|
وقفة مع طائفية النظام السوري
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 11:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مهما ارتفع منسوب الرفض النخبوي لمدلول الطائفية ، إلا أنها باتت أمراً واقعاً في سوريا ، لا بد من تثبيته واستمرار الحديث عنه بموضوعية لا تبخس من حق أطرافها شيئاً . أطراف القضية هنا ، أبناء الطائفة العلوية ، الذين هم في شراكة وثيقة مع السلطة أو على خصومة معها ، أومَن هم على حياد منها ، وأياً كانت نسب مَن هم مع أو ضد السلطة ، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال القول ، إن مَن يحكم سوريا اليوم ، الطائفة العلوية بقضها وقضيضها . والسبب أن في ذلك ظلماً على الطائفة نفسها وعلى الطوائف الأخرى ، لا يرضى فيه أي عاقل ولا يقبله أي منطق قويم ، فالتوصيف السليم لواقع الطائفية السياسية في سوريا ، يشير بما لا يدع مجالاً للشك ، أن مَن يحكمها اليوم ، هم أبناء الطائفة العلوية ، وليس كل الطائفة ، فالجزء في حالتنا السورية لا يتمم الكل ، وهذا مخالف لأي منطق ، لأننا أمام واقع معكوس ، يراه البعض كجزء من الكل ، والبعض الآخر كجزء منفصل عن الكل . فحكم أبناء الطائفة العلوية ، أياً كانت مساوئه وأخطاءه ، يبقى في سياق الحكم الفردي أولاً ، وفي سياق الحكم المصطبغ طائفياً عن طريق المشاركة القسرية والحتمية للطوائف الأخرى ، مقابل حصولها على جزء يسير من فتات السلطة ، على أن تبقى صناعة القرار ، بيد أبناء الطائفة وحدهم ، وقرار توريث السلطة لنجل الأسد ، أوضح مثال رغم ما صاحبه حينها من مظاهر سياسية مبالغ فيها ، كقرار ترشيح القيادة القطرية وتصديق البرلمان السوري على طلب حزب البعث ، وجميعها أمور معلوم بها لأي متابع للشأن السوري ، لكننا قصدنا التذكير من خلالها ، وطرحها كمثال لتوضيح كيفية تمركز القرارات المصيرية ، وآلية اتخاذها من قبل أبناء الطائفة وحدهم . والسؤال الأساس هو، ما الذي يدعو أبناء الطائفة العلوية إلى الإمساك بالسلطة والحيلولة دون انتقالها أو تداولها سلمياً، أهو الخوف من المصير المجهول، أم هو فقط حب السلطة الذي يعتمل في قلوب كل العرب ؟. السؤال السابق يستبطن الإجابة ، فهو من جهة يجيب عن الخوف الذي لا يخفي نفسه ، ومن جهة أخرى يجيب عن الحب الذي يستقتل على السلطة ويتشدق بها ، لكن كما سبق وأشرنا ، أن السلطة ليست سلطة الطائفة ، وأن الطائفية المعمول بها ، طائفية سياسية يشترك فيها كل أبناء الطوائف مرغمين ، وليست بأي حال طائفية مذهبية ، وبالتالي فإن الخوف ، الذي ينتاب أبناء الطائفة الممسكين بزمام السلطة ، لا ينبغي له أن ينشر رعبه في صدور كل أفراد الطائفة ، فخوف أبناء الطائفة ممن يتحكمون في السلطة ، شأن يعينهم ، بسبب سلوكياتهم الخاطئة في الحكم ، ولعدم وجود قانون يردعهم ، ولا يعني خوف كل الطائفة . إن المبدأ الأساس لتوصيف واقع الطائفية في سوريا ، أنه لا يجوز قانوناً ولا عرفاً أن تحمل الطائفة العلوية مسؤولية ما يقترفه أبناءها