|
علاج الطائفية حاضراً ومستقبلاً
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2991 - 2010 / 4 / 30 - 11:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مخاطر الطائفية على المجتمع والدولة السورية ، أكبر من أن تتحدد بثمن معين ، فليست داءً يمكن علاجه بوصفة معينة ، لمجرد أن يتم تشخيصها ، لأنها تتعدى كل التوصيفات التقليدية لتستقر على مفهوم الحالة الملازمة لبنى المجتمع والدولة في آن معاً . ولعل استقرار وتموضعها في مؤسسات الدولة وفي فئات المجتمع ، هو ما يضفي عليها صفه الحالة الخطرة ، التي يستحيل علاجها علاجاً فردياً ولا حتى جماعياً. فالعلاج المطلوب توفره لحاله الطائفية في سوريا، يتركب من مادتين أساسيتين. المادة الأولى : تستدعي إصلاح المنظومة السياسية الراهنة ، لطما ارتكزت الطائفية على واقع سياسي تعيشه البلاد منذ أربعه عقود ونيف ، فإن الطائفية في هذا المجال، هي نتاج ذالك الواقع السياسي ، الذي مازال مستمراً . والإصلاح السياسي يحتاج إلى منظومة متكاملة تتحدد على إثرها الأهداف وترسم الخطوات وتتوفر الآليات والأدوات الكفيلة بإجرائه وإتمامه على أتم وجه ، وإذا ما فتشنا عن تلك المنظومة ، فإننا لن نجدها في سوريا ، وإن توفرت في ظل النظام الراهن ، فإنه لن يقبل بها لأنها تعني فيما تعني ، فتح الأبواب نحو التغير السياسي وتعزيز الممارسة السياسية في إطار الدستور، وذلك لضان تداولها السلمي ، والسؤال الذي يستدعي الطرح في هذا الحيز ، ما الذي يدعوا النظام إلى رفض الإصلاح السياسي ؟ الجواب يحدد وفقاً للواقع السياسي الذي المحنا إليه قبل قليل، كون هذا الواقع السياسي قام على سلطة ظاهرها وطني وباطنها طائفي ، وليس من خلال الطوائف التي تتركب منها تلك السلطة ، إنما من خلال الأفراد الذين يقومون عليها ، كلٌ بحسب انتمائه الطائفي بدءاً من هرم النظام حتى قاعدته. وما يثبت ويؤكد ذلك الواقع السياسي ، مؤسسات الدولة التي جرى هيكلتها طائفياً بما يشبه الوكالة الحصرية أو الامتياز ، فإذا ما دققنا في واقع الوزارات الحكومية سنجد على سبيل المثال لا الحصر ، أن وزاره الأعلام هي من امتياز الطائفة العلوية منذ ما يزيد عن أربعين عاماً ، سواء على مستوى الكوادر أو مستوى القيادات كذالك الحال بالنسبة لوزارة الإدارة المحلية والبلديات سنجد أن وكالتها حصرية بالطائفة الدرزية، والأمر ذاته ينطبق على وزارة الخارجية التي انحصرت بالطائفة السنية ، فهل نضبت القيادات السياسية والكفاءات العلمية . لا توجد اجابه محدده تفي السؤال أعلاه حقه ، فقد يتذرع النظام أنه سلطته علمانية، وبالتالي لا يدقق كثيراً في أمر مَن يتولى إدارة مؤسساته ولا من أي طائفة أو منطقة انتمى ، وهو بذلك يحاول أن يعفي نفسه من المساءلة بحجة أن انتهاجه للعلمانية يلغي واقع الطائفية. إن المساءلة المطروحة في هذا السياق ، ليست على هذا الشكل أو ذاك التصور، الذي يطرحه النظام من وجهة نظره أو حسب مفهومه ، بل المساءلة واضحة ولا تخفي نفسها للعيان أو لكل ذي عقل و بيان ، وهي أن سلطه النظام موزعة توزيعاً طائفياً باسم الحزب ومناطقياً باسم الكفاءة ، وإلا لو كان توزيعها وفقاً لما يحدده الدستور في معركة تحديد الأقلية والأغلبية السياسية ، لما وجدنا هذا التطيف المهيمن على مؤسسات الدولة. بما أن السلطة متمركزة في قبضة النظام ولا تخرج عنه ، وبما أن الأخير يحدد أطرفها وفقاً لما يرى فيه مصلحته ، فإن توزيعه لها أقرب ما يكون على هيئته الأولى التي يجد نفسه فيها في كل مرة ، وهي الشعور بالأقلية التي لو