مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 14:52
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
قد يثير السؤال استغراب البعض أو استهجانه لكنه مشروع تماما , ليس فقط في ضوء تجارب التاريخ نفسه الذي يبدو أن محاولة إنهائه فشلت أبكر مما توقعنا , بل في ضوء الأزمة العميقة التي تعانيها القوة المهيمنة اليوم . لا تنتهي الإمبراطوريات فقط بهزيمتها من قبل إمبراطورية أخرى , في كثير من الأحيان تتحقق الهزيمة , كما شاهدنا في حالة الاتحاد السوفيتي الأقرب إلينا , نتيجة انهيار مقدرة مركز الإمبراطورية على النهوض بأعباء المركز , عندما يجد نفسه أعجز من أن يوفر الموارد اللازمة لقمع الأطراف أو عندما يفقد القدرة على تجييش ما يكفي من القوة للعب دور الشرطي في تلك الأطراف . و إذا عدنا إلى تاريخ النظام الرأسمالي العالمي قبل أمريكا لربما أمكننا أن نتنبأ بصفات الإمبراطورية الجديدة التي ستعوض المركز الأمريكي أو ما قد تؤول إليه الأوضاع في حال انهار المركز الأمريكي على مستوى العالم .
يمكننا أن نرى أسلوبين لإحلال مركز جديد مكان القديم في تاريخ النظام الرأسمالي العالمي , واحد يؤدي إلى صعود قوة منفردة بعينها مكان القوة السابقة التي انهارت سيطرتها ( كما شاهدنا في انتقال مركز هذا النظام الرأسمالي العالمي من إسبانيا إلى البرتغال فهولندة ففرنسا و بريطانيا قبل أن تتمتع بريطانيا بمركز احتكاري لبعض الوقت لتتنازل لأمريكا عن هذا الدور بعد الحرب العالمية الثانية ) أو ظهور تنافس بين عدة قوى محتملة لملء هذا المركز الأمر الذي سيعني قيام حرب إمبريالية جديدة , ساخنة أو باردة . إن القوة الأكثر احتمالا لتحل مكان أمريكا في حال واصلت الأخيرة انحدارها نحو أزمة قاضية هي الصين . ليس فقط أن أوروبا و روسيا , و القوى الأحدث كالبرازيل و الهند , غير مهتمة بلعب دور المركز و ربما غير قادرة على النهوض بأعبائه بسبب أزماتها الخاصة هي أيضا , بل لأن صعود القوة الصينية ( الأصح البرجوازية الصينية ) و لسخرية الأقدار يسير على ذات الطريق الذي أدى إلى صعود الرأسمالية الأمريكية , فكلاهما بدأ هيمنته بالسيطرة على الاقتصاد العالمي بينما كانت قوة المراكز الأخرى تتراجع تحت وقع تكاليف الحروب المدمرة التي كان على القوى السابقة خوضها . لكن صعود القوة الاقتصادية للبرجوازية الصينية لا يكفي لوحده حتى لو تجاوز ما لدى أمريكا اليوم من قوة اقتصادية , فعلى الصين أن تتحول إلى قوة إمبريالية , أن تبدأ بممارسة دور الشرطي العالمي خاصة في أكثر الأماكن أهمية بالنسبة لإنتاج الثروة و القوة الاقتصادية , كالشرق الأوسط مستودع النفط في العالم , و جنوب شرق آسيا ذا الاقتصاديات الناشئة و المتوسعة بسرعة , الخ . قلة من الدلائل تشير إلى بدء الصين في ممارسة دور كذا , على الأقل بشكل مباشر , لكن يجب علينا ألا نتسرع في التقليل من قوة الصين السياسية و العسكرية , و احتمال لجوئها إلى بدائل أخرى عن ممارسة الإمبريالية المباشرة كالاعتماد على وكلاء إقليميين لسيطرتها بشكل شبكة من علاقات القوة و الهيمنة تكون هي مركزها و عملية خلق مثل هذه الشبكات ممكنة و يمكن الزعم أنها في طور التشكيل اليوم من خلال الصراعات بين ما يسمى بمعسكر الاعتدال مثلا و المقاومة في الشرق الأوسط , بين الأنظمة