باسمها ، وإذا ما خبرنا أن الطائفة مكون أساسي من مكونات المجتمع ، وكيان لا يستقيم المجتمع دونه ، فكيف للبعض أن يعتقد خاطئاً ،أن أخطاء السلطة ، إنما تعم على كل الطائفة ؟. لقد نجح أبناء الطائفة الذين يشكلون النظام الراهن ، في أن يغرسوا ثقافة الخوف والرعب في عقول وقلوب الطائفة ، وأن يرسموا المستقبل المظلم الذي ينتظرها ، وهذا الحس بالخوف ، لم ينشأ مع وصول أبناء الطائفة إلى سدة الحكم ، بل أنه حس قديم ، عبر نفسه أبان الانتداب الفرنسي ، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها الطائفة آنذاك في سبيل جلاء القوات الفرنسية عن وطنها سوريا ، وقبل ذاك عبر عن نفسه بصمت أيام السلطنة العثمانية، ومع ذلك حافظت الطائفة على كيانها عبر قرون طويلة من الزمن ، دون أن تتأثر بالحروب والنزاعات بين القوى العظمى آنذاك ، أسوة بالطوائف الأخرى ( المسيحيين في لبنان ) التي حافظت على انتمائها المذهبي ، وقد كانت واقعة تحت حكم الإمبراطورية العثمانية ، كأقوى إمبراطورية قبل قرنين من الزمن ، والسؤال مرة أخرى ، هل باستطاعة أي مكون سوري أن يلغي مكون آخر ، لمجرد أخطاء سلطة زائلة ، بعد أن عجزت القوى العظمى على إلغائه ؟. هذا الخوف غير المبرر ، هو ما يعيق دوران عجلة السياسية في سوريا ، ويضع ستاراً حديدياً عازلاً بين كل طائفة وأخرى ، فحب السلطة والتشدق بها ، قد يبدو مفهوماً ، حتى لو كان هذا الحب وذاك التشدق على يد أبناء الطائفة ، أسوة لما هو حاصل في محيطنا العربي . لكن ما هو غير مفهوم حتى الآن ، الحراك السياسي الذي يحصل في المحيط العربي وما يقابله من جمود وركود في سوريا ، والخوف الذي نجح النظام في بذره ، كما نجح أيضاً في إيقاظ الحس المذهبي لدى أبناء الطائفة في محاولة يائسة لتمييزهم مجتمعياً ومذهبياً عن باقي أفراد المجتمع ، وإطفاء صبغة هوياتية مخادعة ومخاتلة تعلي من شأنهم ، للحد الذي وصل فيه بعضهم ، أن يجاهر بعلويته مستخدماً في ذلك لسانه كدلالة على تميزه . كل ذلك يجري في سبيل التفاف الطائفة حول أبناءها الآثمين ، خشية أن يأتي اليوم الذي يلفظهم ( الأبناء) فيه أبناء المجتمع السوري ، فالطائفة بنظر النظام حصنه الأخير ، وحصن الطائفة هو الوطن ، الذي لم يسبق له أن تخلى عن إحدى طوائفه أو تنكر لها . ونذكر في هذا المقام ، أن الصراع الأهوج بين النظام والإخوان المسلمين ، لم يمس شرره أحداً من أفراد الطائفة ، ولا من الطوائف الأخرى ، فقد كان صراعاً محصوراً بين النظام والإخوان ، ولم يكن صراعاً بين طائفة وأخرى ، وهذا ما يؤكد على أن الجزء ( النظام ) لا يمثل الكل ( الطائفة ) كما في الحالة السورية . فلا النظام مثل الطائفة العلوية في صراعه مع الإخوان المسلمين ، ولا الإخوان مثلوا الطائفة السنية في صراعهم مع النظام ، وإذا كانت ثمة جرائم وأخطاء اقترفها النظام بحق بعض الأبرياء في أوج صراعه مع الإخوان ، فإن ذلك لا يعني مطلقاً ولا بأي حال من الأحوال ، أن الطائفة العلوية مجرمة ، والشيء نفسه ينطبق