرجوازي , الذي كان يعتبر التصنيع مثلا أساس هذا التحديث في الخمسينيات , و الذي تبنته الأنظمة "القومية" يومها و مارسته بشكل متخلف و فوقي و انتهى أخيرا إلى فشل ذريع , و الذي كان يعتبر الدولة – الأمة الشكل الضروري للكيان السياسي الرأسمالي , للسوق الرأسمالية , لكن البرجوازية لم تعد بحاجة لغاريبالدي جديد اليوم ( و لا حتى لبيسمارك تقليدي ) , إنها على العكس من ذلك , فقد عملت و تعمل خاصة منذ انتصارها في الحرب الباردة على عولمة السوق الرأسمالية و توحيد ظروف عملها في كل مكان , إلى أقصى أطراف الأرض , و هي لذلك أصبحت تبشر بمثقف كوزموبوليتي يؤمن بأصولية السوق المطلقة كمركز للحياة السياسية و الاجتماعية , و يؤمن بالحداثة , أو الأنسنة البرجوازية , كجزء من , أو حتى كجوهر , للمركزية الأوروبية , إنها تبشر ببيسمارك عصري على شاكلة أتاتورك أو رضا بهلوي . و يرتبط ظهور الليبرالية الجديدة أيضا بصعود وسائل الإعلام الجماهيرية الجديدة المؤثرة و التي تستخدم أساليب إيصال و تأثير مختلفة جذريا عن وسائل الإعلام القديمة الرسمية , إن استخدام أساليب "حوار" مختلفة عن التلقين الجامد القديم كفيلة بإعطاء صورة مختلفة و لو مؤقتا عن صورة الإعلام الرسمي الجامدة و المكرسة لتمجيد رأس النظام , كما أنها و خلافا لدور مؤسسات الإعلام القديمة تتحدث ضد الطائفية و العشائرية و لو بشكل سطحي في محاولة لإثبات موضوعية و تقدمية خطابها . هذه الليبرالية الجديدة هي بنت شرعية تماما ليس فقط للحرب على الإرهاب بل لوسائل الإعلام الجديدة التي منحتها و استمدت منها قدرة جديدة على التأثير بصورة أكبر في إعادة إنتاج صمت الجماهير و قبولها بالأمر الواقع وتزييف مفاهيم و شعارات كالديمقراطية و الحرية مثلا , تماما كما كانت شبكة الانترنيت قد خلقت فرصة جديدة لنقل الفعل النخبوي من المؤسسات التابعة للسلطة و من مقاهي الثقافة إلى العالم الافتراضي و منحت الفرصة لمجموعة محدودة من المثقفين النخبويين لمواصلة فعل معارض محدود و منعزل بالضرورة عن الجماهير . هكذا بينما أن الديمقراطية الكويتية من الناحية الإجرائية العملية ستبقى نتاجا للصراع المحموم بين النخب الاجتماعية و السلطة و الذي لا يبدو أنه مقبل على مساومات جدية في غياب قدرة النظام على حسم هذا الصراع و تهميش هذه النخب أو دمجها بمؤسسات النظام كما حصل و يحصل في معظم الدول العربية الأخرى , و من جهة أخرى ستبقى الليبرالية , بشكلها الجديد , التابع , الذي يستبعد عمليا أي كلام جدي عن مشاركة جماهيرية في الممارسة السياسية اليومية و يبقيها أسيرة نخب محدودة تدخل في صراع أو مساومات مع الأنظمة القائمة بينما يجري توظيف فكرها "الإنسانوي" في المعركة المحتدمة ضد الأصولية و بشكل مفتوح لصالح الأنظمة القائمة من جهة و النظام الرأسمالي العالمي من جهة أخرى , رغم أن هذا كله يشير إلى الوظيفة و الهوية الآنية و الطارئة لهذه الليبرالية , و خاصة ارتباطها بالسلطة و القوى الاجتماعية المهيمنة , سواء في مجتمعاتنا أو على الصعيد الكوني , تماما كما كان حال سلفها الأصولي في الماضي القريب , إلا أنه لا يختزل كل احتمالات المستقبل القريب بالضرورة , يجب أن نذكر هنا أن الأصوليين رغم كل الموارد التي كانت بين أيديهم يومها لم يصبحوا قوة شعبية حقيقية حتى تحولوا إلى معارضة تلك الأنظمة التي دعمتهم و استخدمتهم للدفاع عنها , و عندما انتقلوا من التحالف , كتابع , مع النظام الرأسمالي العالمي إلى مقاومته بعنف شديد , أي حتى فقدوا كل تلك الامتيازات السابقة , هذا يعني أنه يمكننا أن نتنبأ بأن الليبراليين لن يتحولوا إلى قوة فعلية في الشارع , ليس في الانترنيت أو وسائل إعلام الأنظمة الاستبدادية أو وسائل الإعلام المرتبطة برأس المال العالمي , إلا عندما يتعرضون للشتم اليومي كما يفعلون هم اليوم بالأصولية على وسائل إعلام السلطة و إلا عندما تعلن أمريكا أو أي مركز إمبراطوري قادم الحرب عليهم باسم الإرهاب أو غيره , و هذا غير مستحيل في نهاية المطاف , فهذه الأنظمة الاستبدادية لم تكن بالأمس إسلامية عندما كانت تستخدم الأصوليين كما أنها اليوم لم تصبح ليبرالية رغم استخدامها الليبراليين الجدد , و هذا ينطبق على النظام الرأسمالي العالمي أيضا , هذا لن يعني أن البرجوازية الصغيرة التي تلبرت للتو قد جرى تثويرها , كما لا يعني انقلاب الأصوليين على سادتهم القدامى أنهم قد أصبحوا ثوريين فجأة , بل يعني أنها ستشعر بأهميتها عندما تتمكن من مساعدة سادتها الحاليين في القضاء على خصمهم قوي الشكيمة و أنها ستشعر بقدرتها على احتلال مركز السلطة من السادة الحاليين , لا يمكن تثوير النخبة , إنها تدرك جيدا متى يمكنها أن تكون ثورية عندما تصبح الظروف مواتية و متى يجب عليها الالتزام بالسمع و الطاعة رغم أنها لم و لن تتوقف عن دعوة الجماهير للسمع و الطاعة في كل الأحوال و الأزمان , هذا هو دينها المقدس , هذا فيما يتعلق بالنخبة , أما فيما يتعلق بالجماهير فالقضية تختلف تماما عن كل ذلك ................
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