الجديدة في أمريكا اللاتينية و بين الأنظمة الموالية لأمريكا و أمريكا نفسها من ورائها . يبقى من الممكن أن يشجع انهيار أمريكا الوشيك قوة أخرى كروسيا التي ما تزال تحتفظ بقوة عسكرية مؤثرة جدا و فعالة و أوروبا التي ما تزال تحن لماضيها الإمبريالي على الدخول في تنافس جديد على موقع المركز و بالتالي ظهور عالم "متعدد الأقطاب" أو المراكز في حالة تنافس . يبقى هناك احتمال آخر يمكننا قراءته من صفحات التاريخ . يروي رودولف روكر أهم منظري الأناركية النقابية ( السنديكالية النقابية ) في كتابه القومية و الثقافة , أنه بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية ظهرت في كل مكان تقريبا في أوروبا دول بربرية نشرت القتل و الدمار في كل الأرجاء . لكن في سياق الصراع ضد هذه الدول و ضد هذه البربرية الخالصة ظهرت الإنسانية الأوروبية , بفضل الحركة الثورية التي انتشرت في كل مكان و التي تعرف تاريخيا بثورة التجمعات أو المجتمعات Revolt of communities . في كل مكان انتفض الرجال ضد طغيان النبلاء و القساوسة و حاربوا في سبيل استقلال مجتمعاتهم المحلية , بهذا الشكل ظهرت "المدن الحرة" و الفيدرالية من القرن العاشر حتى القرن الخامس عشر حيث ستبدأ النهضة خطواتها الأولى , ظهرت هناك بدلا من مؤسسات الإمبراطورية المنهارة و المؤسسات العسكرية لتلك الدول البربرية التي قامت مكانها العديد من المؤسسات التي قامت عليها تلك المجتمعات أو المدن الحرة كنقابات الحرفيين , الأخويات , كونفيدراليات المدن و الأرياف , و أشكال أخرى عديدة تقوم على الاجتماع أو الاتفاق الحر . استمرت هذه المدن و الكونفيدراليات الحرة حتى شجعت الحروب ضد الغزاة المغول و العثمانيين من جديد على ظهور الدول القوية ( الملكيات المطلقة ) و إلغاء المدن الحرة ( 1 ) . أما بالنسبة لنا كأطراف لهذه الإمبراطورية أو تلك فغالبا ما ستنتقل ملكيتنا من هذا المركز إلى ذاك , ستتغير "الحقائق المطلقة" أو الإيديولوجيات التي ستصبح دارجة , ستعود مع الصين مثلا الأفكار عن رأسمالية الدولة و فضائلها , مع بعض السياسات النيو ليبرالية بالطبع , كما هو عليه الحال في الصين اليوم , لكن ليس على طريقة المحافظين الجدد ( بل على طريقة الصينيين الجدد ) , و ستصرف النخب طاقتها في محاولة البحث عن الطريق الجديد إلى "العصر" الجديد أيضا , سيتغير دور الشرطي الإقليمي بالتأكيد , سيكون للسيد الجديد خدمه الجدد و سيطاح بالقوى المقربة من السيد الآفل . قد تعود المؤسسات التقليدية لتعلب دورا مركزيا في المقاومة أو كمركز محلي يدخل في صراع أو مساومات مع قوى الإمبراطورية , أو أن تظهر نخب حاكمة تابعة أو معادية لمركز الإمبراطورية بخلفيات إيديولوجية مختلفة تدخل في لعبة التنافس بين القوى على مركز النظام العالمي , و في حال لم يوجد مثل هذا المركز , أي لم تظهر أية قوى أكثر تطورا من قوى مجتمعاتنا المتواضعة أطماعا إمبريالية في ثرواتنا و خيراتنا , يمكن أن تسود حالة من الركود , كما كان حالنا تحت حكم دولتي المماليك و العثمانيين , عندما بقينا في حالة من الركود المبني على العزلة حتى طرقت جيوش نابليون أبواب شرقنا من جديد ليصحو على عالم كان قد تغير منذ زمن طويل...............
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