على الإخوان أو على أي فصيل آخر من أي طائفة كانت ، فما الذي يدعو إلى الخوف مجدداً ؟. الأكيد أن هذا الخوف مصطنع، وسيزول بمجرد أن تزول الهواجس التي تنتاب الطائفة، بفعل عبث النظام، أما إذا كان هذا الخوف حقيقياً ( لا دلائل عليه) فإن ذلك يدعونا للدفاع عن الطائفة العلوية كمكون أساسي للمجتمع كدفاعنا عن أنفسنا. ما تقدم شرحه ، يقودنا إلى تعريف الطائفية ، تقع الطائفية في معناها الاصطلاحي ومبناها الدلالي على نقيض تام من الوطنية ، فالطائفية والوطنية ثنائيتان متناقضتان، عدا عن كونهما نقيضان في الاتجاه ، فإن لهما من الفعل المعارض لهياكل الدولة ، ما يجعل المجتمع في حالة استقطاب حاد ، لا يسلم من تأثيرهما المباشر على المدى القريب والبعيد . ففي الواقع السوري ، وكجزء من واقع عربي وآخر إسلامي أوسع ، ثمة مَن يدعو إلى الوطنية من باب الدفاع عن الطائفية وتحصين قلاعها بما أمكن من لغة الشعارات ، وآخر يدعو إلى الطائفية اعتقاداً منه أن ذلك يسهم في استحضار الوطنية وإبراز موقعها المتقدم كخيار لا بديل عنه . فأي تناقض هذا بين مَن يدعو إلى طائفية باسم الوطن، ومَن يدعو إلى الوطنية باسم الطائفة ؟ لا غرابة في هذا التناقض ، فهو المنطق السائد أو الملموس حتى الآن في سوريا ، وما يدلل عليه ، السلوك السياسي الذي تنتهجه السلطة ، والذي يفترض أنها تمثل الظاهرة الوطنية في أبهى أشكالها ، إزاء مكونات المجتمع من الطوائف الأخرى . وهو سلوك قد يظهر في مراحله الأولى على أنه سلوك سياسي صرف ، بغض النظر عن الشخص أو النظام الذي يتولى القيام فيه - حركة حافظ الأسد في 16 نوفمبر عام 1970- لكنه سرعان ما يتحول بفعل عوامل الحفاظ على السلطة والالتفات إلى أعمدتها وأركانها من أبناء الطائفة ، إلى سلوك طائفي مستتر في القضايا الخارجية التي تهم الداخل ، كالتعاطي مع القضية الفلسطينية التي يتعاطف معها كل أفراد المجتمع السوري ، وسلوك طائفي ظاهر في ما يخص القضايا الداخلية التي تنحصر في تعامل النظام مع قضايا الداخل ، وإحداها على سبيل المثال ، التعامل الطائفي الفاضح مع ما سمي بقانون الأحوال الشخصية ، وغيرها الكثير من القضايا التي تبدأ بقضية صغيرة ولا تنتهي بأخرى كبيرة . ما تقدم ذكره، يقودنا لا محالة إلى تعريف أوضح لتلك الثنائية المتناقضة في تاريخ وحاضر الدولة السورية، فمَن هو الطائفي، ومَن هو الوطني ؟ الإجابة عن هذا التعريف تحمل الكثير من التناقض والاشتباك المفاهيمي بين معانيهما ، فالطائفي الذي يعمل بروحانية وهوى الطائفة ، كما في حالة النظام ، هو الشخص الوطني الذي لا يشق له غبار ، والوطني الذي يسعى جاهداً لإلغاء الطائفية وسد أبوابها ، وبما أن مسعاه هذا غير محمود ، ويتناقض كلياً مع مساعي النظام ، فإنه الشخص الطائفي ، لطالما أنه يدعو لإلغاء طائفية الآخرين . من هنا ، تتضح نظرة النظام لنشطاء المجتمع المدني والحراك السياسي والحقوقي ، وهي نظرة سوداوية وتشاؤمية ، تخشى على نفسها من أي نشاط سياسي ، يمكن أن يصب في اتجاه