احتكمت إلى الدستور ، لتغير واقع حالها تبعاً لتغير معادلات السلطة وموازينها ، لذا فإنه يحاول بقاء الحالة الطائفية على ما هي عليه من حيث حفاظه على التوزيع الكيفي للسلطة ضمن نفس المواقع والمراكز. المادة الثانية : تتحدد من خلال المنظومة الاجتماعية ، التي تحتاج إلى إعاده تأهيل فقط ، وليس إلى إصلاح كما في المنظومة السياسية ، فإصلاحها يعني تغييرها ، ومن الصعب تغيير المجتمعات ، خصوصاً إذا ما كنا أمام مجتمع كالمجتمع السوري بواقعه الحالي . فالتأهيل الاجتماعي لابد أن يكون ملازما للإصلاح السياسي ، وإلا فإن العلاج يفقد تأثيره ، بفقدانه لأحد مواده الأساسية التي يتركب منها ، وهو (التأهيل) الذي يلي الإصلاح ، لأن دوره يتحدد في تغيير الأنماط السلوكية ، التي اعتاد عليها المجتمع أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة ، فطائفيه المؤسسات أثرت في سماته الشخصية دون أن يؤثر فيها ، وخلقت لديه حساً طائفياً دفيناً يصعب تجازوه من دون إعادة إحياء الوعي الوطني . إحياء الوعي مرتبط بدوره بالإصلاح ، وهو الجزء الأساسي في عمليه التأهيل ، فما هو حاصل بسوريا اليوم أعاد الأفراد دفعة واحده إلى طوائفهم (منابتهم) الأولى ، بدلاً من تثبيتهم في المجتمع الذي من المفترض أن يكونوا قد تخلوا عن طوائفهم في سبيل تشكيلهم له ، بحيث أصبح الأفراد منشغلين بانتمائهم الطائفي ، وكل فرد بات مهووساً في انتماءه الطائفي وانتماء غيره من الأفراد. إن خطر الطائفية على المجتمع أبعد من انشغال الأفراد بهويات أقرانهم ، بل أن بعضهم ونتيجة لتطيف مؤسسات الدولة، ضمن تراتبية سلطويه صنعها النظام ، انتابه شعور من القلق واليأس على مستقبل انتماءه المهني لإحدى المؤسسات التي يجد أنها لا تناسب انتماءه الطائفي ، كالمؤسسة العسكرية (الجيش) والأمنية (المخابرات) على سبيل المثال. مما سبقت الإشارة إليه ، يدل على أن علاج الطائفية تكاملي ، ولا يتم بمركب واحد دون آخر، فالطائفية هنا ليست مرضاً بذاته ، بقدر ما هي حالة مزمنة يعانيها المجتمع السوري بسبب استفحالها في مؤسسات الدولة وبنى المجتمع ، واعتماد النظام عليها اعتماداً كاملاً .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ الطائفية في سوريا
-
هل الطائفة العلوية آثمة ؟
-
الطائفية السورية كتاريخ سياسي لا مذهبي
-
حوار ثائر الناشف مع قناة النيل حول تنظيم القاعدة في اليمن
-
طائفية السلطة أم سلطة الطائفة في سوريا ؟
-
طائفية السلطة ومدنية المجتمع في سوريا
-
مكتسبات الطائفية في سوريا
-
طائفية الطائفة في سوريا
-
سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
-
تطييف السياسة والإعلام في سورية
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
المزيد.....
-
-بلدنا مش ناقصها كنائس ولا جوامع-.. ساويرس يثير تفاعلا بتعلي
...
-
جورجيا بين الاحتجاجات والنفوذ الروسي: الآلاف يواجهون الحكومة
...
-
مقتل شخصين إثر العاصفة المميتة بورا التي ضربت جزيرة رودس الي
...
-
-مزحة ثقيلة-.. ترامب هدد ترودو مازحا بجعل كندا الولاية الأمر
...
-
قلوب نابضة بين جراح جنوب إفريقي وعالم روسي!
-
المغرب.. توقيف سائق سيارة أجرة بعد الاعتداء على آخر يقل دبلو
...
-
الحكومة الفرنسية تواجه تصويتا بحجب الثقة
-
توقيف رئيس مفوض مصلحة السجون الإسرائيلية بشبهة عرقلة تحقيق و
...
-
زاخاروفا: أوكرانيا تواصل إفشال عملية تبادل أسرى الحرب
-
فولودين يعلق على قرار بايدن العفو عن نجله
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|