يعاكس اتجاهها . الاتجاه الأول ، ثقافي يسعى لتكريس ثقافة المواطنة ، كجزء من إطار وطني يتسع للجميع . الاتجاه الثاني، سلطوي يفرض ثقافة الرعية ضمن إطار طائفي، ليتعرف من خلالها مَن هو معه من الرعية، ومَن هو ضده خارج القطيع. أي أن هذا المنطق القائم على التلاعب ما بين الوطني والطائفي ، ينطوي على معادلة مركبة ، أساسها مَن هو مع النظام أو ضده ، وتتحدد أطراف هذه المعادلة بالاتي : كل مَن هو مع النظام فهو وطني ، حتى وإن كان غارقاً في طائفيته ، وكل مَن هو ضد النظام فهو طائفي ، حتى وإن كان أشد وطنية من غيره ، وبهذا المعنى تتوازن أطراف المعادلة ، بحيث يغدو كل طائفي وطني ، وكل وطني طائفي ، وبغير هذا التحديد المعكوس ، لا نستطيع إعطاء تعريف دقيق لطرفيها . ولعل السبب الذي يقف وراء شيوع هذه الظاهرة الشاذة مجتمعياً وسياسياً ، يبرز في اضمحلال الوعي الوطني لصالح تعميق الحس الطائفي ، وهي بلا شك ظاهرة لا تقل أخطارها الجسيمة عن أخطار ظاهرتي التكفير والتخوين ، إذا ما عرفنا ، أن غياب الوعي هدف أولي لكل أنظمة الاستبداد ، لأغراض تتعلق بالسيطرة والتفرد ، والمقابل الوحيد لذلك الغياب ، نمو الحس الطائفي بوجهيه المذهبي والسياسي ، كبديل أخير لغياب الوعي ، وخيار وحيد لفرض الذات . المعنى الوحيد والأخير لثنائيتي الطائفية والوطنية في سوريا، أن الطائفي باعتباره يمثل الاتجاه " الوطني" فإنه وبطائفيته، بات في مرحلة ما فوق الوطنية، والوطني باعتباره يمثل الاتجاه " الطائفي" فإنه وبوطنيته تعدى مرحلة ما بعد الطائفية. فليس الوطني مَن خرج عن طائفته ولجأ إلى الوطن ، كما ليس الطائفي مَن تخلى عن وطنه ولجأ إلى الطائفة ، بل أن الطائفي الحقيقي هو مَن تجاوز معنى الوطنية ، وأصبح يعيش في مرحلة ما فوق الوطنية ، وبالتالي فوق الوطن ، والوطني الحقيقي هو مَن عَبَرَ كيان الطائفة إلى ما بعد الطائفة ، أي نحو الوطن. وعليه فإن مخاطر الطائفية على المجتمع والدولة السورية ، أكبر من أن تحدد بثمن معين ، فليست داءً يمكن علاجه بوصفة معينة ، لمجرد أن يتم تشخيصها ، لأنها تتعدى كل التوصيفات التقليدية لتستقر على مفهوم الحالة الملازمة لبنى المجتمع والدولة في آن معاً . ولعل استقرار وتموضعها في مؤسسات الدولة وفي فئات المجتمع ، هو ما يضفي عليها صفه الحالة الخطرة ، التي يستحيل علاجها علاجاً فردياً ولا حتى جماعياً. فالعلاج المطلوب توفره لحاله الطائفية في سوريا، يتركب من مادتين أساسيتين. المادة الأولى : تستدعي إصلاح المنظومة السياسية الراهنة ، لطما ارتكزت الطائفية على واقع سياسي تعيشه البلاد منذ أربعه عقود ونيف ، فإن الطائفية في هذا المجال، هي نتاج ذالك الواقع السياسي ، الذي مازال مستمراً . والإصلاح السياسي يحتاج إلى منظومة متكاملة تتحدد على إثرها الأهداف وترسم الخطوات وتتوفر الآليات والأدوات الكفيلة بإجرائه وإتمامه على أتم وجه ، وإذا ما فتشنا عن تلك المنظومة ، فإننا لن نجدها في سوريا ، وإن توفرت في ظل النظام الراهن ، فإنه لن يقبل بها لأنها تعني فيما تعني ، فتح الأبواب نحو التغير السياسي وتعزيز الممارسة السياسية في إطار الدستور، وذلك لضان تداولها السلمي ، والسؤال الذي يستدعي الطرح في هذا الحيز ، ما الذي يدعوا النظام إلى رفض الإصلاح السياسي ؟ الجواب يحدد وفقاً للواقع السياسي الذي المحنا إليه قبل قليل، كون هذا الواقع السياسي قام على سلطة ظاهرها وطني وباطنها طائفي ، وليس من خلال الطوائف التي تتركب منها تلك السلطة ، إنما من خلال الأفراد الذين يقومون عليها ، كلٌ بحسب انتمائه الطائفي بدءاً من هرم النظام حتى قاعدته. وما يثبت ويؤكد ذلك الواقع السياسي ، مؤسسات الدولة التي جرى هيكلتها طائفياً بما يشبه الوكالة الحصرية أو الامتياز ، فإذا ما دققنا في واقع الوزارات الحكومية سنجد على سبيل المثال لا الحصر ، أن وزاره الأعلام هي من امتياز الطائفة العلوية منذ ما يزيد عن أربعين عاماً ، سواء على مستوى الكوادر أو مستوى القيادات كذالك الحال بالنسبة لوزارة الإدارة المحلية والبلديات سنجد أن وكالتها حصرية بالطائفة الدرزية، والأمر ذاته ينطبق على وزارة الخارجية التي انحصرت بالطائفة السنية ، فهل نضبت القيادات السياسية والكفاءات العلمية . لا توجد اجابه محدده تفي السؤال أعلاه حقه ، فقد يتذرع النظام أنه سلطته علمانية، وبالتالي لا يدقق كثيراً في أمر مَن يتولى إدارة مؤسساته ولا من أي طائفة أو منطقة انتمى ، وهو بذلك يحاول أن يعفي نفسه من المساءلة بحجة أن انتهاجه للعلمانية يلغي واقع الطائفية. إن المساءلة المطروحة في هذا السياق ، ليست على هذا الشكل أو ذاك التصور، الذي يطرحه النظام من وجهة نظره أو حسب مفهومه ، بل المساءلة واضحة ولا تخفي نفسها للعيان أو لكل ذي عقل و بيان ، وهي أن سلطه النظام موزعة توزيعاً طائفياً باسم الحزب ومناطقياً باسم الكفاءة ، وإلا لو كان توزيعها وفقاً لما يحدده الدستور في معركة تحديد الأقلية والأغلبية السياسية ، لما وجدنا هذا التطيف المهيمن على مؤسسات الدولة. بما أن السلطة متمركزة في قبضة النظام ولا تخرج عنه ، وبما أن الأخير يحدد أطرفها وفقاً لما يرى فيه مصلحته ، فإن توزيعه لها أقرب ما يكون على هيئته الأولى التي يجد نفسه فيها في كل مرة ، وهي الشعور بالأقلية التي لو احتكمت إلى الدستور ، لتغير واقع حالها تبعاً لتغير معادلات السلطة وموازينها ، لذا فإنه يحاول بقاء الحالة الطائفية على ما هي عليه من حيث حفاظه على التوزيع الكيفي للسلطة ضمن نفس المواقع والمراكز. المادة الثانية : تتحدد من خلال المنظومة الاجتماعية ، التي تحتاج إلى إعاده تأهيل فقط ، وليس إلى إصلاح كما في المنظومة السياسية ، فإصلاحها يعني تغييرها ، ومن الصعب تغيير المجتمعات ، خصوصاً إذا ما كنا أمام مجتمع كالمجتمع السوري بواقعه الحالي . فالتأهيل الاجتماعي لابد أن يكون ملازما للإصلاح السياسي ، وإلا فإن العلاج يفقد تأثيره ، بفقدانه لأحد مواده الأساسية التي يتركب منها ، وهو (التأهيل) الذي يلي الإصلاح ، لأن دوره يتحدد في تغيير الأنماط السلوكية ، التي اعتاد عليها المجتمع أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة ، فطائفيه المؤسسات أثرت في سماته الشخصية دون أن يؤثر فيها ، وخلقت لديه حساً طائفياً دفيناً يصعب تجازوه من دون إعادة إحياء الوعي الوطني . إحياء الوعي مرتبط بدوره بالإصلاح ، وهو الجزء الأساسي في عمليه التأهيل ، فما هو حاصل بسوريا اليوم أعاد الأفراد دفعة واحده إلى طوائفهم (منابتهم) الأولى ، بدلاً من تثبيتهم في المجتمع الذي من المفترض أن يكونوا قد تخلوا عن طوائفهم في سبيل تشكيلهم له ، بحيث أصبح الأفراد منشغلين بانتمائهم الطائفي ، وكل فرد بات مهووساً في انتماءه الطائفي وانتماء غيره من الأفراد. إن خطر الطائفية على المجتمع أبعد من انشغال الأفراد بهويات أقرانهم ، بل أن بعضهم ونتيجة لتطيف مؤسسات الدولة، ضمن تراتبية سلطويه صنعها النظام ، انتابه شعور من القلق واليأس على مستقبل انتماءه المهني لإحدى المؤسسات التي يجد أنها لا تناسب انتماءه الطائفي ، كالمؤسسة العسكرية (الجيش) والأمنية (المخابرات) على سبيل المثال. مما سبقت الإشارة إليه ، يدل على أن علاج الطائفية تكاملي ، ولا يتم بمركب واحد دون آخر، فالطائفية هنا ليست مرضاً بذاته ، بقدر ما هي حالة مزمنة يعانيها المجتمع السوري بسبب استفحالها في مؤسسات الدولة وبنى المجتمع ، واعتماد النظام عليها اعتماداً كاملاً . تلك هي القضية.
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طائفية (الوطني) ووطنية (الطائفي) في سوريا
-
علاج الطائفية حاضراً ومستقبلاً
-
تاريخ الطائفية في سوريا
-
هل الطائفة العلوية آثمة ؟
-
الطائفية السورية كتاريخ سياسي لا مذهبي
-
حوار ثائر الناشف مع قناة النيل حول تنظيم القاعدة في اليمن
-
طائفية السلطة أم سلطة الطائفة في سوريا ؟
-
طائفية السلطة ومدنية المجتمع في سوريا
-
مكتسبات الطائفية في سوريا
-
طائفية الطائفة في سوريا
-
سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
-
تطييف السياسة والإعلام في سورية
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
المزيد.....
-
السعودية.. الإعلان عن المرشحين للمرحلة النهائية من Joy Award
...
-
أول زيارة رفيعة المستوى منذ سقوط الأسد.. وفد تركي-قطري يصل إ
...
-
عُثر عليه في سوريا هائمًا في الطريق.. فيديو يُظهر أمريكيًا ي
...
-
وفد تركي قطري كبير في دمشق لبحث تفاصيل المرحلة المقبلة في سو
...
-
الرئيس الصربي يستجيب لمطالب المحتجين بعد أسابيع من الاحتجاجا
...
-
ما مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا؟
-
كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي فسيفساء سوريا؟
-
أوراق ومهدئات وخريطة للجولان المحتل.. ما الذي تركه الأسد في
...
-
بين شرب القهوة وتدخين السجائر.. جنود الجيش الإسرائيلي يستمتع
...
-
-عودة سياسية مذهلة-.. مجلة تايم تختار ترامب كشخصية العام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|